نعيش اليوم عصر التحول الرقمي الذي ينقسم فيه البشر إلى رقميين أصلاء Digital Natives" أو " رقميين مهاجرين Digital Immigrants""، فمن الواضح لنا أن جيل الألفية الثالثة هو جيل "رقمي" أصيل لم يكتسب " الرقمي" كمهارة إنما صار جزءا من كيانه ومن جيناته الوراثية. لذا أصبح التحدي الرئيسي الذي تعيشه منظومات التعليم اليوم يتلخص فيا يلي: إذا كان هذا الجيل هم مهنيو ومعلمو وباحثو الغد، كيف يمكن أن نكامل " الرقمي" في جينات نماذج التعليم والبحث العلمي من أجل التعامل مع هذه الأجيال القادمة؟ فلا مفر من الاستفادة من الفرص التكنولوجية والتطور التكنولوجي السريع لحل العديد من المشاكل في النظم التعليمية. فالتطورات التكنولوجية وخاصة التطورات على الإنترنت أتاحت لنا سهولة الحصول والوصول إلى المعلومات الغير محدودة بسرعة هائلة.
ونظرًا لأن العالم يعيش حاليًا متغيرات متسارعة يأتي على رأسها استخدام وسائل الاتصال الحديثة، والتي أدت به إلى التحول الرقمي في معظم مناحي الحياة، فقد كان على رأس أولوياتنا في تحديث النظام التعليمي في مصر استثمار هذا التحول الرقمي في مجال التعليم وتطبيقاته المختلفة التي نتوقع لها أن تسهم بشكل فعال في تكوين بيئة تعليمية تفاعلية محفزة للتعلم والإبداع، وتنمية المهارات والخبرات؛ بما يحقق إنتاج المعرفة، وزيادة التحصيل، وتطوير الإنتاجية في جميع الجوانب، ويضمن مخرجات عالية الجودة؛ للوصول إلى معالم التعليم المستقبلية حسب تطلعات النظام التعليمي الذي يسعى إلى الكفاءة والفاعلية، وذلك كله من أجل إعداد جيل المستقبل القادر على التجاوب مع متطلبات اقتصاد المعرفة والمتطلبات الرئيسية للحياة في القرن الحادي والعشرين.
ولذلك يؤكد وزير التعليم د. طارق شوقي في لقاءاته، أننا نجحنا في بناء البنية التحتية الرقمية في أكثر من 2500 مدرسة ثانوية مصرية، وأكثر من 11 ألف فصل، وتطبيق الامتحانات الإلكترونية والتصحيح الإلكتروني للصف الأول الثانوي، بمتوسط 480 ألف امتحان يوميًا في أنحاء الجمهورية، ذلك بالإضافة إلى بناء بنوك أسئلة متعددة الصعوبة بمعايير دولية لكل المواد في الصف الأول والثاني الثانوي، وبناء معايير التصحيح الإلكتروني للأسئلة، وبناء محتوى إلكتروني بمقاييس عالمية للصف الأول والثاني الثانوي وإتاحتها على منصة التعلم ببنك المعرفة المصري. وبالنسبة لتدريب المعلمين، فيتم عقد تدريبات لمعلمي الصفوف الأولى في كل المراحل التعليمية، وذلك على استخدام التقنيات الحديثة واستراتيجيات التدريس، لتنمية مهارات الطلاب، بالتوازي مع حصولهم على المحتوى العلمي من خلال بنك المعرفة.
يكمن جوهر التطوير في توفير محتوى رقمي من مصادر عالمية ليساعد الطلاب على تنمية الفهم والاستعداد المناسب للأسئلة الجديدة، أما التابلت والشبكات والبرمجيات فهي أدوات مساعدة وليست جوهر التطوير ولم نختزل التطوير في جهاز تابلت كما يظل يعتقد البعض، فالتحول من "الورقي" إلى الرقمي لا يعني -كما يعتقد البعض- نقل الكتاب من مجلد ورقي إلى ملف رقمي بنفس الصيغة "الصماء"، وإنما التفكير ببناء منظومة جديدة قائمة بأساسها على ثلاثة أركان: المعلم، المتعلم، والمحتوى الرقمي التفاعلي، وهي منظومة توفر المعلومة وتحفز التغذية الراجعة التي تقدم قيمة مضافة وإثراء للمحتوى، فتكبر كرة الثلج بالتفاعل وتتراكم معلومات مولدة المعرفة من هذا التراكم. رحلة تطوير التعليم في مصر تهدف إلى تغيير المنظومة بأكملها، لتتحول من التعليم إلى التعلم، مع عدم اقتصار دور الطلاب على أن يكونوا متلقين للمعلومات، بل يتحولوا إلي مستفيدين من نظام متكامل.
يتساءل الكثير في مجتمعنا هل من ضرورة للتحول الرقمي في التعليم؟ الإجابة بالتأكيد، نعم فالمدارس التي لا تستطيع تحديد مكانها في عالم التحول الرقمي ستترك طلابها فقراء في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المستقبلية. قبل جيل واحد، كان يمكن للمدرسين التفكير في أن ما يٌدرسونه سيدوم مدى الحياة. في يومنا هذا، على المدارس إعداد الطلاب للحياة الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة باستمرار، و المهن التي لم تكن متوفرة بعد، والتقنيات التي لم يتم ابتكارها بعد، و لحل المشاكل الاجتماعية التي لا نعرفها بعد. فالتغيير الذي طال نماذج التعلم، واعتمادها على نقل الخبرة والمعرفة عوضًا عن نقل المحتوى والمعلومة تمهيدًا لتحضير المتعلم كي يكون عنصرًا فاعلًا ومهنيًا وبحثيًا، ودور التعلم الافتراضي الإلكتروني كجزء حيوي وأساسي في منظومات التعلم، و تبدل شكل المدارس والجامعات لتدخل عصر التعلم الرابع أو عصر التعلم الناجم عن الثورة الصناعية الرابعة وعن اقتصاد العلم والمعرفة القائم بأساسه على التعليم والبحث العلمي. كل هذا يجعلنا بالضرورة نخضع للتحول الرقمي وعلى وجه الخصوص، أطفالنا وشبابنا، فهؤلاء ولدوا ونشأوا رقميين أصلاء، يكتسبون مهارات تتجاوز مهارات معلميهم ومحتويات مناهجهم. كان التعليم في الماضي يتألف من تعليم الناس شيء ما، لكن اليوم يهدف إلى مساعدة الطلاب على تطوير بوصلة آمنة للعثور على طريقهم وللمساعدة في مهارات أخذ الطريق في عالم متقلب ومؤقت وغير مؤكد.
فهل نستطيع اليوم أن نجهز لهم نموذجًا تعليميًا جديدًا قادرًا على استيعابهم؟ أم أننا سنجد أنفسنا يومًا بعد يوم في شرح أكاديمي وعلمي وبحثي، بين ما يعيشه هؤلاء الصغار، وبين ما تقدمه لهم مدارسنا وجامعتنا؟
إن نصف المهن الحالية يمكن تحقيقها باستخدام التكنولوجيا الرقمية. لذلك فإن التعليم الذي هو المنحل الأساسي اليوم: لابد أن يتم تشكيله لطرق التفكير في اتخاذ القرار و حل المشكلات و النقد و الإبداع يوما بعد يوم؛ فطرق أعمال التواصل و التعاون فهي لا تتشكل فقط من خلال استخدام التقنيات القائمة و لكن أيضًا من الطرق التي تعمل بها الأدوات الجديدة المحتملة والأهم من ذلك المهارات الاجتماعية و العاطفية التي تساعد الناس على العيش معاً و العمل معاً. كلهم يخلقون طلبًا على مناهج تعليمية جديدة ومبتكرة من شأنها أن تمكّن التقنية من أن تكون في مركز أي حل، و ليس في زاوية أو مكان بعد الآن.
نهدف من خلال مشروع التحول الرقمي للتعليم إلى اكتساب الكفاءات المذكورة أعلاه في أنظمة التعليم الأساسية.
ومن خلال بوابة التدريب الرقمي التي تقدمها وزارة التربية والتعليم والتي ستكون منصة لجميع الجهات الفاعلة في قطاع التعليم، سيتم تحقيق التواصل بين الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور والمؤسسات رقمياً من خلال هذا النظام.
وتعمل وزارة التربية والتعليم المصرية على تنظيم منظومة التعليم لإفادة الطلاب، حيث أنه تم إنشاء المكتبة الرقمية التى استفاد منها حوالى 6 مليون طالب. و مؤخرًا مع ظهور فيروس كورونا تم إطلاق منصة بث مباشر "ادمودوEdomodo" التي ستغير مستقبل التعليم في مصر وعلى كل طالب بأن يسجل الحساب عليها ليس فقط في زمن كورونا لكن بعد انتهاء الأزمة سيستفيد منها .إن هذه المنصة ستكون فى كل مدرسة فى مصر من مدارسنا الحكومية من أجل تواصل الطالب مع المعلم تحت إشراف ولى الأمر بشكل مباشر، هذا غير القنوات التعليمية.
فالتحول الرقمي في عصر الانفجار المعلوماتي والتكنولوجي، فرصة رائعة لخلق منظومة تعليمية متطورة تتماشى مع التقدم المتسارع في العالم، فضلاً عن أنه يستشرف المستقبل من أجل التصدي للأزمات بالذكاء الرقمي والتدابير التكنولوجية الفائقة السرعة. وفرصة لتحقيق استدامة الموارد التعليمية، وخلق مواد تعليمية متطورة تعطي الفائدة للطلاب في جرعة مفيدة وممتعة وسريعة وسهلة الاستيعاب، إضافة إلى أنه يساعد على اكتشاف البراعة الرقمية للطلاب في مرحلة الطفولة المبكرة، وينمي الطلاقة الرقمية لديهم، ويخلق جيلاً جديداً يتعامل مع التكنولوجيا بإيجابية، وفرصة لتنشئة جيل يتعامل مع التكنولوجيا الرقمية بطرق ومسارات مفيدة وإيجابية. مع التحول الرقمي في التعليم سيصبح الطالب عنصراً مكوناً في العملية التعليمية ليس المتأثر، و لن يكون المعلم بعد الآن عنصراً ذاتياً للمعرفة، بل سيبدأ بتوجيه الطالب إلى مصدر المعلومات المؤهلة و المتنوعة.