رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ميشيل فوكو.. إدارة المعرفة (بروفايل)

15-10-2020 | 11:00


شغل عدة وظائف فى فرنسا وخارجها وكان أحد المفكريين التى أحدثت أفكارهم تأثيرًا كبيرًا على البيئة الثقافية في فرنسا خلال القرن العشرين فقد ارتبط اسمه بالحركات البنيية وما بعد البنيوية، وقد كان له بالغ التأثير فى مجال الفلسفة وانطلق إلى مجالات أخرى كالعلوم الإنسانسة والإجتماعية، إنه المفكر والفيلسوف فرنسى ميشيل فوكو. 

ولد ميشيل فوكو في 15 أكتوبر 1926 في مدينة بواتيه بفرنسا، ونشأ فى بيئة فيها القراءة والدراسة والمعرفة أساسية، بدأ دخول الحياة الأكاديمية فى فترة الستنيات حيث تنقل بين الجامعات الفرنسية فى عدة مناصب قبل إنتخابه عام 1969 للتدريس في الجامعة الفرنسية المرموقة "الكوليج دى فرانس" فقد عمل أستاذًا لتاريخ نظم الفكر حتى وفاته انتقل إلى تونس عام 1966 لتدريس الفلسفة لمدة عامين، فتعرّف على الثقافة العربية، وقد سافر إلى إيران وعمل كمراسل لتغطية الثورة الإيرانية في مدينة سيدي بورسعيد كتب كتاب حفريات المعرفة الذي صدر في عام 1969، الأمر الذي أثار ذهنه إلى العمل السياسي منذ عام 1970 حيث كان المؤسس لجمعية أخبار السجون وتظاهر دفاعًا عن حقوق المثليين وغيرهم من الفئات المهمشة.

يعتبر عام 1946 نقطة الإنطلاق لفوكو، وذلك عندما إلتحق بـ"الإيكل دى نورمال" وتُعتبر نقطة الإنطلاق لكل الفلاسفة الفرنسيين الكبار وكانت الوجودية الفينومينولوجية في ذروتها فحضر محاضرات لميرلبوندى ومارتن هيدجر الذي كانت له أهمية بالغه عنده، كما أن هيجل وكارل ماركس حاز على إهتمامه، فقد كان باكورة أعماله مقدمته الطويلة لكتاب الحلم الوجود للودفيج بنسفانجر الذي يتبنى أفكار هيدجر وكتاب الأمراض العقلية والشخصية وهو كتاب مختصر في المرض النفسي كتبه فوكو تحت تأثير وطأة الوجودية والماركسية بالتتابع.

كان التراث الفرنسي المتعلق بتاريخ وفلسفة العلم ممثل بأعمال جورج كانجيلهام، الذي يُعتبر أحد الرمز القوية والمؤثرة في المؤسسة الجامعية الفرنسية فقد كانت كتاباته بمثابة النموذج لما سيقوم به فوكو في تاريخ العلوم الإنسانية، وأشرف كانجيلهام على أطروحة الركتوارة لفوكو عن "تاريخ الجنون" فقد كان مناصرًا لفوكو وآرائه طوال حياته.

تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي 1961 وهو أولى أعمال فوكو، وقد نشأ هذا الكتاب أثناء دراسة فوكو لعلم النفس وأثناء عمله في مستشفى الأمراض العقلية بباريس، وكذلك معاناته واضطراباته النفسية التى تعرض لها، فقد كان يرى أن الجدال حول الجنون مرض عقلى ما هو إلا نتاج للشكوك البارزة حول الإلتزامات الأخلاقية والإجتماعية، فكان يقول لا معنى للجنون إذا لم تكن هناك قيم وأعراف إجتماعية يجب أن نتبعها، فكل ما لا يمكن يعتبر طبيعيًا فى المجتمع يعتبر جنون، فالجنون لا يمكن أن نعثر عليه في البرية، فلا وجود له إلا في مجتمع، لا وجود له خارج أشكال الحساسيات التي تعزله وأشكال التنافر التي تستثنيه أو تستولي عليه، تلى كتاب تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكى كتابه "مولد العيادة" 1963 الذي يُعد بمثابة نقد للطب الإكلنيكي الحديث، ولكنه بصوت النقد الإجتماعى فهو بعيدًا عن المنحى الأخلاقي يُعتبر مولد العيادة أقرب ما يكون إلى التاريخ القياسى للعلم على نفس طريقة كانجيلهام للمفاهيم الكلمات والأشياء.

حقق فوكو شهرة واسعة عند صدور هذا الكتاب عام 1966 والذى تم ترجمته إلى اللغة الإنجليزية بعنوان the order of things فقد شهد على تطور فوكو فكريًا بشكل كبير، ولم يكن هذا الكتاب تبشيرًا لعصر ما بعد الحداثة فقط بل كان هو أول تحققاتها التطبيقية، إنه جاء ليفتح كتابة المتناهي ويقول فوكو: "إنه تناهيًا بدون لا تناه، إنما يعنى ولا شك أن تناه ما كان لينتهى أبدًا، وهو دائمًا في حالة تأخر بالنسبة لذاته، متبقيًا له أيضًا بعض ما يفكر به في اللحظة ذاتها التي يُفكر بها ومتبقيًا له دائمًا من الوقت ليفكر من جديد فيما كان فكر فيه "فمن خلال الكلمات والأشياء يحدث فوكو القطيعة ما بين أركيولوجيا الإنسان الإنسانوى والإنسان اليومي، يخلع عن "الـ" التعريف ويقذفه هكذا عاريًا في المكان لا يمتلك إلا جسده فقط، يدعوه لأول مرة أن يكون مغامرته الخاصة، قصة أسمه الذي لا يعني أحدًا سواه ، يُبطل تخويف الفرد الغربي من الآخر بإبطال تخويفه من ذاته الكليانية الشمولية والآخر الذي يتعلم أمثولة الكلمات والأشياء فربما يسقط عن ذاته كذلك أسطورة كلماته وأشيائه. أما كتابه المراقبة والمعاقبة الصادر في عام 1975 كان بمثابة دراسة جينالوجية لتطور الطريقة الحديثة لسجن المجرمين بدلاً من تعذيبهم أو قتلهم مع التأكيد على وجود العنصر الإصلاحي الأصلي المستنير فإن فوكو يؤكد بشكل خاص على الكيفية التى يصبح بها إصلاح كهذا وسيلة لتحكم أكثر فاعلية: فأن تعاقب أقل ربما ولكن من المؤكد أنك تعاقب بشكل أفضل"، يبحث الكتاب في تطور السلطة منذ العصور الوسطى يجادل فوكو فى أن الدول الحديثة تحولت من فرض سلطتها جسديًا إلى فرضها نفسيًا، وينافش فوكو فكرة أن المؤسسات الحديثة تستخدم المراقبة للسيطرة على الناس فقد وجد مبدأ المراقبة للتأكد من سير مجرى القانون من خلال ثلاث تقنيات رئيسية هي المراقبة الهيراركية، تطبيع الأحكام، الفحص كان لفوكو العديد من المؤلفات التى أرخت لأفكار التي أثارت الجدل وأثرت الوسط الثقافي فكان هناك كتاب نظام الخطاب وكتاب حفريات المعرفة، تاريخ الجنسانية، إرادة المعرفة، إستعمال المتعة، هوس الذات.

رحل ميشيل فوكو عن عالمنا فى 25 يونيو 1984 بعد أن ترك وراءه إرُثًا كبيرًا أثرى المكتبة العالمية بأفكاره التي تعتبر ثورة حديثة في الفكر والفلسفة.