مر 94 عاماً على اختراع التلفاز على يد المهندس الأسكتلندي جون لجي بيرد، ببث أول بث تليفزيوني عبر المحيط الأطلنطي من لندن إلى مدينة نيويورك، ليتطور بعد ذلك من قبل العديد من العلماء بإدخال أول إرسال للبث المباشر من موقع الحدث ليكون أول استخدام له في الشئون السياسية، ففي شهر نوفمبر عام 1920 قامت محطة كيدي بنقل الانتخابات الأمريكية للرئيس وارن جي هاردينغ، ليصبح التلفاز هو أعظم عملية إبداعية استمرت على مدى عقود من السنين، ليصبح ركناً أساسياً من أثاث المنزل، ولم يختلف الأمر كثيراً عن الراديو عند اكتشافه من قبل العالم الفيزيائي غولييملو ماركوني عام 1901.
وقد بدأ البث الإذاعي في مصر في القرن العشرين بالإذاعات الأهلية الخاصة كراديو فؤاد وراديو فاروق وراديو فوزية تيمناً بالأسرة الملكية، إلا أنها لم تستمر كثيراً وألغيت هذه الإذاعات، ليبدأ البث الإذاعي للحكومة المصرية يوم 31 مايو عام 1934 ليبدأ بها الإذاعي المصري أحمد سالم جملة هنا القاهرة، وكانت هذه الإذاعات تستخدم أيضاً في الشئون السياسية عن طريق المراسلة الغير مباشرة بين الرؤساء وبعضهم، حيث كان يستخدمها الملك فاروق كما ورد في التاريخ، حيث كان يتراسل بها مع الألمان وفقاً لتأييده لهم على أمل مساعدتهم له في التخلص من الاستعمار الإنجليزي في ذلك الوقت.
وكان هناك ضريبة تدفع على الراديو للاستماع إليه حيث أصدر الرئيس الأسبق محمد نجيب قانونا بإلزام كل مواطن لديه جهاز استقبال للإذاعة أن يدفع له رسوماً سنوية قدرها 130 قرشاً ونفس الشيء بالنسبة للتليفزيون حيث أصدر الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر عام 1960 قراراً بفرض رسوم سنوية قدرها 5 جنيهات لكل جهاز معد لاستقبال البث التليفزيوني في مصر، ولم يستمر هذا الوضع كثيراً حيث أصدر عبد الناصر قانون 77 لعام 1968 ببعض التعديلات بإلغاء الرسوم على أجهزة الراديو ووضعها على رسوم استهلاك التيار الكهربائي، ثم اختفت الرسوم حول أجهزة التليفزيون ففي أبريل 1974 تم إلغاء الرسوم على أجهزة الاستقبال التليفزيونية.
وبعد أن أصبحت وسيلة الراديو والتليفزيون تحقق للمستمعين وللمشاهدين العديد من الأهداف كونهما من وسائل التثقيف والترفيه والتسلية، خاصة بعد أن بدأ الأمر في التطور لتظهر الأقمار الصناعية عبر المحيط الأطلنطي إلى أوروبا عام 1962، وكان أول استخدام لها هي صورة لنائب الرئيس الأمريكي جونسون، ثم استخدمت الأقمار الصناعية في نوفمبر عام 1963 في نقل أول حدث إخباري عالمي لجنازة الرئيس الأمريكي جون كيندي، لتلعب الأقمار الصناعية دوراً كبيراً كوسيلة عالمية دولية تعاونية بين الدول، جعلنا نتشارك مع بعضنا البعض في القدرة على نقل الأخبار والمعلومات والأحداث بصورة فورية وسريعة ونتشاطر الأفراح والأحزان، ونتحول من عالم كبير إلى قرية صغيرة.
ليظهر بعدها القمر الاصطناعي العرب سات يوم 9 فبراير عام 1976 حيث لعب دوراً كبيراً في تقديم خدمات للبث الفضائي والإذاعي، وبعدها بعدة أعوام تم إطلاق القمر الصناعي المصري "النايل سات" وخاصة في يوليو عام 1996، حيث يحتوي على مجموعة كبيرة من القنوات العربية والمصرية المجانية والمشفرة، بالإضافة إلى القنوات الإذاعية، كشبكة ART وشبكةOSN ومجموعة قنوات MBC ، وغيرها من القنوات الموجودة على الأقمار الصناعية، التي تحتوي على مجموعة من القنوات المتنوعة التي تقدمها تلك القنوات وفقا لمتطلبات الجمهور، حيث تقدم قنوات خاصة بالأطفال وقنوات خاصة بالأفلام العربية الكلاسيكية وقنوات خاصة بالأفلام الأجنبية وقنوات خاصة بالأخبار والبرامج السياسية وغيرها من القنوات التي تلبي احتياجات أغلب فئات الشعوب، وهكذا فقد لعبت هذه الأقمار الصناعية دوراً كبيراً في التأثير على حياة العرب اقتصاديا واجتماعياً وثقافياً، حيث من خلالها ساعدت على أن يصبح العالم قرية صغيره نشاهد بعضنا من خلاله، حيث استطاعت هذه الأقمار تقديم خدمات حازت نجاحاً وإقبالاً كبيراً من قبل المشاهدين، بالإضافة إلى تحقيقها الكثير من الأرباح، خاصة في ظل العديد من الأزمات التي عانت منها مصر وأغلب الدول العربية.
إلى أن بدأت الأمور تأخذ منعطفاً أخر، وعندما ظهرت التكنولوجيا الرقمية ليظهر عصراً جديداً يسمى بالعصر الرقمي، الذي أصبح يلعب دور التنين في وسط هذه الوسائل، ليفتح العصر الرقمي خيارات جديدة أمام المشاهدين عن طريق الكمبيوتر والهواتف الذكية، من خلال You tube خاصة بعد أن أتاحت للجمهور طرقا جديدة للمشاهدة، حيث قامت شركات الإنتاج للأعمال التليفزيونية والسينمائية والبرامجية بعقد اتفاقيات مع شبكات الإنترنت بإتاحة هذه الأعمال لتكون في متناول الجميع، للوصول إلى أكبر عدد من المشاهدين، حيث يستطيع المشاهد أن يصل إلى المواد الفيديوهية ويشاهدها على جهازه الخاص، حيث فتح العصر الرقمي الخيارات المتعددة أمام المشاهد حيث أتاح له تخزين الأفلام والمسلسلات القديمة والجديدة، لتصبح جاهزة عند الطلب ومتاحة له لمشاهدتها في أي وقت يريده، بحيث يصنع لنفسه الجدول الخاص به، ولا يحتاج المشاهد إلى التليفزيون ليشاهد أشياء مفروضة عليه، وبعيدا عن الكم الهائل من الإعلانات التي كانت تفرض عليه أثناء مشاهدته لأي محتوى مقدم على هذه القنوات الفضائية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، حيث تم إنشاء قناة على you tube يسمح بها للعديد من المشتركين فيها بتقديم برامج خاصه بهم.
ثم تطور الأمر وبدأت شركات التكنولوجيا العالمية تعمل على إنتاج أجهزة رقمية منزلية بها إمكانيات جديدة يطلق عليها تليفزيونات smart ، حيث استطاعت تقديم مادة صورية مخزونه يتم بثها في أي وقت يحتاجه المشاهد، وبهذا استطاعت التكنولوجيا الرقمية تغيير جمهور الراديو والتليفزيون وعاداته، حيث بدأت الإذاعات الخاصة "كنجوم إف إم" في إلغاء كسر الشكل الإذاعي التقليدي المتعارف عليه، والتعايش مع التكنولوجيا الرقمية الراهنة، بحيث يتم تسجيل الحلقات الإذاعية لايف بحيث يظهر المذيع على التليفزيون وهو يقدم برنامجه الإذاعي، مع العلم بأن هذه الطريقة لا تتماشي مع الإمكانيات الإذاعية، فبهذه الطريقة يفقد الراديو قدرته على التخيل حيث كان هذا أهم ما يميز الإذاعة حيث يطلق العنان للمستمع تخيل ما يسمعه في الإذاعة، ومعلوم أن التكنولوجيا لا تصنع الخيال للمستمع.
وفي شهر سبتمبر عام 2019 ظهرت منصة Watch it، التي لاقت أيضاً نجاحاً كبيراً فور ظهورها وقامت بتقديم جميع مسلسلات رمضان الماضي بشكل حصري، بالإضافة إلى العديد من الأفلام والمسلسلات القديمة، بعد أن تم حذف أغلب هذه الأفلام والمسلسلات من موقع يوتيوب بعد أن كان يشاهدها الجمهور بشكل مجاني، حيث أصبحت كل تلك الأعمال في متناول منصة Watch it بالإضافة إلى تقديمها لعدة مسلسلات من إنتاجها الخاص مسلسل "شديد الخطورة" الذي يعرض في الفترة الحالية، وظهرت أيضاً الشهر الماضي لعام 2020 منصة You tube بريموير التابعة لموقع يوتيوب.
وعام 2016 ظهرت أشهر المنصات والأكثر شيوعاً في الوقت الحالي منصة Netflix والتي بدأت بالتوسع في 180 دولة وتتأرجح ما بين الدول الأجنبية والدول العربية، حيث استطاعت هذه المنصة أن تخلق حقبة جديدة في عصر التكنولوجيا الرقمية، حيث جعلت المشاهدين ينصرفون عن مشاهدة التليفزيون التقليدي وجدوله النمطي، إلى رؤية أعمال جديدة من إنتاج منصة Netflix، حيث لم تكتفي منصة Netflix بعرض مسلسلات وأفلام روائية من إنتاجها بل قامت بإنتاج بالعديد من المسلسلات والأفلام التسجيلية والوثائقية والسياسية كفيلم "The man how fail on the floor" المأخوذ عن قصة حياة السياسي المعروف أشرف مروان ودوره في الشئون السياسية وعمله مع الرئيس جمال عبد الناصر وكيفية مقتله في لندن، ونجد أيضاً مسلسل"Born In Syria" أو ولدوا في سوريا وهو فيلم وثائقي عن مجموعة من أطفال لاجئين تمكنوا من الهرب من واقعهم المؤلم في بلدهم سوريا التي ولدوا فيها، واندمجوا في الأرض الأجنبية التي هربوا إليها، وأيضاً نجد مسلسل"Unorthodox " هو مسلسل يهودي عن معاناه اليهود وخاصة الزوجة اليهودية في المجتمع اليهودي المتشدد، وسيطرت النظام الأبوي علي المرأة اليهودية، ونجد أيضاً مسلسل "Jeffrey Epstein " وهو فيلم وثائقي عن ضحايا الاعتداء الجنسي، من خلال خطف وتوريد الفتيات للأمراء ورؤساء الدول، ونجد أيضاً فيلم "conversation with the killer ted Bundy " وهو فيلم وثائقي عن السفاح والمغتصب الأمريكي تيد بندي الذي اعتدى على كثير من النساء وقتلهن في فترة السبعينيات من القرن الماضي.
ونلاحظ أن أغلب الأفلام والمسلسلات التي تعرض على تلك المنصات تكون حول أغلب القصص التي حدثت ومرت بها دول العالم، كما
نلاحظ أن هذه المنصات بدأت تأخذ منعطفاً آخر بعيداً عن أسلوب المط والتطويل المتعارف عليه في مسلسلات الدراما المصرية خلال شهر رمضان الكريم حيث يحتوي المسلسل على ثلاثين حلقة، مما يشعر الجمهور بالملل، حيث قامت هذه المنصات بتقديم مسلسلات ذات حلقات مختصرة وعدد حلقات أقل لا تتجاوز 15 حلقة، كما كان متعارف عليه في حقبة السبعينيات والثمانينيات كمسلسل "الرايا البيضاء" ومسلسل "هند والدكتور نعمان" حيث تم تقديم هذه الأعمال في عدد من الحلقات لم يتجاوز 15 حلقة، وكانت تشعر المشاهد بالسعادة والتشويق والاستمتاع، وكأن هذه الأعمال الدرامية حيوان أليف تربيه الأسرة المصرية في بيوتها.
ليبقي السؤال: ما هو مصير التليفزيون والراديو في عصر التكنولوجيا الرقمية في وسط الكم الهائل من هذه المنصات، وهل سترحل عن عالمنا العناصر المرئية والسمعية وينتهي عصرهم أم أنه لا يوجد وسيلة تلغي وسيلة أخرى، لذا فمن المتوقع في المستقبل القريب أن يتم عقد اتفاقيات بين شركات الإنتاج الدرامي والتليفزيوني وبين تلك المنصات لإنتاج أعمال درامية وسينمائية مصرية تقدم من خلال تلك المنصات، كنوع من التشجيع على إنتاج أعمال درامية تليفزيونية وأفلام روائية ووثائقية وبرامج وتقديمها على تلك المنصات للوصول إلى أكبر عدد من المشاهدين، بالإضافة إلى البرامج الإذاعية، لينتهي بشكل تدريجي عصر القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية، واستبدالها بتلك المنصات كما فعلت مجموعة شبكات MBC بعد أن أصبحت تكتفي بوضع مسلسلاتها الحصرية على منصتها Shahid.net، ليصبح التليفزيون ما هو إلا مجرد مساعد لمشاهدة تلك المنصات من خلاله.