رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تحتمس الثالث أعظم فراعنة مصر

11-10-2020 | 20:30


يمثل تحتمس الثالث أحد أعظم، إن لم يكن أعظم ملوك مصر القديمة، فهذا الحاكم قدم لمصر الكثير وأصبحت مصر - إن جاز القول-  أول إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، ورسخ مقولة جده تحتمس الأول ( حدود ملكي من الجندل الرابع إلى المياه المعكوسة " نهر الفرات") 


تحتمس الثالث هو ابن تحتمس الثاني من زوجته إيزيس، وترتيبه الخامس بين ملوك الأسرة الثامنة عشرة. 

هذا الغلام الذي نقل أبوه الحكم إليه، بناء على مرسوم لإيقاف طموح حتشبسوت التي كانت للملك الجديد العمة وزوجة الأب في الوقت نفسه.


احتفل تحتمس، وهو ملك في السنة الأولى، بالانتصار على كوش وإقامة الشعائر هناك باسم المعبود ددون، وحضر احتفالات لآمون في معبد الكرنك، لكن مع السنة الثانية أخرجته حتشبسوت إلى منف، بعد أن زوجته ابنتها، وفي السنة السادسة كان أول ظهور لحتشبسوت منفردة باسمها الملكي، وحكمت مصر حتى توفيت في اليوم العاشر من الشهر السادس من السنة الثانية والعشرين من حكمها، واستقل تحتمس الثالث بالحكم منفردا، وكان أول مشروعاته الحربية العظيمة إيقاف تحرك ثلاثمائة وثلاثين أميرا من حكام آسيا تجمعوا في مجدو ضده، وخرج الملك إليهم، وفي رفح توقف للاحتفال بعيد ميلاده، ويقول الكاتب المصري شارحًا الموقف كأنه مشهد سينمائي "خرج الملك أمام خيمته وسحب كرسيه وجلس عليه" وبدأ حديثه مع الجنود والقادة في كيفية الوصول إلى مجدو، فكانت النصيحة باستخدام أحد الطرق الفسيحة بديلا عن الطريق الضيق، ولكنه قال "لقد فكرتم بعقل عدوي" أي أن العدو سيفكر أيضا في استحالة وصول الجيش المصري من الطريق الضيق، ولكنه آثر المفاجأة ضدهم، وأشار في ذلك إلى أمرين، أنه لن يتحرك إلا بعد اكتمال كل عناصر جيشه معه، كما أنه يتحمل، وهو الملك، أي خطأ قد ينتج عن اختيار الطريق الضيق، وصل تحتمس الثالث من خلف خطوط العدو واستطاع أن يهزمهم ويخضعهم لسلطان مصر ومكانتها.


نجحت مغامرة تحتمس الثالث وكانت المفاجأة العسكرية الأولى التي تُدرّس في تاريخ العسكرية ليس فقط المصرية، ولكن العالمية أيضا.


بعد ذلك خرج تحتمس في ست عشرة حملة إلى آسيا وسيطر على قادش ( جنوب غرب حمص بنحو 24 كم)، وتونيب ( غرب سوريا)، وميتان، ولم ينس النوبة أن تكون تحت سيطرته الكاملة، ولم تكن السيطرة عسكرية، بل عقائدية، فقد أصبحت المعبودات المصرية تقدس في هذه الأراضي.


كان تحتمس الثالث أيضا الدبلوماسي الأول في تاريخ مصر، حيث كان يحضر أبناء حكام البلاد التي كان يفتحها للتربية والتعليم في مصر ليس كأسرى ولكن كأبناء ملوك يتعلمون وينهلون من حضارة ورقي مصر، فإذا ما عادوا إلى بلادهم كانوا سفراء فوق العادة لأرض الخير.


كل هذه الأعمال غلفها تحتمس الثالث بنهضة اقتصادية رائعة، فنعمت مصر بخير وفير من أرضها الخصبة ومناجمها ومحاجرها، بل إنه يقال إن تحتمس الثالث كان أول من أدخل الدجاج إلى مصر، وكانت مناطق التجارة مفتوحة وآمنة حول العالم، ولذا فحين ضعفت شوكة مصر في العالم الخارجي خلال فترة حكم إخناتون كان التندر من قبل المخلصين التابعين لمصر بالقول ليته يعود الجندي المصري ليسير في الطرقات فيعلم كل من يتآمر على مصر أن قوتها وجيشها العظيم لا يزالان موجودين.  


كان الجيش المصري في أيام تحتمس الثالث لا يقوم فقط بالحروب، بل كان له دوره العظيم في حماية طرق التجارة وتأمين الاحتفالات الدينية والشعبية، كما تخبرنا بذلك نصوص الملك في معبد الكرنك، كان تحتمس يعلن لشعبه كل عام نتائج أعماله في صالتي الحوليات في الكرنك، وكأنه يقدم كشف حساب للأرباب والشعب ليرضوا عنه.


يقدم لنا وزيره رخميرع (مقبرته في البر الغربي للأقصر رقم 100 من مقابر الأشراف)، مثالا آخر للملك وعدالته، فيصف الرجل ملكه بأنه كان أبًا وأمًا للناس أجمعين، وكان لا يستحي أن يخرج من قصره ليجلس ويجمع من الأدوات ليصنع أواني وموائد قرابين ليقدمها للإله الأعظم ليكسب رضاه، وكان يطلب جمع كل خير من الدنيا ليكون في مصر، وقد سجل رخميرع علي جدران مقبرته المهام التي طلبها الملك منه ليتولى منصبه ( يأبى الرب التحيز، وهذه تعاليم نرجو أن تتبع سبيلها، تطلع إلى منصب الوزير وكن يقظًا لكل ما يحدث فيه، فهو عماد الأرض كلها، ولاحظ أنه ليس بالمنصب الهين، ولكنه مُر المذاق، فإذا قصدك شاك من الصعيد أو الدلتا فعليك أن تتأكد أن كل شيء يجري وفقا للقانون والعُرف، وامنح كل ذي حق حقه، المحاباة يكرهها الرب، عامل من تعرفه كمن لا تعرفه، وانظر إلى المقرب إليك نظرتك إلى البعيد عنك، لا تبعد وجهك عن صاحب شكوى، لا تغضب على فرد بغير حق، سوف تنجح في منصبك إن نصرت الحق، كن عنيفا مع المتكبر، فالفرعون يفضل من يستحي على من يتكبر).


يتهم البعض تحتمس الثالث بأنه كان عدوًا ودمر آثار حتشبسوت، ولكن هذا الأمر أيضا ليس مقبولا، لأنه لم يضع آثارها في باطن الأرض أمام معبدها إلا في آخر حكمه، فهو لم يشغل نفسه بالانتقام، بل شغل نفسه ببناء اقتصاد ووطن وحدود آمنة لمصر، إن ابتسامة تحتمس الثالث في تماثيله تعكس عظمة مصر وقوتها، حتي أن بعض أساتذة الفن يقولون إن ابتسامة تحتمس الثالث ترسم مكانة مصر وقوتها ونفوذها العظيم.


استمرت ذكرى تحتمس الثالث كنموذج للحاكم المصري حتى العصر البطلمي، وكان يعرف بأنه أبو الآباء العظام، ومات تحتمس الثالث في الشهر السابع من العام الثالث والخمسين من حكمه ودفن في قبره البديع رقم 34 في وادي الملوك، ومقبرته تمثل نموذجا جديدا في مقابر الملوك، ففيها مثل كل الأرباب الذين كانوا يشاركون في كتاب ما هو موجود في العالم الآخر، إضافة إلى نسخة كاملة من الكتاب هي الأولى من نوعها في مقابر الملوك وإن لم تكن مرتبة.


لم ينس تحتمس الثالث الاحتفالات والابتهاج، فأقام في معبد الكرنك معبد الأخ منو ( الآثار المشرقة)، وهو مكان خصص لاحتفالات آمون، أبدع من خلاله مهندسه في تصميمه المعماري حتى أنه ليقال إن هيئة البازيليكا المعروفة في العصر الروماني قد استمدت شكلها من تصميم معبد تحتمس الثالث. 


رحل تحتمس الثالث في الشهر السابع من العام الثالث والخمسين من حكمه بعد أن قدم للأجيال – حتى الآن - درسا في حب مصر والعمل على رفعتها وقوتها، ويمكن القول "إن تحتمس الثالث هو أول من رسخ تعبير مصر أم الدنيا، وإنها كانت ميزان العالم".