مرسى جميل عزيز.. فارس الكلمة فى السينما المصرية
وُلد سنة1921،
ومصر تتهيأ، بعد ثورة 1919، لمرحلة جميلة من تاريخها الطويل، فتنفتح على الثقافات
المختلفة وعلى العصر، وعلى ناسها الذين طال تجاهلهم، وتعود إليهم الروح، كما كتب
توفيق الحكيم.
وُلد شاعرنا فى
الزقازيق لأب يعمل "فاكهاني"، وعمل هو بالمهنة نفسها فى حياته المبكرة،
فاكتسب من الفاكهة عالمها الثري من الألوان والأشكال والرائحة والطعوم، وانعكست
على كلمات أغانيه شديدة الثراء والجمال والرقة والتنوع، وإلى جانب هذا امتلك عقلا
وهّاجا، فدرس الحقوق وفن كتابة السيناريو وثقافة واسعة محبة للناس وتراثهم العميق؛
ومثلت أغنيات مرسي جميل عزيز، المبتهج والمقبل على الحياة والبسيط فى نفس الوقت،
نقلة جديدة فى عالم الشعور والعواطف التى واكبتها تغيرات اجتماعية كبيرة صاحبت
ثورة يوليو 1952، بخروج الملايين من شباب وفتيات الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى إلى
عالم التعليم والعمل، ويقص لي إخوتى الكبار الذين كانوا فى مطلع الشباب فى
الخمسينيات، أن أشعار مرسي جميل عزيز كانت رسول المحبة بين الشباب والفتيات فى ذلك
الزمن، وقد ساهمت السينما، التى أصبحت فنا جماهيريا كبيرا، فى إشاعة تلك العواطف الإنسانية
البسيطة والنبيلة معا، وستكون بدايتنا مع عبد الحليم حافظ، الذى له أكثر من تعاون
معه منذ بدايته وحتى آخر أفلامه "أبى فوق الشجرة"، وكانت البداية فى
فيلم "أيامنا الحلوة" من إخراج حلمى حليم سنة 1955، والذى كتب كلمات أغانيه
الأربع "فارسنا مرسي جميل عزيز"، والتى تعبر عن حياة وعواطف شباب من
الجامعيين الفقراء، ومنها أغنية: الحلو حياتى وروحى وأقوله إيه/ إن قلت بحبه الحب
شوية عليه/ دا حياتى وروحى وأقوله إيه"، وأغنية: "هى دى هيا فرحة
الدنيا/ دق يا قلبي غنى يا عينيا"، وهما من تلحين كمال الطويل، وأغنية:
"يا قلبي خبى لا يبان عليا / ويشوف حبيبي دموع عينيا/ خليه بعيد خليه سعيد/
دا مش نصيبي لكن حبيبي واكتر شوية"، وأغنية: "ليه تشغل بالك ليه/ على
بكرة وتبكى عليه/ اضحك وافرح من قلبك وانسى الدنيا وما فيها / خلى الأيام تفرح بك
وانت كمان اِفرح بيها/ افرح بشبابك واتهنى حتلاقي الدنيا بقت جنة" والأغنيتان
من تلحين الموجى؛ وبرع شاعرنا فى التعبير عن عمق دراما الحب والحياة بنفس الاقتدار
والبراعة، وفي فيلم "شارع الحب" من إخراج عز الدين ذو الفقار سنة 1959،
يغنى: "قولولوه الحقيقة بحبه من أول دقيقة/ قولولوه بحبه ومتوهنى حبه فى
بحوره الغريقة/ أبو عيون جريئة" ولا يمكن أن ننسى حالة الفرح الشعبى التى أشاعها
بتلك الكلمات مع فرقة حسب الله فى شارع محمد على، كما غنى الليالي: "كل كلمة
حب حلوة قلتهالى/ كل همسة شوق بشوق سمعتهالى/ والأمان والعطف والقلب الحنين
والأمانى كلها نولتهالى/ بس قلبي لسة خايف م الليالى/ وانت عارف قد إيه ظلم
الليالى يا حبيبي.
وتألق مرسي
جميل عزيز مرة ثانية مع العندليب وحلمى حليم فى فيلم "حكاية حب" 1959 بأربع
أغانٍ : "بتلومونى ليه لو شفتم عينيه حلوين قد إيه/ حتقولوا انشغالي وسهد
الليالي مش كتير عليه/ ليه بتلومونى"، والأغنية التى بلغت بالدراما
السينمائية حدودا غير مسبوقة، "فى يوم فى شهر فى سنة تهدى الجراح وتنام/ وعمر
جرحى أنا أطول من الأيام/ وداع يا دنيا الهنا وداع يا حب يا أحلام/ دا عمر جرحى أنا
أطول من الأيام.. وفيها، كنت أتمنى يطول العمر وأعيش حواليك/ ولا اشوف عمرى دمعة
حزينة تملا عينيك/ لو كان بإيدى كنت أفضل جنبك/ وأجيب لعمرى ألف عمر وأحبك/ يا فرحة
كانت مالية عينيا واستكترتها الدنيا عليا"، والأغنيتان من ألحان كمال الطويل،
ورغم مرور السنين لن أنسى بكاء أخواتى البنات ورفيقاتهن وهن يندمجن مع اللحن
والكلمات وألم عبد الحليم الشجيّ، وأغنية" حبك نار": حبك نار، بعدك نار،
قربك نار، واكتر من نار/ حبك نار مش عايز اطفيها ولا اخليها دقيقة تفوتنى ما احسش
بيها/ نار يا حبيبي نار صحتنى نار خلتنى أحب الدنيا واعيش لياليها"، وأغنية:
"بحلم بيك أنا بحلم بيك وبأشواقي مستنيك / وان مسألتش فيا يبقي كفاية عليا
عشت ليالى هنية أحلم بيك" والأغنيتان من تلحين الموجي.
وفى فيلم "البنات
والصيف" من إخراج عز الدين ذو الفقار 1960، غنى "جواب"
و"راح" من ألحان كمال الطويل، وواصل مرسي جميل عزيز التألق مع عبد
الحليم فى فيلم "يوم من عمرى" إخراج عاطف سالم سنة 1961، حيث كتب من أغنيات
الفيلم "بأمر الحب" و"ضحك ولعب وجد حب" والأغنيتان من تلحين
منير مراد، وفى فيلم الخطايا من إخراج حسن الإمام 1962 غنى "الحلوة" من ألحان
كمال الطويل، وفى فيلم "معبودة الجماهير" إخراج حلمى رفلة 1967،
غنى" أحبك" من تلحين الموجى و"بلاش عتاب" من ألحان كمال
الطويل.
وكان فيلم
"أبى فوق الشجرة" لـ حسين كمال سنة 1969، "تغريدة البجع" لـ مرسي
جميل عزيز فى كتابته لعبد الحليم، فكتب له ديالوج "قاضى البلاج"
ولحنه منير مراد، وكتب له "يا خليّ
القلب" ولحنها محمد عبد الوهاب.
ولا يمكن أن
نترك تعاون مرسي جميل مع عبد الحليم بدون أن نذكر الملحمة الوطنية لـ "أدهم
الشرقاوى" الفيلم الذى أخرجه حسام الدين مصطفى سنة 1964، وكتب موالها كله
ومنه: "وتشكلت محكمة لأدهم فى يوم مشهور/ ياخوفى يا محكمة عدلك ميزانه يجور/ وإن
كان دا عمه اللى من دمه بيشهد زور/ وزى يوم دنشواى باع دنيته ودينه/ تبقي انت يا
محكمة ويبقي القضا معذور والحكم ظالم".
وننتقل لفنان
آخر ممن غنوا كلمات شاعرنا الكبير، فايزة أحمد، صاحبة الصوت القوى والتى كتب لها
واحدة من أهم روائعها: "أنا قلبي إليك ميال/ ومافيش غيرك ع البال"،
ولحنها الموجى، وقد كتب لها فى فيلم "تمر حنة" من إخراج حسين فوزى 1957 أغنية
من أشهر أغانيها: "يا امه القمر ع الباب نور قناديله / يا امه أرد الباب ولا أناديله؟"
وأغنية "قلبي عليك يا خيّ/ من حر قولة أي"وهما من تلحين الموجى.
وفى فيلم "أنا
وبناتى" للمخرج حسين حلمى المهندس 1961، كتب لها أغنية"بيت العز يا
بيتنا علي بابك عنبتنا / فيها خضرة وضليلة بترفرف ع العيلة / وبتضلل يا حليلة من أول
عتبتنا يا بيت العز يا بيت السعد يا بيت الفرح يا بيتنا"، وأبدع الموجى عندما
يجعل صوت زكى رستم الأجشّ يردد مع الكورس "الله الله" وتكمل "الله
الله على عشرتنا وعلى لمتنا حوالين بعضينا/ الله على أجمل أيامنا وعلى أحلامنا
وحكايات ليالينا"، ولحنها الموجى.
وفى فيلم
"ليلي بنت الشاطئ" من إخراج حسين فوزى 1957، كتب لها أغنية: "يا
الاسمراني رمشك نادانى/ ما اعرف جرحنى ولا داوانى، وفى نفس الفيلم غنى له محمد
فوزى من ألحانه "الشوق حيرنى سهرنى/ ليه بس يا قلبي تبص لفوق"."
أما فريد
الأطرش فقد غنى له العديد من الأغنيات، لحنها كلها بالطبع، ففى فيلم "يوم بلا
غد" لبركات 1962، غنى "اسمع لما اقولك"، وفى فيلم "حكاية
العمر كله" لحلمى حليم 1965 غنى "منحرمش العمر من عطفك عليا / ياللي حبك
م السما أجمل هدية"، وفي فيلم الخروج من الجنة لمحمود ذو الفقار 1967، غنى
"أنا وانت ولا حد تالتنا"، وفى فيلم زمان يا حب لعاطف سالم 1973 غنى أغنية
"زمان يا حب" وكان آخر ما غنى له في فيلم نغم فى حياتى لبركات سنة 1975
حيث غنى له "يا حبايبي يا غايبين واحشنّى يا غاليين"."
أما محرم فؤاد
فقد تعرف إليه الناس من خلال أغانيه في فيلم حسن ونعيمة إخراج بركات 1959، ومن ألحان
الموجى، وغنى له: "رمش عينه اللي جارحنى رمش عينه/ رمش عينه اللى دابحنى رمش
عينه/ مين يا ناس يحكم ما بين قلبي وبينه / ليلة من ذات الليالى كنت خالى وقلبي
خالى/ فات عليا الحلو الاسمر قلبي قاللى حب واسهر/ مين يا ناس يحكم ما بين قلبي
وبينه/ رمش عينه اللى جارحنى رمش عينه"، وأغنية: "الحلوة داير شباكها
شجرة فاكهة ولا فى البساتين/ الحلوة م الشباك طالة يحرسها الله ست الحلوين الحلوة/
الحلوة حلوة وسنيورة زى الصورة مرسومة تمام/ والشفة ورده ف عنقودها أما خدودها
تفاح الشام".
كما غنت له
نجاة فى فيلم الشموع السوداء من إخراج عز الدين ذو الفقار 1962، " إيه هو ده إشمعنى
ده ارتحت له وفتحت له لما نده / إيه هو ده إشمعنى ده سهرت له قوام كده / أكون بحبه
مش معقول/ الحب ما يجيش كده على طول"، من ألحان الموجى، وفي فيلم ابنتى
العزيزة من إخراج حلمى رفلة 1971، فقد غنت من لحن الموجى واحدة من بدائع
الغناء" أما براوة دوار حبيبي طراوة آخر طراوة/ قلة حبيبي ملانة وعطشانة يانا
أروحله واللا أروّح أشرب حدانا / أروح له واللا أروح وبلاش شقاوة / أما براوة
براوة على الشقاوة/ حبيبي لما لقانى مريت قباله/ شال طرف شاله وسقانى وطرفي شاله /
طرف لي عينى يا عينى بس بهداوة / أما براوة براوة على الهداوة".
أما شادية فقد
غنت له فى فيلم الزوجة 13 من إخراج فطين عبد الوهاب 1962، من ألحان منير مراد
"على عش الحب وطير يا حمام" كما غنت له من ألحان كمال الطويل :
"وحياة عينيك وفداها عينيا/ أنا بحبك أد عينيا".
وننتهى بفيلم
ربما يكون آخر أشعار مرسي جميل عزيز، "مولد يا دنيا"، إخراج حسين كمال
1975، والذى أثار ضجة حين عرضه، وكان أول ظهور لعفاف راضي على الشاشة إذ غنت له أغانى
منها: "يهديك يرضيك الله يخليك/ما تحاورنيش ما تضيعنيش/ وما تحرمنيش من فرحتى
بيك الله يخليك" ولحنها الموجى، وفي الفيلم نفسه واحدة من مرثيات الحياة
والزمان، ولحنها كمال الطويل، وغناها عبد المنعم مدبولى: "زمان وكان ياما كان/
كان الزمان إنسان ودلوقت ليه يا زمان/ ما بقيتش زى زمان طيب يا صبر طيب/ يرحم زمان
وليالي زمان والناس يا متهنى يا فرحان/ الدنيا كانت شمعة ووردة ولسة ما اخترعوش أحزان"،
هذه مجرد إطلالة عابرة على العالم الثرى لذلك الشاعر العظيم.
فهل كان تغير
الناس والزمن وزيادة الأحزان من أسباب اختياره أن يغادر عالمنا سريعا قبل أن يتم
عامه الستين؟