رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تاريخ ومحطات جنيف ـ القاهرة بهاء طاهر

20-10-2020 | 14:33


في العام 1998 م وفي شهر ديسمبر تقريباً دعا "مجلس إدارة أتيليه القاهرة" جماعة الفنانين والكتاب ، لحفل تكريم بمناسبة بلوغي الستين عاماً من عمري ، مرت في غفلة رحلة طويلة من الاجتهاد ما بين التحصيل الثقافي والأدبي الإبداعي ، وكنت قد عدت من "جنيف" بمفوضية الأمم المتحدة بعد رحلة عمل هناك بدأت مع العام 1976م ، تاريخ ومحطات فارقة بكافة حوادثها أو أحداثها في مسيرتي الإنسانية أو الأدبية ، ما أردت التحدث فيه انطلاقاً من دلالة ذكر هذه التواريخ هو عدة مواقف أردت متعمداً أن أرصدها بشكل مباشر في سطوري هذه ، وهذا بقصد اطلاع الإنسان العادي ، قبل القارئ المتخصص أن يري كيف كانت بداية رحلة الإنسان "بهاء طاهر"  قبل الروائي ، في "أتيليه القاهرة" كان الوقت مساءً ، وأنا محاط بالزميلات والزملاء أحبائي في رحلة الإبداع وقبله الحياة ، أحاطني كل من عاشرتهم بحبهم ، وأحبوني كبني آدم ، ثم كاتباً  روائياً ، قدم سبعة أعمال أو ستة على مدار ستين سنة من عمره . وثلاثين ويزيد علي بداية رحلة الكتابة ، تحدث أصدقائي ، د. فريال غزول ، د. سيد البحراوى ، جميل عطية إبراهيم ، ماري تريز عبد المسيح ، وصفوة من نقاد الفكر والأدب عن جدوى الرحلة ! رحلتي في الأمم المتحدة بعدما هاجرت من مصر متعمداً مع بدء العام 1976م ، وبعد أن اختتمت فترة من أهم فترات حياتي كمحاور ومعد برامج ثقافية في الإذاعة المصرية أيام زمان ودورها الحضاري المستنير ، بدأت فعاليات حفل الأتيليه بكلمة من صديق عمري الروائي العصامي الجسور الراحل "محمد مستجاب" الذي افتتح حفل تكريميًا بكلمات إنسانية في الحياة والإبداع ، نقطة دماء تتساقط من روحي وجسدي عبر رحلتي الشاقة مع الحياة ، وقال مستجاب : أحيي بهاء طاهر الإنسان قبل الروائي لأكثر من سبب أولاً لأنه استطاع أن يجزم أمره في أيام قليلة وفي محطات فارقة في حياته ، عندما خذلته ظروف حياتية أو قل عاطفية اجتماعية ، رومانسية ، وكانت سبباً في أن يترك مصر القاهرة متوجهاً إلي جنيف ، بلا عودة ، بعد أن اختلف مع من كان قد قرر أن تشاركه الرحلة.

امرأة ما ! وإلي هنا سأتوقف عند دلالة ما ذكرت 1976م ، وبدء الانطلاق نحو جنيف ، ورحلة الاغتراب والمنافي المقصودة ؛ هرباً من سقطات عاطفية وأزمات نفسية.

أتذكر "مستجاب" وأستعيد ما رواه في هذه الليلة ؛ لأتذكر أنا بدوري ما فعلته لنفسي ومع نفسي.

تحدث مستجاب يومها عن العذابات التي واجهت "بهاء طاهر" وقوته في اتخاذ قرار الهجرة والسفر بشكل قوي وحازم 1976 ، وعودته 1998 ، اثنان وعشرون عاماً في جنيف ، ورحلات لأوروبا بعيداً عن عملي ومهمتي الثقافية المعرفية في الأمم المتحدة ، الآن وبعد مرور عشرة أعوام علي حفل التكريم في الأتيليه ، ديسمبر 1998 أو يناير 1999م علي وجه التقريب ، كانت المحطات الفارقة ، وكيف تستعاد في سيرة روائي قرر أن يترك وطنه ومكان ميلاده في لحظة خشي فيها من الضعف نتيجة قلبه ومشاعره وعواطفه التي انجرحت ، واهتزت جذرياً بسبب الإخلاص للمرأة والمحاولات الدائمة للتلاقي ، تلاقي الذاتي مع الحياتي العاطفي ، وبلورته في شكل أو مشروع اجتماعي وإنساني طموح بالتأكيد كان سيعود بنتائج  مختلفة للطرفين أنا وهي من كانت ؟! والتي ستظل محل احترام عقلي وفكري ، لأنها صنعت ما هو متوافق مع موقفها من الحياة.

لن أترك مكاني في الإذاعة والتلفزيون من أجلك يا بهاء!

عبارات لم أكن أريد استعادتها من الذاكرة ، وكم رفضت الخوض في أسرار حياتي ، فلماذا الآن أيها القارئ العزيز ، وبعدما بلغت أو قاربت واقترب عمري من السبعين عاماً ، هل لأننا وعندما يوفقنا الله ، وتسعدنا الأقدار بتحقيق إنجاز ما أدبي أو علمي ، نرى الحياة بشكل آخر حتى أدق التفاصيل المعذبة في حياتنا ؟ ما أغرب الأمس ، وما آسى فترات اغترابي على نفسي ! وما أسعدني آنياً رغم أنني أشكك كثيراً في كلمة "السعادة " ، ورغم تشاؤمي من مستقبل العمل والفكر والثقافة في أوطاننا العربية إلا أنني والآن تحديداً وبعد أن عدت لمصر ، واستأنفت الكتابة الروائية بشكل أكثر انتظاماً ، بحثت في نفسي وفيمن حولي عن معني الزهد ! كيف تسير وتصبر زاهداً أو أنت المحب والعاشق للحياة ؟!

 

  2   تاريخ ومحطات  (جنيف ـ القاهرة)

جاءت احتفاليات عديدة ترجمات لرواياتي بشكل أكثر غزارة . وفي أكثر من لغة بعيدة عن العربية ، ثم جوائز مصر التقديرية في الآداب ، جائزة البوكر العربية ، لقاءات إذاعية وتلفزيونية وإعلامية عديدة في أعوامي العشرة الأخيرة 1998 / 2008 م ، وأعود لنفسي لسؤالها : هل أنت سعيدة ، متشائمة ؟

أنجزت حقاً ؟! ماذا بقي في ذاكرتك من تفاصيل حياتك ؟

الرحلات الأوروبية ، أسفارك العديدة في عواصم ضبابية وثلجية باردة بحجم وقوة الخواء ، يا لها من رحلة عجيبة ما بين الأمل والرجاء ، سطرت أو بلورت أو صورت في عدة أفلام تسجيلية وروائية أنتجت وقدمت من أجلي ، قابلني مخرج موهوب منذ سنوات عديدة وعرض عليّ فكرة استرجاع ما مضى سابراً أغوار تجربتي الحياتية والإبداعية مع المنافي والإبداع ، واقفاً عند عتبات نصي الروائي الأثير.

 الحب في المنفى "عنوان رواية من رواياتي ، رأيت حصاد" تجربتها الذاتية قبل كتابتها في مخيلتي ، كانت الفكرة ملحة قبل الكتابة وانكتبت الرواية فترة الثمانينيات ، بالإضافة لأعمال أخرى "بالأمس حلمت بك" ، "خالتي صفية والدير" ، و "الخطوبة" أعمال روائية وقصصية أولية وفارقة في رحلتي مع الإبداع ، وتأتي صور المخرج الذي حدثني : لتجيب عن بعض الأسئلة بداخلي ، ومن خلال مشاهدات مئات أو آلاف الأصدقاء الذين شاهدوا هذا الفيلم تحديدا صور المخرج خطواتي ، ترجلي ، خطوي ، ترحالي في جنيف وسويسرا ، فجاءت الصور والسيرة جزلة وعميقة وموحية ولكنها ضبابية ! فهل حياتي كانت ضبابية بالفعل أم هي فلاتر أو مرشحات المخرج صاحب الفيلم والرؤية واللغة البصرية ، الوسيط المختلف الذي رصد ثمة خطى أو محطات في حياة بهاء طاهر الإنسان ، خمسون عاماً مع الإبداع أتذكرها الآن ، وفي أيار ( مايو ) 2008 ميلادية ، وأستعيد أطياف السيرة ، وأسأل نفسي : أي الأشكال الفنية أو الحقيقية الواقعية هي الأقرب إلى سيرتك الحقيقية يا بهاء ؟ هل هي صورة المخرج في فيلمه الروائي التسجيلي البديع الذي عرض عشرات المرات في كافة المحطات أو القنوات المصرية والعربية والدولية ؟ هل هذه حقيقتك وأنت تمشي هائماً على وجهك قرب محطة الباص في "جنيف" تاركاً الأشجار العارية ، والعمارات العالية والبشر المحدقين في وجهك ببرود وغرابة ، وقد ارتسمت على ملامحهم شتى الانطباعات ما بين الحب والفتور والرغبة في المراقبة عن بعد لحركات هذا الرجل الأسمر وقت ترجله ، الآن أسأل نفسي من جديد ، كيف نري أنفسنا ، كيف نري صورتنا وملامحنا الحقيقية ؟ هل هي في الكتابة والرؤى أم عبر الوسائط صورة في التلفزيون والسينما ، أم عبر حكي الأصدقاء الحميمين عنك ؟! أم عبر حكيك وسؤالك لنفسك عن جدوى ما حققت في خطى ودروب ومحطات الحياة.

أنا الآن أقترب من سن 70 ، وما زلت أبحث عن صورتي داخلياً في نفسي وعيون وحفاوة الآخرين وكتاباتهم عني بل ومصافحتهم لي ، من يحب ومن يكره ، ولكن أين بهاء الحقيقي ؟ سؤال صعب وليس للتشاؤم دور في طرح أو استنتاج الإجابات المناسبة أو اللائقة في نهاية الرحلة أظننا كلنا كفنانين ـ مجازاً ـ كلنا ككتاب ومبدعين في احتياج دائم لكل هذه الوسائط ؛ لكي نرى أنفسنا ! أنا في حفل الأتيليه في جنيف في ندوة في صورة إذاعية تلفزيونية تحمل لغة بصرية ، أين أنا في كل هذا ومتى يرسو الفتي ؟ وكيف ستكون الخاتمة مع الحياة والإبداع ؟ أسأل نفسي السؤال الأخير ، وبعد كل هذه التفاصيل : هل كل منا قد رأى وحدد ملامحه بشكل حقيقي من خلال علاقته بنفسه ، أم أن الآخرين والمحبين تحديداً هم الأدق والأصدق في رسم صورتنا الحقيقية ؟ وهل هناك فارق بين حياتنا في الإبداع والفن ورؤية الإبداع والفن في رؤية الآخرين لحياتنا ؟! أيهما أصدق ، سؤال موجه للقارئ العزيز فإذا توصل لإجابة فعليه أن يهاتفني ، يجوز أن تتخلق أفكار أخرى عن الناس ، ودلالات الأزمنة والمحطات الفارقة في الحياة والأماكن.