دارت كثير من النقاشات مؤخرا حول ما يسمى بالرواية الرقمية وعلاقتها بالرواية الورقية اتصالا وانفصالا، والبلاغة الرقمية وآلية تشكيل النص الروائي، وكان ذلك النقاش هو أحد أهم محاور ملتقى القاهرة للإبداع الروائي الذي انعقد مؤخرا في القاهرة، فتحدثت "الهلال"
إلى أبرز نقاد الوطن العربي لمناقشة تلك القضية.
في البداية تحدث الدكتور سعيد يقطين، عن الرواية الرقمية وعلاقتها بالرواية الورقية، وقال إن الرواية الرقمية هي الرواية التي تتحقق باستخدام تكنولوجيا المعلومات إبداعًا وتلقيًا، مشيرًا إلى أن أي رواية لا يتم إنتاجها من خلال إحدى التطبيقات الرقمية ولا يتم تلقيها من خلال هذه البرامجيات فإنها لا تعد رقمية.
وعن العلاقة بين الرواية الرقمية والرواية الورقية، رأى أن الفكر البشري يتطور وأن وسائط الإنسان تتطور وكل التطور وليد حركية ودينامية، لذلك فإن الانتقال من الوسيط الشفاهي إلى الكتابي إلى الرقمي هو صيرورة طبيعية، معتبرًا أن الرواية الرقمية تطورت عن الورقية، لأنها استفادت من مختلف المنجزات التي تمت على مستوى الإبداع أو النقد.
كما أكد "يقطين"
على أن مواقع التواصل الاجتماعي هي أدوات للنشر وليست أدوات إبداعية، وما ينشر فيه لا يمكن أن نعده إنتاجًا رقميًا، ويمكن اعتبارها محاولات عابرة فلا يمكن أن نصدر حكمًا عليها.
وأضاف
"يقطين"
أن الرواية العربية تقدمت كثيرا على مستويات عدة وهي مؤهلة لكي تنتقل إلى مرحلة جديدة وهذه المرحلة الجديدة تتطلب وعيا رقميا، فهي رهين عنصرين مهمين، وهما؛ دخول البرمجيات في اللغة العربية، فلا يعقل أن نكتب روايات رقمية في اللغة العربية بدون برمجيات عربية، والثاني؛ تجاوز ذلك الإحجام بأنها وسيط يقتل الإبداع أو أنه ضد الإبداع الحقيقي.
فيما رأى الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، أننا في الوسط الثقافي العربي نعاني من الخوف من التجديد وكل ما هو جديد ومتطور، مشيرًا إلى أن عام 1945 شهد بداية الثورة الكونية في عالم الأنواع الأدبية لأن نجيب محفوظ كتب مقالة في الرد على عباس العقاد، حين قال إن القصة هو شعر الدنيا الحديثة، على أساس أن تطور الصناع فرض نوعًا أدبيًا جديدًا ومنها الرواية أو المسرح.
وقال
"عصفور":
"الآن نحن نقابل ثورة ثانية بالنوع الأدبي الرقمي، هل نقبل هذا النوع؟ هذه مسألة ليست مطروحة علينا لأنها وجدت بالفعل على مستوى العالم كله"، معتبرًا أن الرواية الرقمية ذات نص مرن وسهل وممكن يمتد من الكتابة إلى إشارات أخرى، إذ ممكن أن يحشو النص بموثرات بصرية وسمعية.
ورأى أننا لا نستطيع أن نتنبأ بالمستقبل وما علينا أن نقبل هذا الجديد، وقال "من يريد أن يبقى على تقليديته يفعل، ومن يريد أن يدلف إلى أفق جديد وعالم حديث فليفعل، لكن في النهاية إننا أمام تطور علينا رصده واستيعابه".
فيما رأى د. شريف الجيار أن هذا الاهتمام الملحوظ بالمتلقى، ومشاركاته في النص التفاعلي، والانتقال بالنص من مركزية المؤلف، إلى مركزية القارئ، ثمرة من الثمرات المهمة، للنظريات النقدية الحديثة، منذ ستينيات القرن العشرين، لا سيما نظريات القراءة والتلقي ونقد استجابة القارئ، لدى أبرز رواد مدرسة كونستانس الألمانية، كـ"هانز روبرت ياوس، وفولفجانج إيزر" وغيرهما، التي تجاوزت المناهج السياقية، التي اهتمت بالمؤلف، وما يتعلق به، كالمناهج النفسية والاجتماعية والتاريخية.
كما أضاف "الجيار":
الرواية التفاعلية تمثل نمطًا سرديًا تجريبيًا هجينًا، من أنماط الخطاب السردي التفاعلي الرقمي، يقوم على تضفير المكتوب السردي، بالسمعي والبصري، واللفظي بالتقني، داخل الوسيط الحاسوبي النتي، عبر تقنية النص المترابط، ومنظومة الروابط ، ذات اللون الأزرق، التي تدمج الكلمة السردية، بالوسائط المتعددة؛ من صوت وصورة وحركة ولون وفن الجرافيك والأنيميشنز، وغيرها، وتسريدها داخل بنية الحكي، من خلال أسلوب لا خطي، يحفز المتلقي الرقمي على التفاعل والاشتباك معه، بالاختيار والتعليق والتأويل والتعديل والكتابة.
أما الدكتور عاطف عبيد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة بتانة، فقد تبنى وجهة نظر مغايرة حول الرواية الرقمية أو الأدب الرقمي عمومًا، وتساءل "هل هناك أدب رقمي حقًا؟، لكن ما شكله وما هي ملامحه؟، وهل هناك تجارب حقيقية نستطيع أن ندرجها تحت هذا المصطلح الجديد؟ وهل نشر رواية منشورة ورقيًا أولًا عبر وسيط رقمي ثانيًا يجعلنا اعتبارها رواية رقمية؟ في حين أن الدكتور سعيد يقطين عرف الرواية الرقمية بأنها رواية تتحق باستخدام التكنولوجيا إبداعًا وتلقيًا!
وأضاف الدكتور عاطف "الحقيقة أنه لا يوجد ما يسمى بهذا المصطلح، ولا توجد تجارب حقيقة تؤكد وجود رواية رقمية، إذ أنه من غير المنطقي تعريف النوع الأدبي بالوسيط الذي ينشر خلاله"، مشيرًا إلى خطورة هذا المصطلح على شكل الرواية التقليدية المتعارف عليها.
واعتبر أن ما يسمى بالرواية الرقمية هو نوع جديد يجب وضعه في إطاره وابتكار اسم نوع جديد يناسبه بتقنياته الجديدة بعيدًا عن الشكل التقليدي للرواية.
فيما قال الدكتور محمود الضبع، إن الأزمة في وجود باحثين وأساتذة جامعيين يمنحون رسائل الدكتوراه والماجستير عن بحوث عن النص الرقمي في حين أن الواقع الفعلي والنصوص المنتجة رقميًا هي محاولات ضئيلة جدا، وبعضها نشر ورقيا في البداية ولما فشل نشر رقميا.
وأضاف
"الضبع":
"أقول للنقاد تمهلوا وأسألهم عن تجاهلهم للمدونات الأدبية التي بالفعل تنتج نصوصا حقيقية، ولماذا لا نهتم بحركات التجريب في الرواية العربية لماذا لا نهتم بالتحول بفكرة الأجيال".
وقال
"لا أعارض الرواية الرقمية ولكنني أقول إن النقد سبق بخطوة متوقعًا أن هناك قطارا قادما، ولكن نحن لسنا ضد التجريب ولكننا توهمنا أن كل رواية منشورة رقميا هي أدب رقمي".