رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الهوية والانتماء وعصر الدولة الوسطى

11-10-2020 | 21:01


يشير اسم مصر فى النصوص القديمة بمترادفاته المختلفة إلى معانى الأرض الآمنة والحصينة والمحفوظة أى أن مصر كبلد ذات دلالة ارتبطت بالأرض أساساً؛ فكان ارتباط المصرى الشديد ببلده وأرضه، سواء كان اسمها "تامرى" الأرض المحبوبة أو أرض الزراعة، أو "كمت"السمراء الخصبة؛ ومصر هى "تاوى" الأرضين شمالاً وجنوباً تتحد معاً لتُكَوِّن جنة الله على أرضه كما تخيلها المصرى القديم.


ولذك فإن الهوية المصرية والانتماء إلى تراب كمت هو أمر فطرى فى جينات الإنسان المصرى.


نجد أنه مع عصر الدولة الوسطى، التى سادت فى الفترة من 2052 : 1785 قبل الميلاد،تأججت روح الوطنية ونمى حس الانتماء بدايةً من عصر الملك منتوحتب الثانى من منتصف الأسرة الحادية عشرة، حيث أخذ على عاتقه إعادة توحيد شطرى البلاد؛ وقد استشعر الملوك المصريين التاليين له أهمية ما قام به من أعمال لخير مصرفكتبوا اسمه فى معبد الرامسيوم من عصر الأسرة التاسعة عشرة مقترناً بكل من مينا وأحمس الأول الذين قاموا بإعادة توحيد البلاد وكونوا الإمبراطورية المصرية القوية.


وتمتع منتوحتب الثانى بشيء من التقديس والإكبار عند معاصريه وخلفائه، وقد نهج سياسة داخلية وخارجية حكيمة؛ حيث ركز سلطات الحكم فى عاصمته كما نجح فى وضع حد لأهم مشكلة ألا وهى استفحال سلطة حكام الأقاليم التى تعوق التنمية وتعمل على إشعال نار الفرقة بين أفراد الوطن؛ بالإضافة إلى نشاطه الاقتصادي حيث اهتم بالموارد فى الصحراء الشرقية والغربية. واهتم بتأمين الطرق عبر الصحراء، كما اهتم بالتوسع فى بلاد النوبه وبلاد بونت. وتعتبر فترة حكمه بداية مجد الأسرة الحادية عشرة وإذكاء روح الوطنية ورفع الانتماء للبلد والذى سيستمر فى الأسرة التالية.


 ارتقى العرش 46 عاماً نحج فى إحلال النظام والهدوء، حد من السلطة الفردية ونزعه الانفصال عن الدولة عند حكام الأقاليم،أعد طريق وادى الحمامات الذى يربط البحر الأحمر بالوادى كنقطة انطلاق وعبور للبعثات التجارية والانطلاق وتأمين سيناء.


يخلفه ويؤسس الأسرة الثانية عشرة ملكاً عبقرياً هو أمنمحات الأول، الذى يعتز بأصله ويذكر فى نبوءة نفرتى أنه إنسان متواضع ابن امرأة من تاستى أى أرض النوبة؛ ويروى خنوم حتب حاكم إقليم الوعل (بنى حسن) كيف وضع أمنمحات تقسيماً جديداً على أساس المدن فى إطار الإقليم الواحد كما أعاد العمل بنظام التجنيد العسكرى الذى سيكون نقطة الانتماء الحقيقية التى ستدوم وتكون سبباً فى إنشاء أعظم إمبراطورية مصرية عرفتها البشرية؛ وأعظم نظام عسكرى مؤسسى لايزال قائماً حتى ساعته.


كما قام بعمل آخر غاية فى الأهمية وهو تحديد حصة كل إقليم من مياه النيل حفاظاً على حياة البشر وتنمية البلاد.


كما حدد كمية المواد الغذائية التى يقدمها كل إقليم. واهتم ببوابة مصر الشمالية الشرقية حيث أقام بوابة الأمير لتنظيم عملية الدخول والخروج من مصر والتحكم فيها.


 كما استحدث نظاماً جديداً فى الحكم وذلك بإشراك ابنه سنوسرت معه فى الحكم فى السنة العشرين من حكمه. واهتم بإرسال الحملات إلى بلاد النوبة وحملات لتأمين القوافل التجارية فى الصحراء الشرقية وسيناء وحملة أخرى ضد الليبيين.


قام سنوسرت الأول، بالسير على نهج والده وأمن حدود البلاد وتوسع فى حماية الحدود المصرية وضم الإمارات الأجنبية؛ كما واصل استغلال مناجم الذهب بالصحراء الشرقية، وكذا المحاجر فى وادى الحمامات وقد أكد ذلك النشاط الواسع فى مجالالبناء والتشييد هذا بالإضافة إلى ضمان الإشراف على الواحات الواقعة فى الصحراء الغربية وقد وصلت جهوده إلى سوريا وفلسطين وأوجاريت. ولقد أتت سياسة سنوسرت الأول ثمارها المرجوة على كل الجبهات مما ساعد بشدة على إيحاء روح الوطنية والقومية المصرية للتجلى أعظمها فى عهد الملك العبقرى سنوسرت الثانى :الذى تميز حكمه بالنشاط الكبير سواء فى مجال استصلاح الأراضى فى إقليم الفيوم تلك الأراضى التى كانت تشغلها البرك والمستنقعات فى عصر الدولة القديمة والتى اشتهرت كمناطق صيد برى وبحرى وتبعد مسافة 80كم جنوب غرب مدينة القاهرة. 


كما أعد بحر يوسف حتى يكون صالحاً للملاحة وألحق به نظاماً للرى والصرف؛ ثم نصل لعهد ملكنا العبقرى الذى استشعر قيمة وأهمية المواطنه وأيقن بضرورة إعلاء راية المواطنه المصرية وحل العوائق التى تحول دون استكمال المشروعات القومية ومنع تفكك البلاد وتحولها لإمارات متصارعة حيثواجهته عند تولى العرش مشكلة الإقطاعيات المحلية لا سيما بعد أن استفحلت قوتها وسلطاتها من بعد أن استأثرت فى بعض الأحيان بسلطة الملك.


 ويعد عصره من أزهى عصور الدولة الوسطى؛ لنجاحه فى استئصال شقفة حكام الأقاليم ووضع حد لقوتهم وسطوتهم بالإضافة لنجاحه فى ضم بلاد النوبة. 


كما أدخل تعديلات على سلطات الوزير حيث أصبح الوزير يشرف على ثلاث وزارات إحداهن للشمال وأخرى للجنوب وثالثة على رأس الجنوب وتضم إلفنتين والنوبة السفلى ولكل وزارة عدد من الموظفين المساعدين، ومجلس (چاچات) مهمته إبلاغ التعليمات إلى رؤساء الأقسام الذين يعتبرون مسئولين عن تنفيذها من خلال الكتبة وقد أدى هذا الإصلاح إلى صعود أفراد الطبقة الوسطى فى مقابل إضعاف جانب الأشراف كما قام سنوسرت الثالث بتطوير الإقليم الذى نشأ فيه وذلك بتشييده معبداً للإله مونتو إله الحرب فى الميدامود. 


ونجح سنوسرت الثالث فى صد هجمات النوبة على مصر حيث قام بشق قناة فى صخور الجندل الأول أطلق عليها "جميلة هى طرق خع كاورع =(اسم الملك نفسه)" وذلك لتسهيل الوصول لبلاد النوبه وتبع ذلك شن حملة ضد النوبيين خلد ذكراها على لوحة حدود أقامها عند سمنه، وزيادة فى حماية مصر قام بتشييد ثمان قلاع فى المنطقة ما بين سمنة وبوهن. هذا بالإضافة إلى اهتمامه بتأمين حدود مصر الشمالية الشرقية. وقد تبع نفس خططه العبقرية الملك أمنمحات الثالث الذى نعتبره آخر ملوك الدولة الوسطى، حيث اهتم بشدة بتنظيم مياه الرى، والإفادة من فيضان نهر النيل وذلك عن طريق إقامة الخزانات وهو الأمر الذى يعتبر أمن قومى أزلى لمصر وأحد أهم أعمال ملوك هذه الأسرة الوطنية الجادة.


فكانت فترة الدولة الوسطى بحق هى فترة إعلاء القومية المصرية والحفاظ على الأرض وتعميق الانتماء والهوية وعمل مشاريع قومية زراعية واستصلاح أراضى رائدة فى تاريخ البشرية مع الاعتزاز التام بالأصل وإقامة أول مؤسسة وطنية للجيش المصرى.