كان آخر ما
يخطر على بال
سلطات الاحتلال الإنجليزى
فى مصر أن
تقوم بها ثورة
عظيمة هزت عرش
الإمبراطورية البريطانية التى
لا تغيب عنها
الشمس شتاء سنة 1919.
ولم يخطر
على بال أحد
أن يقود هذه
الثورة “سعد زغلول”
الذى قال ذات
يوم فى اجتماعات
الجمعية التشريعية: نحن
قوم هادئون جداً..
بعيدون تماما عن
الثورة”
ولم
يخطر على بال
الإنجليز أن ينحاز
أقباط مصر ويشاركوا
جميع طوائف الأمة
فى الثورة والمطالبة
باستقلال مصر.
ولم يخطر
على بال مصرى
واحد أن تخرج
النساء من كافة
الأعمار للمشاركة فى
هذه الثورة لكن
هذا ما حدث
بالفعل
ولم يخطر
ببال مصرى واحد
فى ذلك الوقت
أن سعد زغلول
كان يطالب بعزل
السلطان “فؤاد” باعتباره
موظفاً عند الإنجليز،
بل أكثر من
ذلك يطالب إنجلترا
بأن تكون مصر
دولة حرة مستقلة
دستورية جمهورية أو
ملكية
والحكاية طويلة
ومثيرة كشف بعض
أسرارها الكاتب الصحفى
الكبير “مصطفى أمين”
فى كتابه المهم
والوثائقى أسرار ثورة
1919 المليء بعشرات الشهادات
وهو “الكتاب
الممنوع” الذى صدر
فى جزءين عام
1975.
كتب الأستاذ
“مصطفى أمين” يقول
بالحرف الواحد:
“فى
أواخر شهر ديسمبر
سنة 1931 زار مستر
“لويد جورج” رئيس
الوزراء البريطاني السابق
مدينة القاهرة، وفى
يوم الأحد 27 ديسمبر أقام
“عبدالفتاح يحيى باشا
وزير الخارجية مأدبة
غداء كبرى فى
فندق هليوبوليس بالاس”
لتكريم الضيف الكبير،
وحضر المأدبة “سير
برسى لورين” المندوب
السامى البريطانى والوزراء
وكبار رجال قصر
الملك “فؤاد” وكبار
رجال دار المندوب
السامى البريطانى.
وفى
أثناء الغداء تبسط
“لويد جورج” فى
الحديث والتفت إلى
الوزراء وقال لهم:
“إن
عندى سراً كبيراً
عن مصر لا
تعرفونه لقد
كنت رئيس وزراء
بريطانيا أثناء ثورة
مصر، وذات يوم
جاءنى اللورد “كيرزون”
وزير الخارجية ومعه
مجموعة برقيات من
“اللورد اللنبى” المندوب
السامى البريطانى فى
القاهرة وإذا باللورد
“اللنبى” يقول إن
“سعد زغلول” يريد
أن يقوم بانقلاب
فى مصر كانقلاب
“عرابى باشا” وبعد
ذلك جاء تلغراف
بأن ثورة دموية
هائلة ستحدث إذا
بقى “سعد زغلول”
فى مصر، وأن
هذه الثورة ستنتهى
خلال 24 ساعة إذا
نفيناه من مصر
ووافقنا
على نفيه إلى
جزيرة سيلان وقد
كنت أظنها جزيرة
تشبه جهنم إلى
أن زرتها قبل
أن أحضر إلى
القاهرة ووجدت إنها
جميلة جداً.
وما
كدنا نوافق على
نفى سعد زغلول
حتى جاءت البرقيات
متتابعة” كل يوم
يقتل الإنجليز فى
القاهرة فى رائعة
النهار ولا يعثر
على القتلة وخشيت
أن يثور الرأى
العام البريطانى بعد
أن كذبت نبوءة
“اللورد اللنبى” بانتهاء
الثورة بعد 24 ساعة من
نفى “سعد زغلول”.
ورأيت
أن أطفئ ثورة
إيرلندا بعمل اتفاق
مع زعماء الثورة فوضعنا خطة
بأن نرسل أحد
ضباط المخابرات الذين
يجيدون العربية إلى
“عدن” بعد أن
نعطيه تعليمات بأن
يعرض على “سعد
زغلول” أن يكون
ملكاً على مصرعلى
أن يقبل بقاء
الحماية البريطانية ويقبل
فصل السودان عن
مصر.
وأبرقنا
إلى حاكم عدن
بأن يبقى “سعد
زغلول” معتقلا عنده
ولا يرسله إلى
“سيلان” إلى أن
يصل ضابط المخابرات
ومعه التعليمات اللازمة.
وذهب ضابط المخابرات
إلى عدن واجتمع
بسعد زغلول وعرض
عليه أن يتولى
عرش مصر ورفض
سعد زغلول.
وأبرق
ضابط المخابرات بنتيجة
مسعاه وعندما علمت
بذلك أمرت بأن
ينقل “سعد زغلول”
فورا لا إلى
سيلان، بل إلى
جزيرة أسوأ منها
فى المحيط الهندى
هى جزيرة “سيشل”
وقد اخترتها لأن
أحد أصدقائى مات
فيها، ثم ضحك “لويد
جورج” وقال: وأنا
مندهش لأننى لا
أرى تمثالا لزغلول
هنا، لولاه لما
كنتم هنا أيها
السادة.
ونزل هذا
الكلام كالصاعقة على
الوزراء الموجودين وكبار
رجال قصر الملك
“فؤاد”، وأراد
“سير برسى لورين
المندوب السامى أن
ينقذ الموقف فهمس
فى أذن “لويد
جورج” بأن هؤلاء
خصوم سعد زغلول
وأنهم هم الذين
رفضوا أن يقيموا
له تمثالا.
وضحك
“لويد جورج” وأراد
أن يتنصل من
الحرج فقال:
- على كل
حال لو قبل
“زغلول” هذا العرض
لما كان هناك
أى خطر عليكم
فقد حدث فى
ديسمبر سنة 1921 - قبل حكاية
زغلول بثلاثة شهور
- أن وقعت اتفاقا
مشابها مع زعماء
ثورة إيرلندا الأربعة،
وإذا بواحد منهم
يدس له الناس
السم فيموت والثانى
يضطر إلى الهرب
إلى روما، والثالث
يقتله الشعب رميا
بالرصاص، والرابع يقتله
أنصاره بمدفع رشاش”.
ويومها لم
يستطع واحد من
الوزراء، وكبار رجال
القصر الحاضرين أن
يضحك من النكتة،
فقد كان معنى
ذلك أن يشنقه
الملك فؤاد.
وكانت
هذه التصريحات يومها
مذهلة وقال الوزراء
وكبار رجال القصر
فى تبريرها إن
مستر لويد جورج
شرب قبل الغداء
وأثناءه كمية كبيرة
من الخمر وإنه
كان مخموراً وهو
يتكلم وأن الذى
قاله كلام فارغ،
وفى الوقت نفسه
تواصى الوزراء بالكتمان.
ولكن
توفيق دوس باشا
وزير المواصلات، وكان
وزيراً جريئا وصديقا
حميما “للويد جورج”
روى لى القصة
وقد كان حاضراً
هذا الغداء وكانت
ابنته الآنسة “ليلى
دوس” حاضرة فى
أثناء روايته هذه
القصة المذهلة.
هذه
القصة المذهلة بالفعل
هى بالضبط ما
رواه الكاتب الصحفى
الكبير الأستاذ “مصطفى
أمين” فى بداية
كتابه “المهم والخطير”
“الكتاب الممنوع” الذى
صدر عام 1975 من جزءين.
فى
هذا الكتاب اعتمد
“مصطفى أمين” على
برقيات ووثائق الخارجية
البريطانية ومنها برقيات
اللورد اللنبى إلى
وزير خارجيته اللورد
كيرزون، وفى إحدى
هذه البرقيات يقول:
“إننى أعتقد أن
سعد زغلول فى
حالة من الزهو
والترفع حتى إنه
لا يستبعد أن يقوم
بانقلاب كانقلاب “عرابى
باشا”.
وفى
برقية أخرى يقول:
“ألهب سعد زغلول
الموقف فى مصر
إلى درجة الغليان،
أطلب تفويضا بإنذاره
هو وثمانية من
أنصاره بمنعه من
الخطابة ومن شهود
أى اجتماع عام
ومن استقبال الوفود
أو أن يكتب
فى الصحف أو
أن يقوم بأى
عمل من الأعمال
السياسية وأن يغادر
القاهرة فوراً”.
ويعود
اللورد اللنبى فيكتب
:وجهت اليوم إلى
سعد زغلول إنذاراً
نهائياً .. إذا لم
يخضع هو وثمانية
من زملائه فوراً
فسأقبض عليهم وأنفيهم
فى الحال خارج
مصر .
وينفذ
“اللنبى” تهديده ويكتب
بتاريخ 23 ديسمبر سنة
1921.. تم القبض على
سعد زغلول، الحالة
هادئة جدا، أن
سيلان أوفق مكان
لأنها مقرونة فى
الأذهان باعتقال “عرابى
باشا” واسمها سيحدث
فى الشعب تأثيراً
عظيماً ..
ويقول
“مصطفى أمين” الذى
كان يشارك الأستاذ
“محمد التابعى” فى
تحرير مجلة آخر
ساعة إن الصحف
والمجلات بقيت صامتة
لا تستطيع أن تفتح
فمها فتذكر أو
تشير إلى السر
الخطير بتولى سعد
زغلول عرش مصر
ويكمل الأستاذ “مصطفى
أمين” القصة قائلاً:
وفاة
الملك فؤاد.. وبعد
وفاته خرجت مجلة
آخر ساعة فى
يوم 14 يونيو سنة
1936 وألقت القنبلة، فقد
كتبت تقول بالحرف
الواحد:
”هناك صفحة من
تاريخ مصر الحديث
ضائعة أو حلقة
مفقودة فى التاريخ
السرى للثورة المصرية
الأخيرة، ولا نعرف
هل آن الأوان
لنشر هذه الصفحة
أم لا ولا
نعرف كيف سنقابل
هذه المعلومات من
حضرات الزعماء ومن
رجال السراى، ولكنها
خدمة لأولادنا الذين
سيكتبون غداً تاريخ
مصر كما يجب
أن تكون.
والسؤال
هو : هل عرض
عرش مصر على
سعد زغلول؟
والجواب
نعم وهناك شهود أحياء
ووثائق تاريخية لهذا
العرض الذى تم
فى عام 1922، فعندما
نفت السلطة العسكرية
“سعداً” إلى “سيشل”
تقدم إليه فى
مدينة عدن مندوب
رسمى من حاكم
عدن وطلب مقابلته
مقابلة خاصة.
وكان
أن أبلغ مندوب
الحاكم العام “سعد
زغلول” أن الحكومة
البريطانية تعرض عليه
أن يختار أمراً
من اثنين أن
يصر على الاشتغال
بقضية الاستقلال وسوف
تكون نتيجة هذا
الإصرار نفيه إلى
“سيشل” ليبقى بها
مدى الحياة وذكر له
المندوب مدى الأهوال
التى سوف يصادفها.
أو أن
تنصبه الحكومة البريطانية
سلطاناً على مصر
تحت الحماية البريطانية
وتضمن له استقلالا
ذاتيا فى حدود
هذه الحماية.
وأجاب “سعد
زغلول” بلا تردد
- إننى أفضل
أن أكون خادماً
فى بلادى المستقلة،
على أن أكون
سلطاناً فى بلادى
المستعبدة المحتلة”.
وسأله مندوب
الحاكم : هل هذا
هو الرد الأخير؟
فأجاب سعد:
إنه لذلك”
وهكذا انتهت
المقابلة الخطيرة”
ويعلق “مصطفى
أمين: على هذه
الواقعة المهمة بقوله:
وقيمة هذه
الرواية أنها نشرت
والملك السابق “فاروق”
ابن الملك “فؤاد”
لا يزال ملكاً، وأن
الشهود الذين تحدثت
عنهم آخر ساعة
كانوا موجودين، فإن
“صفية زغلول” كانت
على قيد الحياة
و”مصطفى النحاس”
كان رئيساً للوزارة،
و”مكرم عبيد”
وزيرا للمالية.
ولكن الذى
حدث يومها أن
الأمير “محمد على”
رئيس مجلس الوصاية
احتج على هذا
النشر، وتحدث فى
ذلك إلى “عبدالفتاح
الطويل” الوكيل البرلمانى
لوزارة القصر، وتحدث
أيضا إلى “مكرم
عبيد”.. باشا فقال
له “مكرم”
- إن الرواية
صحيحة مائة فى
المائة
وقال الأمير
“محمد على” يومها
إنه لا يعترض على
صحة الرواية ولكن
نشرها فيه إساءة
للأسرة المالكة.
ولم ينشر
تكذيبٌ لهذه القصة
وما كاد
الأمير “محمد على”
يتنفس الصعداء حتى
ظهر كتاب “سعد
زغلول” للأستاذ “عباس
العقاد” وقد جاء
فى صفحة 405 منه ما
يأتى :
“نزل”
سعد وأصحابه فى
قلعة عدن، فلم
يلبثوا قليلا حتى
جاءهم رسول من
مصر هو موظف
سورى كبير كان
يعمل فى دار
الحماية فاستأذن فى
لقاء “سعد” على
انفراد وخرج معه
فى ركبه الرياضى
وافتتح معه حديثا
وجيزا عن المفاوضات
والحلول المعروضة ثم
فاجأه بكلمة مقتضبة
لا علاقة لها
بحديثه السابق قائلا
:
- ستكون ملكاً
على مصر
فدهش “سعد”
لهذه المفاجأة وأجابه
فى حدة واستغراب:
- مالنا وهذا
؟
وما
شأنى أنا والملك،
ولست إلا واحدا
من الرعايا
فعاد الرجل
إلى الكلمة يكررها
وأضاف إليها:
- إنك زعيم
الأمة الذى لا ترتضي
سواه، لو قبلت
ما يعرضه الإنجليز
عليك وعلى الأمة
لما خالفك أحد.
فاختصر سعد
هذه المحادثة وقال
للرجل:
- إننى أفضل
أن أكون فرداً
فى أمة مستقلة
على أن أكون
ملكاً لبلاد مستعبدة
فى ظل حماية
أجنبية.
ولزم الصمت
فى عودته إلى
القلعة بعد أن
قال له على
ما أذكر :
“إننى
أحب لو أننى
لم أسمع شيئاً
مما تقول ولا
أود أن أسمعه
مرة أخرى منك
أو من سواك”.
ثم ينتقل
مصطفى أمين إلى
مذكرات، “فتح الله
بركات باشا” وكان
أحد المنفيين مع
:سعد زغلول فى
عدن ويتوقف أمام
ما كتبه بتاريخ
الاثنين 13 فبراير سنة
1922 حيث زارهم “الحارس
الكابتن أستيل للمرة
الثانية وسأل سعد
زغلول عن موعد
تريضه ثم وصل
رجل طويل القامة
يرتدى بذلة ملكية
و"برنيطة" عسكرية وكان
يتكلم بعربية فصيحة
واستقل السيارة مع
سعد زغلول وأخذ
يتبادل معه الحديث،
وكان هذا الرجل
هو الرسول الذى
أرسلته حكومة لندن
إلى عدن لمقابلة
سعد زغلول.
كان
الرجل يسأل سعد
زغلول فى كل
شيء ويقول لسعد
زغلول: إنكم تكرهون
الإنجليز ويرد عليه
“سعد” بقوله : إن الأمة
المصرية لا تكره أمة
من الأمم إلا
من يريد التغلب
عليها وحكمها، وهى
بالعكس لا تريد
“محالفة” الإنجليز ومصادقتهم
ولكنهم هم يريدون
حكمها.
ويسأله
عن السلطان “فؤاد”
هل هو محبوب
وله نفود؟ ويجيبه “سعد
زغلول” قائلا : إن الناس
لا يفكرون فى شأنه
وليس له نفوذ
ولا أهمية .
وفجأة
قال الرجل لسعد
زغلول: لا أظنك
تحب أن تبقى
بعيداً عن بلادك،
لابد من العودة
عاجلاً أم أجلاً
لابد أن تصير
ملكاً.
فأجابه
سعد : إنى لا
أبحث عن ذلك
ولكن الذى أبحث
عنه استقلال بلادى
وكرر
الرجل ذلك مراراً
ولم يظهر سعد
زغلول اهتماماً.
انتهى
نص ما كتبه
“فتح الله بركات”.
وينتقل
مصطفى أمين إلى
أكثر المواقف إثارة
عندما ينقل من
مذكرات “سعد زغلول”
بتاريخ 25 ديسمبر
سنة 1922 ما كتبه
“سعد” حيث قال:
”ذكرت اليوم وأمامي
حرمى وصحابتها .. فهيمة ثابت
قصة يعقوب الذى
قابلنا فى عدن
وركب معى فى
الأتوموبيل وتكلم فى
شئون مصر ولمح
لى بقرب العودة
وزوال الشدة وأنى
سأصير ملك مصر
فقلت له: إنى
لا أبحث عن
وظيفة ولا أبغى
إلا استقلال بلادى،
أما السودان فإنها
لازمة لمصر ولا
يمكنها الاستغناء عنها.
فقالت
فهيمة "إن اللورد
اللنبى أشار فى
كلامه مع وفد
السيدات إلى هذه
المقابلة بقوله إننا
رغبنا فى الاتفاق
معه هنا فى
عدن فلم يقبل".
وقالت
“حرمى” إنه قال
لهذا الوفد: إننا
لا نعرف ماذا
يريد وهو لم
يقبل الاتفاق معنا”.
ولما
أتممت القصة لحرمى
وحدها “قبلتنى” وأبدت
إعجابها بتعففى وزهادتى
وقالت : الآن أفهم
أن الإنجليز لا يسمحون
بعودتك، لأنهم اعتقدوا
أن إرضاءك ليس
فى مقدورهم، ما داموا
لا يفرطون فى مصر
وهذا هو الرأى
الراجح.
فقلت
لها: إنه لا
بغية لى فى
هذه الحياة إلا
أن أرى بلادى
مستقلة وكل ما
دون هذه الغاية
صغير فى عينى،
مهما علا شأنه
وعظم قدره، وأن
تلك القصة على
أهمية ما عرض
فيها وخلابته لم
يؤثر على فى
شيء، بل كنت
قد نسيت أمرها
كل النسيان، وما
تذكرته إلا لما
جاءت مناسبة لذلك”.
وينتقل
الأستاذ “مصطفى أمين”
إلى شهادة أكثر
خطورة كان قد
سمعها من “حمد
باشا الباسل” وكيل
الوفد المصرى فى
ذلك الوقت، وقال
إنه كان مع
الوفد المصرى فى
باريس سنة 1920 ولاحظ أن
نفوس الأعضاء لم
تكن متآلفة، كان
الأعيان من الأعضاء
يقولون "إن سعد
زغلول يريد إعلان
الجمهورية فى مصر
ويعتقدون أنه بذلك
سيخرب البلد".
ولم
يكن سعد زغلول
فى أول الثورة
من أنصار الجمهورية،
ولكن بعد شهر
من قيامها بدأ
يفكر فيها، والسبب
إننا كنا منفيين
فى مالطا وجاءت
برقية تقول إن
إحدى المديريات أعلنت
استقلالها وأعلنت الجمهورية
"يقصد زفتى" .
واهتم
سعد زغلول بهذا
النبأ ومكث يحدثنا
فيه حتى الصباح،
وكنت أنام مع
“إسماعيل صدقى” فى
غرفة واحدة وقلت
له : إننى أشعر
أن رأس “سعد
زغلول” دار بفكرة
الجمهورية وكان من رأى
“صدقى” إن إعلان
الجمهورية كارثة.
وعندما
ذهبنا إلى باريس
كان “سعد” يلمح
إلى ذلك، وقد
رفض يوماً أن
يتكون برلمان بعد
انتخاب السلطان “فؤاد وكان
أعضاء الوفد - وخصوصا الأعيان
منهم - يرون أن
هذا اتجاه جنونى
وأنه سيؤدى إلى
انفضاض الأعيان عن
الثورة وإلى قيام
“البلشقية”
وقال
عبدالعزيز فهمى: إذا
كنا لا نستطيع أن
نحتمل “سعد زغلول”
كرئيس وفد فكيف
نحتمله لو أصبح
رئيس جمهورية؟
وسافر
الوفد إلى لندن
وفى أحد الاجتماعات
اختلف الأعضاء على
من يتولى مفاوضة
اللورد “ملنر” فقد
خشينا أن يثير
“سعد زغلول” مسألة
الجمهورية - مخالفاً أغلبية
الوفد.
وكان
“عدلى” - يكن - قد قال
إن “سعدا” أثارها
فى مقابلته مع
اللورد “ملنر” بغير
اتفاق معنا وقال
“سعد” إن من
رأيه أن الاستقلال
هو أن يختار
الشعب بنفسه النظام
الذى يراه جمهورياً
أو ملكيا ويجب
أن ينص على
هذا فى المعاهدة
وقال إن من
رأيه عزل السلطان
باعتباره أثراً من
آثار الحماية وأن
الشعب سينتخب حاكمه
بعد الاستقلال.
واشتدت
المناقشة بيننا واتهمنا
.. سعد بأننا نعارض
فى خلع السلطان
وإعلان الجمهورية من
أجل مصالحنا الشخصية.
انتهى
ما رواه “مصطفى
أمين” منسوباً لحمد
الباسل عن قصة
“سعد زغلول” وإعلان
الجمهورية “لكن تبقى
العودة إلى مذكرات
سعد زغلول نفسه
ورأيه فى هذا
الصدد وفى يوم
9 يونيو سنة 1920 يروى “سعد
زغلول” ما دار فى
الاجتماع مع اللورد
“ملنر” من مناقشات
ساخنة والذى قال
للوفد المصرى.
- يهم إنجلترا
أكثر فى كل
شيء ضمان الإصلاحات
التى باشرتها مدة
أربعين سنة والتى
رتبت على نفسها
المسئولية عنها فلا
يمكن أن تتخلى
عنها بدون أن
نتأكد فى استمرارها
فما الضمانات التى
أعددتموها لذلك؟
قلنا إن
هذه الضمانة فى
النظام الذى ستكون
عليه حكومة مصر،
فإنها ستكون حكومة
حرة مستقلة دستورية
ذات برلمان ووزارة
مسئولة وحاكم وهذه
أقوى ضمانة يمكن
الإتيان بها.
وأضاف “سعد
زغلول” لا مانع
عندنا من أن
تشتمل المعاهدة على
التصريح بأن مصر
دولة حرة مستقلة
دستورية جمهورية أو
ملكية، لا مانع
من اشتمال المعاهدة
على هذا.
وكانت هذه
هى المرأة الأولى
التى ينطق فيها
“سعد زغلول: بعبارة
“جمهورية” وكان نطقه
لها بمثابة القنبلة
فى ذلك الوقت،
لكن ما يلفت
الانتباه حقا ما
كتبه قبل ذلك
بحوالى عام عندما
كتب يقول :
“ومما
يدهش القارئ له،
ما روته تلك
الجريدة -
التايمز -
من أنه نودى
فى “الزقازيق” بأنها
جمهورية فهل تبدلت الأمة
المصرية فى هذه
البرهة الوجيزة التى
مضت من وقت
سفرنا من البلاد؟ أو أن
القوم - يقصد الجريدة
- يكبرون فى الحوادث
ويبالغون فى شأنها
بغية الوصول إلى
غرض يرمون إليه”.
لقد كان
سعد وقتها فى
جزيرة مالطا ويتابع
أخبار مصر عن
طريق الصحف الإنجليزية
ومنها “التايمز” التى
أخطأت فكتبت الزقازيق
بدلا من “زفتى”
وفى ذكرى مرور
مائة عام على
ثورة 1919 ، تحية لهذه
الثورة العظيمة ولشعب
مصر وكل من
شارك فيها، وتحية
لسعد زغلول زعيمها
وكل زملائه ورفاقه.