رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الإخوان واستراتيجيات السقوط والانهيار

20-10-2020 | 20:21


بين صعود الإخوان للمشهد السياسي وسقوطهم، كانت ثورة 30 يونيو علامة فارقة في تاريخ جماعات الإسلام السياسي، وتغيير استراتيجيتها وأهدافها ليس داخل مصر فقط، لكن داخل المنطقة العربية بالكامل .

فأسقطت ورقة التوت عما تخبئه تلك الجماعات المتطرفة في جعبتها، وكشفت سوءاتها أمام العالم العربي والإسلامي، بعدما تشدقت عشرات السنين بشعارات السلمية والتعايش داخل المجتمعات.

فانطلقت جماعة الإخوان نحو وضعية جديدة ومختلفة تماما لما طرحته وأعلنته منذ إتاحة فرصة صعودها شعبيا وسياسيا، وانبرت لتشكيل حركات مسلحة تستهدف مؤسسات الدولة ورموزها، وفقا لأدبيات تكفيرية شملت الحاكم والمحكوم، تمت صياغتها على يد حسن البنا وسيد قطب، ومرجعيتها التشريعية، لشرعنة عمليات العنف المسلح.

في نفس الوقت اتجهت لاستراتيجيات تعيد من خلالها بناء هيكلها التنظيمي في ظل خلافات عصفت بصفوفها الداخلية، وبأطروحاتها الفكرية التي تغنت بها على مدار تاريخها منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

 

أولاً: نتيجة لفشل الإخوان في تحقيق بقائها على قمة المشهد السياسي في مصر، لجأت لما يسمى بـ "الكمون التنظيمي"، لحين الوصول للمساحة الجماهيرية من خلال نظرية "التغيير من أسفل"، والقائمة على الاستقطاب المجتمعي للمشروع الإخواني، والتغلغل في بعض مؤسسات الدولة الحيوية لاسيما المؤسسات التعليمية من مدارس، وجامعات، وتسهدف التأثير على الأجيال الجديدة.

ثانياً: تعيش جماعة الإخوان فعليا مرحلة من السقوط شعبيا وسياسيا، وفق ما يسمى بـ"فقه الاستضعاف"؛ وهي مرحلة يتحول فيها التنظيم من "الخلايا الهيكلية"، إلى "الخلايا العنقودية".

ثالثاً: في إطار حالة الانهيار التي يسير فيها التنظيم تتمحور توجهاته فيما يسمى بـ"تكتيكات العودة"، وترتكز على نظرية أو استراتيجية "دار الأرقم"، أو "التربية السرية"، وهي محاولات تتخذها الجماعة للعودة للمشهد السياسي مرة أخرى، في ظل العقبات التي تواجهها على مستوى الملاحقات الأمنية، أو على مستوى الرفض المجتمعي لها، ومن ثم تعتمد على العمل السري، الذي أجادته عبر تاريخها في الصراع مع الأنظمة الحاكمة.

رابعاً: تسعى الجماعة لصناعة تكوينات فكرية، تطرح خلالها العديد من الإشكاليات التي لحقت بها، وتعثرها على المستوى السياسي والاجتماعي والتنظيمي، تحت مسمى "المراجعات التنظيمية"، وهي مراجعات تستهدف الإجابة على التساؤلات الخاصة بمشاكل، وأزمات الجماعة منذ سقوطها، لكنها في النهاية لن تكون مراجعات فكرية تستهدف أدبيات الجماعة أومشروعها، بقدر ما هي مبررات في إطار المظلومية والكربلائية.

خامساً: تحاول الجماعة غسل سمعتها، مثلما فعلت من قبل في احتواء تيارات التكفير التي انبثقت من رحم التنظيم في الستينيات من القرن الماضي داخل السجون، على يد سيد قطب، وشكري مصطفى، وترجمت ذلك في كتاب "دعاة لا قضاة" الذي قدمه المرشد الثاني حسن الهضيبي، بهدف مواجهة قضية تجفيف منابع "الاستقطاب والتجنيد".

وهو نوع من التزييف للحقائق إذ أن مختلف الدراسات التي شرعنت للعنف المسلح، كانت بتوافق بين قيادات الصف الأول للجماعة، ولم ينفرد بصياغتها الدكتور محمد كمال، الذي لعب دور المشرف على معسكرات الطلائع المسلحة، بل خرجت من رحم اللجنة الشرعية للتنظيم.

سادساً: استكمالا لحالة الانهيار التنظيمي، التي تلاحق جماعة الإخوان فإنها تعتمد على نظرية "العقول البيضاء"، وهي استراتيجية تستخدمها الجماعة لاستقطاب الأجيال الجديدة، لاسيما القطاعات الطلابية والمراهقين، الذين لم يتأثروا بفاتورة ثورة يناير2011، ولم يدركوا أية أبعاد سياسية أو اقتصادية للأوضاع الداخلية.

سابعاً: اتجهت الجماعة وقياداتها تحت إشراف أجهزة مخابرات عدائية إلى تنفيذ سلسلة من المؤامرات من خلال منابرها الإعلامية التي يتم إدارتها من تركيا، وبأموال قطرية، إطلاق آلاف الشائعات التي تستهدف الأوضاع الداخلية المصرية، والنيل منها وفق نهج مدروس بدقة، تستخدم فيه ما يعرف بـ"السيكولوجية النفسية"، لتحقيق سيناريوهات الفوضى الممنهجة.

ثامناً: المنطلق الأيدلوجي المسيطر على الإخوان حاليا ليس الأيدلوجية الدينية أو الأيدلوجية السياسية، لكنها "الأيدلوجية النفسية"، التي تنتظر لمصر الهلاك مشمولا بفكرة العقاب الإلهي، شفاء لغليل صدور قيادات الجماعة وعناصرها.

تاسعاً: يهيمن على تعامل جماعة الإخوان مع الدولة المصرية النسق والسلوك الانتقامي الثأري، لكونها لم ولن تنسى أبدا سقوط مشروعها الديني والسياسي على أيدي المصريين، بعدما تحقق حلم الوصول للسلطة، ومن ثم فشل بقائهم على قمة المشهد، وبالتالي يتمحور سعيهم ومختلف تحركاتهم وأهدفهم حاليا نحو مشروع "الهدم"، وليس "البناء"، وهي استراتيجية واضحة المعالم في نهج الإخوان وتيارات الإسلام السياسي الجهادي، وفقا لنظرية "النكاية والإنهاك"، أو "النكاية والإرباك"، وتعني السقوط والانهيار، مثلما طرحها كتاب "إدارة التوحش"، الذي استلهم فكرته من نظريات سيد قطب.

عاشراً: تعتبر الأداة الأولى في مشروع "التأثير النفسي"، هي "الشائعات"، ويتم توظيفها فيما يعرف بـ"الاستقطاب النفسي" في ظل تعثر مشروع "الاستقطاب الفكري"، بهدف بناء دوائر شعبية تسير في نفس خط المشروع "الهدمي" للجماعة وأهدافها خلال تلك المرحلة، وأيضا في ظل صعوبة تنفيذ مشروع الانتشار المجتمعي والاستقطاب الفكري التي كانت تسير عليه منذ تاريخها من أجل التغلغل في مؤسسات الدولة وتطويعها لمخططها تدريجياً.

الحادي عشر: يدرك قيادات الإخوان أن السلاح الأقوى تأثيرا في تلك المرحلة هو سلاح سيكولوجية "التأثير النفسي"، والتركيز على خفض الروح المعنوية، للشعب المصري، بعد فشل المشروع المسلح في ظل قوة الأجهزة الأمنية المصرية وقدرتها على تدمير البنية الاقتصادية والتنظيمية للجماعة.

الثاني عشر: 90% من الشائعات التي يتم الترويج لها من قبل أبواق جماعة الإخوان، تسير في اتجاهين، الأول يستهدف النيل من النظام السياسي الحالي ورموزه، وفي مقدمتهم رئيس الدولة، ثم يليه استهداف الإنجازات التي تحققها مؤسسات الدولة على أرض الواقع، لمحاولة صناعة حالة من الكراهية والعداء وفقدان الثقة بين المواطن والحكومة.

بينما الاتجاه الثاني يستهدف وصم المجتمع المصري اجتماعيا ودينيا وسياسيا، وتشويه عاداته وتقاليده التي يتعارض غالبيتها مع توجهات الجماعة ومشروعها.

الثالث عشر: اكتسبت جماعة الإخوان خبرة طويلة في مجال الشائعات منذ العهد الملكي، ثم المرحلة الناصرية التي شهدت مئات الشائعات التي تم ترويجها ضد نظام الرئيس جمال عبدالناصر، لاسيما التي شككت في دينه وعقيدته، انتهاء بشائعة حفلات التعذيب في السجون، وتم ترجمة غالبيتها في مذكراتهم الشخصية، مثل كتاب "أيام من حياتي"، والذي ثبت أنه من تأليف القيادي الإخواني يوسف ندا، بهدف تشويه صورة عبدالناصر تاريخيا.

الرابع عشر: تستخدم جماعة الإخوان الشائعات في إطار معركتها مع الأنظمة السياسية، فيما يسمى بـ"تفكيك الظهير الشعبي"، مثلما تم في المرحلة الناصرية بهدف القضاء على شعبية الرئيس جمال عبدالناصر، وساروا على نفس النهج بعد سقوط حكم الجماعة في 30 يونيو2013، بهدف تفكيك شعبية الرئيس عبدالفتاح السيسي، ومحاولة النيل من سمعته بعدما تمكن من تحقيق الاستقرار داخليًا وخارجيًا على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي للدولة المصرية.

الخامس عشر: أدرك الإخوان مبكرا أهمية حروب الجيل الرابع والخامس، لذلك أسسوا وفق استراتيجية "حرب اللاعنف" ما يسمى بـ"أكاديمية التغيير"، في بريطانيا عام 2006، ودشنوا لها فروعا في عدد من دول المنطقة العربية، ودربوا من خلالها عدد كبير من الشباب على "مشاريع التثوير"، و"علوم التغيير"، والترويج والتدريب على مفاهيم العصيان المدني، وتأصيل فكرة التمرد، وتكتيكات إشعال الثورات الشعبية.