رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ثورة 30 يونيو واعادة بناء مصر

20-10-2020 | 19:49


في ذاكرة الدولة المصرية توجد أحداث فارقة، لا تسير الحياة بعدها كما كانت قبلها، وتعتبر ثورة 30 يونيو 2013 حدثاً فارقاً، فقد مثلت نهاية مرحلة وبداية لأخرى جديدة، وتحل علينا هذه الأيام الذكرى السابعة لها، وبقدر ما انتصر المصريون لثقافتهم وحضارتهم وتاريخهم وهُويتهم وفرضوا إرادتهم الحرة، بقدر ما يعد هذا التاريخ فاصلاً ومعبراً عن دخول مصر عصراً جديداً من الانطلاق والتنمية وإعادة بناء الدولة.


فتولي المعزول الراحل محمد مرسي رئاسة الجمهورية في الثلاثين من يونيو 2012، وخلال عام من الحكم توالت خلاله أخطاء كارثية قادت نظامه إلى النهاية، أخطاء لم تقتصر في عدم قدرة الجماعة على احتواء القوى المدنية والليبرالية، بل تخطتها إلى سوء الإدارة ومحاولات الجماعة أخونة مؤسسات الدولة، وأزمة الثقة التي ارتسمت بين المعزول مرسي والمؤسسة الأمنية، والتي بدأت بحالة سُخط في المؤسسة العسكرية، أعقبت سرعة إقالة وزير الدفاع المشير طنطاوي ورئيس هيئة الأركان سامي عنان، إضافة إلى معاداة الإعلام والقضاء والشرطة، إضافة إلى تفاقم العديد من الأزمات غير المسبوقة.


ولم ينسَ المصريون فشل مرسي في تعهده بحل خمس مشكلات حيوية في أول مائة يوم لحكمه "الخبز، والوقود، والأمن، والمرور، والنظافة"، التي تفاقمت وشهدت كوارث يومية، إضافة إلى تفاقم مشكلة نقص الإمدادات البترولية وانقطاع الكهرباء؛ كما أثرت الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة، على التعامل داخل البورصة المصرية، فزادت خسائر المتعاملين بها، وهرب أغلب المستثمرين الأجانب، وانخفض تصنيف مصر الائتماني عدة مرات. 


وكان أكبر أخطاء مرسي، إعلانه الدستوري الذي منح به نفسه سلطات واسعة، واضطر للتراجع عنه بسبب الضغوط الهائلة بعد أن خسر كل الشركاء، واختار مرسي أن ينتصر لجماعته، ولجأ إلى خطاب شعبوي غايته الاستقطاب وفق مصالحهم ورؤيتهم وأجندتهم الخاصة، دون النظر لحجم مصر وقيمها الحضارية والثقافية، فخلق حالة من عدم الثقة وأدى إلى شلّ الدولة عن الحركة.


وفور اتضاح الرؤية للشعب المصري أن نظام حكم مرسي وجماعته أصبح خطرا على أمن واستقرار ووحدة الدولة المصرية، انطلق في ميادين القاهرة وعواصم المحافظات مرددا هتافات موحدة وطالب بسحب الثقة منه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وفي الثلاثين من يونيو انتفض ملايين المصريين رجالا ونساءً شيوخاً وشباباً ليعلنوا الولاء للوطن تحت شعار "تحيا مصر".


وكعادته مع الإرادة الشعبية فقد حمى الجيش المصري ثوار 25 يناير2011 ولم يتصادم مع إرادتهم، فقد احترم ذات الإرادة في 30 يونيو 2013، ومع زيادة الغضب الشعبي ونزول ملايين المصريين للشوارع والميادين، ومع إدراك حجم التحديات والتهديدات المحيطة بالأمن القومي المصري، قامت المؤسسة العسكرية في بيانها بتاريخ 1 يوليو بإمهال جميع الأطراف 48 ساعة، للاستجابة لمطالب المصريين في الميادين حمايةً للشرعية الشعبية، ومع اقتراب هذه المهلة من الانتهاء واستمرار المظاهرات الرافضة لحكم مرسي ودفع الجماعة بمؤيديها يوم 2 يوليو إلى الشارع، جاء اجتماع القوات المسلحة برئاسة الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع حينها، مع القوى السياسية والشبابية وممثلي الأزهر والكنيسة في 3 يوليو، لإعلان خارطة طريق جديده تبدأ بتعطيل الدستور، وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة الجمهورية مؤقتا، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل حكومة توافق وطني قوية، وتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية، وهي القرارات التي لاقت ترحيبا من المتظاهرين، وبمقتضاها تم عزل مرسي.


وبدأت ثورة جديدة نجحت في تثبيت أركان الدولة وإعادة بناء المؤسسات الوطنية، وأقر الشعب المصري دستوره الجديد، ثم أجريت الانتخابات الرئاسية عام 2014، وتمكن المرشح الرئاسي آنذاك، المشير عبدالفتاح السيسي، من حسم مقعد الرئاسة بنسبة 96.9% من الأصوات الصحيحة، وأدى اليمين الدستورية في 8 يونيو2014 رئيسا لمصر، وشهدت مصر تسليماً سلميًا للسلطة في تقليد غير معهود وثّق بداية حقبة تاريخية جديدة. 


وانطلقت الدولة المصرية في مسيرتي البناء والتنمية جنباً إلى جنب مع مكافحة الإرهاب، وكانت الأولوية للفترة الرئاسية الأولى تثبيت أركان الدولة وإعادة هيبتها، وبناء وتجديد البنية التحتية، وتنفيذ المشروعات القومية الكبرى، وتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، فكانت قد وصلت الأوضاع الاقتصادية لمرحلة خطيرة وكان احتياطي النقد الأجنبي في يونيو 2013 أقل من 15 مليار دولار، ووصل معدل النمو الاقتصادي وقتها إلى 2% فقط؛ وهنا قررت الدولة أن تصارح الشعب وتبدأ بتنفيذ برنامج شامل ومدروس للإصلاح الاقتصادي يستهدف وقف تردي الأوضاع الاقتصادية، وانطلق برنامج الإصلاح الاقتصادي في 2014، ولا يزال مستمرًا على سبعة محاور وهي:


1- تنمية محور قناة السويس وسيناء وربطهما بالوادي عبر سبعة أنفاق عملاقة.


2- مشروعات شبكة الطرق والكباري العملاقة، وتنفيذ 248 كوبري وطريقًا ونفقًا في تلك الفترة في كل محافظات مصر، منها افتتاح محور تحيا مصر العملاق، والكوبري الملجم على النيل، ومحور روض الفرج، وافتتاح المرحلة الرابعة من مترو الأنفاق. 


3- قطاع الإسكان والمرافق وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة كالعاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة، والجلالة، والمنصورة الجديدة، وغيرها تصل لـ15 مدينة جديدة.


4- مشروع المليون ونصف المليون فدان وتوسيع الرقعة الزراعية، وقناطر أسيوط الجديدة، والاستزراع السمكي.


5- محور الطاقة وغاز مصر في شرق المتوسط والاكتفاء الذاتي وبداية التصدير، وإنشاء أكبر ثلاث محطات لإنتاج الكهرباء، البرلس، والعاصمة الإدارية، وبني سويف، وبدء الربط مع السودان لتصدير الفائض من الكهرباء، ومحطات الطاقة الشمسية، ومشروع الضبعة النووي. 


وركزت أولويات الفترة الرئاسية الثانية على المحور السادس والسابع الخاص ببناء الإنسان المصري في "التعليم، والصحة والثقافة"، ومشروعات الحماية الاجتماعية، كمبادرة "حياة كريمة"، و"سجون بلا غارمات"، ومشروع تطوير العشوائيات، والمحور الصحي، كمبادرة "100 مليون صحة"، والقضاء على قوائم انتظار العمليات الحرجة، وتدشين المشروع القومي للتأمين الصحي، ومنظومة السلع التموينية، وزيادة مخصصات الدعم، ووصوله لمستحقيه.


كما شهدت القوات المسلحة خلال الفترة الماضية قفزات غير مسبوقة في نظم التسليح وتنوعها وتطوير نظم التدريب بكل التشكيلات والأفرع الرئيسية لدعم قدرتها القتالية، وفقا لخطط عملية، لمجابهة كل التهديدات التي قد تواجه الأمن القومي المصري، ما جعل الجيش المصري ضمن أقوى 10 جيوش لعام 2020، في تقدم ملحوظ بعدما قفز تصنيفه من المركز 12 عالمياً لعام 2019 إلى التاسع، ومن المركز الثاني إقليمياً إلى الأول، متفوقاً على كل جيوش المنطقة.


كل ما تحقق أدى إلى تحسن المؤشرات الاقتصادية المصرية بشهادة المؤسسات الاقتصادية الدولية، حيث وصل معدل النمو في أواخر 2019 إلى 5.6 %، وارتفع احتياطي النقد الأجنبي إلى أكثر من 44 مليار دولار، وانخفض معدل التضخم والبطالة، الأمر الذي غيّر واقع الحياة في مصر ووضعها على طريق انطلاق اقتصادي، وهو ما ظهر بقوة في قدرة الدولة المصرية ونجاحها في التعامل مع تداعيات انتشار فيروس كورونا COVID-19، فلم تطلب دعمًا دوليًا لمواجهة الأزمة، بل سارعت مصر بإرسال مساعدات طبية إلى الدول التي تضررت بشدة من انتشار الفيروس، وأوُلاها الصين، ثم إيطاليا، ولبنان، وسوريا، وغزة، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يدل على قوة وقدرة الدولة المصرية، بفضل نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي. 


هنا نستطيع القول إن ثورة 30 يونيو 2013، كانت بداية إعادة بناء الدولة المصرية.