رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


شاعرية عبدالرزاق السنهوري.. أبو القانون العربي

18-10-2020 | 20:52


ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثّرَى  *  أنّ الكَواكِبَ في التّرابِ تَغُورُ


ما كنتُ آمُلُ قَبلَ نَعشِكَ أن أرَى  *  رَضْوَى على أيدي الرّجالِ تَسيرُ


خَرَجُوا بهِ ولكُلّ باكٍ خَلْفَهُ  *  صَعَقاتُ مُوسَى يَوْمَ دُكّ الطُّورُ


والشّمسُ في كَبِدِ السّماءِ مريضَةٌ  *  والأرْضُ واجفَةٌ تَكادُ تَمُورُ


 

 تلك أبيات قالها المتنبي في رثاء الأمير التنوخي، حضرتني عندما هممت بالكتابة عن أبي القانون العربي عبدالرزاق السنهوري باشا –رحمه الله- ولم لا؟!  وهو من خيرة من أنجبت أمة العرب جميعها، ولم لا؟! وهو الحجة البالغة لمن أراد أن يتذكر أو أراد في المجد نشورا. رجل لا تنعاه أمة هو قاطنها فحسب، بل حري أن تنعاه الأمم قاطبة، ألم يكن أينشتاين من أوائل الناعين للعلامة الراحل د.مشرفة، على اختلاف مشاربهما وعرقيهما، ولكنه عرف للرجل قدره، فنعاه كما ينعي النهر بعد جفافه- ذو الغلة الصادي، هكذا كان العلامة الراحل عبدالرزاق السنهوري باشا(1895م - 1971م) أحد أعلام الفقه والقانون في الوطن العربي، ولد في 11 أغسطس عام 1895 بمدينة الإسكندرية لأسرة فقيرة وقد توفي والده الذي كان يعمل موظفا بمجلس بلدية الإسكندرية وعمره قرابة الست سنوات، وقد بدأ السنهوري تعليمه في الكتاب ثم التحق بمدارس التعليم العام بدءا بمدرسة راتب باشا الابتدائية التابعة للجمعية الخيرية الإسلامية، وتدرج بها حتى حصل على الشهادة الثانوية عام 1913.

ويذكر بعض المؤرخين أن السنهوري كان ترتيبه الثاني على طلاب مصر وحصل على درجة الليسانس في الحقوق عام 1917 من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة وجاء ترتيبه الأول على جميع الطلاب، وعمل موظفا بوزارة المالية وقت دراسته، وحينها تأثر بالزعيم مصطفى كامل، وتبنى فكرة الجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها كما كان معجبا بالكواكبي وعبد العزيز جاويش ومحمد فريد وجدي.

وعين السنهوري بعد حصوله على ليسانس الحقوق بالنيابة العامة في سلك القضاء بمدينة المنصورة وشارك في ثورة 1919 أثناء عمله بالنيابة فعاقبه الإنجليز بالنقل إلى مدينه أسيوط وترقى سنة 1920 إلى منصب وكيل النائب العام، وفي العام نفسه انتقل إلى تدريس القانون في مدرسة القضاء الشرعية، ثم سافر إلى فرنسا عام 1921 في بعثه علمية لدراسة القانون بجامعة ليون وهناك تبلورت عنده الفكرة الإسلامية.

وقد نادى بوضع قانون مدني جديد واستجابت له الحكومة وشغل منصب وزير المعارف أربع مرات ثم عين رئيسا لمجلس الدولة من عام 1949 وحتى عام 1954، حيث أيد ثورة يوليو وشارك في مشاورات خلع الملك فاروق مع الرئيس الراحل محمد نجيب وجمال سالم وأنور السادات.

 كما بذل جهودا كبيرة في مشروع الإصلاح الزراعي وطالب بإرساء الديمقراطية، وحل مجلس قيادة الثورة وعودة الجيش إلى الثكنات إلا أن المظاهرات العمالية هدمت أفكاره، وقد توفي السنهوري في 21 يوليو عام 1971.

  وللسنهوري مؤلفات كثيرة منها مشروعات القوانين المدنية والدساتير كالقانون المدني المصري، إضافة إلى القانون المدني العراقي ومذكرته الإيضاحية، والقانون المدني السوري ومذكرته الإيضاحية، وقانون البيانات بما فيه من قواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية، إضافة إلى دستور دولة الكويت وقوانينها التجاري والجنائي والإجراءات الجنائية والمرافعات وقانون الشركات وقوانين عقود المقاولة، والوكالة عن المسئولية التقصيرية وعن كل الفروع وهي التي جمعت فيما بعد في القانون المدني الكويتي، إضافة للقانون المدني الليبي ومذكرته الإيضاحية ودستور دولة السودان، ودستور دولة اتحاد الإمارات العربية.

كما أن له آثارًا فكرية أخرى بغير اللغة العربية أهمها تلك الأبحاث التي قدمها عن الشريعة الإسلامية في المؤتمرات الدولية للقانون المقارن، بالإضافة إلى الأبحاث والدراسات والمذكرات والتقارير التي ألفها ونشرها خارج مصر ولم يتم حصرها إلى الآن، وخاصة ما نشره في العراق أثناء وجوده بها لوضع القانون المدني لها.

وكان حكيما في أقواله وأفعاله، قلما تجد له صنوا في ذلك، ومن أهم أقواله التي يسطرها لنا التاريخ بحروف من نور:

                                           

 

"لما تقدمت بي السن رأيتني أحوج إلى الأخلاق منِّي إلى العلم والذكاء"- 

- "من حق الحياة علينا أن نؤمن بالاستقامة قبل أن نبدأ العمل ، فما أثمر كفاح زاملته الخطايا"

- "تحرر من شهوتك، وتحرر من أوهامك، ثم اعتمد على الله، تَلقَ لنفسك قوة تزعزع الجبال""

- "ليس من النادر أن ترى من غُرِسَت في قلبه عاطفة الإحسان ولكن من النادر أن ترى من يحسن ويعرف كيف يحسن"

-"أحببت نفسي. ثم أحببت وطني مصر. ثم أحببت قومي العرب، ثم أحببت الإنسانية جمعاء"


." أشعر ، ودائي أني أشعر، وهذا هو موضع الضعف عندي"- 

-"اكتشفت في نفسي شخصين: شخصا هو المثل الأعلى، وشخصا هو نفسي"

."-" الزعيم لا يستطيع أن يرجع جندياً صالحاً حتى لو أخفق في زعامته-" 

-"الصبر إذا تذرع به الفرد فهو ثبات وقدرة على التحمل، أما إذا تذرعت به الأمة فهو خنوع واستسلام"

"."

-" اللهم إني أؤمن بوجودك و بصدق نبيك و أن لي عقلا أمرتني أن أحكمه في أمور هذه الدنيا و هذا أنا أفعل"

 -"يجب أن تكون السلطة الشرعية هي السلطة الفعلية لا أن تكون السلطة الفعلية هي السلطة الشرعية"

-"لا يسيطر القانون إلا بين قويين أو بين ضعيفين، فإن تفاوتت القوة فالقانون هو القوة"

."-" لن تستطيع أمة أن تتخلص من ماضييها إلا تاهت في ظلمات لا تهتدي فيها"" 

-"لو استطاع الإنسان ألا يحس بالأمل وأن يتجرد عن الشهوة لصار ملكاً كريما"

ً."-" ما أشد تقلبات الأيام، وما أجدر المرء بالثبات عليها، لا تفزعه البأساء ولا تستهويه النعماء."

ما تعبت لشئ أكثر من تعبي عندما أفكر فى المستقبل" ،،،"-

"


.


 

وكان السنهوري شاعرا مجيدا، تميز شعره بعمق المعنى، والغوص في القضايا المعقدة، والأفكار المركبة من خلال أسلوب شعري يتسم بالتأمل الفلسفي، والاحتجاج العقلي، كما أن شعره يتميز بتراكيب متناسقة تنتظمها روح شاعرة محلقة، تنجذب إلى نقد الواقع الذي تحاول رؤيته من خلال مزاج فلسفي، وحس إنساني عميق، وهو من الشعراء المعتدين في موسوعة البابطين الشعرية، وفيما يلي عرض لبعض مقطوعاته واستهلالاته الشعرية:


أأرضى؟

أأرضى أن أنـامَ عـلى فراشــــــــــــــي  

ونَوْمُ الـمسلـمـيـن عـلى قَتــــــــــــادِ  

وأهـنَأ فـي النعـيــــــــــــم برغْدِ عَيْشٍ  

وقـومـي شُتِّتُوا فــــــــــــــــي كلِّ واد  

فلا نعـمتْ نفـوسٌ فـي صـفــــــــــــــاءٍ  

إذا نسـيَتْ نفـوسًا فـي الصِّفــــــــــــاد  


الله يعلم

اللهُ يعـلـمُ مـا عـشِقْتُ عبــــــــــــادَهُ  

إلا لأنـي أعبـدُ الـمعبــــــــــــــودا  

أأرى جـمـالاً ثـم لا أصـبــــــــــو إلى  

شـيءٍ يؤكِّد للإلهِ وُجـــــــــــــــــودا؟  

إذا ما نابني خطبٌ

إذا مـا نـابَنـي خطبٌ كبـــــــــــــــيرٌ  

أقـابـلُه بعزمٍ مـــــــــــــــــنه أكبَرْ  

ومَنْ تعـــــــــــــــــــركْهُ أحداثٌ شِدادٌ  

يُعـاركْهـا فـيُكـسَرُ أو فـــــــــــــيُصْهَر  

جهود متواصلة

جهـودٌ مُنهكـاتٌ مُضْنِيـــــــــــــــــــاتٌ  

وَصلـتُ اللـيلَ فـيـهـا بـالنهــــــــــارِ  

وكـنـت إذا استبـدَّ الـيأسُ يــــــــــومًا  

أسلُّ عزيـمةَ الأسد الـمُثـــــــــــــــار  

إذا افتخروا بـمـالٍ أو بجـــــــــــــاهٍ  

فقـانـونـي مـن الـدنـيـا فَخـــــــــاري  


شكوى في الخمسين

أشكـو إلى الخمسـيـن مـا قـاسـيـــــــتُهُ  

فـي هـذه الـدنـيـا مـــــــــــن الآلامِ  

قَذَفَتْ بـيَ الأيـامُ مــــــــــــن حُلْوٍ إلى  

مُرٍّ ولـم تُشفقْ عـلى أحـلامــــــــــــــي  

فبـلَوْتُ مـن حُلْوِ الـحـيـاةِ ومُرِّهـــــــــا  

مـا لا يـزال يجـولُ فـي أوهـامـــــــــي  

 نواب الشعب

نُوّابُ هـذا الشعب صَفُّوا جندهـــــــــــــم  

وتحصّنـوا بسـيـوفه وحـرابــــــــــــــهِ  

مـا بـالهـم متـوجّسـيـن كأنهـــــــــــم  

لا يـدخلـون الـبـيـتَ مـن أبـوابـــــــه  

وتحصّنـوا بـالجند حتى يأمـنـــــــــــوا  

مـن كـيـد شعبٍ أمعـنـوا فـي حـربـــــــه  

والشعبُ يُنكرهـم فهل مـن مـنصـــــــــــفٍ  

يأتـي لـيحـمـي الشعبَ مـن نـوابــــــــه  


أطلقوه كوكبا

أطلقـوه كـوكبًا نحـو الفضـــــــــــــاءْ  

فـانظروا فـي الجـو هل راح وجـــــــــاءْ  

أتُرى جـبّارُ هـذي الأرض قـــــــــــــــدْ  

صَعَّر الخدَّ لجـبّار السمـــــــــــــــــاء  

أيـهـا الإنسـانُ لا تزهُ فـمــــــــــــا  

أنـتَ فـي الأصل سـوى طـيـنٍ ومـــــــــاء  

هو الله

هـو الله إنْ نـبعـدْ دَنــــــــــا فجلالهُ  

محـيـطٌ بنـا فـي الـبعـد كـنـا أو القـربِ  

إذا النـاسُ لـم تؤمـن بربٍّ مهـيـمـــــــنٍ  

رحـيـمٍ فهل تسطـيع عـيشًا بــــــــلا ربّ؟  

فيا ربِّ

فـيـا ربِّ زحـزْح غُمّةً مـا لنـا بـهـــــــا  

ولا بـالخطـوب الجـاريـات يــــــــــدانِ  


وكـنـا كـمـن يـخشى الصداعَ فعـندمــــــا   

أُصـيبَ بـه داووه بـالسـرطـــــــــــــانِ  

القانون ولدي

خلّفتُ بنـتًا فـي حـيــــــــــــــــــــا  

تـي ثـمّ خلّفتْ الـولــــــــــــــــــــدْ  

فـالـبنـت «نـاديةٌ» أتتـــــــــــــــــ  

ـنـي بعـد يأسٍ وكـــــــــــــــــــــمد  

وإذا سألـتَ عـن الـولـيـــــــــــــــــ  

ـدِ أبـاه لـم يُعــــــــــــــــــوزك رد  

ولـدي هـو «القـانـون» لـــــــــــــــم  

أُرزَقه إلا بعــــــــــــــــــــــد جُهد