ينظر إلى التعليم الإلكتروني على أنه نوع من التعلم يعتمد فيه الطالب على استخدام الوسائط الإلكترونية في الاتصال واستقبال المعلومات، واكتساب المهارات وفن التواصل مع المعلمـين والمؤسـسة التعليمية ويعرف التعلم الإلكتروني على أنه "طريقة إبداعية لتقديم بيئة تفاعلية، متمركزة حول المتعلمين، ومصممة مسبقا بشكل جيد، وميسرة لأي فرد، وفي أي مكان، وأي وقت، باستعمال خـصائص ومـصادر الإنترنت والتقنيات الرقمية بالتطابق مع التصميم التعليمي المناسب لبيئة التعلم المفتوحـة، والمرنـة، والموزعـة.
وتتم عملية تحويل المحتـوى الـورقي إلـى محتـوى المناهج الإلكترونـية عبـر عـدد مـن الخطوات والمراحل وتبدأ العملية بتحويـل المحتـوى التعليمـي مـن أوراق إلـى مـستند نـصي، ثم يقوم المصــمم التعليمـي بتجزئة المحتـوى إلـى وحـدات صـغيرة تفاعليـة يضاف إليها الصـوت والصـورة إن وجـد ودعـت الحاجـة التعليميـة لـذلك، ثم تأتي مرحلـة الترتيب والنـشر. باسـتخدام برنـامج خـاص يـساعد علـى ذلـك ومـن التعامل معه من خلال نظـام إدارة الـتعلم(LMS) ، وهو النظام الخاص بإدارة التعلم الإلكتروني الـذي يـضم عـددا العمليـات والخدمات الخاصة بالمحتوى التعليمي الإلكتروني يمـنح الطـلاب والمعلمـين والمـشرفين إمكانيـة الـدخول إليه والتعامل مع محتواه كل حسب المهام المسموح له بممارسـتها، ومـن هـذه المهـام صـلاحية الدخول طبقا للمستوى الممنوح للمستخدم، والتحكم بـالمحتوى أو التعـديل فيـه، وأدوات التواصـل، والروابط أو مجموعات الطلبة، والمحادثة المباشرة، ومتابعة أداء الطلبـة، ثـم تـأتي المرحلـة النهائية المتمثلة بعملية التقييم حيث يبقـى المحتـوى خاضـعاً لعمليـة التقيـيم والتحـديث المـستمر مـن قبل مدرس المادة
ومن التجارب العالمية في التحول الرقمي:
تجربة كندا : خطت كندا خطوات جادة في تبني التعليم الإلكتروني والاستفادة من التطورات والمستحدثات التكنولوجية في مجالي الاتصال والمعلومات لتحسين وجودة المنتج التعليمي للتغلب على مشكلة ارتفاع معدلات التسرب وانخفاض مـستوى التحصيل الأكاديمي بغرض الحد من ارتفاع الكثافة الطلابية في الفصول الدراسية والعمل على تلبية حاجـات سـوق العمـل من المهارات والمعارف المطلوبة بدلاً من الاعتماد كلياً على التعليم التقليدي.
تجربة اليابان: بدأ مشروع اليابان المعروف باسم "مشروع المائة مدرسة" حيث تم تجهيز المدارس بالإنترنت بغرض تجريب وتطوير الأنشطة الدراسيَّة والبرمجيات التعليميَّة من خلال تلك الشبكة، وفي عام (1995) أعدت لجنة العمل الخاص بالسياسة التربويَّة في اليابان تقريراً لوزارة التربية والتعليم تقترح فيه أن تقوم الوزارة بتوفير نظام معلومات إقليمي لخدمة لتعليم مدى الحياة في كل مقاطعة يابانية، وكذلك توفير مركز للبرمجيات التعليميَّة إضافة إلى إنشاء مركزا وطنيا للمعلومات وكذلك دعم كافة الأنشطة المُتعلِّقة بالتعليم عن بُعد، وكذلك دعم توظيف شبكات الإنترنت في المعاهد والكليَّات التربويَّة، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من التعليم الحديث، وتعد اليابان الآن من الدول التي تُطبِّق أساليب التعليم الإلكتروني الحديث بشكل رسمي في معظم المدارس اليابانية.
تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تُعَدُّ تقنية المعلومات لدى صانعي القرار في الإدارة الأمريكية من أهم ست قضايا في التعليم الأمريكي، وبدأت الولايات في سباق مع الزمن من أجل تطبيق منهجية التعليم عن بُعد وتوظيفها في مدارسها، واهتمت بعمليَّة تدريب المُعلِّمين لمساعدة زملائهم ومساعدة الطلاب أيضاً، وتوفير البنية التحتية الخاصة بالعمليَّة من أجهزة حاسب آلي وشبكات تربط بعض المدارس ببعضها الآخر إضافة إلى برمجيات تعليميَّة فعَّالة كي تصبح جزءاً من المنهج الدراسي، ويمكننا القول إنّ إدخال الحاسب في التعليم وتطبيقاته لم تعد خطة وطنيَّة بل هي أساس في المناهج التعليميَّة كافة.
تجربة الصين: وضعت الصين خطة في مجال تقنية التعليم تهدف من خلالها إلى تمكين أكبر عدد من الطلاب للإفادة من نظام التعليم الإلكتروني، كما وضع الاتحاد الأوربي خططاً طموحة تستهدف نشر شبكة الإنترنت وتطبيقاتها في دول الاتحاد كافة، خصوصاً في مجال التعليم أطلق عليها أوروبا الإلكترونية 2005م: مجتمع المعلومات للجميع.
تجربة أستراليا: يوجد في أستراليا عددا من وزارات التربية والتعليم، ففي كل ولاية وزارة مستقلة، ولذا فالانخراط في مجال التقنية متفاوت من ولاية إلى أخرى. والتجربة الفريدة في أستراليا هي في ولاية فكتوريا، حيث وضعت وزارة التربية والتعليم في الولاية خطة لتطوير التعليم وإدخال التقنية من خلال ربط جميع مدارس الولاية بشبكة الإنترنت عن طريق الأقمار الصناعيَّة. تعد تجربة ولاية فكتوريا من التجارب الفريدة على المستوى العالمي من حيث السرعة والشمولية. وأصبحت التقنية متوافرة في كل فصل دراسي.
تجربة سنغافورة: وضعت سنغافورة خطتين خمسيتين لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ودمجها فـي النظام التعليمي نفذت الأولى خلال الفترة ١٩٩٧-٢٠٠٢م، ونفذت الثانية خـلال الفتـرة ٢٠٠٣-٢٠٠٧م، كان الهدف من وراء ذلك مساعدة الطلبة على اكتساب مهارات التعلم والتفكير الناقد، ومهارات الاتـصال التي يتطلبها سوق العمل في الحاضر والمستقبل، وقد تلقت مساعدات ماليـة وفنيـة مـن الـدول الرأسمالية والصناعية مما مكنها من القيام بخطوات سريعة نحو التعلم الإلكتروني حيث شارك في تنفيذ استراتيجية تطوير الـتعلم الإلكترونـي عـدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة بالمعلومات والقــوى العاملة والاتصالات بالإضـافة إلـى دعم القطاع الخاص، كما وقعت وزارة التعليم في سنغافورة اتفاقية مع شركة ميكروسوفت عام ٢٠٠٢م تهدف إلى تعزيز الكفاءات في المجتمع ووضع رؤية لجعل البلاد محور التعلم الإلكتروني في آسـيا.
تجربة ماليزيا: في عام (1996) وضعت لجنة التطوير الشامل الماليزية للدولة خطة تقنية شاملة تهدف الى إدخال الحاسب الآلي والارتباط بشبكة الإنترنت في كل فصل دراسي من فصول المدارس. وتسمى المدارس الماليزية التي تُطبِّق التقنية في الفصول الدراسيَّة "المدارس الذكية" (Smart Schools)، وتهدف ماليزيا إلى تعميم هذا النوع من المدارس في جميع أرجاء البلاد.
نماذج من تجربة مصر في التحول الرقمي نحو التعليم الإلكتروني:
الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني: في إطار خطة وزارة التعليم العالي لتطوير وتوسيع قاعدة التعليم الجامعي في مصر تم إنشاء الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني بالقرار الجمهوري رقم 233 لسنه 2008 بدعم من صندوق تطوير التعليم برئاسة مجلس الوزراء كأول جامعة مصرية تتبنى مبدأ التعلم الإلكتروني في تقديم خدمات تعليمية على أعلى مستوى جودة، بأسعار مناسبة، وتعمل على إمداد سوق العمل بعناصر لها مهارات عالية وتتعامل مع التكنولوجيات العالية وعلى دراية بأحدث ما وصل إليه العلم في مجالات التخصص. كما تلتزم الجامعة بالتحسين المستمر للبيئة التعليمية بما يجعلها قادرة على تلبية الاحتياجات المستقبلية للمجتمع والصناعة.
⦁ التحول الرقمي للتعليم في الجامعات الحكومية المصرية: سعت وزارة التعليم العالي والجامعات المصرية إلى التحول الرقمي في التعليم كأحد الحلول التي تواجه أزمة التعليم في الوقت الراهن، من خلال إنشاء مراكز للتعليم الإلكتروني داخل كل جامعة. حيث اهتمت بالتعليم الإلكتروني وتيسير التعلم عن بعد وكذلك تحويل المقررات إلى مقررات إلكترونية يمكن الوصول إليها من أي مكان للتغلب على قيود التعليم المرتبط بالمكان والزمان والتكلفة المادية بهدف تعزيز مقدرة الطالب على التعلم إلى أقصى حدود طاقته من خلال تقنيات المعلومات، وتوفير بيئة تعليمية مرنة بها استراتيجيات تعتمد على استخدام أساليب تدرس بشكل حديث، وأيضا تيسير عمل الأساتذة الجامعيين في إدارة العملية التعليمية والمتفاعلة مع البيئة التكنولوجية، وذلك لإعداد خريج له قدرة على المنافسة العالمية ولتحقيق التعلم الذاتي والتعليم عن بعد والأخذ بمفهوم التربية المستمرة أو التعلم مدى الحياة، ومن أهم إنجازات هذا المشروع: إنشاء مركزا قوم يا للتعليم الإلكتروني بالمجلس الأعلى للجامعات، وإنشاء عدد 22مركزا لإنتاج المقررات الإلكترونية بالجامعات المصرية بطاقة إنتاج تصل إلى 100 مقرر إلكتروني سنوياً، ووضع معايير قومية للمقررات الإلكترونية وتطبيقها على مقررات تم إنتاجها بالجامعات، وكذلك إنتاج ونشر عدد 300 مقرر إلكتروني (www.nelc.edu.eg)، من خلال تدريب أعضاء هيئة التدريس والطلاب بالجامعات على أساليب التعليم الإلكتروني
التحول الرقمي في التعليم قبل الجامعي بمصر: حيث تهدف خطة التطوير إلى تغيير المنظومة بأكملها، عن طريق بناء نظام تعليم عصري 2.0 على أحدث المعايير العالمية (من رياض الأطفال والصفين الأول والثاني الابتدائي)، بجانب تطوير التعلم والتقييم في المرحلة الثانوية من أجل التأكد من تحصيل الطلاب لنواتج التعلم الحقيقية، بهدف التحول من التعليم إلى التعلم، مع عدم اقتصار دور الطلاب على أن يكونوا متلقين للمعلومات، بل يتحولوا إلى مستفيدين من نظام متكامل، هذا النظام يقدم لهم المعلومات ويكسبهم مهارات الحياة التي تشكل بنيانهم الفكري وسلوكهم من أجل تحقيق رؤية مصر 2030، كما يجري تنفيذ خطة لتدريب للمعلمين على المناهج الجديدة، ودمج التكنولوجيا الحديثة بالعملية التعليمية من خلال توفير أجهزة التابلت والسبورات الذكية لتسهيل دخول الطلبة على بنك المعرفة المصري، الذى يعد نموذجًا معرفيًا فريدًا من نوعه على مستوى العالم، كما أن التطوير شمل استحداث مدارس التكنولوجيا التطبيقية والتي تعد نموذجا للتعليم المزدوج، والشراكة بين الوزارة والشركات والمصانع، وتسعى الوزارة أيضا الى التوسع في إنشاء المدارس اليابانية، ومدارس IG الحكومية، والتعاقد على الفصول الذكية لحل مشكلة الكثافة، باستخدام وحدة كاملة متعددة الاستخدامات ومتنقلة، فضلًا عن تجهيز مجمع متكامل لخدمة ذوي الإعاقة.
مستقبل التحول الرقمي في التعليم لمواجهة التعليم التقليدي
إن ما سببته جائحة كوفيد -19 وبعد قضاء شهور في التعلم المنزلي خلال فترة الإغلاق، أصبح الطلاب على معرفة أكبر بأدوات ووسائل تكنولوجيا التعليم، مع تمتعهم بالقدرة الكافية للتحكم في دروسهم الخاصة؛ فلن يكونوا طلابًا يتعلمون الدروس الموجهة وفقًا للمناهج الدراسية فقط، بل سيكتسبون أيضًا الخبرات في العديد من التطبيقات الجديدة المتاحة، التي يمكنهم استخدامها للدراسة والتعلم. حيث يتعلم الأطفال منذ سن مبكرة استخدام الأجهزة الإلكترونية بما يتجاوز المتعة والتسلية فقط، وهذا يعني أن الجيل الجديد سيتبنى مهارات متقدمة للغاية في مرحلة عمرية مبكرة، حيث يمكنهم استيعاب المعلومات والتعلم سريعًا.
ان التحول الرقمي في منظومة التعليم يعني أن التعليم لن يعود مجرد فرصة تجارية سانحة أمام الشركات والمؤسسات؛ فالطلاب وأولياء الأمور يبحثون عن الفرص الحقيقية والتجارب عالية الجودة في كل مكان حول العالم من داخل بيوتهم. وستواصل منصات التعليم الإلكترونية المجانية الصعود والتقدم.
كما سيدعو هذا التحول الرقمي إلى تغيير المناهج الدراسية. حيث أصبحت البرامج التعليمية الجديدة تتبنى الاستراتيجيات الذكية في بناء المحتويات التعليمية.
سيكون هذا التحول قادر على تحسين سبل الحصول على التعليم، وبالتالي خلق المزيد من الفرص المتساوية للجميع في المدن والقرى. لكن لكي يحدث ذلك، سيتعين توفير الأدوات التقنية كالحواسيب المحمولة والألواح الذكية، والإنترنت بأقل كلفة ممكنة، حيث ستصبح هذه الأجهزة جزءًا من الاحتياجات البشرية الأساسية لا الكمالية.
التحول الرقمي في التعليم خلق تنافس بين الجامعات والمعاهد والمعلمين ومنصات تكنولوجيا التعليم من جميع أنحاء العالم. ولن نرى بعد الآن تنافس المؤسسات التعليمية عبر المباني والمنشآت الجامعية الراقية، حيث ستركز الجامعات على جذب المواهب البشرية، وتوفير بيئة صحية للتعليم وتوفير التكنولوجيا المتطورة لكل من المعلمين والطلبة، من أجل تقديم نظام تعليم عن بعد عالي الجودة.