رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


محمد الباز يكتب: رائحة الخيانة «5».. مبارك يصرخ فى وجه أوباما: أنت ساذج ولا تعرف شيئًا عن مصر

18-10-2020 | 18:17


لم تكن الساعات خلال أيام ثورة يناير حرجة على المصريين فقط، كان العالم كله يتابع هذا المارد الذى خرج من قمقمه، بلا قائد معلن، ويريد أن يأتى على كل شىء مرة واحدة. 


متابعات دول العالم المختلفة جاءت من باب معرفة ما الذى يحدث فى بلد كبير مثل مصر، وهو أمر نستطيع أن نتفهمه فى إطاره السياسى والدبلوماسى، لكن المتابعة الأمريكية كانت مختلفة، فقد كان كل همها أن تُجمع أكبر قدر من المعلومات عما يجرى على الأرض حتى تستطيع أن تنسج موقفها الذى يتسق مع رؤيتها فيما هو قادم من أيام فى مصر. 


لا أتحدث عن الرسائل التى كان يبعث بها أصدقاء وعملاء الولايات المتحدة، ولا تلك التى أرسلها مسئولون كثيرون لهم ثقل فى المنطقة، ولكن عن الأسئلة التى كانت ترسل بها هيلارى كلينتون ومستشاروها، ويطلبون إجابات واضحة عنها.


الإلحاح فى السؤال كشف عن حالة من اللهاث المستمر حول تفاصيل ما يحدث، كانوا يتعاملون مع أى معلومة حتى ولو كانت صغيرة، أو يراها البعض غير مؤثرة.. كانوا يريدون أن تكون الصورة كاملة عندهم، دون أى يكون هناك أى احتمال للصدفة. 


يمكنك أن تفهم من الرسائل السابقة كلها أن إدارة الرئيس أوباما كانت على الحياد تمامًا، يظهر هذا أحيانًا من اللغة الدبلوماسية التى كانت تستخدمها هيلارى فى كلامها، وفى تعليقات الرئيس أوباما نفسه. 


هذا الاعتقاد ليس صحيحًا بالمرة، فالولايات المتحدة الأمريكية كانت داعمة جماعة الإخوان، تساند وصولها إلى السلطة، لكنها فى لحظة الصراع كانت تحتفظ بوجه محايد فى انتظار ما ستسفر عنه الأحداث، وبعد ذلك يكون لكل حادث حديث. 


الرسالة «21» 


فى ساعة متأخرة من مساء 29 يناير 2011، أرسلت هيلارى كلينتون رسالة إلى مساعدتها هوما عابدين، تسألها: هل هناك أى تقارير فائتة عما حدث خلال الليل فى مصر؟ 


الرد أرسله سيلفان جاكوب إلى هيلارى وهوما عابدين، التى كانت بدورها قد وجهت رسالة وزيرة الخارجية إليه، فقال: الأحداث قليلة، سطحية إلى حد ما، لكن يبدو أن المظاهرات تزداد فى الثلاث مدن الرئيسية، القاهرة والإسكندرية والسويس، بعد صباح هادئ، وقد أوردت الجزيرة أنه تم إطلاق النار على المتظاهرين فى القاهرة، لكن ذلك غير مؤكد، وتمت استعادة الاتصالات جزئيًا.. ونحاول الآن معرفة المزيد. 


بعد قليل من هذه الرسالة أرسل سيلفان جاكوب رسالة أخرى وجهها إلى هوما عابدين التى حوّلتها بدورها إلى هيلارى كلينتون، وكانت عبارة عن تقرير عن وجود 50 ألف متظاهر فى ميدان التحرير بالقاهرة، وما قاله محمد البرادعى من أن الولايات المتحدة الأمريكية لا بد أن تختار بين الحكومة والشعب، وأنه مستعد لقيادة حكومة انتقالية. 


هنا يمكن أن نمسك بالإشارة الثانية إلى محمد البرادعى فى رسائل هيلارى كلينتون.


 المرة الأولى كانت الإشارة عابرة إلى صلاته فى جمعة الغضب وسط 2000 من المواطنين.


 وهذه المرة تأكيد لتصريحاته بالاستعداد للقيام بدور محدد فى الأحداث. 


حتى هذه اللحظة لم يكن اسم محمد البرادعى مطروحًا على مائدة النظام المصرى، بل كان يرقد فى خانة الأعداء، ولم يفكر أحد فى الاستعانة به فى الحكومة الجديدة التى يتم تشكيلها، وتم إسناد رئاستها إلى الفريق أحمد شفيق، لكن البرادعى هنا يخطو خطوات أوسع، عندما يُبدى استعداده لقيادة حكومة انتقالية، وهو على ما يبدو كان حريصًا على أن يصل إلى الأمريكان اعتقادًا منه أنهم يمكن أن يساعدوه فى تنفيذ ما يريده. 


رسالة سيلفان تشير إلى أن قناة الجزيرة عرضت صورًا توضيحية تظهر موتى من المتظاهرين داخل المشرحة، وهو ما أشرت إليه باعتباره إحدى وسائل الجزيرة فى إشعال الغضب فى الشارع المصرى، لأنها كانت تريد أن يحترق كل شىء. 


الرسالة «22» 


هناك أسطورة ترسخت فى عقولنا لسنوات طويلة، وهى أن الإدارة الأمريكية تعرف كل شىء، البعض يبنى اعتقاده هذا على أن أمريكا تعرف كل شىء، لأنها من تقوم بكل شىء، والبعض يعتقد أنها تملك أجهزة معلومات قادرة على أن تعرف كل وأى شىء. 


الرسائل تشير إلى أن هناك معلومات كثيرة مغلوطة كانت تصل إلى الأمريكان، وهو ما يشير إلى أن مصادرها لم يكونوا قادرين على الوصول إلى مصادر المعلومات فى مصر. 


يوم 30 يناير 2011 أرسلت هوما عابدين رسالة إلى سيلفان جاكوب، مستشار هيلارى قالت له فيها: يوسف يقول إنه يعتقد أنه من الواضح أن نبيل فهمى سيكون وزير الخارجية الجديد، يقول إنه رجل حاد وقوى وواضح، وأعتقد أنك قابلت نبيل من قبل. 


لم تكن المعلومة صحيحة على الإطلاق، فعندما أقدم مبارك على تكليف أحمد شفيق بتشكيل الحكومة فى 29 يناير 2011، تمسك باثنين من الوزراء هما: أنس الفقى الذى كان وزيرًا للإعلام، وأحمد أبوالغيط الذى كان وزيرًا للخارجية، وظل أحمد أبوالغيط فى منصبه حتى تقدم أحمد شفيق باستقالة وزارته فى 3 مارس 2011. 


الرسالة «23» 


فى 1 فبراير 2011 كان الاهتمام فى رسائل هيلارى كلينتون بالغًا بالحديث التليفونى الذى جرى بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما والرئيس حسنى مبارك، كان هذا واضحًا فى الرسالة التى أرسلها سيلفان جاكوب إلى هيلارى، والتى قال لها فيها: الرئيس الأمريكى تحدث إلى مبارك، كان مباشرًا وواضحًا للغاية، مبارك أبلغه بأنه لا يعرف مصر، وأنه أخذ خطوة كبرى بخطابه، والاحتجاجات ستنتهى، وقد أخبره الرئيس الأمريكى بأنه يرى الأمر بطريقة مختلفة. 


هنا يمكن أن نرصد النقلة الأولى فى معالجة الأمريكان لأحداث يناير. 


كان أوباما يعقد اجتماعًا مع عدد من مستشاريه فى الشئون الخارجية، وفيه استمع من أحد هؤلاء المستشارين إلى أن التاريخ فى مصر يتحرك بسرعة كبيرة، وعليه أن يختار الوقوف مع الجانب الصحيح. 


توقف الاجتماع عندما دخل أحد المساعدين على أوباما، وأخبره بأن الرئيس المصرى سيلقى خطابًا على التليفزيون، فانطلق أوباما ليستمع إلى الخطاب الذى ألقاه مبارك يوم الثلاثاء 1 فبراير 2011، وقال فيه صراحة إنه لن يترشح لولاية جديدة، ولن يترشح أحد من أسرته، لكنه لم يأت على سيرة تنحيه عن السلطة.


بعد دقائق من الاستماع إلى خطاب الرئيس المصرى أجرى أوباما اتصالًا مع مبارك، وهو الاتصال الذى تمت الإشارة إليه فى رسالة سيلفان جاكوب، واستمر ما يقرب من ثلاثين دقيقة. 


كان أوباما فيما يبدو مدفوعًا بما سمعه من مستشاره بأنه يجب أن ينحاز إلى الاتجاه الصحيح، قال لمبارك إنه لم يفعل ما يكفى لاحتواء الأزمة. 


غضب مبارك من ملاحظة أوباما، ورد عليه بقوله: أنت لا تفهم المجتمع المصرى، أنتم الأمريكيون ساذجون، لا تدركون كيف يمكن أن ينهار هذا المجتمع لو انسحبت. 


الرسالة «24» 


المتابعة الأمريكية لما يحدث فى مصر تسارعت بوتيرة أكبر بعد مكالمة أوباما مع مبارك، وهو ما يتضح من رسالة سيدنى بلومنتال إلى هيلارى كلينتون صباح 2 فبراير 2011. 


عنوان الرسالة كان واضحًا ودالًا: استخبارات جديدة مهمة من الأرض فى مصر وخيارات جديدة. 


كانت الرسالة محددة فى نقاط واضحة، جاءت على الوجه التالى:


أولًا: الجيش لا يزال بعيدًا عن القتال فى الشوارع، والمجموعة المؤيدة لمبارك التى تواجه هى مجموعة صغيرة من الأمن والشرطة السابقين، وهى مجموعة عنيفة للغاية ولكنها ليست مهمة سياسيًا، وحتى الآن الجيش لا يتدخل. 


ثانيًا: الجيش لا يريد إذلال مبارك، لن يجبره على فعل شىء آخر، لكن نقطة اشتعال تلوح فى الأفق، لا يمكن لمصر أن تستمر بضعة أيام أخرى قبل حدوث أزمة غذائية، الجيش هو مركز توزيع الغذاء، لكن فى غضون أيام ونتيجة لأزمة الغذاء سيشعر الجيش بأنه يجب أن يكون هناك حل، وفى تلك الأثناء لن يفعل الجيش أى شىء آخر، إن مبارك الآن يدافع عن موقفه ويصر عليه، ورغم أن الجيش يريد إبعاده فإنه لن يفعل المزيد ضده، لكن فى كل الحالات الجيش لا يزال مسيطرًا. 


وضعت الرسالة عدة خيارات جديدة يمكن أن تكون مناسبة للتعامل مع الموقف فى مصر، وقد جاءت هذه الخيارات على النحو التالى: 


أولًا: نص الدستور القديم على أن الرئيس يمكن أن يكون رئيسًا مدى الحياة، وهو ما قد يدعو مبارك إلى تشكيل لجنة دستورية على الفور تضم عناصر السياسة المصرية لتعديل الدستور وإلغاء هذا البند، وفى الحقيقة فقد ذكر مبارك ذلك فى خطابه، لكنه فشل فى تضمين أى آلية لتحقيق ذلك.. إن الدعوة إلى تشكيل لجنة ستبنى على ما قاله بالفعل، ويبدأ فى إنهاء حكمه فى الواقع، ويمكن أن يعلن أن عمر سليمان سيكون رئيسًا للجنة، وربما سيكون البرادعى نائبًا للرئيس. 


ثانيًا: بعد هذا الإعلان وبدء التحرك نحو اللجنة الدستورية، وبعد ذلك فقط، يمكن لسليمان واللجنة التواصل مع الأمم المتحدة لمطالبتها بالحضور بناء على طلب مصرى للعمل كضامن لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، لطمأنة جميع العناصر فى مصر بأنه لن يكون لأى حزب أو جماعة أى ميزة غير عادلة.


إن المصريين حساسون للغاية من أن ينظر إليهم على أنهم دولة من العالم الثالث أو مستعمرة، أو أن ينظر إليهم الأوروبيون بازدراء، لذا فإن المراقبة الدولية للانتخابات يجب أن تأتى بناء على طلب مصرى وبالتتابع بعد التعديلات الدستورية. 


يمكنك أن تعتبر ما قاله مستشار كلينتون تدخلًا واضحًا فى الشأن المصرى، فبعد رصد ما يحدث على الأرض نجد اقتراحات، علق عليها بلومنتال بقوله بعد عرضها أمام كلينتون: إذا أمكن اتخاذ خطوات انتقالية فعلية، فقد يبدأ هذا الجزء من الأزمة فى الاختفاء. 


حتمًا وصلت هذه الاقتراحات إلى الإدارة المصرية، وحتمًا تم النظر فيها ومناقشتها، وحتمًا أيضًا لم يتم الالتفات إليها من أى زاوية، والدليل أنه لم يعلن عنها ولم يحدث منها شىء، وكان طبيعيًا أن تستمر الأزمة، لقد أرادت الولايات المتحدة انتقالًا سلسًا للسلطة، وهو الانتقال الذى كان سيخدم حلفاءها الجدد. 


الرسالة «25» 


لم تكن هيلارى كلينتون تأخذ معلوماتها فقط من مصادرها فى القاهرة، كانت تهتم، فيما يبدو، بما تنقله وسائل الإعلام، وما ترسله لها المؤسسات الإعلامية من مصادرها. 


يظهر لنا هذا من الرسالة التى أرسلت بها «بى بى سى مونترينج» يوم 3 فبراير 2011 إلى السفير البريطانى فى القاهرة. 


«بى بى سى مونترينج» فرع من هيئة الإذاعة البريطانية التى تراقب وسائل الإعلام فى جميع أنحاء العالم وتقدم تقارير عنها، وأرسلت رسالتها إلى دومينيك أسكويث، سفير بريطانيا لدى مصر، الذى أرسل بها بدوره إلى مارجريت سكوبى، سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية فى القاهرة. 


موضوع الرسالة هو «رئيس الوزراء المصرى: خطأ فادح وراء أعمال عنف 2 فبراير فى ميدان التحرير»، وهى رسالة ترصد ما حدث فيما عرف بـ«موقعة الجمل». 


يقول التقرير: فى مقابلة هاتفية مع القناة الأولى المصرية المملوكة للدولة، فى 3 فبراير، فى الساعة التاسعة وثلاث دقائق بتوقيت جرينتش، وصف رئيس الوزراء المعين حديثًا أحمد شفيق أحداث العنف التى وقعت فى 2 فبراير، والعنف الذى وقع فى ميدان التحرير بأنه خطأ فادح. 


وعد رئيس الوزراء بإجراء تحقيق فى الانهيار الأمنى الأخير، وإشراك محتجى التحرير فى محادثاته مع المعارضة. 


وكما يسجل التقرير: بدأ رئيس الوزراء شرح ما حدث يوم الأربعاء.


قال شفيق: «بعد ظهر أمس اندفعت بعض المجموعات إلى الميدان، ولم يكن من المتوقع أن يتصرفوا بهذا الشكل، ولم يتم التعرف عليهم حتى الآن، ودخلوا منطقة ميدان التحرير، وكانت هناك احتكاكات بين الجانبين، وتفاقمت الخلافات وزادت الأمور أكثر، ووقعت خسائر وإصابات، وهذا هو الوضع، فى الواقع كل المصريين خاسرون وكذلك مصر، هذا إهدار للموارد وتطرف، هذا مشهد خطير جدًا لمن يحب هذه الدولة أو يخلص لمصر». 


واصل شفيق كلامه طبقًا للتقرير: «أكرر وأؤكد أن هذا الموضوع لن يمر مرور الكرام دون حساب، وسأل: من دخل هنا؟ من خطط لذلك؟ وإذا لم يخطط أحد لهذا، فما الذى وجههم إلى هذه المنطقة؟ هذه المجموعة التى اقتربت من النهاية ببعض الإبل مشهد هزلى». 


وأضاف شفيق إلى وصفه لما حدث: «طبعًا مع الشباب وحماستهم المتدفقة دخل الليل وارتفعت الخسائر، وكانت الحكومة حاضرة ممثلة بوزير الصحة، تواجد فى الداخل لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات مع سيارات الإسعاف الخاصة، وكان يخدم هنا وهناك، وكانت الإصابات هنا وهناك، وتم علاجهم فى الميدان أو عن طريق نقلهم إلى المستشفى». 


استكمل التقرير ما قاله رئيس الوزراء أحمد شفيق فقد أضاف: «أولًا وقبل كل شىء، كان هناك خطأ فادح وقع الليلة الماضية، لم يكن متوقعًا أن يحدث ما حدث على هذا النحو، وستحقق الحكومة فى الأحداث الأخيرة. 


أكد أحمد شفيق كذلك أنه تلقى أوامر بالتحقيق فى أسباب الانهيار الأمنى الذى حدث فى المرحلة الماضية، وأضاف أن هذه القضية برمتها، بما فى ذلك ما حدث أمس، ستخضع للتحقيق من قبل الجهات المختصة، حتى تعرف الجموع المحترمة أين الخطأ ومن يقف وراءه، وهل هو خطأ مقصود أم خطأ ناتج عن الإهمال وعدم الكفاءة؟، كل هذا يجب توضيحه. 


اعتذر أحمد شفيق فى نهاية كلامه عن كل ما حدث.


 قال: «بصراحة هذا غير منطقى وغير عقلانى، ومن اليوم سيبدأ الحوار، سنجلس كما هو مخطط مع المجموعة الشرفاء ونستمع لآرائها المتنوعة التى نرى أن لها وجهة نظر معارضة، أو لا توافق 100 بالمائة مع الرأى المعبر عن قرارات الرئيس، ونأمل أن نجد أرضية مشتركة». 


وقبل أن ينهى أحمد شفيق كلامه، قال: «إن هذه المجموعة اُختيرت من قبل جميع الكيانات المعارضة، بما فى ذلك المحتجون فى ميدان التحرير». 


بدورها أعادت مارجريت سكوبى إرسال الرسالة إلى سيلفان جاكوب مستشار هيلارى كلينتون مشفوعة بقولها: تلقينا محاضرات من بلد عمره 200 عام فقط، وإذا طلب منك ضيف المغادرة فأنت تطرده. 


لم يكن واضحًا ما الذى تقصده السفيرة الأمريكية فى القاهرة، خاصة أن بقية نصها إلى جاكوب محجوب، لكنه سارع بإعادة إرسال الرسالة نفسها مرة أخرى إلى هيلارى كلينتون. 


الرسالة «26» 


دخلت إسرائيل على الخط من خلال رسالة أرسلت بها وزيرة خارجيتها تسيبى ليفنى إلى هيلارى كلينتون يوم 4 فبارير 2011، ووجهتها أولًا إلى دانيال شابيرو، مدير أول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعين بعد ذلك سفيرًا للولايات المتحدة فى إسرائيل، وهى الرسالة التى أرسلها فى نفس اليوم إلى سيلفان جاكوب ومنه إلى هيلارى كلينتون. 


تقول ليفنى: «أجبرتنى الأحداث الأخيرة فى مصر والشرق الأوسط على الكتابة إليكم، على أساس شخصى، حول موضوع ناقشناه فى البداية فى زيارتك الأولى لإسرائيل كوزيرة للخارجية فى أوائل عام 2009، وبعد ذلك فى منتدى سابان فى ديسمبر الماضى، فى حين أن الوضع مرن ومعقد وملىء بالمخاطر المحتملة لإسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما، أردت أن ألفت انتباهًا خاصًا إلى التحدى والفرصة التى تطرحها الدعوات للتغيير فى مصر وأماكن أخرى فى المنطقة». 


وتستدعى ليفنى الذكريات مع هيلارى، تقول: «قد تذكرون فى حديثنا الأول حول هذا الأمر، لقد أثرت معكم اقتناعى الراسخ بأن الانتخابات الديمقراطية حق يتطلب التزامًا من قبل الأحزاب المرشحة لمنصب الرئاسة ببعض القيم الديمقراطية الأساسية، ناقشت إحباطى من أنه فى حالة حماس فى غزة وحزب الله فى لبنان، حصر المجتمع الدولى تعريفه الديمقراطية فى السلوك الفنى للتصويت، وفشل الإصرار على أن أولئك الذين سعوا للحصول على فوائد العملية الديمقراطية يقبلون مبادئها الأساسية كذلك، والنتيجة كما تعلمين كانت إعطاء قدر من الشرعية والسلطة للقوى التى لم تلتزم بوضوح بالمبادئ الديمقراطية والتى لا تزال تشكل خطرًا على مجتمعاتها وجيرانها». 


تواصل ليفنى طرحها: «لقد شجعنى أن الرئيس أوباما فى خطابه بالقاهرة فى أوائل عام 2009 نص على أن الانتخابات وحدها لا تصنع ديمقراطية حقيقية، وكذلك التصريحات الأخيرة فى هذا السياق من واشنطن مع تطور الأحداث فى مصر فى الوقت نفسه، أشعر بأن هذه قد تكون لحظة مناسبة وربما حاسمة للبحث عن شكل من أشكال التأييد الدولى لبيان مبادئ واضح المعالم يتبنى هذه الفكرة قبل فوات الأوان». 


وتدافع ليفنى عن وجهة نظرها: «كما ذكرت لكم فى اجتماعنا، لطالما دافعت عن أن يتبنى المجتمع الدولى على المستوى العالمى ما تطبقه الديمقراطيات الحقيقية على الصعيد الوطنى، مدونة عالمية للمشاركة فى الانتخابات الديمقراطية، ويشمل ذلك مطالبة كل حزب يترشح لمنصب الرئاسة بالتخلى عن العنف والسعى لتحقيق أهدافه بالوسائل السلمية والالتزام بالقيم الديمقراطية والقوانين الملزمة والاتفاقيات الدولية، تتضمن تشريعات معظم الدول الديمقراطية بما فى ذلك إسرائيل معايير للمشاركة فى العملية الديمقراطية، ويبدو أكثر من مناسب أن يتم التعبير عنها على المستوى الدولى أيضًا. 


وتضيف ليفنى: «يمكن لمثل هذا القانون إذا تم اعتماده فى المنتديات الدولية المناسبة أن يوجه مراقبى الانتخابات والدول الفردية فى اتخاذ قرار بشأن منح الأحزاب طابع الشرعية الديمقراطية، والإشارة إلى الناخبين بأن انتخاب حزب غير ديمقراطى ستكون له عواقب دولية سلبية على بلدهم». 


تشرح وزيرة الخارجية الإسرائيلية وجهة نظرها أكثر.


 تقول: «القصد هنا ليس خنق الخلاف، واستبعاد الجهات الفاعلة الرئيسية من العملية السياسية، أو اقتراح أن تكون الديمقراطية موحدة وتتجاهل الثقافات والقيم المحلية، الهدف هو توضيح أن العملية الديمقراطية ليست مرورًا مجانيًا، وأنها تتعلق بالمسئوليات وكذلك الحقوق». 


تتجه ليفنى إلى ما تقصده أكثر، تقول: «تبدو السياسة الدولية الواضحة التى تقودها الولايات المتحدة، والتى تدعم التغيير الديمقراطى، ولكنها تطالب أولئك الذين يسعون لشرعية الديمقراطية تلبية مطالبها، وهى مهمة بشكل خاص فى هذه اللحظة، حيث ترى القوى الأكثر راديكالية فى منطقتنا انفتاحًا محتملًا لدفع أجندتها المناهضة للديمقراطية، من خلال وضع هذه المبادئ فى مصطلحات عالمية، سيكون من الواضح أن النية ليست استهداف دولة معينة». 

وتنقل ليفنى إلى هيلارى بعضًا مما توصلت إليه، تقول: من خلال محادثاتى الخاصة مع القادة الدوليين والإقليميين حول هذه القضية، أعتقد أن مثل هذه المبادرة ستلقى استحسانًا دوليًا، بما فى ذلك دول فى الشرق الأوسط التى تحجم عن السماح بالإصلاح الديمقراطى جزئيًا على الأقل، خشية أن تنتهى حين تمكين القوى المتطرفة. 


هل يمكننا أن نصل إلى ما أرادت أن تقوله وزيرة الخارجية الإسرائيلية.


اسمعها وهى تقول: «كما تعلمون جيدًا فإن مصر تعد مفتاحًا وحليفًا استراتيجيًا لبلدينا وعنصرًا حاسمًا فى تعزيز السلام والاستقرار فى هذه المنطقة المضطربة، ومن المؤكد أنه من المناسب متابعة التطور التدريجى فى مصر وأماكن أخرى فى المنطقة، لكن يجب أن يتم ذلك فى إطار يحمى القيم الديمقراطية ضدها من اكتساب الشرعية أو الدعم الدولى، كما آمل أن تنظر فى الأفكار التى تم التعبير عنها هنا كطريقة محتملة للمضى قدمًا فى التعامل مع بعض الصعوبات التى تفرضها الأحداث الأخيرة، وأتمنى لكِ الكثير من النجاح فى التعامل مع التحديات المعقدة حقًا، وأرحب بفرصة مناقشة هذا الأمر معك فى الوقت المناسب.


ما أرسلت به ليفنى يعبر عن رؤية إسرائيلية للأحداث فى مصر، ولا ندرى بأى شىء ردت عليها هيلارى، لأن نص الرد تم حجبه من الرسائل التى تم الكشف عنها.