رائحة الخيانة «1».. محمد الباز يحلل تقارير السفارة الأمريكية بالقاهرة عن أحداث 28 يناير 2011
فى الوقت الذى
كان المصريون يخرجون فيه من بيوتهم لينتظموا فى مظاهرات يوم 25 يناير 2011 ساعين
إلى تغيير بلدهم إلى الأفضل، كان هناك من يخطط للسيطرة على هذه الثورة، وقيادتها
إلى وجهة أخرى تمامًا.
لو أعدت الزمن
إلى الوراء، وتجولت بين المتظاهرين الذين خرجوا من كل مكان، وعلى خلفية ما عرفت عن
أسرار الأحداث وكواليس الصفقات السياسية، يمكنك أن تفرز بين من خرجوا بحسن نية،
معتقدين أن خروجهم يمكن أن يدفع ببلدهم إلى الأمام، وهؤلاء الذين تآمروا عليها،
ولم يكن لديهم أى مانع ليكونوا خدمًا مقابل مكاسب هزيلة، وليذهب الجميع بعد ذلك
إلى الجحيم، وعلى رأسهم الوطن الذى لا نملك غيره.
هنا نمسك
بالسنوات التى مرت، نعيد رواية الحكاية على ضوء الرسائل التى تلقتها وزيرة
الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون، التى لم تكن مطلعة فقط على ما يدبر لمصر، بل
كانت شريكة فيه وراعية له، وساعية إلى تنفيذه بأقصى ما تستطيع.
لن أرهقك
كثيرًا، سأريحك تمامًا من تشابكات الأحداث، فالصورة من بعيد معقدة إلى درجة كبيرة،
كل ما سأفعله هنا أننى سأسير مع الرسائل التى وصلت إلى هيلاري على بريدها
الإلكترونى وتخص الشأن المصري، وسنجتهد معًا لوضعها فى سياقها، فكل رسالة مهما كانت
قصيرة، هى قصة طويلة من قصص وطننا الذى أرادوا أن يدفنوه، وهو لا يزال على قيد
الحياة.
الرسالة «1«
فى تمام الساعة
الثامنة وعشرين دقيقة من مساء يوم 25 يناير 2011 أرسل سليفان جاكوب، مستشار هيلارى
كلينتون، رسالة إليها قال فيها: «الناس يأخذون اتجاهًا من بيانك، ويستفيدون من
سياقه حول استقرار الحكومة فى مصر وجهودها لتلبية احتياجات شعبها، هذا بجانب أن
التركيز المتزايد على قصة المظاهرات فى مصر فى الصحافة المحلية والدولية
والإقليمية يشير للحاجة إلى بيان الليلة لتقديم رسالة بسيطة وواضحة وليست غامضة
تجعلنا فى مقدمة ذلك المنحنى دون أن نكون استفزازيين بشكل مبالغ فيه للحكومة
المصرية».
ردت هيلارى
كلينتون على رسالة مستشارها بكلمة واحدة هى: حسنًا.
كانت هيلارى
كلينتون تعرف ما يحدث فى مصر جيدًا، التقارير التى تراكمت على مكتبها قبل 25 يناير
كانت كاشفة، ثم إن كثيرين ممن تقدموا صفوف المتظاهرين كانوا قد تلقوا تدريبات
بإشراف مباشر ومعرفة من الخارجية الأمريكية.
حاولت هيلارى
كلينتون أن تمسك العصا من المنتصف فى البداية، تصريحاتها الأولى كانت فى اتجاه
التهدئة حيال مبارك الذى كانت لا تزال تعتبره حليفًا، قالت نصًا: «تقييمنا هو أن الحكومة
المصرية مستقرة، وتبحث عن سبل للاستجابة للاحتجاجات الشرعية ومصالح الشعب المصرى».
خلّفَ هذا
التصريح وراءه موجة من الإحباط لدى من خططوا للثورة، فقد أيقنوا أن الإدارة
الأمريكية قد تكون منحازة إلى الإبقاء على مبارك باعتباره حليفًا قويًا لها، وهو
ما دعا مستشار كلينتون إلى التأكيد عليها لتعديل اتجاه تصريحاتها على الأقل لتكون
متوازنة تبعث برسالة طمأنة إلى الموجودين فى الشوارع، وفى الوقت ذاته لا تخسر
الحكومة المصرية التى كانت تقف على المحك.
الرسالة «2«
في يوم 28 يناير
الذى تعارفنا عليه بأنه جمعة الغضب دخل الرئيس الأمريكى باراك أوباما على الخط،
ظهر اسمه فى رسالة تم حجب اسم من أرسلها، لكنها كانت مرسلة إلى جوديث ماكهيل،
وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشئون الدبلوماسية العامة.
العنوان كان
واضحًا هو: «شكرًا لكم»، والنص كان يشير إلى دعم الولايات المتحدة للمتظاهرين فى
الشارع، فقد جاء فى الرسالة: «عزيزتى جوديث، أهنئ الرئيس أوباما على موقفه المبدئى
من مصر والذى يعكس المشاعر الغامرة للشعب، آمل أن يستمر فى هذا الاتجاه فى الأيام
الحاسمة والحرجة بالغة الأهمية المقبلة، ونجدد مرة أخرى اهتمامنا بإجراء مقابلة
مناسبة معه، فليس هناك أحد يحل محله».
كان الموقف الذى
تشير إليه هذه الرسالة هو ما صرح به أوباما يوم 28 يناير، عندما طالب النظام
المصرى بترك الفرصة لحرية التعبير وحق التظاهر فى مصر، بل دعا النظام إلى إجراء
إصلاحات سريعة وعاجلة.
كان الموجودون
فى الشوارع ينتظرون هذه الإشارة فقط، كانوا فى حاجة إلى من يمنحهم حرية التظاهر
والتعبير عما يريدون، ثم يتكفلون هم بما تبقى، وما تبقى كان معروفًا لهم وللإدارة
الأمريكية أيضًا.
لا يمكننا تخمين
اسم صاحب هذه الرسالة، وإن كان مضمونها يشير إلى أنه كان أحد رموز المعارضة
المصرية الموجودين فى الولايات المتحدة، بدليل طلبه لقاءً مباشرًا مع أوباما، ثم
إنه كان قريبًا جدًا من مسئولى الخارجية الأمريكية، فهو يخاطب وكيلة وزارة
الخارجية بقوله «عزيزتى».. وليس بعيدًا أن يكون هذا الشخص هو سعدالدين إبراهيم
الذى كان مقيمًا فى الولايات المتحدة عندما قامت أحداث يناير.
الرسالة «3«
كانت هناك
متابعة دقيقة لما يحدث على الأرض، وهو ما يتضح من الرسالة التى أرسلت بها دانا شيل
سميث، نائب وزيرة الخارجية للإعلام الدولى، إلى عدد من مستشارى هيلارى، وهم سيلفان
جاكوب وبن رودس، نائب مستشار الأمن القومى للاتصالات الاستراتيجية، وجوديث ماكهيل،
وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشئون الدبلوماسية العامة.
عنوان الرسالة
كان «تحديثات مصر»، وفيه سرد لما جرى.
كان النص:
«انتهت الصلاة وبدأت الاحتجاجات، البرادعى صلى علنًا مع 2000 مؤيد، الإذاعة
والمساجد تطالب المصريين بعدم الاحتجاج، حجب الجزيرة مباشر من نايل سات، تغطية
منتظمة لقناتى الجزيرة والعربية، خراطيم المياه مستخدمة فى ميدان التحرير بجانب
القاهرة والمنيا والإسكندرية والشرقية والسويس».
أرسلت ماكهيل
الرسالة إلى هيلارى كلينتون بعد أن تلقتها بنحو عشرين دقيقة، ولم ترد عليها هيلارى
أو تعلق، لأنها فى النهاية كانت رسالة توثيقية لما يحدث على الأرض، وإن كان الواضح
منها أن عيون الأمريكان كانت تتابع البرادعى، وترصد تحركاته، وهذا طبيعى فهو وجه
معروف بالنسبة لهم، وربما أيضًا كانوا ينتظرون منه ما هو أكثر من مجرد الصلاة فى
مسجد به 2000 من مؤيديه.
الرسالة «4«
في نفس اليوم 28
يناير 2011، أرسل فيليب رينز، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، رسالة إلى
هيلارى كلينتون، كان عنوانها يوم الأحد قال فيها: «كما كان متوقعًا فقد طلبت منك
أن تسجلي كلمات مصورة الأحد، لتكونى وجه وصوت الإدارة تجاه مصر، ونحن متفقون على
أنه يجب عليك القيام بذلك، وتعزيز دورك كمستشار رئيسى للسياسة الخارجية للرئيس،
وكبير الدبلوماسيين الأمريكيين، ويرجع ذلك أيضًا إلى أن هناك شخصًا آخر يفعل ذلك،
يسبب لنا مشاكل من خلال تقويض موقفك، وهذا كله فى اللحظة التى يتوقع فيها
الأمريكيون أن يسمعوا منك».
يستكمل فيليب
فيما تبدو أنها نصائح لهيلاري، يقول لها: على الرغم من أن هذا يبدو مرهقًا لك،
فإننا سنقوم بالتسجيل صباح يوم الأحد من مكان واحد، وعلى كرسى واحد، وستقتصر
التسجيلات على خمس دقائق لكل منها، ويمكن أن يتم إجراؤها من منزلك فى « تشاباكوا»،
أو فى مكان قريب قبل أن نغادر إلى المطار، أو ربما يتم إجراؤها من «أندروز» قبل أن
نغادر إلى هايتى.
ردت هيلارى
كلينتون على الرسالة بكلمتها التى يبدو أنها ستكون معتادة لنا، وهى: حسنًا.
لم يفصح المتحدث
باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن اسم الشخص الذى يسبب مشاكل، ويقول لهيلارى إنها
لا بد أن تتحدث، لأنها يجب أن تكون وجه وصوت الإدارة تجاه مصر فى مواجهته، أو
ساحبة البساط من تحت قدميه، لكن مجريات الأحداث تشير إلى أنه ربما كان يتحدث عن
«فرانك وزنر» السفير الأمريكي السابق لدى القاهرة، والذي أرسله أوباما إلى القاهرة
ليلتقي بمبارك حاملًا معه رسالة، وهى المهمة التى جعلته يظهر فى الصورة بقوة جعلت
من يحيطون بهيلارى كلينتون يخشونه، ويتعاملون معه على أنه يسحب الضوء من وزير
الخارجية.
لم يتحدث فرانك
وزنر عن مهمته فى القاهرة كثيرًا، لكن فى حوار أجرته معه حنان البدرى فى واشنطن،
قال: «ذهبت إلى القاهرة فى مهمة كلفنى بها الرئيس أوباما، وعندما عدت قدمت تقريرى
عنها للرئيس، ولم أعلق بعدها أو أتحدث قط عنها أو عن تفاصيل المهمة، لكن يمكن أن
أحكي الآن عن هذه المهمة التى حدثت بالأمس القريب، فحينها كانت أمريكا تريد أن
يعود النظام لمصر وأن تسير فى طريق الديمقراطية، وهذا ما لم يكن من الممكن حدوثه
لو استمر النظام القديم فى مكانه، وكنا نريد، طالما سيحدث تغيير، أن نكون إلى جانب
هذا التغيير، وهذا كان صميم رسالتى لمبارك، وأيضًا أن يتم ذلك التغيير بشكل سلمى
ومنظم، وهذه كانت الرؤية الأمريكية، وكنا نحاول تشجيع الزعامة المصرية فى ذلك
الوقت، أى مبارك، على التحرك، وعلى أن يبدأ فى عملية انتقالية من النظام القديم
لنظام ديمقراطى وهذه كانت مهمتى».
أمسك فرانك وزنر
عن الدخول فى مزيد من التفاصيل.
وقتها كان يتم
التعامل معه على أنه الرجل الذى أرسلته الولايات المتحدة لينقذ مبارك من الثورة،
وذلك بحكم أنه كان صديقه، وربما كان هذا ما دفع المتحدث باسم الخارجية الأمريكية
أن يحرض هيلارى كلينتون لتتحدث، لأن السيناريو الذى كان معلنًا ومعقودًا بتكليف
وزنر بمقابلة مبارك على الأغلب لم يكن مرضيًا لمستشار هيلارى فى الخارجية الأمريكية.
ما قاله وزنر
بعد ذلك يشير إلى أنه لم يكن مكلفًا بأكثر من نقل الرسالة الأمريكية إلى مبارك،
قال: «أنا عرفت مبارك لفترة طويلة، عرفته لفترة كافية لدرجة أنه لا يمكن أن
يفاجئنى، مهمتى كانت نقل وجهة النظر الأمريكية، وأنا فعلت ذلك، وكانت مهمة سهلة
وواضحة وبسيطة، رسالة كان يجب أن أقوم بتوصيلها وقد فعلت، وبعدها كنت جاهزًا
للعودة لأمريكا».
لكن ورغم هذا
الوضوح الذى أحاط بمهمة المبعوث الأمريكى إلى مبارك، فإن هناك من كان يتخوف فى
الخارجية الأمريكية من أن تكون مهمته قبلة النجاة لمبارك، تأسيسًا على الصداقة
التى تربط بينهما.. وهو ما دعاهم إلى أن يطلبوا من هيلارى أن تتواجد فى الصورة.
الرسالة «5«
كان الصحفيون
الأمريكيون يعرفون أن الصورة الكاملة عما يحدث فى مصر لا بد أن تكون موجودة لدى
هيلارى كلينتون، وهو ما تفسره الرسالة التى أرسل بها لاند مارك مساء 28 يناير 2011
إلى سليفان جاكوب، أحد مستشارى هيلارى.
مارك كان يغطى
أخبار وزارة الخارجية الأمريكية، وأصبح مراسلًا للبيت الأبيض فى 2011، موضوع
الرسالة كان مصر، ونصها كان: جيك.. هل من فرصة أن يكون لديك بضع لحظات لمناقشة
تفكير هيلارى كلينتون وتطوراته حول كيفية معالجة احتجاجات مصر؟ يبدو أنها تزود
قيادات الإدارة بهذه الأمور، لقد بدا بايدن كما لو كان يعتقد أن عام 1985 بالأمس.
أرسل جاكوب
بالرسالة إلى هيلارى كلينتون التى لم ترد عليها، ربما لأنها كانت متحفظة على رسم
صورة لما يحدث فى مصر لتعقيدات المشهد وتشابكاته، ولأن الأمور ربما لم تكن قد حسمت
على الأرض بعد.
اللافت فى هذه
الرسالة هو ما ذكره مارك عن جو بايدن الذى كان نائبًا للرئيس الأمريكى، فقد صوّره
على أنه مجرد شخص مغيب تمامًا، لا يعرف ما يدور فى العالم، ولا يتابع ما يحدث،
للدرجة التى يعتقد فيها أن العام 1985 كان بالأمس، ولا أدرى ما الذى يقوله مارك عن
بايدن الذى رشحه الحزب الديمقراطى لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية منافسًا
لترامب بعد ما يقرب من عشر سنوات على توصيفه بهذه الطريقة المهينة.
الرسالة «6«
نحن ما زلنا يوم
28 يناير، ولا يزال البريد الإلكترونى للخارجية الأمريكية يتلقى الرسائل تباعًا،
ويمكنك أن تتوقف أمام رسالة أرسل بها جيفرى دى فيلتمان، مساعد وزير الخارجية لشئون
الشرق الأدنى، إلى عدد من مستشارى هيلارى، أبرزهم سيلفان جاكوب وبن رودس نائب
مستشار الأمن القومى للاتصالات الاستراتيجية وجوديث ماكهيل ودان شابيرو، مدير أول
لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كان عنوان
الرسالة هو «عودة للنظر.. الاطلاع على مصر»، وقد تم حجب نص الرسالة، ويبدو أنها لم
تكن تحمل شيئًا خطيرًا، فمن عنوانها يمكن أن نتخيل ما جاء فيها، فقد كانت الأحداث
متتابعة بصورة جنونية، وكان هناك رصد لكل جديد ولكل تطور يحدث على الأرض.
بدا هذا واضحًا
من الرسالة التى أرسلت بها «مارجريت سكوبى»، السفيرة الأمريكية فى القاهرة وقتها،
إلى الخارجية الأمريكية، والتى قالت فيها: «من الصعب على سفارة القاهرة التفكير فى
هذه المرحلة فى قضايا المدى الطويل، يبدو أن الحكومة المصرية فقدت السيطرة على
مناطق فى القاهرة، بما فى ذلك المنطقة المحيطة بالسفارة، وليس من الواضح مدى
السرعة أو ما إذا كانت ستقدر على استعادة السيطرة، وحسب ما ورد، فقد أمر الجيش
بدعم السفارة، لكننا لم نرَ أى دليل على ذلك حتى الآن».
من نص الرسالة
يبدو أنها كانت ردًا على رسالة تلقتها السفيرة من الخارجية الأمريكية تطلب منها
تقدير موقف للوضع، ورؤية للسيناريوهات التى تراها طبقًا للتطورات، لكن السفارة لم
يكن لديها شىء تقوله عن المستقبل، لأن الوضع الحالى غامض جدًا، فقد كانت السفارة
نفسها تواجه موقفًا لا يمكن أن يحسدها أحد عليه، فقد شعر الموجودون فيها بأنهم فى
العراء، بعد أن فقدت الحكومة السيطرة على كل شىء، بما فى ذلك المكان الذى تعمل منه
السفارة فى جاردن سيتى، وهو ما يعنى أن كل شىء يمكن أن يحدث.
الرسالة «7«
كانت تحركات
وزارة الخارجية الأمريكية فى يوم 28 يناير 2011 بنفس سرعة الأحداث فى مصر، وهو ما
يظهر من الرسالة التى أرسل بها سليفان جاكوب، أحد مستشارى هيلارى، إليها شخصيًا
بعنوان ملاحظات مصر، ويقول فيها: «يجب أن تجتمع سفارتنا الآن مع أكبر عدد من قادة
المعارضة، ومن المحتمل أن يكونوا حراسًا جددًا من الحزب الوطنى أو المنظمات غير
الحكومية، المشكلة أنهم جميعًا فى وضع الثبات، يمكننا العمل من خلال المعهد
الديمقراطى الوطنى أو المنظمات غير الحكومية الأخرى، لبدء التواصل مع المعارضة
غدًا إذا كان الوضع أكثر هدوءًا، كما هو الحال فى تونس، قد تكون هناك فجوة بين
مطالب المتظاهرين غير المنظمين والمتنوعين، وكثير منهم شباب غاضب، ومواقف مجموعات
المعارضة المنظمة، ومع ذلك فإن تقييم الخطوط الحمراء للعمال والحركة المصرية من
أجل التغيير وغيرها من الجماعات السياسية ومجموعات المجتمع المدنى سيكون بمثابة
عمل تقدمى جديد لأى احتمال».
هنا إشارة واضحة
يمكن أن نضع أيدينا عليها من هذه الرسالة، وهى أن الخارجية الأمريكية بدأت فى
محاولة تنظيم المشهد فى مصر على الأرض، بداية من يوم 28 يناير، ولم تنتظر ما يسفر
عنه التحرك فى الشارع، لكنها كانت تخطط لعقد اجتماعات مع المعارضة، ليكون لها مقعد
على مائدة أى حوار أو تحرك فى مصر.
الرسالة «8«
أثار قرار قطع
الاتصالات فى مصر فى 28 يناير 2011 حالة من الاهتمام داخل الخارجية الأمريكية، وهو
ما يمكننا أن نلاحظه فى الرسالة التى أرسل بها فيليب فيرفير، نائب مساعد وزير
الخارجية والمنسق الأمريكى للاتصالات العالمية وسياسات المعلومات، إلى روبرت هورماتس،
وكيل وزارة الخارجية للنمو الاقتصادى والطاقة والبيئة.
ركز فيليب فى
رسالته على نقطتين رأى أنهما الأكثر أهمية فيما جرى.
النقطة الأولى:
شاركت الحكومة المصرية فى أكثر عمليات إغلاق الإنترنت شمولًا فى العالم، المقارنات
الوثيقة الوحيدة بشكل معقول هى الجهود التى بذلت فى بورما وإيران، لكن هذه لم تكن
بنفس مستوى ما حدث فى مصر، فقد أغلقت الحكومة الاتصالات الإلكترونية الأخرى بشكل
شبه كامل، الاستثناء العام الوحيد هو نظام الهاتف السلكى، ويمكن رؤية الضيق النسبى
لهذا الاستثناء فى حقيقة أن هناك ما يقرب من ستة أضعاف اشتراكات الهاتف المحمول
المنفصلة أكثر من الخط السلكى.
ورعم أنه كان
هناك تركيز كبير على إغلاق وسائل التواصل الاجتماعى، فإن ما حدث فى الاتصالات اللا
سلكية كان أكثر أهمية.
النقطة الثانية
أن التكاليف التى يتحملها أى مجتمع حديث لإغلاق الاتصالات الإلكترونية باهظة
للغاية، وهى لا تشمل التكاليف الاقتصادية فحسب، بل تشمل أيضًا التكاليف غير
النقدية للأفراد الذين على سبيل المثال غير قادرين على معرفة مكان وظروف الأقارب
والأصدقاء، ولا يبدو أن هناك أى احتمال لفصل جميع الاتصالات الإلكترونية تقريبًا
لفترة طويلة، لأن التكاليف التى يتحملها النسيج الاجتماعى والاقتصاد باهظة للغاية،
إنه إجراء ما لم يتم إنهاؤه على الفور، سيصبح شكوى قوية وعالمية ضد الحكومة.
عن طريق سفيرة
الولايات المتحدة لقضايا المرأة العالمية فى وزارة الخارجية وصلت الرسالة إلى
هيلارى كلينتون، وكتبت لها التالى: أرسل لى فيليب هذا التقييم لحالة التليفون
المحمول والإنترنت فى مصر، وأعتقد أنها قد تكون معلومات مفيدة.
الرسالة «9«
فى ختام رسائل
28 يناير التى تلقتها الخارجية الأمريكية عن مصر، كتب كولين كروسبى، ويعمل مراقبًا
داخل مركز العمليات بوزارة الخارجية الأمريكية رسالة أرسل بها إلى كبار الموظفين
فى الخارجية، وحملت تفاصيل أكثر عما يحدث فى مصر.
كان نص الرسالة:
زملائى، لقد أكملنا للتو مؤتمرين عبر الهاتف بشأن مصر، أحدهما مع السفيرة سكوبى،
والآخر مكالمة تشغيلية أكبر بكثير، وهنا بعض النقاط المهمة.
أولًا: وصفت
السفيرة سكوبى الشوارع بأنها خرجت عن السيطرة، وأن الشرطة فقدت السيطرة على الوضع،
وذكرت بعض الصحف أن الشرطة تخلت عن الزى الرسمى لها.
ثانيًا: هناك
متظاهرون أمام السفارة، طلبت السفارة دعم الشرطة، وقد طلبت السفارة التأكيد على
حاجتها إلى حماية إضافية.
ثالثًا: تم
إجلاء مدير القنصلية الأمريكية والموظفين المحليين من الإسكندرية.
رابعًا: حظر
التجول من الساعة 6 مساء حتى 7 صباحًا فى القاهرة والإسكندرية والسويس.
خامسًا: تقول
الشرطة إن أى شخص يخرج سيطلق عليه الرصاص، لكن حتى الآن لم تستخدم الشرطة القوة
المميتة.
سادسًا: حدوث
احتجاج فى نصف المناطق حول القاهرة تقريبًا.
سابعًا: الشرطة
تستخدم الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطى، لكنها تتراجع تحت ضغوط الحشود.
ثامنًا: استخدام
زجاجات المولوتوف وإحراق مراكز الشرطة والمركبات.
كانت هذه
الرسالة تفصيلية لما حدث خلال يوم 28 يناير، وفيها ما يمكننا اعتباره تقارير
السفارة الأمريكية عن اليوم الأصعب فى مصر، لكن هذا لم يكن كل شىء.
وما زالت
الرسائل تتوالى.