تقارير دولية: الإعلام والإغاثة والتخابر أذرع مؤامرة النظام التركي للعبث باستقرار الهند
حذرت تقارير هندية وغربية من خطورة الدور التركي في تأجيج الصراع المذهبي بالهند كجزء من استراتيجية تركيا لإشعال الأوضاع الداخلية؛ بما يؤثر سلبا على قدرات الهند الاقتصادية وثقلها الاستراتيجي ويتيح لتركيا مساحة أكبر للتمدد وبسط النفوذ في منطقة جنوب آسيا يخدم مصالحها وأطماعها.
ويشبه ذلك مساعي تركيا للتمدد في المنطقة العربية من خلال استهداف الدول العربية العتيدة والمركزية التي تعي وتقاوم مخطط الهيمنة التركي؛ حيث تسعى أنقرة إلى زعزعة استقرار تلك الدول من خلال استهداف جبهاتها الداخلية واحتضان معارضيها وتمكينهم إعلاميا وتوجيه سهام الفتنه والتحريض لشعوبها واستغلال العامل الديني لتمرير هذا المخطط الشرير.
واتهمت صحيفة (هندوستان تايمز) اليومية الهندية واسعة الانتشار، النظام التركي بالسعي إلى تأجيج الصراع والاحتراب الداخلي في الهند استغلالا لمشكلة مسلمي كشمير.
وذكرت الصحيفة - في تقرير مطول لها - أن الاستخبارات التركية الخارجية تتواصل مع قيادات دينية متطرفة في إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان وأن الاستخبارات الهندية وثقت قيام مقربين من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعائلته بالاتصال بالقيادات الكشميرية المتطرفة تحت ساتر أنشطة الإغاثة والمنظمات غير الحكومية.
وأضافت (هندوستان تايمز) أنه إذا كانت باكستان هي العدو التقليدي الأول للهند فيما يتعلق بإقليم كشمير وتداعياته، فإن تركيا الآن هي العدو الثاني بعد باكستان للشعب الهندي فيما يخص كشمير والعدو الأول فيما يخص معركة الدفاع عن كيان الدولة والمجتمع في الهند.
وأوضحت الصحيفة أن تركيا تقوم بتقديم الدعم المعلوماتي والإعلامي للمتطرفين الكشميريين عبر منصات ووسائل الإعلام التركية واتخاذ بعضهم من تلك المنصات الإعلامية التركية منابر لهم لإشاعة التطرف وإحراق الهند وتأجيج مشاعر مسلمي الهند وبخاصة إقليم كشمير عبر مثلث شيطاني تقوم أضلاعه على العمل الإعلامي والمخابراتي والخيري.
ودعت الصحيفة، الشعب الهندي إلى الانتباه لحقيقة الأطماع التركية والتكاتف مع قيادة الدولة في مواجهة المخطط التركي الرامي إلى زعزعة استقرار الهند بل وإلى إحراقها، مشيرة إلى نجاح تركيا عبر سنوات حكم أردوغان ومن خلال سياسة النفس الطويل في زرع خلايا كامنة في أوصال المجتمع الهندي وهي الخلايا التي يتم اليوم تنشيطها لتنفيذ مخططها القذر لإثارة الفوضى وتقويض الدولة الوطنية في الهند لحساب جماعات التطرف والعنف المتأسلمة الموالية لأنقرة.
ونبهت (هندوستان تايمز) إلى أن أجندة أردوغان السياسية تجاه الهند تأتي في إطار استراتيجية أوسع لتمديد هيمنة تركيا اقتصاديا وسياسيا على منطقة جنوب آسيا متخذة من التكتلات السكانية المسلمة معبرا لها للوصول إلى هذا الهدف، وأكدت أن القوة الاقتصادية والعسكرية الهندية لا تزال تشكل حجر عثرة أمام الأطماع التركية في جنوب آسيا وأن أنقرة وهي تدرك ذلك تعمل على زعزعة استقرار الهند من خلال بث الفتنة الداخلية في مجتمعات الهند التي تعايش فيها المسلمون وغير المسلمين لعقود طويلة في سلام في ظل معادلة "حرية العقيدة.. الوطن للجميع" وهي المعادلة التي أدرك الأتراك أنها كانت سر تقدم الهند وازدهارها، وأنها أيضا ستكون مفتاح دمار الهند وخرابه إذا حاد الشعب الهندي عنها وهو ما تعمل عليه أذرع النظام التركي إعلاميا واستخباراتيا.
وتاريخيا كان إقليم كشمير موضع خلاف تطور إلى صراعات مسلحة بين الهند وباكستان منذ عام 1947 وصدور قرار التقسيم الذي أعطى الإقليم ما يشبه الحكم الذاتي، وفي أغسطس 2019 أصدرت الهند تعديلا دستوريا يلغي وضعية الحكم الذاتي لإقليم كشمير ويضع الإقليم تحت الإدارة الهندية المباشرة شأنه شأن باقي أقاليم الهند وهو ما أغضب باكستان.
وعلى الفور، بدأت تركيا في نفث سمومها في هذا الصراع من خلال العمل السياسي أولا بدعمها جهود باكستان "الغاضبة" لتمويل الحركات المسلحة والجماعات الحركية الكشميرية، وفي كل اجتماعات مجموعة العمل المالية الدولية Financial Action Task Force (FATF) التي تتبع الأمم المتحدة، كانت تركيا تدعم موقف باكستان بما يبرئها من شبهات دعم الحراك الكشميري المسلح، وهو ما شهدت به كل مضابط اجتماعات كافة المراجعات التي قامت بها تلك المجموعة الأممية التي تعني برصد ومناهضة أنشطة تمويل منظمات الإرهاب ومروجي الفكر المتطرف.
وفي سبتمبر 2019، تحدثت تركيا للمرة الأولى أمام المحافل الدولية عن قضية كشمير، كاشفة بذلك دخولها على خط الأزمة أمام العالم بلا مواربة، وكان ذلك في خطاب ألقاه أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم ما لبث الرئيس التركي أن عزز تلك الخطوة بخطوة جديدة، ففي فبراير 2020 قام بزيارة لباكستان، وقال في خطاب أمام البرلمان الباكستاني "إن قضية كشمير مهمة للأتراك بنفس قدر أهميتها لباكستان.. لقد ساعدتمونا في معركة الاستقلال والآن نساعدكم في نضالكم".
وذكرت دراسة لمركز مناهضة التطرف الأوروبي - ومقره ستوكهولم - أن الاستخبارات التركية تستخدم أسلوب المنح الدراسية وتبادل الزيارات الخاصة بالجمعيات الخيرية والأهلية كسواتر لأنشطتها الرامية إلى اختراق مجتمعات مسملي كشمير من الهنود، وأفادت دراسة مركز أبحاث مناهضة التطرف الأوروبي بأنه من بين الطلبة الكشميريين المسلمين الهنود الذين يتلقون تعليما في المعاهد الهندية يتم انتقاء أفضل العناصر لتجنيدها لخدمة الأهداف التركية بعد عودتهم إلى إقليم كشمير، وخلال دراستهم في الجامعات والمعاهد التركية يتم تقديمهم كـ"عملاء مرشحين" لمندوبي الاستخبارات الباكستانية وذلك تحت سمع وبصر الاستخبارات التركية بصورة كاملة وسرية.
وتستطرد الدراسة أنه "لإبعاد شبهة التورط الرسمي للأتراك في عملية إثارة الفتنة في تلك المؤامرة الكبرى تقوم جمعيات خيرية تركية ومنظمات إغاثية غير حكومية بتمويل دراسة الهنود المسلمين القادمين لكشمير للدراسة في تركيا".
وبحسب الدراسة، تعد منظمة الشباب التركي Turkey Youth Foundation (TÜGVA) التي أسستها ويديرها بلال أردوغان نجل الرئيس التركي في مقدمة المنظمات غير الحكومية التركية التي تمول برنامج المنح التعليمية التركية لمسلمي إقليم كشمير الهنود وذلك بمعاونة عدد من المنظمات التركية غير الحكومية "في الظاهر" والتي من بينها "رابطة أتراك المهجر" و"معهد يونس عميري للإغاثة" و"المركز التركي للغات والثقافة" و"الخطوط الجوية التركية".
وتتهم الدراسة نجل الرئيس التركي بأنه اللاعب الأهم في عملية تصدير مفاهيم ونظريات "الإسلام الراديكالي" التي يتبناها الرئيس التركي والتي تعكس أفكاره وتوجهاته، ويعاون بلال أردوغان في القيام بتلك المهمة أفراد من المقربين من عائلة الرئيس التركي الذي عبر عن اعتزازه في مناسبات عديدة بدور تلك المنظمة ووصف القائمين عليها بأنهم "صناع الحضارة الجديدة" في عالم اليوم.
وتقوم مؤسسة "ديانه" Diyanet Foundation، وهي منظمة إغاثية تركية مدعومة من وزارة الشئون الدينية والأوقاف التركية، بدور مهم في استقبال الدارسين الكشميريين الهنود في المعاهد التركية وإلى جانبها تقوم وكالة التنسيق والتعاون الدولي التركية شبه الحكومية Turkish Cooperation and Coordination Agency (TIKA) والتي تعد في الأساس وكالة إنمائية، بدور مهم في هذا الصدد باعتبار أن برامج المنح الدراسية هي أحد أوجه التنمية البشرية.
وبحسب الدراسة، "يستغل النظام التركي القيادات الدينية في إسباغ قداسة على مفاهيم (الإسلام الراديكالي) التي يتبناها الرئيس التركي وفي مقدمتهم حريتن كرمان المعروف في تركيا بشيخ الفتوى".. حيث قال "إن شرط تمام إيمان المسلم لا يتحقق إلا باعتناق تعاليم الإسلام الراديكالي كما يراها أردوغان خليفة المسلمين".
ووضعت الدراسة يوسف القرضاوي المقيم في قطر كأحد مروجي دعاية الفكر الأردوغاني المتطرف حيث يرى القرضاوي أن الأردوغانية هي النسخة التطبيقية المتطورة من "فكر تنظيم الإخوان"، وفي هذا الصدد لفتت دراسة المركز الأوروبي لمناهضة التطرف إلى أن القرضاوي هو صاحب فتوى إباحة التفجيرات الانتحارية التي ينفذها متطرفو سوريا.
كما يعد نور الدين يلدز - المستشار المقرب من أردوغان - أحد المدافعين عن "الإسلام الراديكالي العنيف" محاولا الخلط بينه وبين مفهوم "مجاهدة الأعداء الغزاة" في الإسلام، وأوضحت الدراسة الأوروبية أن يلدز هو رجل الظل الخفي الذي غسل عقل أحد منتسبي جبهة النصرة في سوريا، بأنه ضابط الحراسات الخاصة التركي الذي أطلق النار على المستأمن به وهو السفير الروسي في أنقره في ديسمبر عام 2016 في واقعة دامية سجلتها عدسات الإعلام العالمي حيث كان السفير الروسي المغدور يلقي كلمة في أحد المؤتمرات بأنقرة.
ويمتلك نور الدين يلدز علاقة قوية مع قيادات جبهة أحرار الشام ومنهم الإرهابي حسن عبود المعروف حركيا بالاسم الكودي "أبو عبد الله الحموىي" وقد لقي مصرعه في سبتمبر 2014 وقام نور الدين يلدز بزيارته في مدينة إدلب السورية قبل مقلته بوقت قصير.
وعلى صعيد العمل المخابراتي.. كشفت الدراسة الأوروبية عن قيام السفارة التركية في نيودلهي بالتجسس على قيادات مؤسسة Indialogue Foundation وهي مؤسسة تعني بالتعايش المشترك لكافة الأعراق والملل الهندية، فضلا عن كونها المؤسسة الوطنية المسئولة عن تعزيز الانصهار الإيجابي بين طوائف الشعب الهندي ويعود لها الفضل في تنظيم مهرجان سنوي لتقريب اللغات والثقافات في الهند صار في حد ذاته حدثا ثقافيا مؤسسيا في البلاد على امتداد العشرين عاما الماضية وفي إطار تعزيز اللحمة الوطنية للهنود International Festival of Language and Culture (IFLC).
وذكرت الدراسة الأوروبية.. لم تسلم تلك المؤسسة أيضا من أنشطة الاستخبارات التركية لاختراقها وهو ما رصدته عناصر المخابرات الهندية في عام 2016 وأجهضته في عام 2018 وألقت القبض على 12 جاسوسا تركيا يعملون تحت غطاء من السفارة التركية في نيودلهي، وعلى إثره طلب الادعاء العام الهندي من نظيره التركي موافاته بمعلومات عن حقيقة عمل هؤلاء الأشخاص على الأراضي الهندية وحقيقة ارتباطاتهم بالسفارة التركية في نيودلهي وذلك في المذكرة التي يحمل ملفها رقم / 230240 لسنة 2018 / ولا تزال وقائعها قيد التحقيق والمتابعة بين البلدين حتى الآن.