رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


"اللعب مع التكتلات الدينية".. من كتاب الوثائق السرية لحكم الجماعة الفاشية لـ"خالد حنفي"

19-10-2020 | 18:21


"الهلال اليوم"، تنشر فصلًا من كتاب "الوثائق السرية لحكم الجماعة الفاشية"، للكاتب خالد حنفي. الفصل بعنوان "اللعب مع التكتلات الدينية"، وجاء فيه:


الجماعة والسلفيين.. تحالف وانقلاب

محاولات اختطاف مشيخــة الأزهـــر

مخططات  تفجير كتلـة الأقـبـاط

الجماعة الفاشية والسلفيين.. تحالف وانقلاب

"تجسست عليهم ورصدت مقراتهم وراقبتهم وخططت للقضاء عليهم خوفا من قوتهم"

 «العريان» أقنع الأمريكان أن السلفيين خطر على الغرب لأنهم يكفّرونهم)

 قبل 25 يناير كانت جماعة الإخوان المسلمين تعيش تحت الأرض، وتنام تحت الأرض، وتتدرب أيضاً تحت الأرض، مثلها لا يحب النور، فالنور كاشف لوجهها الحقيقى، النور يظهر ما تبطنه فى صدرها وتخبئه بين اللحى التى تمتد - فى بعض الأحيان- لتصل إلى الأرض.. فى الوقت نفسه كانت للجماعة حياة أخرى فوق الأرض، تغازل المسئولين لتحصد المكاسب الخاصة.. وتتعاون معهم لينمو اقتصادها وتتوسع شركاتها حتى إذا ما حلت اللحظة المناسبة استخدمت هذا الاقتصاد لخدمة أهدافها.. فوق الأرض هى راضية بما يفعله الحاكم.. راضية بقراراته وداعمة لها بطرقها الخاصة بينما تنشر أبناءها فى الحارات والشوارع والقرى لتأليب الناس.. فوق الأرض تسعى للأحزاب السياسية للتعاون معها ومغازلة رموزها وقادتها لتستعين بها إذا ما تعرضت لأزمات ولتجميل صورتها أيضاً.. فوق الأرض كانت الجماعة ترى أن الإعلام حائط صد بين الحكومة والمواطنين.. تؤمن بدوره الكاشف للناس والمدافع عنهم وعن حقوقهم.. فى نفس الوقت كانت تؤمن بالقضاة وتتقرب لهم وتتقرب للأقباط وتغازلهم متى أتيحت الفرصة..

فوق الأرض أيضاً كانت ترفع شعارات دينية إرضاءً للشارع ومحاولة لكسبه.. وتضع آيات الله فى الصدارة ربما تفتح لهم ما استعصى من قلوب.. فوق الأرض تخرج فى مظاهرات بعينها كنوع من المشاركة وتنظم هى مظاهرات غالباً ما تكون خاصة بالقضية الفلسطينية فقط لجلد الحكام وإحراجهم أمام المواطنين.. فى مثل هذه المظاهرات كانت الجماعة ترفع شعارات ضد إسرائيل وضد أمريكا حتى تظهر شجاعتها للمصريين.. هذا ما كان قبل 25 يناير واستمرت فى مغازلتها لكل التيارات السياسية والشارع والإعلام والقضاء وأجهزة الدولة المختلفة والسلفيين فى الأيام الأولى من 25 يناير.. لكن حالها تغير تماماً بعد أن تخلى مبارك عن الحكم وترك إدارة شئون البلاد للمجلس العسكرى.. وقتها تخلت الجماعة عما كانت تفعله وظهر وجهها الحقيقى لتصل إلى غايتها المنشودة.. ما كانت تراه ملاكاً صوّرته للناس على أنه شيطان رجيم، وما كانت تراه محترماً صوّرته للناس على أنه عميل للغرب وضد المصريين.. رحل مبارك فحلمت الجماعة بكرسى الرئاسة، وعليه يجب إزاحة الجميع من طريقها لتحقيق هدفها.. يجب تشويه الجميع لتخلو الساحة أمامها وتنفرد بكل شىء.. لقد بدا للذين يعرفون الجماعة جيداً ويعرفون أساليبها أنها سوف تسرق أحلام المصريين لصالحها.. كانت الإشارة الأولى عندما اختار «مبارك» عمر سليمان ليكون نائباً له.. لحظتها هتفت الجماعة وهللت لـعمر سليمان وخرجت قياداتها للإشادة به فى الميدان وعبر قناة الجزيرة، منهم القيادى عبدالمنعم أبوالفتوح، ولكن ما إن رحل مبارك حتى قامت الجماعة بتشويه صورته والهتاف ضده.. عمر سليمان الرجل الذى كانوا يتمنون رؤيته عن قرب.. كانوا يتمنون رؤيته بأعينهم مباشرة لا عبر التليفزيون أو الجرائد، وهو ما كشفه الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل.. ما حدث مع عمر سليمان حدث مع غيره، وهم كثر.

بدأ وجه الجماعة الحقيقى يظهر للناس.. لم تكشف عنه كاملاً إلا بعد أن تمكنت من كرسى الحكم.. بدأت تكفر بما كانت تدعيه علناً.. بدأت فى توجيه سهامها تجاه الجيش والقضاء والجهات السيادية والإعلام والقوى السياسية والأقباط والسلفيين والشيعة.. غيّرت ما كانت تعلنه فى لحظة.. الجيش من حامى الثورة إلى وجوب التخلص من قياداته، والإعلام من الدفاع عن الناس إلى سحرة فرعون، والقضاة من حماة العدالة إلى تجهيز مذبحة للتخلص منهم، والسلفيون من حليف إلى عدو، ومن احترام الأقباط إلى تكفيرهم وتحريض الناس عليهم، والشيعة من المغازلة إلى حرقهم علناً، وإسرائيل من عدو أيام الحكام السابقين إلى أصدقاء أثناء توليهم الحكم، ومن الهجوم على أمريكا إلى التحالف معها ووضع أنفسهم تحت تصرفها.

كانت الجماعة تصور للناس أنها ضحية لكل الأنظمة السابقة والادعاء بأنه تم التضييق عليهم وسحلهم وحبسهم.. كان اقتصادها ينمو بسرعة الصاروخ.. كانت ترفع آيات الله تقرباً للمصريين، وما إن جاءوا للحكم بدأو فى تكفيرهم وهم داخل بيوتهم ثم يسألون بعد كل هذا لماذا قامت ثورة 30 يونيو.. الثورة التى كانت جحيماً لهم.. الثورة التى أعادت الوطن مرة أخرى للمصريين.. الثورة التى أجهضت حلم إسرائيل فى دولتها الكبرى من النيل للفرات، وأجهضت حلم أردوغان فى أن يحكم المنطقة من إسطنبول.. الثورة التى نجحت فى التخلص من هذه الجماعة الفاشية التى كانت تريد أن تختصر هذا الوطن فى تنظيمها- مجرد تنظيم.

لقد كانت لحظة عزل محمد مرسى لحظة فارقة فى تاريخنا.. الصورة التى اجتمع فيها كل رموز المجتمع كافية لتفسير لماذا جرت الإطاحة بهذه الجماعة.. كان فيها الجيش بخطاب الفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع وقتها، وكانت الداخلية حاضرة، وكان فيها شيخ الأزهر العالم الجليل الدكتور أحمد الطيب، والوطنى البابا تواضروس ومحمد البرادعى والسلفيون وحركة تمرد وممثلو القوى السياسية.. صورة تؤكد للجماعة أنه لم يعد أحد راغباً فى وجودها بعد أن كفرت بكل هؤلاء، وبعد أن ضيقت الخناق على كل هؤلاء.. أطيح بالجماعة فظهر وجهها الإرهابى هى وأنصارها والمتعاطفون معها.. أطيح بها فجُن جنون الدول التى كانت تدعمها فى السر وفى العلن.. أمريكا أوباما توعدت مصر بفرض عقوبات.. تركيا أردوغان طالبت العالم أجمع بإجهاض هذه الثورة.. قطر تميم سحبت قروضها واستثماراتها وبدأت تمارس تحريضها على مصر والمصريين عبر قناة الجزيرة، سحبت استثماراتها لكنها لم ترفع يدها عن الجماعة.. ظلت تمولها وتغدق عليها وتؤوى قيادات الجماعة المتهمة فى قضايا إرهابية وقضايا غسل أموال.. بريطانيا مأوى التنظيم الإرهابى خرجت أيضاً تحرّض علينا.. لم يفهم كل هؤلاء أن من قاموا بالثورة لن يتراجعوا أبداً مهما جرى.. أغرقوا مصر بإرهابهم على حدودنا الغربية والشرقية والجنوبية وداخل الأحياء والمناطق السكنية ربما نتراجع.. ولم يحدث.. فالجماعة صارت منبوذة من الجميع وارجعوا لصورة خطاب عزل مرسى ليتأكد لكم أن ثورة 30 يونيو هى جحيم للجماعة ولأنصارها من التنظيمات الإرهابية.

لقد كفرت الجماعة بالجميع، كما قلت، ولنبدأ بالسلفيين، لأسباب كثيرة أهمها وفى مقدمتها الدين.. كلمة السر فى تحركات جماعة الإخوان والسلفيين.. تاجروا به وخدعوا الناس باسمه فى الميدان وفى انتخابات البرلمان وفى الاستفتاء على الدستور-غزوة الصناديق- وفى الانتخابات الرئاسية التى تمت خلال المرحلة الانتقالية الأولى.. تاجروا لكنهم اختلفوا وهم يقتسمون الغنائم.. بدأوا يداً بيد وانتهى بهم الحال إلى التشهير والخوض فى الأعراض خاصة-بالتأكيد تتذكرون- بعد إقالة السلفى خالد علم الدين مستشار محمد مرسى من منصبه.. معركة جرى فيها استخدام كل أنواع الأسلحة الشرعية وغير الشرعية.. من النقد إلى الردح.. من الخلاف فى الرأى إلى التشهير والخوض فى الأعراض.. السلفيون الذين كانوا يرون أن محمد مرسى منحة من السماء.. عادوا ليروه محنة.. عادوا ليروه سبب البلاء.. عادوا ليدعوا إلى الخروج عليه، فهو ليس أميراً للمؤمنين.. بل إنهم تبنوا ما كانت تتبناه القوى السياسية المعارضة لمرسى وجماعته المنحلة.. من أنها جماعة لا تحفظ عهداً ولا تحترم عقداً وتدهس القانون بأحذيتها.. جماعة سرقت الثورة وما إن انفردت بالسلطة حتى راحت تُقصى المعارضين وتسحل المتظاهرين وتعذب وتقتل الثائرين.. لم تقف الجماعة المنحلة على ما تبناه السلفيون.. ردت عليهم بعنف وفرشت لهم «الملاية».. عايرتهم بما فعله السلفى على ونيس فى الطريق الزراعى، وما جرى فى أنف أنور البلكيمى وكذبه على الناس.. هذه المعركة رجت الأرض رجاً من تحت أقدام محمد مرسى وجماعته.. كثيرون سعدوا بها وراحوا يقولون «اللهم اضرب الإخوان بالسلفيين وأخرجنا من بينهم سالمين».. وهى معركة عبرت عن سعادتى فيها وقتها وكتبت عنها.. أسعدتنى لأنها كشفت عورات من يتاجرون بالدين.. كشفت ما تخبئه اللحى المقززة.. كشفت من كانوا يجلدوننا باسم الدين ويرهبوننا باسمه ويدخلوننا الجنة باسمه ويحرموننا منها باسمه.. الذين يستخدمون الدين «وقعوا فى بعض».. الآيات القرآنية التى كانوا يستخدمونها فى تحريم الخروج على الحاكم وجدوا غيرها ليبيحوا لنا الخروج عليه.. إذا ذكرت أحدهم بـ«إذا خاصم فجر» قال لك «من حق المظلوم أن يجهر بظلمه».. هذه المعركة خلّصت المصريين من وهم من يتحدثون باسم الله.. خلصتهم من سطوة المتحدثين باسم الدين عليهم.. الله جل وعلا هو المستفيد الوحيد من هذه المعركة فالطريق إليه لا يحتاج إلى المتاجرين من أصحاب اللحى!

لكن قبل أن يصل ما بينهما إلى مفترق الطرق كان الميدان جامعاً لهما على هدف واحد.. راح كل فريق يعلن مباركته للفريق الآخر.. يعلن عن رضائه لتحركاته، وما إن تم لهما ما أرادوه ورحل النظام توقفت الجماعة الفاشية أمام تحركات السلفيين.. طريقة ظهورهم فى الميدان.. ونصيبهم فى المقاعد البرلمانية.. فقد مثل مفاجأة كبيرة ليس للجماعة وحدها وإنما للجميع.. لكن الجماعة كانت منزعجة جداً من التيار السلفى وصعوده.. كانت تراهم خطراً عليها فبدأت بالرصد والتحليل والمراقبة وحددوا نقاط القوة فى حضور رموزهم الدينية وقوتهم المالية والقنوات الفضائية التى يملكونها، وحددوا نقاط الضعف ومنها تضاؤل مستوى التعليم وتشدد الخطاب الدينى وظهوره بأنه يميل إلى السلطة وتضارب المواقف.. لم تكن الجماعة الفاشية تخاف من القوى السياسية، ولا من وجودها على الساحة السياسية.. أكثر ما كان يخيفها هو صعود السلفيين.. كان صعودهم مرعباً للجماعة.. صعودهم أخذ من رصيدها ومن شعبيتها.. فإذا كان الإخوان يتكلمون باسم الله فالسلفيون يزايدون عليهم فى هذه المنطقة.

لقد نشرت وثائق خاصة بالإخوان أثناء توليهم الحكم فى السنة الكبيسة.. الوثائق كانت تعريهم تماماً وتكشف كل ما يخططون له وتكشف اتصالاتهم السرية بدول كثيرة ومصادر التمويل وغيرها.. دفعت وقتها مرشدهم محمد بديع لرفع دعوى قضائية ضدى بصفته، وقمت أمام النيابة باتهام محمد بديع بانتحال صفة مرشد لجماعة منحلة تمارس أعمالاً مشبوهة فى المجتمع وقدمت لها كل الأوراق والمستندات اللازمة.. كان للسلفيين نصيب الأسد من وثائق الجماعة التى نشرتها من بينها ورقة أعدها أحد أعضاء القسم السياسى فى الجماعة -كان له دور فى إعداد الخطط الانتخابية- وتوقف العضو عند لغة خطاب السلفيين ومحتواه وخلص إلى أنه خطاب متشدد ركز على قضية الشريعة الإسلامية وظهر بمظهر المدافع عن المادة الثانية بالدستور وظهور لافتات تحفز الناس لحماية الشريعة إلى جانب ظهور المرشحين باللحية بما يوحى أن المشايخ يحمون الشريعة وهو ما يأسر البسطاء-لاحظ خوفه من تأثيرهم على البسطاء-، وأضاف أن ما ساعد حزب النور على الحصول على أصوات من القائمة قدرتهم على الانتشار والحشد وتركزهم فى المناطق الشعبية والمناطق المتطرفة «كرموز-محرم بك- باكوس-برج العرب» وانتشار رموز مشايخ الدعوة السلفية.. جاء فى الورقة أيضاً أنه فى فترة قصيرة لوحظ أن حزب النور لديه قدرة مالية عالية وانتشار أفقى على مستوى الجمهورية والمنافسة على 95% من المقاعد والدخول فى تحالفات انتخابية، كما لوحظ انتشار مقرات لحزب النور فى جميع المناطق واستخدام سلاح الشائعات والتشويه، وضعف فى اختيار المرشحين وتوظيفهم وعدم وجود ضوابط شرعية وأخلاقية، وانتشار واسع للدعاية والمؤتمرات.

لم تغفل الورقة مشاركة السلفيين فى العمل الخدمى منذ بدء 25 يناير فى اللجان الشعبية ومعارض السلع المدعمة والإعانات للأسر الفقيرة ومعارض المدارس والوجود القوى فى الشارع والقرى والمناطق الفقيرة، أما الأداء السياسى فاستطاع حزب النور الظهور للنور فى مدة وجيزة واكتمال النصاب العددى بسرعة، وانتشار مقراته بشكل جيد مع ظهور الصحيفة الأسبوعية بما يوحى بقدرة مالية وتنظيمية عالية، ولكنها مفاجئة وتوحى بترتيب غريب فى ظل حالة الكمون للدعوة السلفية السابقة، وكان الاستفتاء على الدستور مؤشراً عالياً على وجوده فى المناطق الشعبية كما ظهر بمظهر الموالى للسلطة ومتصادم مع القوى الليبرالية.. لكن أداءه السياسى المرتبك والمتضارب جعله صيداً سهلاً للبرامج واصطدم مع النخبة.

حددت الوثيقة نقاط القوة والضعف لدى السلفيين.. جاء فى نقاط القوة وجودهم القوى فى المساجد وحضور رموزهم الدينية وقنواتهم الفضائية وقوتهم المالية والبشرية، أما الضعف فيكمن فى تضاؤل مستوى التعليم، وتضارب المواقف، وتشدد الخطاب الدينى واندفاعهم نحو المنافسة دون أى مراجعات.. مما يؤدى إلى انقسامات فكرية محتملة، وميلهم إلى عدم الصدام وظهورهم بمظهر الموالى للسلطة، بالإضافة إلى ضعف الكوادر واعتمادهم على الصف الأول القديم، وتوقعت الوثيقة زيادة انتشار السلفيين فى الأحياء الشعبية عن طريق الرموز السلفية والعمل الخدمى والإعانات والخطاب الدينى المؤثر، وزيادة الطموح السياسى.. فالانتخابات منحتهم ثقة عالية تتجه بهم نحو المزيد فى الانتخابات المقبلة، وهناك شراسة متوقعة فى المحليات، إضافة إلى زيادة الدعم الداخلى والخارجى لهذا المشروع «الدينى والسياسى والخدمى» بنك نور المنتظر ومدارس النور، والمزيد من الارتباك الإعلامى والسياسى مما يؤدى إلى انشقاقات محتملة وصورة ضعيفة أمام النخبة والمثقفين.

فى نهاية الوثيقة أوصى كاتبها بمواجهة صعود السلفيين عن طريق استعادة الإخوان للريادة الدينية، والتركيز على المناطق الشعبية فى العمل الخدمى «نواب مجلس الشعب»، مع وجود الرموز الدينية.. واستمرار الحفاظ على الوجود المؤثر فى مناطق النخبة.. مع التوازن والتنوع فى الخطاب المناسب.. والتعامل مع هذا الفصيل كمنافس تتنوع استراتيجية التعامل معه باختلاف المواقف بين التنسيق والتمايز.. وأهمية تمايز الخطاب الإعلامى والسياسى والدينى الوسطى بما نستعيد معه أى مساحة مفتقدة.. وعدم الاستدراج نحو تعميق الخلاف معه والحفاظ على قنوات اتصال جيدة لدرء أى أزمة.

لقد كشفت هذه الوثيقة أن جماعة الإخوان لا تريد لأحد أن يزاحمها فى المشهد السياسى.. الجماعة رأت فى صعود السلفيين خطراً وجب درؤه قبل أن يستفحل.. خطر يهدد وجودها وينسف فكرة أنها القوة الوحيدة المنظمة والقادرة على الحشد.. ما جاء فى الوثيقة لا ينفى تصدير الإخوان للسلفيين -وقتها- كفزاعة حتى يخاف منها من كانوا يحكمون فى الفترة الانتقالية أولاً ويخاف منها المصريون فيروا أنها جماعة رحيمة وأحن عليهم من تشدد السلفيين، والتجربة تؤكد أن الإخوان والسلفيين خطر على مصر، فهم من أدخلونا فى الفوضى بإرهاب المصريين باسم الله والضحك عليهم فى معركة غزوة الصندوق عندما أوهموهم بأن من يقول نعم سيدخل الجنة من أوسع أبوابها.

لم تكتف الجماعة بما جاء فى هذه الورقة، ولكنها ذهبت إلى ما هو أبعد من هذا.. قامت بتجنيد أجهزتها ليس لتنفيذ خطة التمكين وإنما للتجسس على القوى الأخرى، وكيفية القضاء عليها فى مهدها وقبل أن تستفحل وتقوى شوكتها.

كانت الجماعة ترى أن الخطر الحقيقى عليها هم السلفيون، وأن باقى القوى لن تتوحد، وأن الأحزاب الأخرى ما زالت هشة، والسلفيون الذين خرجوا من جحورهم ليملأوا الدنيا ضجيجاً وصخباً وعكاً.. أزعجو الجماعة وبشدة، ولكنها لم تقف مكتوفة الأيدى.. أطلقت أعضاءها ليرصدوا ويراقبوا وفى النهاية يضعوا خطتهم لمحاصرة هؤلاء.. فالجماعة كانت تعرف قلة خبرة السلفيين بالحياة السياسية، وأن تحركاتهم العشوائية تربك من يتعامل معهم.. وكانوا يعرفون أن البداوة التى ظهروا بها فى إحدى المليونيات كفيلة بأن يلفظهم المصريون.. البداوة التى وصفتها الجماعة بأنها مشهد أقرب إلى طالبان.. كل هذا لم يمنع الجماعة من استغلال السلفيين كورقة ضغط على الآخرين لتحقيق مصالحها الخاصة جداً.

لقد قامت الجماعة وبدقة متناهية برصد مقرات السلفيين فى المحافظات.. ورصدت ما يقوم به أعضاؤهم من أنشطة مختلفة.. ورصدت اتصالاتهم بالمجلس العسكرى.. وكل هذا تحت عنوان خريطة القوى السلفية فى مصر، وبدأت بالدعوة السلفية ومقرها الإسكندرية.. ولها مجلس شورى مكون من 206 أفراد ولها مجلس إدارة يرأسه محمد عبدالفتاح «قيم المدرسة السلفية وشهرته أبوإدريس»، ونائبه ياسر برهامى لشئون الطلاب والمحافظات، ونائب آخر هو سعيد عبدالعظيم، وبعضوية الشيخ محمد إسماعيل المقدم والدكتور أحمد حطيبة، والدعوة توجد بقوة فى الإسكندرية وكفر الشيخ وطنطا ومرسى مطروح والعريش والمنوفية والشرقية، وتضعف فى البحيرة، ولها مندوبون فى المحافظات تخرجوا فى معهد الفرقان للعلوم الشرعية، وهذا المعهد كان تابعاً للدعوة السلفية قبل أن تصادره الحكومة فى التسعينات.. فى التيار السلفية هناك عمل جماعى أكثر منه تنظيمياً، ولكنه قادر على الحشد بالمحافظات المنتشرة بها وغلب على أبنائه فى ميدان التحرير وبالتحديد يوم 29 نوفمبر 2011 البداوة والسذاجة والسطحية كأقرب ما يكون هؤلاء البسطاء لمشهد طالبان.. لم تشارك الدعوة السلفية فى الثورة إلا بعد يوم جمعة الغضب 28 يناير، وكانت مشاركتهم فى شكل لجان شعبية وحماية الممتلكات وحل مشكلات السلع والغاز، أما مشاركتهم فى جمعة 27 نوفمبر فكانت مخيفة جداً، لكنها سلمية وتفرض فيها الرأى بالكثرة، لكنها لا تنتهج العنف، وقاموا بتحويل الفعالية إلى الهوية الإسلامية ورفعوا شعارات «الشعب يريد تطبيق شرع الله».

تمضى وثيقة الإخوان من الدعوة السلفية إلى حزب النور السلفى الذى خرج منها.. الحزب الذى يتعامل مع الآخرين باستعلاء باعتباره الكبير.. ولدى جميع أعضائه الزهو بالأعداد الغفيرة التى خرجت فى جمعة 27 نوفمبر.

وتنتقل الوثيقة الإخوانية إلى «شباب الإصلاح» ومقرها البحيرة، وشيوخها هم هشام وخالد العقدة وهم امتداد للسلفية السرورية -السلفية السرورية هى حركة فكرية دينية انشقت عن السلفية وولدت من رحم الإخوان وسميت بالسرورية نسبة إلى محمد سرور زين العابدين وهو شيخ سورى أقام فى السعودية ويؤمن بالعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف، لذلك سترى إعجاب الإخوان بشباب الإصلاح ولِمَ لا ما دامت السرورية تؤمن بالعنف.. شريعة الإخوان!.

ما رصدته جماعة الإخوان عن شباب الإصلاح يقول إنهم يتركزون فى البحيرة والمنصورة، وينتظرون مواقف الإخوان السياسية لتبنيها، وشراكتهم البرلمانية المقبلة يعلقونها على حاجة الإخوان إليهم.. وجاء فى وصف الجماعة لشباب الإصلاح أنهم منفتحون على المجتمع وينتظمون فى أسر كالأسر الإخوانية، فهم تنظيم وعلى قدر جيد من الوعى السياسى، وشيوخهم أقل شهرة من شيوخ السلفية بالقاهرة والإسكندرية.. غادروا ميدان التحرير بعد ساعتين من جمعة 27 نوفمير احتجاجاً على تصرفات الدعوة السلفية فى الإسكندرية، وهم يؤسسون حزباً اسمه الإصلاح والنهضة، جمعوا توقيعاته من الرافضين للدعوة السلفية والعامة والشباب، ووكيل المؤسسين اسمه مصطفى إبراهيم - ما جاء فى وثيقة الإخوان عن شباب الإصلاح كان قبل تأسيس الحزب وخروجه إلى النور فى يوليو 2011 وما رصدته من معلومات كان صحيحاً باستثناء اسم رئيس الحزب فمصطفى إبراهيم واحد من قياداته أما رئيسه فهو هشام مصطفى عبدالعزيز .

خرج من شباب الإصلاح «جبهة الإرادة الشعبية» وهى جبهة سلفية نخبوية ثورية مع القوى الثورية مثل وائل غنيم وشباب الائتلاف ومعتصمى الميدان، ويضمون أكثر من ائتلاف سلفى من القاهرة والإسكندرية والمحافظات، والشخصية الأبرز فيهم اسمه خالد منصور الذى قام وعبر الفضائيات بمواجهة الدعوة السلفية وعبدالمنعم الشحات.. والجبهة تتبنى أيضاً مواقف الإخوان السياسية.

وثيقة الإخوان رصدت أيضاً سلفيى القاهرة «السلفية الحركية»، وهؤلاء شاركوا فى الثورة متأخراً، ولكن كانوا أسبق السلفيين، ومشايخهم هم الدكتور محمد عبدالمقصود والشيخ فوزى السعيد والشيخ حسن أبوالأشبال والشيخ سيد العربى والشيخ نشأت، وهؤلاء لهم أثر وقبول فى الصف السلفى، وعلى اختلاف مع الدعوة السلفية، وجرى صلح شكلى بينهم، فهم يتبنون مواقف الإخوان السياسية وتواصلوا مع لجنة إخوانية بالقاهرة وكانوا يلتقون بالدكتور محمد مرسى مرة شهرياً، لكن اللقاء لم ينتظم، تقصيراً من الإخوان وليس منهم، وسلفيو القاهرة يتسمون بقدر من الوعى السياسى لكنهم لا يميلون إلى العمل التنظيمى.

الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح كانت من بين ما عرضته وثيقة الإخوان فيما يخص السلفيين، ويرأسها نصر فريد واصل - مع أنباء عن استقالته- وأمينها العام هو الشيخ محمد يسرى، ولها مجلس أمناء يضم الشيخ عبدالستار فتح الله والشيخ صفوت حجازى، ويضم مجلس إدارتها الدكتور محمد عبدالمقصود والشيخ على السالوس، ويحضر فيها أيضاً مشايخ شباب الإصلاح مثل هشام العقدة، والهيئة هى مجموعة مشايخ من مختلفى التوجهات، ولكن الطرف الفاعل فيها هو الشيخ محمد يسرى، فهو يتحدث باسمها ويكتب بياناتها.. والهيئة ليس لها الآن اأثر قوى على الأرض يملأ الفراغ السلفى بالقاهرة.. وعرض على الشيخ محمد يسرى رئاسة مجلس شورى الدعوة السلفية بالإسكندرية فرفض وانسحب خوفاً من صدام وشيك مع الشيخ ياسر برهامى.

الهيئة أعلنت دعمها لمحمد مرسى فى انتخابات الرئاسة، فعلت ذلك برعاية الشاطر وبتحرك قوى من رئيسها الجديد الشيخ على السالوس الذى خلف نصر فريد واصل، والسالوس أحد أعضاء التنظيم الدولى للإخوان ويحمل الجنسية القطرية.. وكان دعم الهيئة لمرشح الإخوان يؤكد ما جاء فى وثائقها من أن الهيئة تتبنى مواقف الإخوان السياسية.

السلفيون المستقلون، وفقاً لوثيقة الإخوان تضم الشيخ أسامة عبدالعظيم ونائبه الشيخ محمد الدبيسى، وهذه الجماعة لا أثر لها، وأعضاؤها منعزلون، ولكن الأثر الأكبر للمستقلين من دعاتهم مثل الشيخ محمد حسان والشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ أبوإسحاق الحوينى، ومواقفهم من الثورة فى بدايتها كانت متخبطة وملتبسة لكنهم انحازوا لها فى النهاية وكان لهم دور الحشد فى استفتاء 19 مارس، وهو الاستفتاء الذى ضللوا فيه المصريين بأن من يقول نعم سيدخل الجنة.

«سلفيو الولاة»، وهى جماعة وصفتها وثيقة الإخوان بـ«القوصيون» وقالت إنهم من يرون الأحزاب مخربة وخارجة عن طاعة ولى الأمر، وكانوا يبلغون أمن الدولة عن الإخوان والسلفيين، وهؤلاء يمثلهم أسامة القوصى فى عين شمس.

بعد الرصد الدقيق للجماعة السلفية، وضع الإخوان تصوراً للتعامل معهم، وضعت تصوراً لاستخدامهم والدفع بهم فيما يريدون تحقيق الهدف منهم، التصور أكد على ضرورة استخدام السلفيين كفزاعة يرهبون بهم المصريين ومن قبلهم المجلس العسكرى، فجماعة الإخوان تدرك جيداً أن السلفيين حديثو العهد بالسياسة وتحركاتها عشوائية، لذلك رأت الجماعة وكما جاء فى وثائقها الاستفادة من تناقضات المشهد السلفى بتقوية الجماعات السلفية المعتدلة والمتسمة بقدر من الوعى السياسى.. كمشايخ السلفية فى القاهرة وشباب الإصلاح بالبحيرة وجبهة الإرادة الشعبية والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، لتكون قادرة على مواجهة التيار السلفى المتشدد المزهو بنفسه والذى تمثله الدعوة السلفية بالإسكندرية، وهو ما يعين ضرورة التواصل معهم وأيضاً التنسيق والتواصل مع المتشددين من مشايخهم عبر المعتدلين، وأن يكون التنسيق معهم جزءًا من التنسيق الوطنى الواسع وليس تنسيقاً ثنائياً بين الإخوان والسلفيين، وأن يستفاد منهم فى التفاوض كورقة ضغط على الآخرين لصالح الإخوان، وهو يعنى أنهم يستغلون السلفيين ويستخدمونهم كفزاعة لتحقيق مصالحهم الشخصية.

لم تكتف الوثيقة بما جاء فيها من معلومات عن السلفيين فى مصر.. بل أوصت بضرورة أن يكون هناك فريق بحث من متخصصين ليحلل المشهد أكثر ويقدم معالجات باستفاضة إلى لجنة مركزية لإدارة المشهد مع السلفيين، هذه اللجنة تضم علماء وشيوخاً ودعاة يتواصلون مع السلفيين مثل الشيخ عبدالستار فتح الله والدكتور عبدالرحمن البر عميد كلية أصول الدين والدكتور محيى الظايط نائب شورى الإخوان بشرق القاهرة وجمال عبدالستار المنسق العام لنقابة الدعاة وأستاذ بجامعة الأزهر وأحمد زايد.. وباحثون وقيادات حركية ميدانية وشباب من الإخوان وإعلاميون.

وصلت الجماعة للحكم وحاولت إرضاء السلفيين إلى حين.. ووضعت بعض رجالهم فى مناصب لكنها مناصب غير حيوية.. وما إن شعرت بالقوة حتى بدأت التخلص منهم، وانقلبت عليهم.. وكانت الفتنة مستترة.. لكنها أصبحت علناً وعلى الهواء مباشرة.. وكل طرف يعاير الآخر ويكشف عوراته.. وكان هذا واضحاً بعد الحفل الذى أحيته دوللى شاهين فى الغردقة تحت رعاية حزب الحرية والعدالة.. وقتها خرج السلفيون وسخروا من الحزب وقادته بل وشنوا هجوماً عنيفاً عليهم.. ولم يسكت الإخوان وعايروا السلفيين بما فعله على ونيس فى الطريق الزراعى وذكروهم بفضيحة أنف أنور البلكيمى.. وليس هذا فقط وإنما امتد الخلاف بينهما ليصل إلى التخوين.. فالسلفيون تبنوا ما كانت باقى القوى السياسية ترمى به جماعة الإخوان.. ويقول السلفيون إن الجماعة ركبت الثورة، وما إن وصلوا إلى كرسى الحكم حتى قرروا إقصاء الآخرين، وهو ما قاله يونس مخيون رئيس حزب النور لـمحمد مرسى فى اللقاء الذى جمع بينهما.. ونصحه ألا تستحوذ الجماعة على كل شىء، وأن يمنح باقى القوى السياسية الفرصة لأن يشاركوا بقوة، وطالبوه بأن يكون خطابه موجهاً إلى الشعب المصرى لا إلى جماعته فقط.. وكان محمد مرسى حريصاً على أن يلتقى برئيس حزب النور بعد أن لاحظ مواقف الحزب تجاه جماعته فى الفترة الماضية.. وكان حريصاً على أن يعيد الوئام بينهما ولو مؤقتاً خاصة قبل الانتخابات البرلمانية.

انقلاب السلفيين على الإخوان أصبح واضحاً فى بياناتهم وحواراتهم التليفزيونية والصحفية.. ولا يجدون مناسبة إلا وفتحوا فيها النار على ممارسات الجماعة.. ويقولون عنها ما يقوله المعارضون من أن الجماعة تركت ميدان التحرير وتخلت عن الثورة لكى يستعدوا لانتخابات مجلس الشعب.. الانتخابات التى كانت مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم.. الانتخابات التى لو كان المجلس العسكرى قام بتأجيلها لخرج أعضاء الجماعة كالمغول فى الشوارع.. وكانوا يجهزون لها والجثث تتطاير فى كل مكان.. هى الانتخابات التى تحققت لهم، لكن نتائجها كانت مزعجة.. فالسلفيون حصدوا أكثر من 25% من أصوات الناخبين، النتيجة أزعجت الجماعة وأغضبت السلفيين.. فالجماعة شعرت بالخطر والسلفيون لم يرتضوا بالنتيجة، فقد كانوا يرون أنها لا تتناسب مع أعدادهم فى الشارع.. هذه النتيجة وإن لم تكن مرضية للسلفيين فقد رآها غيرهم طيبة.. خاصة أن ملعب السياسة جديد على السلفيين.. لا يجيدون التحالفات ولا التربيطات ويتحركون بعشوائية ويفتقدون التنظيم.. لكن وبعد سنتين من 25 يناير عرك السلفيون الحياة السياسية.. وعرفوا دهاليزها وخبروا معاركها.. يعرفون متى يصمتون ومتى يتحدثون؟!.. متى ينشبون أظافرهم ومتى يتحلون بالرقة؟!.. لم يعد السلفيون على براءتهم السياسية.. هم خرجوا للعمل العام ولن يتنازلوا عن نصيب يرضيهم فى الحكم.. أدركوا أن جماعة الإخوان كانت تستخدمهم فى ترويع المجتمع بهم.. أدركوا أن الجماعة تضمر لهم شراً، وهو ما تأكد لهم بعد أن جرى تفتيت السلفيين، وانشق بعض أعضاء حزب النور ليؤسسوا حزباً آخر هو حزب الوطن.. هذا التفتيت هو ما جعل باقى السلفيين يدركون خطورة الجماعة عليهم.. يدركون أن التفتيت هو البداية ولن تهدأ الجماعة إلا بعد أن تقضى عليهم بالإغواء ثم الإقصاء، ولا مانع هنا من اللجوء إلى الاعتقالات إن لزم الأمر.. فالجماعة تعرف جيداً أن السلفيين ليسوا على قلب رجل واحد كما هو الحال عندهم.. ليس لديهم شخص واحد يدينون له بالسمع والطاعة حتى لو ذهب بهم إلى التهلكة، ومن هنا تتسرب الجماعة لتشعل النار بينهم.. تقرب منها ما تراه قوياً فيأتى هو ومجموعته.. تأتى به ليصبح فى مرمى النيران من باقى زملائه السلفيين فيتهمونه بالبيع والخضوع للجماعة.. تستفيد الجماعة بقوة من تقربه منها وفى الوقت نفسه تكتب نهايته بيد السلفيين لا بيدها، بهذه الطريقة تتخلص الجماعة من رؤوس السلفيين واحداً تلو الآخر فلا يبقى لديهم من يحرك الناس أو يحشدهم.

الجماعة هى من بدأت بالحرب على السلفيين.. خرج عدد من رجالها يهاجمون السلفيين.. منهم عصام العريان وهو فى أمريكا حين خوّف الغرب من صعود السلفيين.. وصفهم بالمتطرفين الذين يضيقون بالديمقراطية ولا يحترمون الأقباط ولا يحترمون المرأة، وطمأن الغرب بأن السلفيين لن يؤثروا على جماعة الإخوان.

قبل 30 يونيو وقف السلفيون- وكالعادة- يراقبون ما سيجرى فى هذا اليوم ولمدة 3 أيام وعندما ترجح كفة عن أخرى ستنحاز للمنتصر، قسموا أنفسهم إلى فريقين.. فريق على الأرض يشارك الإخوان خطواتهم، وفريق يعلن الحياد ولا مانع لديه من أن يحرم الدم ومهاجمة المؤسسات ومنشآت الدولة.. اقترب 30 يونيو وخرجت قيادات السلفيين تعلن أنها لن تشارك فى هذا اليوم ولن تشارك أيضاً فى مظاهرات الإخوان التى كانت قد بدأت قبل 30 يونيو بأيام.. أعلنوا ذلك عبر الفضائيات وعبر بيانات خرجت من حزب النور.. لكن الواقع كان يقول غير ذلك.. كان يقول إن كثيراً من السلفيين انضموا للإخوان المسلمين فى المظاهرات التى جرى تنظيمها دعماً لما سموه دفاعاً عن الشرعية.. جاء اليوم وكان الحشد فيه عظيماً وكان خروج المصريين مبهراً للعالم كله.. هنا لم يجد السلفيون أمامهم سوى إعلان انحيازهم للشعب-الفريق الفائز- تجلى هذا الانحياز عندما ظهر ممثل عنهم فى البيان الذى ألقاه الفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع وقتها والذى بموجبه عزل محمد مرسى.. قبلها حاولوا أن ينتهزوا فرصة الغضب الجماهيرى على الجماعة وتقديم أنفسهم لأمريكا على أنهم البديل المناسب وأنهم على استعداد أن يقدموا أى شىء لهم.. لقد حدث هذا عندما وقعت أحداث العنف أمام قصر الاتحادية وبعد أحداث بورسعيد فى ظل حكم محمد مرسى وخرج السلفيون بمبادرة لوقف الدم وهى المبادرة التى باركتها أمريكا.. هذه المبادرة وقبل أن تخرج للنور كان السلفيون قد أرسلوها للسفارة الأمريكية بالقاهرة والتى أرسلتها بدورها للبيت البيض فباركها وأثنى عليها ومن ثم أعلنها حزب النور على الجميع وخرج المسئولون الأمريكيون يباركونها فى العلن أيضاً، وهو ما أثار حفيظة جماعة الإخوان المسلمين.. وقتها شعروا بالخطر من صعودهم أو أن أمريكا قد تجد فيهم حليفاً لها وبديلاً لهم.. زاد الخطر عندما قرر حزب النور أن يحج إلى واشنطن.. سافر قياداته فى جولة يعرضون برنامجهم ويجملون صورتهم بدعاوى عن احترامهم لحقوق المرأة والأقباط والحريات وأنهم مؤمنون بالتعددية على غير الحقيقة.. ذهبوا ليقولوا لهم إن بإمكانهم الحوار مع المعارضة وأنهم قادرون على لم شمل الفرقاء، وضربوا مثلاً لهم بجلوسهم مع قادة جبهة الإنقاذ ورؤساء الأحزاب السياسية.. سافروا ليطرحوا أنفسهم على أمريكا بديلاً للجماعة محاولين تقليدها والسير على خطاها.. كانوا يريدون الدعم تماماً مثلها.. كانوا يريدون البركة ليصلوا لكرسى الحكم.. لم يكن غريباً أيضاً أن يخرج الدكتور سعد الدين إبراهيم ويعلن أن السلفيين طلبوا منه أن يكون وسيطاً بينهم وبين أمريكا.. طلبوا منه أن يحمل هذه الرسالة: «ننوى أن نستقل عن الإخوان ونريد قناة مباشرة مع أمريكا بدلاً من التعامل مع الإخوان».. طلبوا منه أن يفعل معهم ما سبق وأن فعله مع جماعة الإخوان المسلمين.. فالدكتور سعد الدين إبراهيم كان هو الوسيط بين أمريكا والجماعة.. حدث هذا سنة 2003 عندما كان محبوساً معهم ونجح بالفعل فى أن يرتب لقاءات بين مسئولين أمريكيين وقيادات بالجماعة منهم عصام العريان ومحمود عزت وجهاديون.. كانت الجماعة فى قمة غضبها من التقارب الذى حدث بين السلفيين والأمريكان.. تقارب وكما قلت كان يتوقعه القيادى الإخوانى عصام العريان قبلها بفترة، لذلك حاول بكل قوة أن يخوّف الغرب من السلفيين.. قال لهم: إن السلفيين خطر كبير وإنهم لا يحترمون المرأة ولا يؤمنون بالحرية ولا يؤمنون بحقوق الأقباط وأنهم يرون الغرب كافراً.. وحتى يؤكد العريان للغرب ما قاله كان كل فترة يستفز السلفيين ليخرجوا ما فى بطونهم.. حدث هذا عندما هنأ الأقباط بعيدهم.. وقتها خرج عليه السلفيون ونالوا منه ونالوا من الأقباط.. كان العريان واعياً بما فعله وبلع السلفيون الطعم وكشفوا للغرب عن وجههم الحقيقى الذى نعرفه نحن ونؤمن بأن السلفيين يناصبون الأقباط العداء بل إن كثيراً من مشايخهم يرميهم بالكفر.