رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


سيناء أرض البطولات والإبداع

16-10-2020 | 13:54


تؤكد الجغرافيا على أن سيناء هى بوابة مصر الشرقية.. ويؤكد التاريخ على أن سيناء هى منجم البطولات المصرية فى كل العصور.. فتلك البوابة الشرقية كانت معبراً لأكثر من 90% من الغزاة الذين أغاروا على مصر.. بداية من الهكسوس وحتى الصهاينة.. ولأن عبقرية المكان التى تحدث عنها المفكر الراحل د. جمال حمدان.. جعلت مصر فى حالةاستهداف دائم”.. كانت مستهدفة.. ومازالت مستهدفة.. وستظل مستهدفة.. وتمثل سيناء العمود الفقرى لهذا الاستهداف.. خاصة بعد حفر قناة السويس “1859 - 1869”.. وشبه جزيرة سيناء تمثل 6% من مساحة مصر “62.5 ألف كيلو متر مربع”.. وتحوى 22 مورداً طبيعياً وتعدينياً.. يمكنها أن تضع مصر فى مكانة متقدمة على خريطة الاقتصاد العالمى.. وهنا يبرز السؤال الأهم كيف نجعل موارد سيناء أداة لمواجهة الاستهداف؟ والإجابة عن هذا السؤال تستلزم التوقف عند الكثير من الرؤى الإبداعية والبطولية والاقتصادية فى تاريخ وحاضر سيناء ومن أهمها ما يلي:-

أولاً: استهداف سيناء ومحاولة حصارها وعزلها عن الجسد المصرى.. مخطط قديم قدم الدولة المصرية.. ولكن المصريين طوال تاريخهم.. قدموا ملايين البطولات دفاعاً عن كامل تراب وطنهم العظيم.. بداية من محاربة الهكسوس على يد أحمس الأول.. مروراً بالتتار والصليبيين.. ووصولاً إلى الصهاينة والإرهاب.. ومن الصعب بل من المستحيل الإحاطة بكل البطولات التى دارت ضد الأعداء على أرض سيناء.. ورغم ذلك فإنالواجب الوطنى”.. يحتم علينا أن نقدم تلك البطولات لأبنائنا.. فى مناهج التعليم.. فى وسائل الإعلام.. فى المؤسسات الثقافية.. فى مراكز الشباب.. فى المساجد والكنائس.. إلخ.. وذلك حتى يعلم هؤلاء الأبناء.. كم هو عظيم ذلك الوطن.. وكيف ضحى الآلاف من الأبطال بأرواحهم لكى يظل الوطن عزيزاً آبياً مرفوع الرأس.. ويكفى أن يعلم شباب الأجيال الجديدة أن الملك أحمس كان فى الثامنة عشرة من عمره وأن مئات الآلاف من الجنود والضباط الذين قهروا العدو الصهيونى فى حربى الاستنزاف وأكتوبر كانوا فى نفس العمر تقريباً.

ثانياً: يواصل أبطال القوات المسلحة والشرطة المدنية تقديم البطولات والتضحيات على أرض سيناء.. فى مواجهة الإرهاب الأسود.. المدعوم من دول وأجهزة مخابرات كثيرة.. وليس مصادفة أن الجزء البسيط من سيناء الذى يتواجد فيه الإرهاب.. هو ذات الجزء الذى يسعى الحلفالصهيوأمريكىمنذ سنوات لضمه إلى قطاع غزة.. لإنشاء الدولة الفلسطينية.. وإنهاء الصراع العربى الصهيونى.. وللحق والتاريخ فقد رفض الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك هذا السيناريو البائس.. سيناريومبادلة الأراضى”.. المنطقة من بعد العريش إلى رفح مقابل بعض الأراضى فى صحراء النقب.. وفى المقابل وافقت جماعة الإخوان على هذا السيناريو الأسود.. وذلك خلالعام الرمادةالذى تسللوا خلاله إلى حكم مصريونيه 2012 - يونيه 2013”.. ولكن ثورة الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيه 2013 أفشلت هذا السيناريو البغيض.. والذى يحاول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إعادة تسويقه مرة أخرى من خلال مشروعه الذى يطلق عليهصفقة القرن”.. ولكن هيهات أن يحدث ذلك فى ظل الرفض المصرى الحاسم والقاطع.

ثالثاً: علينا أن نعترف بأننا قد ظلمنا سيناء لفترات طويلة جداً.. حيث تعاملنا معها على أنها فقطساحة حرب”.. ولم ننتبه إلى فكرة تنمية سيناء إلا مع بداية بناء السد العالى على يد الزعيم جمال عبدالناصر.. حيث هوت خطط التنمية بعد انتهاء بناء السد.. كيفية نقل مياه النيل إلى سيناء.. وقد سجل هذه الخطط مخرج السينما التسجيلية الكبير صلاح التهامى فى أحد أفلامه التى حوت اسمباقى من الزمن”.. والتى سجل من خلالها كل مراحل بناء السد.. وكل خطط التنمية المترتبة عليه.. ولكن عدوان 1967 والاحتلال الصهيونى لسيناء أوقف هذه المخططات.. ورغم عودة غالبية سيناء إلى التراب المصرى فى إبريل 1982.. إلا أن كامل سيناء لم يعد إلا بعد عودة طابا عن طريق التحكيم الدولى فى مارس 1988.. وبعدها اهتمت الدولة بالتنمية السياحية فقط فى سيناء.. فتحولت مدينة شرم الشيخ إلى منتجع عالمى جاذب للسياحة الدولية وبعد ثورة 30 يونيه 2013.. وضعت الدولة الكثير من الخطط لربط سيناء بالوطن الأم.. كان من أهمها إنشاء مجموعة الأنفاق التى تجعل الذهاب إلى سيناء أمراً ميسوراً.. والأهم أنها تستخدم كل خطط التنمية.. تلك الخطط التى يجب أن تنطلق منالمثلث الذهبى”.. الذى يعمل على زراعة سيناء بالبشر والحجر والشجر.. فرغم مساحة سيناء الشاسعة والتى تتفوق على مساحة الدلتا.. إلا أن عدد سكانها لا يزيد عن نصف مليون نسمة.. وهذه المساحة تستطيع استيعاب حتى 50 مليون نسمة.. ويمكن توزيع الكثافة السكانية طبقاً للأماكن الصالحة للتنمية سواء التى بها موارد طبيعية أو حتى تعدينية.. أو تلك الصالحة للزراعة.. وذلك من خلال إنشاء مدن صغيرة وقرى كثيرة.. وهذا المثلث سيحتضن مجموعة كبيرة من المصانع التى تعتمد على موارد سيناء.. أو على نواتج الزراعات الجديدة.. وهذا العمران لن يكون مفيداً فقط على الجانب الاقتصادى.. ولكن فائدته الأكبر ستكون على المستوى الاستراتيجى.. فقد تعلمنا ونحن صغاراً فى قرانا.. أنالعمرانيطرد الثعابين والعقارب.. ونستطيع أن نؤكد على أن العمران فى سيناء.. سيطرد الثعابين والعقارب والأهم أنه سيطرد كل مخططات الصهاينة والإرهابيين.

رابعاً: تستطيع خطط التنمية الجديدة أن تجعل سيناء تستوعب كل مصر.. وهى فكرة بسيطة وسهلة أتمنى أن تتبناها الحكومة.. حيث يمكن إنشاء تجمعات سكانية كبيرة كاملة المرافق والموارد الاقتصادية.. بحيث يخصص كل تجمع لواحدة من محافظات مصر.. على أن يعملوا فى النشاط الأشهر فى تلك المحافظة.. فمثلاً المحافظات الساحلية التى تعمل بالصيد.. يقام لها تجمع سكانى قريب من بحيرة البردويل.. ليعملوا فى الصيد.. مع إضافة مصنع كبير للأسماك.. وسكان محافظات الدلتا الذين يعملون بالزراعة.. ينتقلون إلى تجمعات سكانية لكي يعملوا بالزراعة.. وسيناء بها الآن أكثر من 400 ألف فدان مستصلحة وصالحة للزراعة فوراً.. وهكذا يمكن نقل جزءا كبيرا من سكان مصر لإعمار سيناء.. وجعلها رقماً مهماً وصعباً فى الاقتصاد المصرى.. والأهم التخفيف من حجم الكتل السكانية الموجودة فى محافظات الدلتا.

خامساً: من أهم آليات التنمية فى سيناء.. أن تتحول إلى متحف مفتوح من خلال إنشاء مجموعة منالنصب التذكاريةفى المناطق التى دارت فيها المعارك الكبيرة والمهمة خلال حربى الاستنزاف وأكتوبر وما أكثرهاجلبانة - تبة الشجرة - لسان التمساح - معارك خلف الخطوط - لسان بورتوفيق - مطار الطور - معارك الدبابات - رأس العش”.. إلخ.

وإطلاق أسماء الشهداء والأبطال على الشوارع والقرى.. بحيث تظل هذه البطولات حية ونابضة.. ليس فقط من أجل تكريم وتخليد ذكرى أصحابها.. ولكن من أجل الأجيال الجديدة ليجدوا النموذج والمثل والقدوة الشريفة والنبيلة والمستطاعة.. التى تغرس فى قلوبهم وعقولهم قيمة هذا الوطن العظيم.. الذى ضحى من أجله مئات الآلاف من الشهداء والأبطال.

سادساً: كلنا نتحمل مسئولية التقصير فى حق سيناء وأهلها.. فلابد من التعامل مع أهل سيناء بالعدالة الوطنية.. والحنو الإنساني.. والتفهم الواعى لطبيعة التركيبة الثقافية شديدة الخصوصية لهم.. ومن البديهى أن لأهل سيناء ما لكل المصريين.. وأن عليهم ما على كل المصريين أيضاً.. ومن هذا المنطلق يجب أن نسأل أنفسنا كيف تركنا أهل سيناء لسنوات طويلة.. حتى استطاعت جماعات التطرف والإرهاب أن تجذب إليها قلة قليلة جداً من أبناء سيناء.. وحتى استطاعت عصابات الإجرام أن تجتذب هى الأخرى قلة قليلة تعمل فى المخدرات وتجارة السلاح وتجارة البشر.. لقد حدث كل هذا لغياب التنمية.. ولغياب استراتيجية واضحة المعالم.. للتعامل ثقافياً وإعلامياً ودعوياً من أهل سيناء.. ولعل خطط التنمية الجديدة والطموحة التى تستهدف سيناء.. تكون بداية حقيقية للتكفير عما حدث فى الماضى من إهمال وتكاسل.. ولبناء آمال وطموحات جديدة تجعل من أبناء سيناء جزءً فاعلاً ومبدعاً داخل التركيبة السكانية المصرية.. والأهم جعلهم رقماً صعباً على خريطة الأمن القومى المصرى.. فهم حراس البوابة الشرقية.. ضد كل المخاطر والمخططات الإرهابية.. وهم أيضاً حراس وشركاء خطط التنمية.

سابعاً: يجب ألا يتوقف التعامل مع محافظات الحدود وخاصة سيناء عند الجانب الأمنى فقط.. بل يجب وضع مخططات ثقافية وإعلامية ودعوية تؤكد على مجموعة قيم أهمها المواطنة.. وأن شركاء الوطن لهم نفس الحقوق والواجبات.. كما يجب أن نركز على فكرة الإعلام التنموى.. الذى يكشف مشاكل أهل سيناء ويضعها أمام المسئولين والخبراء للعمل على حلها.. كما يجب على المؤسسات الدينية أن تركز على فكرة الاستثارة وسماحة الأديان ونبذ العنف.. كما يجب منح المواطن السيناوى بعض الحوافز لكى يحرص على تعليم أبنائه.. والأهم أن يحظى أهل سيناء بنصيب وافر من ثمار خطط التنمية الجديدة والطموحة.

ثامناً: وضعت الدولة مخططات لإنشاء بعض الكيانات التعليمية على أرض سيناء.. وأتمنى أن تشمل هذه المخططات خطة لإنشاء جامعة حكومية تحمل عنوانجامعة علوم الصحراء”.. تحوى بعض الكليات المتخصصة التى تهتم بدراسة كل شىء على أرض سيناء.. كلية زراعة تهتم بالنباتات الصحراوية والطبية.. وكلية تعدين تهتم بالمناجم والبترول.. إلخ.

تاسعاً: يمتلك أهالى سيناء سجلاً مشرفاً وضخماً من البطولات ضد العدو الصهيونى خلال حربى الاستنزاف وأكتوبر.. وهذا السجل ملىء بأسماء المئات من الأبطال الرجال والنساء بل والأطفال.. حيث كان بدو سيناء هم العمود الفقرى لمنظمة سيناء العربية.. تلك المنظمة الفدائية التى قامت بالعديد من العمليات ضد قوات العدو.. والأهم أن كل بطل من أبطال سيناء من أهل سيناء.. تحول إلىرادار بشرىقدم تلك المعلومات المهمة إلى القيادة المصرية.. بل إن أهل سيناء قد لقنوا وزير الحرب الصهيونى موشى ديان درساً لم ينسه حتى مات.. وذلك عندما أرادتدويل سيناء”.. ودعى كل وسائل الإعلام فى العالم إلى مؤتمر حاشدمؤتمر الحسنة”.. متوهماً أن أهل سيناء يمكن أن يوافقوا على هذا الهراء.. وكانوا قد خدعوه بإبداء الموافقة.. وأمام وسائل الإعلام العالمية وقف الشيخ سالم الهرش شيخ مشايخ سيناء ليعلن للعالم أن سيناء مصرية وأن الزعيم جمال عبدالناصر هو رئيسنا.. ومن يريد الحديث حول سيناء فليذهب إلى عبدالناصر فى القاهرة.. وعلينا نحن الآن أن نقدم كل أبطال سيناء وأن نحتفى ببطولاتهم حتى نقدم القدوة للشباب السيناوى.. وأيضاً حتى نروع بالبطولات بعض الشاردين - وهم قلة - من أبناء سيناء.. فكيف يكون الأب أو الجد بطلاً.. ثم تتحول أنت أيها الشارد إلى خائن؟

عاشراً: ينتمى إلى سيناء مجموعة كبيرة من الأدباء والمثقفين.. وكثير منهم من المتميزين أصحاب الإبداعات المهمة.. ولابد من أن يتواجدوا على خريطة الإبداع المصرى.. ولن يحدث ذلك إلا إذا قامت المؤسسات الثقافية من غفوتها.. وأعدت استراتيجية ثقافية.. لترسيخ كل آليات الإبداع المصرى على أرض سيناء.. ولإلقاء الضوء على الإبداع السيناوى وهو كثير وشديد التميز والثقافة هى القوة الوحيدة القادرة على غرس الروح الوطنية داخل كل إنسان.. فهىالقوة الناعمةالتى تخاطب العقول والأرواح.. وكما أن سيناء يمكن أن تتحول إلىقاطرةللتنمية المصرية.. فإنها أيضاً يمكن أن تتحول إلى منجم حقيقى للإبداع المصرى.