رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


"التّخييل والواقع السّياسي في عاصفة على الشرق لنبيل المحيش"

16-10-2020 | 11:38


أكّدت الرّواية على البعد التّخييليّ فيها منذ افتتاحيّتها، وذلك من خلال ما ورد على لسان الرئيس الإيرانيّ "إيران فجرت قنبلتها النووية الأولى...إيران أصبحت قوة نووية....إيران تمتلك عددا من القنابل النووية". ولعلّ هذه الشّخصيّة الواقعيّة بوزنها السّياسيّ لا يستدعيها الرّاوي لتحقيق لذّة النّصّ، إنّما تكريسا لمنطق لا يحيد عن الحقيقة خارج النّصّ وهو امتلاك إيران للأسلحة النّوويّة. فالمتخيّل هنا لا يرتدّ إلى ملكة الخيال الّتي تحدّد اللاّموجود "تفجير قنبلة نووية" واللاّمقول "إقرار الرئيس الإيراني بتفجير القنبلة النووية الأولى" إنّما هو حقيقة متخيّلة لدى "الأنا" الواحد انطلاقا من حقيقة واقعيّة لدى "الهم" الجمع. فالمتخيّل في رواية سياسيّة ليس كمثيله، فشتّان ما بين أن تصوغ فكرة منك وإليك مردّها وبين أن تتوقّع غائبا نتاجا لحقيقة قد حضرت "امتلاك إيران لقنبلة نوويّة". لكنّ الرّاوي هنا يجهد إلى أن صياغة التّخييل حقيقة من خلال إسناد أقوال إلى الرّئيس الإيرانيّ. فقول الرئيس تحفيز للقارئ للتفكير بالحدث أي تمثل عالم تخييلي مرتبط أشد الارتباط بالواقع.

فالتخييل هنا لا يخاطب عالم التمثلات بقدر ما يخاطب الحس الاستشرافيّ لقضايا مصيرية للعالم أجمع تقودها أمريكا وقد كانت الأسبق في إلقاء خطاب يعنى به العالم أجمع "بعد ساعات من الانتظار والترقب ظهر الرئيس الأمريكي أمام عدسات القنوات الفضائيّة العالميّة ليلقي خطابه المنتظر". ومن الطريف في هذا السّياق أنّ الرّاوي قد جمع بين قول للرئيس الإيرانيّ متخيّلا وقولا للرئيس الأمريكيّ متخيّلا من حيث الحدث، واقعيّا من حيث إنّ القول فيه تضمين لما قاله -حقيقة- الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت سابقا "الشيء الوحيد الّذي لا يجب أن نخاف منه هو الخوف نفسه" وليس هذا التّضمين فعلا اعتباطيّا إنّما يثمّن ما يرنو إليه الرّاوي وهو تنبؤ ردّة فعل أمريكا البعيدة كلّ البعد عن الخوف وما سيؤول إليه تقابل القوتين الإيرانية والأمريكيّة. وقد زاوج الرّاوي في تنبّؤاته بين السّرد على لسانه "وقد أكّد له الرّئيس الأمريكيّ أنّ أمريكا لن تبدأ الحرب من جانبها وسوف تكون حريصة على الأمن والسلم في منطقة الشّرق الأوسط، لكنّها لن تسمح أبدا لإيران بالهيمنة على الخليج العربي الّذي يضمّ أكثر من 70 % من احتياطي النّفط العالميّ "، والحوار على لسان الشّخصيّات "-نعم لقد اقتطع جزء كبير من جنوب وشرق تركيا وضمّ إلى الدّولة الكرديّة، وتمّ اقتطاع القسم الأوروبيّ وما يقابله وضمّ إلى روسيا"، وكلاهما يخدم الحدث الرّئيس في تناميه على امتداد الرّواية وهو حدث تفجير القنبلة النووية الإيرانية بلوغا النّهاية. وهو الحدث الّذي تأسّس عليه المسار الحكائيّ، وبالرّغم من أنّ الرّاوي قد استند إلى التّقطيع البصريّ والمكانيّ حيث قسّم كتابه إلى أقسام معنونة بأسماء البلدان إلاّ أنّه يصل بين تلك الأقسام حكائيّا. وبذلك يحمل ذلك الفصل سمتين أوّلهما تمييزيّة وهي ربط مجموعة من الأحداث بمكان معيّن وثانيهما إيحائيّ بالنّسبة للقارئ ويتمثّل في تصدّع العلاقات بين البلدان وتشتّتها حتّى وإن جمعتها ظاهريّا المصالح السّياسيّة أو غيرها من المصالح الأخرى.

إنّ الرّاوي لا يؤسّس لموقف من الوضع السّياسيّ يستجيب للطّرح والحلّ بقدر ما هو يؤسس لرؤية استباقيّة للوضع السّياسيّ خارج النّصّ، وذلك من خلال خطاب سياسيّ داخل النّصّ. كما لا يجنح إلى الخيال الفنّيّ بقدر ما يصاحب الخيال التنبؤيّ منطلقا من الذّهنيّة السّياسيّة. فالاستشراف هنا أو ما يمكن تسميته بالرّؤيا السّياسيّة لا يدخلان في إطار التّخييل الأدبيّ إنّما في إطار تخييل أو تحليل سياسيّ ما يجنح بالرّاوي إلى موقع المحلّل السّياسيّ.

فنحن إزاء خيال سياسيّ ينمّ عن وعي وتمثّل للواقع وفق منهج تصاعديّ، خيال يؤسّس لعلاقة مغايرة مع التّاريخ فيستبقَ التاريخَ قبل أن يتحقّق ويمتلك واقعا ومرجعا في ذهن الرّاوي. كما أنّنا إزاء خطاب لا يتناول المسألة السياسيّة من وجهتها الواقعيّة إنّما ينطلق منها (من الوجهة الواقعيّة) إلى الخيال، وهنا لا يمكننا أن نتحدّث عن رواية سياسيّة بل عن رواية التّخييل السّياسيّ الّتي ترمي إلى الرّبط بين الواقعيّة أو الحدث والتّخييليّة أو الإمكان. فالرّواية هنا تؤسّس لمسار فكريّ لم يهتمّ فيه الرّاوي بالصّنعة اللّغويّة والبلاغيّة ومحسّناتها بقدر ما أدرج عمله في سياق أولويّة الفكرة وما يوائمها من لغة تجريديّة كالّتي بها يُكتب التّاريخ أو ما به تختصّ العلوم السّياسيّة.

فالرّواية إذن هي رؤية تعنى بمساءلة الأوضاع في المنطقة العربيّة وطرح ما ستؤول إليه، لا معزولة بل في علاقتها مع أمريكا. وليست العلاقة بينهما متوازنة سواء على أرض الواقع أو في أحداث الرّواية الّتي تجلّت فيها أمريكا القوة العظمى الّتي تحيك من كلّ مجريات تلك الأحداث ما به تستقيم مصلحتها. فالرّاوي لم يبتكر أرضا بكرا منها قدّت روايته بل هي الحقيقة القوة الأمريكية نسج منها رؤيته فلم تنته تلك الرّؤية إلى تمنيات خاوية فكان منها البدء وإليها المرد إلى تلك الحقيقة الأولى، وهي كما ورد في نهاية الرواية على لسان إحدى شخصياته  "العرب...العرب خارج التّاريخ...العرب أموات".