رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


30 يونيو ثورة شعب

20-10-2020 | 19:51


يقصد بالثورة، بمعناها في مجال علم السياسة، إحداث تحولات مهمة إيجابية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية والصحية، وبحيث يكون لها تأثيرها الملحوظ في حياة المجتمع وتاريخه خاصة مع التفاف الشعب حول الثورة وتمسكه بها باعتبارها ترسم له طريق المستقبل وتطرح تأثيرها عبر الأجيال، وتصبح إحدى العلامات المميزة في تاريخ الوطن.


ويمكن النظر إلى ثورة 30 يونيو في مصر من هذا المنظور باعتبار ما أحدثته من تحولات مهمة وجذرية وفي مختلف المجالات والمستويات سواء السياسية، أو الاقتصادية والتنموية، أو الاجتماعية والصحية.


فمن الناحية السياسية، فإن ثورة 30 يونيو تعبر عن رفض الشعب أن يكون الحكم لمصلحة جماعة أو فئة معينة وإهمال ما عداها، لذلك فإن المبادرة بالرفض والرغبة في التغيير جاءت بمبادرة شعبية وانحاز لها الجيش، وهو ما ترتب عليه حدوث ثورة 30 يونيو، التي أحدثت تغيرات مهمة وكبيرة من الناحية السياسية، سواء من حيث المؤسسات السياسية، أو المواد الدستورية المهمة التي ساعدت على تمثيل فئات كانت مهمشة، كالشباب، والمرأة، وذوى الاحتياجات الخاصة، والمصريين في الخارج، والذين أصبحوا يمثلون في المجالس التشريعية  ويشاركون في العملية الانتخابية، وهو ما يمكن التعبير عنه بالمصطلحات السياسية "اتساع نطاق المشاركة السياسية"، وأن الشعب أصبح متغيرا أصيلا في العملية السياسية، أي له أهميته وله دوره المهم داخل النظام السياسي.


ويمكن الإشارة أيضا إلى نتيجة مهمة من الناحية السياسية مترتبة على ثورة 30 يونيو، وهي تحقيق التكامل القومي والتواصل بين القيادة والمؤسسات السياسية من جانب، وبين الشعب من جانب آخر، أو ما يعبر عنه سياسيا "التكامل بين النخبة والعامة"، ويقصد بذلك أن القيادة غير منفصلة عن نبض الشارع، بل تشعر بآمال وطموحات ورغبات المواطن العادي وتعمل على الاستجابة لها في حدود الإمكانيات المتاحة، وبحيث أصبح الشعب شريكا أساسيا في العملية السياسية ويتم الاستجابة لمطالبه ويتعاون مع الدولة في تحقيق الأهداف، وهو ما أشار إليه الرئيس السيسي أكثر من مرة، بأن العديد من الإنجازات لم يكن من المتصور تحقيقها لولا مشاركة الشعب وتحمله للمصاعب حتى تأتي لحظة جني الثمار.


وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى تحمل الشعب لأعباء الإصلاح الاقتصادي وما يتبع ذلك من نتائج إيجابية على الاقتصاد، وأيضا تحمل الشعب للتضحيات الناتجة عن مواجهة الإرهاب، التي تكون انعكاسا لانحسار موجته، وسببا في حدوث تقدم كبير في مواجهته.


وربما يظهر أيضا هذا التكاتف والتعاون بين الشعب والقيادة والمؤسسات السياسية في مواجهة وباء كورونا المستجد وتحمل الشعب وتعاونه في الأخذ بالإجراءات الاحترازية والتي تكفل النجاح في المواجهة وصولا إلى انحسار الوباء.


ومن الناحية الاقتصادية والتنموية، أحدثت ثورة 30 يونيو طفرة هائلة في فترة زمنية قصيرة نسبيا، بإنجاز عدد من المشروعات القومية الضخمة ذات التكلفة الهائلة ومنها  "استصلاح مساحات هائلة من الأراضي الصحراوية للزراعة، وإنشاء المدن الجديدة، وقناة السويس الجديدة والأنفاق التي تربط بين سيناء وباقي أجزاء الوطن، وتطوير وتنمية سيناء، بحيث تصبح منطقة جذب سكاني بدلا من أن تكون بيئة طاردة، والاستفادة من مساحتها الكبيرة والتي تبلغ قرابة 6% من إجمالي مساحة الوطن، والاستفادة كذلك من مواردها الكامنة، سواء في مجال الثروة المعدنية أو السياحة أو الاستصلاح الزراعي"؛ كذلك تم توجيه درجة كبيرة من الاهتمام إلى مشروعات البنية التحتية من كباري وأنفاق ورصف طرق وإنشاء أخرى جديدة لتسهيل عملية الربط بين مختلف أجزاء الوطن، إضافة إلى مشروعات الأمن الغذائي.


إن الهدف الأصلي من كل هذه المشروعات الاقتصادية والتنموية تسهيل حياة المواطن ومعيشته اليومية، وربما هذا هو الأمر الذي يهم المواطن العادي في أي دولة سواء متقدمة أو نامية، والذي يهتم في المقام الأول بالأمور التي تنعكس على حياته اليومية وتجعلها أكثر سهولة ويسرًا، ويعكس ذلك مدى التوافق والارتباط بين القيادة ومؤسسات الدولة، من جانب، وبين الشعب من جانب آخر، فخطط واستراتيجيات الدولة تسير في نفس الاتجاه مع طموحات وتطلعات الشعب، وهو ما يؤكد أن ثورة 30 يونيو ثورة شعب تعبر عن آمال وطموحات شعب مصر.


ومن الناحية الاجتماعية، يلاحظ أن ثورة 30 يونيو اهتمت بدرجة كبيرة بالبُعد الاجتماعي، بمعنى، عدم الاقتصار في النظر إلى عملية التنمية على الجوانب المطلقة للتنمية، مثل الناتج القومي الإجمالي، أو زيادة الصادرات، أو السياحة، أو غيرها، وإنما تم الاهتمام أيضا بالأبعاد الاجتماعية لعملية التنمية، أي توسيع نطاق المستفيدين من ثمار التنمية، وزيادة الشرائح الاجتماعية التي تتساقط عليها ثمار التنمية والمستفيدة منها، حيث ظهر الاهتمام في برامج وسياسات الدولة بهذا البُعد سواء على مستوى فردي "أي الأفراد المستفيدين من التنمية"، أو على مستوى جماعي "المناطق والقرى الأكثر فقرا"، حيث تم تركيز الاهتمام على إفادة من لا دخل لهم، ووجهت إليهم الدولة صورًا مختلفة من المعاشات، لتوسيع نطاق الضمان والتأمين الاجتماعي، والاهتمام بالمناطق الأكثر فقرا.


ووفقا لهذا المنطق أيضا، خُصّصت نسبة من الميزانية العامة للدولة للتعليم والصحة وبصورة غير مسبوقة، وتم النص عليها في الدستور، كما أولت الدولة أيضا، في إطار هذه السياسات الاجتماعية، درجة كبيرة من الاهتمام بالمرأة نظرا لدورها المهم في المجتمع ونسبتها العددية، وتمثيلها المناسب في مختلف المؤسسات المنتخبة، وكذلك في الوزارة والتي تمثل فيها المرأة نسبة تزيد على 25%، كما تولت المرأة مناصب لم تكن تتولاها من قبل خاصة منصب المحافظ، كما وجهت الدولة أيضا درجة كبيرة من الاهتمام إلى الشباب باعتبارهم صناع المستقبل ويظهر ذلك جليا في المؤتمرات الشبابية التي تعقد بصفة دورية برعاية وحضور الرئيس السيسي، وأصبح لها الطابع المؤسسي، وبذلك يتم التواصل المباشر مع شباب الوطن ككل، كما كان هناك أيضا اهتمام بتمثيل الشباب في المجالس المنتخبة وتخفيض سن الترشح للمجلس النيابي إلى 25 سنة و35 لمجلس الشيوخ، والذي نشأ وفقا للتعديلات الدستورية في 2019.


كما وجهت الدولة أيضا درجة كبيرة من الاهتمام إلى تطوير القطاع الصحي واتخاذ سياسات نشطة لعلاج الأمراض المتوطنة مثل فيروس سي في حملة "100 مليون صحة"، وتوسيع نطاق المستفيدين من التأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة، والاهتمام بصحة المرأة، ويلاحظ أن كل هذه القطاعات السياسية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية والصحية تسير كلها في نفس الاتجاه نحو تحقيق مصلحة الوطن والمواطن وهي نتاج لثورة 30 يونيو، ما يجعل من هذه الثورة وبحق "ثورة شعب".