رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


القاضي حسام العادلي واستلهام التاريخ في مشروعه الأدبي

18-10-2020 | 20:28


سامح فايز

عرفت ورشة الزيتون الأدبية قبل عشرة أعوام، ويمتد عمرها لأكثر من 40 عاما، اهتم خلالها القائمون على الورشة أن يبرزوا الكتابات الأدبية الأفضل، ونوقشت مئات الأعمال خلال اليوم الأسبوعي الذي يجتمع فيه أعضاء الورشة على مدار تلك السنوات، بعضها كانت كتابات لأسماء ذات ثقل في المشهد الأدبي المصري والعربي، وأخرى كانت كتابات أولى لأصحابها، لكن اهتمام الورشة بها كان حجر الزاوية الذي ينطلق منه الكاتب إلى عالم التحقق الأدبي، فالجميع يثق في ذائقة أعضاء ذلك المكان، غير أن الورشة يشتهر عنها قسوة أعضائها في مناقشة الأعمال الأدبية مهما كان اسم صاحب العمل، ومهما كانت قوة المكتوب، فهم دائما يبحثون عن الأفضل، بيد أنه منذ بضعة شهور ناقشت الورشة الرواية الأولى لكاتب صادف أننى حضرت مناقشة كتابه، وانتظرت أن يشهر النقاد والمناقشون أسلحتهم لقتل أى قدرة لصاحب الرواية على المقاومة، كما هى العادة، يكفي أن نعرف أن القاضي والروائي أشرف العشماوي ذكر في تصريحات صحفية أنه أخر فكرة نشر رواياته لأنه حضر ندوة أدبية في ورشة الزيتون ووجد المناقشين يقدمون نقدا للعمل المطروح أقرب للسباب كما قال العشماوي، وهاله أن يكون وهو القاضي تحت سطوة مناقشة مثل تلك، فتراجع عن خطوة النشر لعامين على الأقل، غير أن صاحبنا الذي ناقشت الورشة روايته تسارع الجميع في مدحها.


ظننت في البداية أن ذلك مجرد استهلال لما هو قادم، والآن سوف يبدأ المناقشون سلخ تلك الرواية وصاحبها، غير أن العكس حدث تماما، وزاد الحديث عن قوة العمل، وجمال اللغة، ومستقبل ذلك الكاتب المشرق. لم أفقد الأمل فيما تعودت عليه من متابعتي للورشة على مدار سنوات، فهناك في الزاوية شاعر في الستين من عمره أحد أبرز المداومين على حضور ندوة الورشة الأسبوعية، ولم تسلم منه أي رواية أو ديوان أو مجموعة قصصية يوما، وعندما هم بالكلام كانت القاضية، قال هو الآخر أنه لم يقرأ رواية يوما بمثل تلك الدقة، هنا استسلمت تماما وقررت التعرف على ذلك الكتاب، وذهبت في اليوم التالي إلى أقرب مكتبة لشراء نسخة من روايته، ثم اكتشفت أنه إلى جانب الرواية يكتب القصة القصيرة، وله مقال أسبوعي في صحيفتي البوابة نيوز والمصري اليوم، يتناول من خلاله العديد من القضايا بحس ثقافي وأدبي، مهما كان نوع القضية المتناولة، إنه المستشار والكاتب حسام العادلي.


عن تأثير القضاء في المشروع الأدبي للمستشار حسام العادلي قال في تصريحات صحفية إن عمله كقاض جعله يحتك بشكل مباشر مع الشارع بكافة طوائفه وفئاته، ما مكنه من الاطلاع على حالات نادرة للطبيعة البشرية أمام العدالة وهو ما كان له عظيم الأثر في تكوين الخبرات التي ساعدته في عمله الأدبي في مجال الرواية والقصة.

وبين العادلي أن الرواية تحتاج أن ترصد مشاعر الأشخاص ومشكلاتهم، موضحًا أن ذلك هو المعيار الذي من خلاله يكون السرد نفسه نابضًا بالحياة. مشيرا إلى أن القضاء عالم ثرى بشكل كبير يسمح لك بالاطلاع على حالات الغموض والضعف في النفس البشرية، القاضي يتمكن من خلال عمله التعرف عن قرب عن أدق تفاصيل النفس البشرية بكل ما تحتويه من عوامل إنسانية، وهذا يضيف كثيرا للقاضي في عمله كأديب".


تقع رواية العادلي الأولى، أيام الخريف، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية في 385 صفحة من القطع المتوسط، الشخصية الرئيسية في الرواية هي الدكتورة ليلى المرعشلي، ذات الأصول الأرستقراطية - وحفيدة المرعشلي باشا، رئيس الوزراء في العهد الملكي، وهى الأستاذة الجامعية المرموقة، والشخصية السياسية المهمة في الفترة السابقة.

أشار العادلي في تصريحات صحفية أن ما دفعه لكتابة الرواية هو زخم التفاصيل الذي تتسم به تجربته الشخصية، فهو في الأصل من سوهاج، ووالدته من الإسكندرية، ويعيش بشكل شبه دائم بالقاهرة، كما أن عمله كمستشار يجعله على اتصال ببعض الدوائر السياسية، وكل ذلك ولَّد لديه الرغبة في أن يصور ذلك الزخم النفسي على نحو قد يساعده في تخفيف حدًّة التوتر لديه.


وعن زمن الرواية، ذكر العادلي أن الكتابة عن حقب الثورات تتطلب صبرا وروية حتى تتضح خيوط المشهد، لأن الأمور أثناء الثورات تكون متشابكة وغير واضحة، مؤكدًا أنه لم يُبد رأيه في ثورة 23 يوليو خلال الرواية، وإنما أراد فقط أن يسرد البواعث التي أدت إليها. لافتا إلى أنه كتب الرواية بأسلوب الراوي العليم الذي يبدو وكأنه يتلصص على الأبطال، موضحًا أنه لجأ إلى هذا الأسلوب بسبب تنوع الشخصيات وخلفياتها الذي لم يكن ليسمح بوحدة الصوت الذي يتحدث خلال الأحداث.


يستلهم العادلي التاريخ في مقالاته وليس كتاباته الأدبية وفقط، يظهر ذلك جليا في المقالات المنشورة بجريدة المصري اليوم، التي ارتكز فيها العادلي على التاريخ المعاصر منطلقا من خلاله لقراءة الحاضر، قراءة تاريخية تعبر عن إلمام كبير بتفاصيله، وأبعادة التي ربما تكون غير ظاهرة، من خلال قدرة تحليلة يمتلكها العادلي يبرز من خلالها أهمية اسقاطاته على الواقع، من أهم تلك المقالات التي تابعتها سواء في المصري اليوم أو البوابة نيوز أو مجلة الهلال تناوله للمفكر طه حسين وكتابه الفتنة الكبرى، ومقاله الشيخ علي يوسف وكيرلس أفندي، وأبو خطوة المغربي وأجراس كانتربري، والجاهلية التركية، وكومنولث الفاشية العثمانية.


المتابع أخيرا لمشروع حسام العادلي في الكتابة بأكثر من فن، سواء الرواية، أو القصة، أو كتابة المقال، يدرك كيف أفاد العادلي من عمله كقاض مثقف، له رؤية تحليلية للحياة والعالم، يبلورها لنا في كتاباته مختلفة السياقات.