رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


نورالشريف يحاور الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل

15-10-2020 | 09:59


طوال عمرى وأنا أحلم أن أقدم للناس ما يفيدهم.. وقد حاولت ذلك فى مجال الفن.. وعندما عرضت علىنصف الدنياأن أعمل صحفياً ليوم واحد لم أجد أمامى شخصاً أريد أن أتحاور معه بكل طاقتى إلا الأستاذ محمد حسنين هيكل لأنه أولاً الأستاذ والمعلم ولأنه من أكبر المحللين السياسيين على مستوى العالم ولأننى كنت أريد أن أتحدث معه.. وعندما اتصلت بمكتبه جاءنى صوته مرحباً، واتفقنا على الموعد.. وتركنا الحديث يأخذ مجراه ليضع لنا الأستاذ النقاط على الحروف فى محاولة لتبصيرنا بالواقع وبالمستقبل.

أى واحد فينا كان يستبعد أن يدخل أبوعمار إلى الأرض المحتلة ولو فى أرض محدودة ولو أننى مواطن إسرائيلى وعايش منذ صغرى على الحلم التوراتىأرض الميعادوفجأة تنازلوا بداية منكامب ديفيدعن جزء من الحلم.. هل نستطيع أن نقول إن إسرائيل قد خضعت للحلول التفاوضية لإدراكها أنه لم يعد لها دور فى المنطقة؟

فى العالم العربى توجد نظريتان.. نظرية المؤامرة وأنا أعتقد أن هناك مؤامرة، وأعتقد أن التاريخ كصراع به مؤامرة.. لكن ليس كل التاريخ مؤامرة.. النظرية الثانية وهى المتفائلون، والفن فى طبيعته متفائل يعنى أن الرؤية التى تقولها متفائلة إلى درجة أن الفن لعب فيها دوراً.. وإسرائيل لم تخضع لأى شىء لكن نحن خضعنا، أنظر إلى المشروع الإسرائيلى.. وطن قومى لليهود واضح فى حدوده وفى تسمياته اليهودا والسامرة وهنا لابد من التفرقة بين قاعدة المشروع، وامتداد المشروع - القاعدة الأصلية ليس فيها غزة - من الناحية التاريخية لكن أضيف للناحية التاريخية مسألة مهمة وهى أنه نظراً لظروف سياسية وتاريخية معقدة حدث تكدس فلسطينى فى غزة وهذا لا تريده إسرائيل، فمثلاً فى عام 1988 دعانا أبوعمار - أحمد بهاء الدين وأنا - وذهبنا إلى تونس بطائرة خاصة قبل المؤتمر الوطنى الفلسطينى، وفى غير مجد الانتفاضة وساعتها قلت لأبوعمارانتبه.. إسرائيل تريد أن تلغى عليك مواقع التجمع السكانى لأنها لاتريد أن تأخذ مسئولية تهدئة وضبط الأمن فى هذه المواقع لأن الظروف اختلفت ولأن موارد الهجرة قلت، كما أن العالم العربى تنبه، وأصبح هناك كتلة سكانية رفضت الخروج كما حدث 1948 وظلت متمسكة بالأرض، وأصبح هدف إسرائيل وهذا ما قاله رابين صراحة: أنا لا أريد أن يتحول الجيش الإسرائيلى إلى قوة بوليسوبالتالى لابد أن يتحمل أحد هذه المسئولية لأن غزة كانت قنبلة.. وقد حكى لى فرانسوا ميتران مرة أن رابين قال لهأنا بنام وأصحو وأحلم مرات وأتمنى أستيقظ وأجد غزة قد غرقت بأهلها فى البحروأنا قلت هذا الكلام لأبوعمار بحضور أبوإياد وأبوجهاد وأبومازن.

وكان رأيى أن يقبلوا بقرار تقسيم سنة 1948 لكن ليس لهم علاقة بقرار 342 لأن هذا القرار متقن بأشياء تعنى الدول ولا تعنى المنظمة.

ولكن دخول غزة - فى اعتقادى - كان خدمة لإسرائيل وكنت أفضل أن يظل الجيش الإسرائيلى متمترساً فى غزة، لأن هذا المشهد الرائع للانتفاضة اشترته إسرائيل بثمن رخيص جداً.

وحكاية أن إسرائيل فقدت دورها كشرطى للمنطقة غير صحيحة وهذا واضح فى كل التفكير الأمريكى الاستراتيجى.. وإذا كانت المنطقة هدفاً.. وموردها وموقعها الاستراتيجى هدفاً.

وبالتالى هم فى حاجة إلى قوة محلية تحمى هذا الهدف، وكانت إسرائيل موجودة مع شاه إيران بالتناوب، وبضياع إيران من النفوذ الأمريكى تركز عنصر الحماية فى إسرائيل خاصة وأن أمريكا ترى كما قال كسينجر مرات عديدة.. إن حكومات المنطقة غير شرعيةوقال لى كسينجر: أنا أستطيع أن أغمض عينى وأقول غداً سيحكم إسرائيل بيريز أو رابين لأننى أعرف إما حزب العمل أو الليكود، لكن فى العالم العربى لا أستطيع أن أتصور فى أى بلد متى تحدث مشكلة، وجاء سقوط إيران فى يد الثورة ليؤكد أن الدولة الأصلية الموجودة فى المنطقة كلها معرضة لتحولات وتغيرات، وأن الدولة التى تملك مؤسسات بقاء - على المدى القصير والمتوسط - هى إسرائيل وبالتالى فأنا أعتقد أن مطلب وجود إسرائيل أقوى.

والمنطقة كلها تتحرك لتلبية مطالب إسرائيل منذ 1973، وتجد ذلك حتى فى الجنازات، ففى جنازة رابين جاء العام ليؤيد إسرائيل فى لحظة ضعف.

إسرائيل ازدادت أهميتها بالنسبة لأمريكا وليس العكس، وهذا من أول الأشياء الحاكمة فى مستقبل العالم العربى، وأعتقد أن العالم العربى مثل البطل الذى وصل إلى طريق مسدود ثم بدأ ينتحر، انظر إلى الخليج وما يمكن أن يحدث فى المنطقة.

لكن يا أستاذ هيكل المؤامرة حدثت بما يعنى أن المؤامرة هى التى تدفع البطل للانتحار؟

ما يقلق هو أن البطل يندفع وراء المخطط الذى يدفه إلى الانتحار دون أن يقاوم وعندما تقول مثلاً العراق، لابد وأن تربط بين ما جرى بين العراق والكويت بما جرى بين العراق وإيران وانظر إلى موارد البترول إلى أين ذهبت؟ الدول العربية حصلت من وراء البترول على 6 أو 7 تريليون دولار خلال الـ25 عاماً الماضية، ماذا فعلنا بهذه الفلوس، طرق ممهدة أو بعض المستشفيات، وهذا ليس هو التقدم لأن التقدم بالدرجة الأولى فى عقول البشر وفى ممارساتهم، بما فيهم تحكيم إرادتهم فى صنع المستقبل.

لو أن الانتخابات القادمة فى إسرائيل جاءت بحزب لا يعتمد على الأحزاب الدينية كيف سيكون الوضع؟

هناك تناقضات بالنسبة للوضع فى إسرائيل على المدى الطويل، تجعل وجودها فى حد ذاته فى أزمة، لأنه لأول مرة يعتبر الدين وطنية، وفى وقت إنشاء إسرائيل كان هناك حوار مهم وأهم أطرافه أينشتاين ووايزمان.. وعدد كبير جداً من المفكرين اليهود وكان رأيهم أن هناك ديناً يهودياً وهو موجود داخل حضارات وأمم كثيرة، واضطهدوا كأقلية لكنهم ليسوا أكثر اضطهاداً من الزنوج، ولكن إذا خلعت اليهود من الأرض التى يعيشون فيها فأنت ستقضى على العنصر اليهودى، لأن الدول كلها ستقول لليهود هناك وطن قومى لليهود اذهبوا إليه، وعندما يتم تحويل الدين إلى وطنية فهذا مأزق، وكأنك طلبت من المسلمين فى الصين وأندونيسيا والهند والسعودية وقلت لهم كونوا دولة واحدة، وهنا يكون الرابط هو دعوة دينية جاءت بالناس من كل الأقطار ساعد عليها جو سياسى معين سواء اضطهاد دينى مثل التجربة النازية، ومن هنا تم خلق كيان أساسه دينى وتناقضاته قومية وطنية وعوامل تفجيره ثقافية لأن كل واحد يتحدث بطريقة مختلفة فمثلاً كل القيادات فى إسرائيل التى قامت على مشروع دينى فى أساسه هى قيادات ملحدة.. ونحن لم ننظر إلى كميات التناقضات الكثيرة فى إسرائيل، هذا الدين الذى تحول إلى قومية فى إسرائيل ومسلح بسلاح أقوى منى، ويرعبنى هذا السلاح إلى درجة أننى لا أنظر إلى ما وراء هذا السلاح من متناقضات فإذا تم إلغاء الأساس الدينى فى الدولة تصبح بدون شرعية وإذا أخذت شرعيتها كدولة مؤسسات يلغى أساسها الدينى.. وهناك خلط ثقافى مروع، والعنصر الأقوى فى إسرائيل هو القادم من أوروبا الشرقية.. إذن نحن أمام تركيبة بالغة التعقيد لا ينبغى أن نقيس عليها بمقاييسنا العادية.

هل يطمح رجال الدين اليهودى لتولى السلطة فى إسرائيل؟

إذا كان أساس الدولة هو الدين فمن الطبيعى أن يكون المبشرون به هم رجال الدين وأن يكونوا حماته، الحلم التوراتى أخذ مذهب بن جوريون واستغلوه لإنشاء دولة، لكن الدين ليس من الجن الذى تستدعيه من قمقمه ليؤدى مهمة ثم تقول له انصرف فينصرف، وأنت تتحدث عن أقدم ديانة سماوية أخذت من كل مكان ذهبت إليه أصعب ما فيه، فمثلاً اغتيل رابين على يد عمير الذى هو ابن المؤسسة الإسرائيلية هذا الشاب كان تساعده عناصر فى الموساد والشين بيت، ولا أحد يستطيع أن يقترب منه ويعيش داخل سجن خمس نجوم.. والأهم أنه غداة اغتيال رابين تصور بيريز أن فكرة السلام ستحمله إلى الحكم فإذا بها تأتى باليمين ونتانياهو.

هل تعتقد أن إسرائيل ستكمل تنفيذ اتفاقية واى ريفر وأوسلو؟

فى أوسلو كان أبوعمار يائساً وتعباناً إذ كانت فى الداخل الانتفاضة تأخذ كل شىء وفى الخارج يتجاهلونه.. لكن فى أوسلو أمكن التوصل إلى دخول غزة وأنا عندما ذهبت لأرى أبوعمار قلت لهأنا خايف عليك من أنهم يعطونك غزة وأنا حتى من منطلق وطنيتى كمصرى فإن غزة تعتبر مساحة محصورة وبها كتلة من السكان تزيد على المليون وأنا أخشى أن تذهب إلى هناك وتعجز عن الوصول لحل بعدها أو لا يستجاب لآمال الناس فتجد نفسك تعيش فى مشاكل فى غزة، وفى هذه الحالة سيضطر الجيش المصرى للتدخل حتى لا تقع مذابح.

فماذا حدث فى هذه الاتفاقية قالوا لنبدأ بالمشكلات السهلة ونترك القضايا الصعبة مثل القدس، والحدود، والمستوطنات، وإذا استبعدنا مثلاً هذه القضايا فماذا سيتبقى للقضية الفلسطينية، الإسرائيليون حتى الآن يرفضون كلمة انسحاب ويسمونهاإعادة انتشار، واتفاقيةأوسلوتنص على أن هناك منطقة “A” وتخضع لإدارة السلطة الفلسطينية و “B” إدارة مشتركة لأمن إسرائيل وتواجد مدنى للسلطة الفلسطينية و “C” لا أحد يدخلها.. وما حدث فىواى ريفرأن 1% من مواقع الانسحاب انتقلت من B  المشتركة إلى A الخاضعة للسلطة ونحن لا ندقق رغم أننا أمام ناس، كل كلمة تعنى عندهم شيئاً.. فمثلاً فىأوسلولم يكن بين المفاوضين قانونى واحد ثم طلب من مصر أن ترسلقانونييوم بدء المفاوضات وذهب السفير شاش وكان أمامه نصف ساعة أو ساعة ليقرأ فيها الاتفاقية وبالتالى لم يستطع عمل أى شىء، بينما كان تحت تصرف المفاوض الفلسطينى أعداد من القانونيين الفلسطينيين بلا حدود.

لماذا لا يستطيع العرب جميعاً الدخول فى حرب مع إسرآئيل بدون مصر بعد رفضهم لاتفاقيةكامب ديفيد؟أولاً لأن مصر هى نصف الأمة العربية، ولها دور صنعته الظروف ولم يفرض بالقوة المسلحة، مصر لها دور وقوة ووزن فى هذه المنطقة والعالم، والذى صنع هذا الدور هو الشعب، وكل بلد فى الدنيا له نوعان من القوة.. القوة الصلبة المتمثلة فى القوات المسلحة والاقتصاد ثم القوة الأخرى المتمثلة فى الإمكانيات الحضارية فمن الذى عمل فكرة انتماء مصر العربى؟ أولاً الصحافة المتمثلة فى الناس الذين جاءوا من البلاد العربية والشعراء والسينما، وأنا أعتقد على سبيل المثال أن أم كلثوم ونجيب الريحانى وعبدالوهاب وأنت وكل من تتخيل من الناس الذين ظهروا فى صورة أو أمسكوا بقلم ساهموا أكثر بكثير من الكتائب والفيالق فى مسألة الوحدة العربية، ولهذا اعترفت لك الأمة وأقامت مفر تجمعها وقالت أمين عام جامعة الدول العربية مصرى وتعودت الأمة لسنوات طويلة أن هناك أخا أكبر موجوداً.

فضلاً عن أن مصر هى أول دولة تطور فيها مشروع الدولة بينما الآخرون كانوا يحاولون وبعضهم لايزال يعش فى قبلية.. أليس من الغريب أن البعث السورى هو نفسه البعث العراقى لكن نوعاً من القبلية فرق بينهما، والمشكلة أن مصر فى وقت من الأوقات تتصور أنها تستطيع أن تستغنى عن الباقين وهذا خطر جداً ومناف للطبيعة.

وإذا نظرنا إلى الخطر الإسرائيلى سنجده يستهدف فلسطين أولاً ثم حجب مصر عن الأمة العربية ثانياً.

التجربة الإيرانية أفرزت نظاماً ديمقراطياً حقيقياً لكن لماذا هو نموذج غير مرغوب فيه بالمنطقة؟

علاقتنا بإيران ملتبسة بدون مبرر، وإذا نظرت للمنطقة ستجد أن هناك حضارتين قديمتين حقيقيتين هما الحضارة الفارسية والحضارة المصرية، وكان بينهما علاقات بالاتصال وبالصدام وبالحرب أحياناً، ونحن لم نفهم إيران إطلاقاً ولم نفهم أهمية الإسلام بها لأن الإسلام دخل إلى إيران ولم تدخل اللغة العربية إليها نظراً لوجود قوة غير متصلة بالعرب، قبلت الإسلام ولم تقبل اللغة العربية، إضافة إلى أن إيران حين اختارت المذهب الشيعى، أصبحنا فى حرب سنية شيعية، وعندما جاءت الثورة الإيرانية نظرنا إليها بعدة نظرات، ففى السنة الدين خاضع للدولة منذ معاوية، وهذا غير موجود فى إيران ونظراً لأن الفكرة الحضارية هناك ظلت متماسكة، لعب الدين دوراً فى تميزها عما حولها، ولرغبتها فى عدم الدخول فى الدولة العثمانية ولا تذوب فى البحر العربى أخذت المذهب الشيعى، وأصبحنا أمام لغة أقلية ومذهب أقلية تمترست على الحدود بين العرب وشبه القارة الهندية، ونحن لم نفهم ذلك وخلطنا بين الدين فى إيران وما يحدث عندنا.

آيات الله فى إيران مؤسسة دينية لعبت دوراً فى غاية الأهمية، منذ أن اختار إسماعيل الصفوى المذهب الشيعى كمذهب رسمى للدولة.. ومن هنا كان لابد أن نفهم أن هذا ليس هو حسن البنا ولا هو الأزهر.

وأنا عندما رأيت الخومينى فى باريس سألني: أنت كنت مستشار عبدالناصر؟ قلت له لا أنا كنت صديق عبدالناصر مراسلات فقلت له: لا أعرف.

والخومينى كان يتحرك بخزينة وثائق وأخرى لملابسه، فطلب من إبراهيم يازدى أن يحضر له مجموعات رسائل كتبها هو لـعبدالناصرومجموعة ردود من الرئاسة - أعتقد من سوريا أيام الوحدة - وما حدث أن مصر كانت تساعد عائلات الناس الذين ضربوا ومنهم الدكتور فاطمى الذي كان وزير خارجية مصدق، الذى قتلته المخابرات الأمريكية فى مكتبه.

وعندما أرسل الخومينى للبلاد الإسلامية يطلب المعاونة بعدما حدثت مذابح 61، 1962 فكان الوحيد الذى رد عليه هو جمال عبدالناصر، ثم قرروا أن يرسلوا له 150 ألف دولار وذهب بهم شخص من سوريا لكن تم القبض عليه فى مطار مهرآباد، لكن فيما بعد استطعنا أن نرسل لهم بعض المساعدات، وسألنى الخومينى.. لماذا يهاجمنى الأزهر؟، وأحضر لى بعض قصاصات الصحف بها فتاوى صدرت بناء على طلب من شاه إيران أيام الرئيس السادات تستند إلى آيةوأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكموكان مندهشاً وفى ذهنه مصر الثورية.

انتابنى إحساس تجاه فضيحةمونيكابأنها جزء من سيناريو العولمة بما يعنى أن السطوة ستكون للشركات متعددة الجنسيات وبالتالى لابد من إضعاف رمز الدولة حتى فى أمريكا فما هو رأيك؟

-عندما نتحدث عن العولمة والشركات متعددة الجنسيات ننسى تطوراً بالغ الأهمية حدث بعد الحرب العالمية الثانية إذ هيبة الدولة لم تعد فى شخص الرئيس لأنه ببساطة عندما دخل عصر الصور للسياسة أصبح مطلوباً من السياسى أن يكون شيئاً آخر وأصبح أى شخص يستطيع أن يخوض فى تفاصيل أى شخص آخر.. وبسبب ثورة المعلومات لم يعد هناك سر.. وفى داخل أمريكا القوة الحقيقية ليست فقط فى الشركات متعددة الجنسيات، وإنما فى العائلات الكبرى والمصالح الكبرى.

وأول صدمة تعرضت لها فى هذا المجال كانت فى عام 1952، عندما كان أيزنهاور مرشحاً للرئاسة وكان يركب المرشح قطاراً، ويقف فى كل محطة ليتحدث إلى الناس، وقتها كانت العربة المخصصة للصحفيين فى آخر القطار، وفى أول مرة شاهدت أيزنهاور قبل خروجه للناس وقف أمام بعض الناس ووجدتهم يرشون رأسه بـاسبرايلإطفاء لمعة الصلع ثم وضعوا لهميك أبوما تتصوره عن هيبة الرؤساء لم يعد صحيحاً.. الدولة أصبحت نوعاً منالشوولاحظ أنه منذ أيزنهاور لم ينته رئيس أمريكى نهاية طبيعية حتى الآن.

حكاية مونيكا كتبت عنها فى مجلةالكتب: وجهات نظرالتى يشرف على تحريرها جميل مطر وسلامة أحمد سلامة، وهذه الحكاية ليست قضية جنس إنما قضية بدأت بتهريب كوكايين بـ750 مليون دولار دفع منه جزء للحملة الانتخابية لكلينتون أيامأركانسوثم لماذا يضعف كلينتون أمام الستات؟

هو بنفسه اعترف أنه فعل ما فعله فى مكتبه بالبيت الأبيض وقبلها حكايات كثيرة.. وهيلارى قالت: إن مشكلته أنك لا تعرف من هو أبوه؟ لأنها قالتأنا فى هذا الوقت كنت أقابل كثيرين ولأنها لم تستطع أن تحدد له أبيه فراح ينتقم من كل الستات وإذا كنت قد ذهبت إلى البيض الأبيض ستجد أن مكتب الرئيس متصل بغرف عديدة.. ولو نظرت إلى تقريرستارستجد أن أول خمسين صفحة لم يهتم بها أحد، وفى هذه الصفحات قالستار” “مع الأسف أنا مضطر أن أركز على الواقعة الجنسية.

وفى هذه القضية مات 22 فرداً كانت لهم علاقة بقضايا فساد أخرى.

وهناك قضايا أخرى كثيرة متصلة ببعضها لكن ستار لم يستطع أن يثبت هذه القضايا لأن كل هذه القضايا كان فيها محامون ورجال علاقات عامة، لكن فى قضية مونيكا لم يكن معه محامون أثناء فعلته ومن هنا استطاع أن يضبطه متلبساً فى هذا الموقع، وقال "ستار" لذا أردت أن أثبت متعلق أن كلينتون يرتكب جرائم كثيرة، وأنه يكذب بشكل مستمر، وكلينتون ومجموعته تصرفوا بذكاء إذ اعترف بقضية الجنس فحول القضية إلىدراما الجنسلكى يغطى على كل ما هو غير قانونى والمناقشة كانت بين أمريكا الحقيقية متمثلة فى الكونجرس، ناس يستحدثون بالقانون واللباقة، وبين آخرين من عصر الصور يخلقون انطباعات عامة ويؤثرون على الناس.

لماذا لم يحصل جورباتشوف على ثمن الزلزال الذى صنعه لصالح أمريكا؟

أولاً التاريخ ملىء بالذين لم يحصلوا على ثمن أنا توقعت الانهيار وكتبت عن ذلك فى مقالى الشهرى الذى ينشر فى حوالى 1200 صحيفة وفى إحدى المرات طلبوا أن أرد على سؤال شبيه بسؤالك، وأعتقد أن النظام السوفييتى قلب القاعدة التى عملها دارونالبقاء للأقويأما القاعدة التى عملها لينين هىالبقاء للأضعفوهكذا حتى وصل الأمر إلى أن يتولى الحكم موظفون فى الحزب. كما حدث عندنا عندما تحول جهاز تأمين الدولة إلى الاتحاد الاشتراكى، فثورة 23 يوليو كان بها ثلاثة أجنحة: جناح الحلم ويمثله جمال عبدالناصر، وجناح تنفيذ الحلم يمثله بعض المدنيين الذين نفذوا مشروع الثورة فمن الذى عمل السياسة الخارجية؟.. محمود فوزى ومن الذى عمل التصنيع؟.. عزيز صدقى.. ومن الذى أدار قناة السويس أو نفذ السد العالى؟ العسكريون كان منهم من قام بتأمين الثورة ومنهم من عمل فى المخابرات أو بعض الأجهزة.. وعندما مات جمال عبدالناصر حاول جهاز تأمين الثورة تنظيم الدولة.

لكن لماذا لم يقبض جورباتشوف الثمن؟

عنده مركز للدراسات حصل به على تبرعات وصلت إلى 100 مليون دولار، وهو عموماً نتيجة طبيعية للضعف الذى حدث فى الاتحاد السوفييتى.

هل تعتقد أنه خلال السنوات المقبلة سوف تتبلور قوة تعيد التوازن مرة أخرى؟

ما يعطى أمريكا القوة هو أولاً قوة السلاح الذى فات وقته ثم الاقتصاد.. فالدولار أصبح هو الوعاء الوحيد الذى يتحمل بالدولار حتى فيما لا يخص أمريكا.. ولأول مرة يكون هناك وعاء آخر يمكن أن يكون منافساً للدولار هواليورولكن أمامه فترة لكى يتماسك، ويصنع اقتصاداً قوياً تربطه مصالح بالتراضى، تمثله عملة واحدة يمكن أن تكون وعاء أمام الدولار.

وهل تستطيع الشركات الكبرى السيطرة على السياسة بقدراتها على إفلاس دولة ما؟

أنت أمام ظاهرة داروينية.. فليس صحيحاً أن الرأسمالية تؤدى إلى المنافسة لكن الرأسمالية المطلقة بلا رقيب تؤدى إلى الاحتكار وبالتالى يستطيع السمك الكبير أن يلتهم السمك الصغير، فمثلاً شركة مثلبالموليفوهى شركة عملاقة تصنع كل شىء من الصابون إلى السلاح ورأسمالها أكثر من 700 بليون دولار، مقرها فى مركب فى عرض البحر وبالتالى لا أحد يحصل منها جمارك أو رسوم، وهناك شركات لديها جيوش فى غرب أفريقيا.. وأستطيع أن أقول لك إنه يوجد الآن بالعالم حوالى 30 شركة توريد خدمات عسكرية علناً.. المشكلة الكبرى أن هذه الشركات لديها أسلحة طيران، فمثلاً كابيلا وراءه شركة ألماظ وبالتالى لن يستطيع أن يخرجه أحد من الحكم لأن هذه الشركة تريد أموالها التى أنفقتها فى الحرب.. هذه الشركة لديها بحرية ومشاة وطيران ومن هذه الشركات شركة خدمات الأمن المتحدة تعمل فى أفريقيا لديها 30 ألف مرتزق.

أنت الآن أمام عالم يمكن أن يأكل بعضه.. توجد دول قوية تستطيع أن تعيش وهناك دولة يمكن أن تكون أوضاعها متوسطة وتعيش إلى جوار الأقوياء، وهناك دول تستخدمها الدول القوية لصالحها الشخصية وهناك تأخذ بالإحسان، وهناك دول ستنسى.

هل وارد أن تقسم مصر فى يوم من الأيام على أساس دينى؟

لا.. البعض يضع لمصر عدة سيناريوهات ترسم على أساس كل ما هو قابل للتفكير.. ثم ينتقل إلى كل ما هو قابل للاحتمال.. ثم إلى كل ما هو قابل للتنفيذ.. ثم كل ما هو قابل للنجاح.. وقد نشأ هذا الكلام لأن إسرائيل تفكر دائماً فى الدويلات لأنهم خائفون، فمصر قوة سكانية.. بعد 10 سنوات أو أكثر ستكون حوالى 100 مليون فضلاً عن الإمكانات الإنسانية والصلة القوية بما حولها وهذه هى أهمية العالم العربى.. ومصر هاجس إسرائيل الدائم.. فى لبنان يمكن أن يحدث التقسيم وفى العراق وفى شبه الجزيرة العربية لكن لا يمكن فى مصر.

أرى أنه لا توجد ديمقراطية حقيقية فى العالم وأعتقد أنه فى حالة وجود ذلك لابد من وجود وعى حقيقى عند الشعب، فكيف سيحدث ذلك؟

أختلف معك لأنه توجد ديمقراطية فماذا تريد لوعى الناس أكثر من أنهم يرون الحقيقة عبر شاشات التليفزيون؟ كما حدث فى قضية مونيكا.

الديمقراطية تتحقق عندما تستطيع طبقات الأمة كل الطبقات أن تحمى مصالحها وأن يحمى ذلك بالقانون وأمريكا هى أهم الدول فى ذلك وهناك دول وصلت إلى درجات مهمة جداً فى الديمقراطية مثل الدول الاسكندنافية والدول الأوروبية فمثلاً الانتخابات الأخيرة فى بريطانيا.. حزب العمال الذى يمثل فكرة الضمان الاجتماعى.. والآخر حزب المحافظين الذى يمثل كبار المزارعين واتحاد الصناعات.. العمال استطاعوا أن يعطوا حزبهم 12 مليون جنيه إسترلينى للحملة الانتخابية بينما حصل حزب المحافظين على 10 مليون جنيه إسترلينى وهذا يعنى أن الأحزاب الممثلة لقوى اجتماعية معينة وجدت أن القوى الاجتماعية تساندها فى معركة متكافئة وهذه هى الديمقراطية.. والديمقراطية موجودة فى أماكن كثيرة من العالم ليس بينها دول العالم الثالث.

آخر سؤال أنا كفنان محتار لأننى لا أجد ما أقوله للناس فماذا أفعل؟لا أعتقد أن أحسن ما يمكن أن تقوله هو الحيرة فمثلاً صموئيل بيكيت فىانتظار جودوعمل فكرة الذى ينتظر وهما فنحن فى مصر فى حاجة إلى من يقول كل ما ننتظره هو أوهام والحقيقة موجودة فى النهاية بداخلنا إذا كان عندنا الاستعداد لأن نلتقى أحلامنا مع إرادتنا فى يوم من الأيام.