رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


سامح الجباس يكتب: الشهرة والغدر والخيانة تجمع «نساء في بيتي»

18-10-2020 | 16:46


بقلم سامح الجباس


ما الذي يجمع بين الرسامة الأمريكية "جورجيا أوكيف" التي توفيت عام 1986، والشاعرة والروائية النمساوية "إنجيبورج باخمان" التي ماتت عام 1973، والروائية المصرية "قوت القلوب الدمرداشية" التي ماتت عام 1968؟.

هذه رواية "بحثية"، وهذا النوع من الروايات قليل في العالم العربى.

فكرة الرواية كما جاءت في النص:

"ما الذي يجمع بيننا، أهي النسوية؟، أم الشهرة؟، أم التعرض للغدر من الرجال، سواء بالهجر، أو بالخيانة، أو بالموت؟!. 

يجمعنا أيضًا فشل قصص الحب، وإن كنت أرجح أن ما يجمعنا هو عُمق الحب، وليس الفشل، فكُلٌّ منا قد عانت من إدراكها أن الحب هو الحياة ذاتها.

هل نحن واحدٌ، على الرغم من كل الأبعاد والمسافات والزمن؟!".

البطلة الأولى 

كانت "إنجيبورج باخمان" قد أزعجت القراء بأعمالها، حتى إنها واجهت معارضة كبيرة من النقاد والأدباء الرجال الذين انتقدوا - بشكل خاص - روايتها المُهمة "مالينا"؛ لأنها أدانت فيها المجتمع الذكوريّ صراحة، واتهمته بتدمير الأنثى البطلة، وبقتلها.

كانت "باخمان" عضوة في لجنة تعارض الأسلحة النووية، ووقعت إعلانًا ضد حرب فيتنام. كانت امرأة معذبة مشغولة بهموم البشرية. 

وتتساءل الراوية: لماذا لم نعرفها جيّدًا في العالم العربي، ولها كل هذا الوجود العالمي؟. 

كانت علاقاتها بالرجال مأساوية بشكل واضح، بدايةً من "هانز فيجل"، ثم "باول سيلان" الذي كان حب حياتها المعذب، ثم "ماكس فريش" الذي انفصلت عنه، وبسببه دخلت مستشفى للعلاج من انهيار عصبي.

العلاقة مع الراوية

أميرة سعد، طالبة الآداب من قسم اللغة الألمانية، تزور الراوية، وتخبرها عن اختيارها لرواية "مالينا" لتكون موضوع دراستها للماجستير، مقارنة برواية "امرأة ما"، وهي للكاتبة نفسها. 

نهاية "إنجيبورج"

"كانت المرأة البالغة من العمر سبعة وأربعين عامًا قد آوت إلى فراشها في وقت متأخر من الليل، في كوخها الإيطالي الذي تعيش فيه وحيدة منذ سنوات، بعد أن تناولت جرعات كثيرة من الأدوية المخدرة، ثم أشعلت سيجارة، وهي متكئة على سريرها. وحين راحت في النوم، اتخذت النيران طريقها إلى فراشها، ثم إلى الخشب المحيط، وهو ما أدَّى إلى تدمير الكوخ ومحتوياته".

كان ذلك في أكتوبر 1973.

البطلة الثانية

تقول الراوية في مقارنة بينها وبين الرسامة الأمريكية "جورجيا أوكيف":

" ... كما إنها تمثل لي القدرة على التصميم، وعلى فرض ما تريد. وتمثل لي الجرأة الحقيقية والشجاعة. لقد استطاعت أن تعلن ما لم أستطع إعلانه قَطُّ، وأن تتحمل نتائجه. أظن أني قادرة الآن على إعلان مشاعري غير المعلنة.. نعم.. هذا العمر أكسبني حصانةً ما. لن أبقى خائفة من الحقائق إلى الأبد". 

العلاقة مع الراوية 

عندما انتقلت الراوية إلى بيت جديد، أحبت أن تزين جدرانه بلوحات، فاختارت لوحات مُستنسخة من "جورجيا أوكيف". إنها فنانة تشكيلية أمريكية، وُلِدَتْ في ثمانينيات القرن التاسع عشر، اتخذت من الرحم مصدرًا لنقطة الانطلاق في معظم لوحاتها، وحولت الوردة إلى نبع الحياة، فنحن لا نعرف إذا كان قلب الوردة هو مركز الأنوثة أم مركز الكون.

تزوجت من "ألفريد ستيجلينز"، وهو مُصور فوتوغرافى شهير كان يرعى الفنانين، ولكن هذا لم يمنعها من أن تُحدد خطوطًا حمراء لا يمكن للزوج الذي تحبه أن يتجاوزها؛ لأن الزوج كان بوهيميًّا، عاشقًا للنساء، يؤمن بالحرية في الزواج، وكان هذا يقتلها، ففضلت الابتعاد عنه لفترات كل عام، وعاشت في الصحراء في نيومكسيكو.

"جورجيا"، التي أرادت الأمومة، ورفض الزوج حتى لاتتعطل عن الفن، كانت لوحاتها تصرخ بأعمق رغبة تستطيع امرأة أن تبوح بها صمتًا، أو بأعلى صوت. 

وكانت صدمتها الكبرى حين اكتشفت أن عشيقة زوجها حامل، وأن  زوجها فرح بهذا الحمل الذي سبق وأن حرمها – وهي زوجته – منه.

البطلة الثالثة

قوت القلوب الدمرداشية:

"لم تكن المرأة، التي بدأت تخطو نحو سنواتها السبعين، تتصور أنها ستعيش في المنفى الإجباري بإيطاليا، بعد أن صادرت ثورة 1952 ثروة عائلتها.

لم تُخْفِ قوت القلوب مشاعر الحب نحو الصحفي محمود أبو الفتح، صاحب جريدة المصري، الذي لم يتجاوب معها يومًا بما يُطفئ لهيب انتظارها، على الرغم من هذا الوَلَه الواضح، والصحبة الدائمة التي كان يحرص عليها، لكنه ساندها، وآنسها لسنوات طوال، وربما بادلها المشاعر الحذرة دون أن يصرح بذلك يومًا، حسبما أسرّت به لأحد أصدقائها".

تنوعت كتاباتها بين اليوميات والرواية، وكافحت من أجل تحرير المرأة المصرية، وكان بيتها مزارًا لكل كُتَّاب العالم الذين يزورون القاهرة، مثل فرانسوا مورياك، وأناتول فرانس.

تزوجت - تحت ضغط أبيها - من قاضٍ شرعي يكبُرها بعشرين عامًا، وكانت العصمة بيدها، مما أثار حفيظة المجتمع المصري وقتها، فأطلقوا عليها صاحبة العصمة.

بدأت الكتابة في ثلاثينيات القرن العشرين، وسط تيار من الكُتَّاب الذين يكتبون بالفرنسية في مصر، وقررت أن تكون كتاباتها عن وضع المرأة المصرية المسلمة في المجتمع.

لم تكن متعصبة ضد الرجال، بل كانت تريد أن تحرر المرأة الشرقية والرجل الشرقي - معًا – من أغلال العادات والتقاليد البالية.

كتبت روايات: رمزة ابنه الحريم ورواية ليلة القدر.

عاشت مع ابنها مصطفى مختار، الذي فُصِل من عمله بوزارة الخارجية. في ذلك اليوم تشاجر معها وعلا صوته مطالبًا إياها بنقود إضافية، على الرغم من معرفته بالحالة المادية السيئة التي وصلوا إليها. صرخ في وجهها، ثم أمسك بكرسي خشبي وضربها على رأسها ثم هرب. نُقِلَتْ إلى المستشفى، وألقي القبض عليه. ماتت قوت القلوب، وتم الإفراج عن ابنها القاتل بعد أن قرر الطبيب أنه أصيب بلوثة ولم يقصد قتلها. كان ذلك عام 1968.

هالة البدري

هي الشخصية الرابعة في هذه الرواية، حيث تتساوى مع بطلاتها الأخريات في حكاية قصة حياتها وزواجها وسفرها الى العراق، ثم موت زوجها والمعاناة التي مرت بها.

عبر هذه الرحلة، التي اصطحبتنا فيها الروائية "هالة البدري"، تعرَّفنا وضع المرأة – المثقفة للأسف – منذ القرن التاسع عشر، ومن رَحِم هذه الرحلة يولد سؤال: هل تغيرت أوضاع المرأة الاجتماعية كثيرًا الآن؟.

أتمنى أن نسمع إجابة بالإيجاب قبل نهاية القرن الحادي والعشرين!.


نشر المقال بالتعاون مع مجلة عالم الكتاب - عدد 45 يونيو ويوليو 2020