لاشأ ان العقد الحالي (2010- 2020) من أخطر العقود التي مرت على مصر عبر تاريخها، حيث تعرضت البلاد لكثير من الأحداث الجسام التي كادت تعصف بها، بداية من أحداث 25 يناير 2011 وما تلاها من حالة عدم الاستقرار وحكم فاشية الإخوان، ثم ثورة 30 يونيه التي انحاز فيها الجيش للشعب وظهر الرئيس السيسي كبطل قومي وقف في صف الشعب الذي انتفض للدفاع عن هويته، واعلن خارطة الطريق في 3 يونيه، ثم استجاب مرة أخرى لنداء الشعب الذي طالبه بالترشح للرئاسة، ثقة به في مواجهة التحديات الهائلة، الإرهاب والاضطرابات الأمنية، والمشكلات الاقتصادية، والأطماع الخارجية والحروب الجديدة التي لم نعتدها، ومع تولى السيسي الرئاسة عاد الاستقرار واندحر الارهاب وتحسنت المؤشرات الاقتصادية وتعافى المجتمع.
في تجربة الرئيس السيسي الثرية هناك 4 ملاحظات جوهرية استرعت الانتباه نرصدها في السطور التالية.
"نتعامل بشرف في زمن لا يوجد فيه شرف"
الملاحظة الأولى: هي القيادة بشرف والتعامل بقيم في كل ملفات الدولة المصرية، فالشائع عن السياسة في نظر الكثيرين أنها الانتهازية والبراجماتية، وأنها المناظر لمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" وغيرها من النظريات المكيافيلية، أوكما أطلق عليها الكاتب الراحل أنيس منصور بأن السياسة هي "السفالة الأنيقة"، فهذا المفهوم هو ما درج عليه للسياسة لسنوات طويلة وهو ما يضع السياسة في منظور لا أخلاقي! هذا المنظور اللااخلاقي للسياسة دفع البعض لكراهيتها، لكن خلال فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي الممتدة لأكثر من 5 أعوام - حتى الآن- نجد أن الرئيس يحرص على أن يرسخ لمبادىء ومفاهيم مختلفة، مفاهيم تتعلق بالتعامل بشرف وقيم في كل الملفات المصرية، السيسي عبّر عن هذه المسألة أكثر من مرة وأكثر من لقاء منها خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في شهر رمضان قبل 3 سنوات، وأكد الرئيس خلالها "أن مصر تتعامل في جميع الملفات بشرف وقيم عليا في وقت عزّ فيه الشرف، مشددا على أنه حمل الأمانة التي كلفه بها الشعب المصري أمام الله، وأنه حريص كل الحرص على أداء تلك الأمانة بكل شرف وتجرد وولاء مطلق لمصر وحدها ولا شيء سواها".
وخلال منتدى شباب العالم الماضي الذي عقد في مدينة شرم الشيخ ديسمبر 2019، أعلن السيسي أن مصر كانت تستطيع التدخل بشكل مباشر في ليبيا لكنها رفضت، لأنها تتعامل بشرف وتعمل على الحفاظ على العلاقة الطيبة والأخوية مع الشعب الليبي.
الرئيس السيسي كرر التأكيد على منهج التعامل بأخلاق وقيم، وذلك أثناء زيارته للكاتدرائية للتهنئة بعيد الميلاد المجيد ليلة 7 يناير الفائت، قائلا: "إن مصر تتعامل بشرف في زمن لا يوجد فيه شرف ربنا موجود فوق ومطلع علينا ولا يمكن ربنا ينصر إلا الأشراف والمخلصين والأمناء والمحبين لبعضهم البعض، لازم نبقى كلنا مع بعض"، السيسي أعلنها صريحة "زمن لا يوجد فيه شرف" فالكل يرى الصراعات التي تشهدها المنطقة والتحالفات الشريرة لتدمير الدول العربية، ونهب ثرواتها، من دون ذرة اخلاق أو ضمير ولا وازع قيمي، المهم تحقيق مصلحة البعض، لكن مصر طوال فترة الرئيس لا تنجرف إلى هذه الأطر المكيافيلية، بل تسعى لتقديم نموذج للسياسة الأخلاقية التي لا تعتدى على أحد ولا تفتئت على الغير، تقدم نموذجًا أخلاقيا للتعامل مع الدول الأخرى ومواطنيها وفي الوقت نفسه يحقق مصالح الدولة.
التعامل بشرف وقيم وأخلاق لا يعنى أن مصر في عهد السيسي دولة ضعيفة أو تخشى المواجهة، بالعكس فعلى الرغم من التعامل المصري بأخلاق وتوازن إلا أن مصر جاهزة دائما لكل الخيارات وجيشها خير أجناد الأرض، أقوى جيش في المنطقة وجاهز للدفاع عن عن الأمن القومي والمصالح المصرية على جميع الجبهات، فضلا عن أن مصر دولة لها ثقل دولى وتتمتع حاليا بالاستقرار والقوة ووضعها الاقتصادي ينمو بسرعة فضلا عن الشهادات الدولية العديدة بأن مصر ستكون واحدة من اقوى 10 دول على مستوى العالم اقتصاديا بحلول 2030، باختصار إن الرئيس السيسي يتعامل بسياسة لا ضرر ولا ضرار، بعكس بعض الدول في المنطقة التي تتعامل بمنطق البلطجة والتدخل في شئون الدول الاخرى واحتلال اراضيها ونهب ثرواتها وبذل كل الجهد لإضعاف جيرانها حتى تكون هي القوة الوحيدة، لكن مصر لا تتعامل بهذه السياسة وترفضها، مصر تتعامل بمنهج التعاون وتحقيق الخير للجميع والإسراع في التنمية والسلام.
"اللي بيني وبين الناس الثقة والشفافية"
الملاحظة الثانية على حكم الرئيس السيسي هي التعامل بشفافية ووضوح، يعمل لتحقيق مصلحة مصر من دون البحث عن مجد زائف أو طنطنطة كاذبة، لا نبالغ إذا قلنا إن السيسي ضحى بشعبيته من أجل إنقاذ مصر، فعندما وصل السيسي للحكم تحدث للشعب بوضوح وصراحة شديدتين، عرض المشكلات الاقتصادية المزمنة وأعلن عن اتخاذ حلول جرئية لإصلاحها، لم يعد الشعب بالعسل والرخاء، بل بشّر المصريين بإجراءات اقتصادية إصلاحية صعبة خلال فترة معينة لكنها ضرورية ولا مفر منها إن كنا جادين في إنقاذ الدولة المصرية من شبح الإفلاس.
وبالرغم أن هذه الإجراءات الصعبة كان من الممكن أن تؤثر على شعبية الرئيس، لكن الرئيس أصر على اتخاذها مضحيا بشعبيته في سبيل إنقاذ مصر، على الرغم من أن السيسي كان بإمكانه أن يفعل مثلما فعل غيره الذي اكتفى بالمسكنات لعلاج المشكلات ولم يجرؤ على اقتحام هذه المشكلات وتقديم حلول حقيقية لها حتى تراكمت وصارت مثل كرة الثلج التي تكبر وتتفاقم طوال 30 عاما، لكن الرئيس السيسي فضّل حل المشكلات بشكل جذري ووجه بتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي كاملا واتخذ قرارا تاريخيا بتحرير سعر الصرف بعد ان تفاقمت مشكلة السوق السوداء للدولار وكان يباع بأكثر من ضعف سعره الرسمى، وتم تحريك دعم الوقود بشكل تدريجي بعد أن كان الدعم يلتهم جزءا كبيرا من موازنة الدولة ثم يتسرب معظمه للأغنياء، بل تحول في بعض الأحيان إلى دعم الأغنياء مثل دعم الدولة بنزين 92 و96، وبالتالي لا توجد مخصصات للتعليم والصحة والمشروعات التنموية، وفي الوقت نفسه اهتم السيسي بمشروعات البنية الأساسية من الطرق والكباري والأنفاق والمطارات والصرف الصحى والإسكان والتغلب على مشكلة نقص الكهرباء وتوفير فائض منها، وزيادة الإنتاج من البترول والغاز الطبيعي بعد أن نجح في حل مشكلة مستحقات الشركات الأجنبية لدى وزارة البترول وهو ما عجّل بسرعة عمل هذه الشركات مرة أخرى واكتشاف حقل ظهر، أكبر حقل للغاز الطبيعي، كل هذه الإجراءات المالية والاقتصادية ومشروعات البنية التحتية هدفها أن تكون مصر وجهة جاذبة للاستثمارات، الرئيس السيسي أصر على اقتحام المشكلات بجرأة وشفافية ووضوح وأطلع الشعب على هذه الإجراءات وأنها السبيل الوحيد للنهوض.
الرئيس لم يأبه إلى تحذيرات البعض من أن قرارات الإصلاح الاقتصادي سوف تؤثر على شعبيته، لا يهم شعبيته في سبيل إنقاذ بلده بلده ما يهمه مصلحة شعبه واثقا أن المصريين سوف يتحملون هذه الإجراءات الإصلاحية ويصبرون على تبعاتها التي لن تدوم وبعدها سوف نجنى الثمار، وفي الوقت نفسه كان الرئيس دائم التوجية برعاية الفقراء والفئات الضعيفة المتضررة من برنامج الاصلاح الاقنصادي.
وتم إطلاق حزمة من البرامج الاجتماعية مثل معاش تكافل وكرامة وزيادة الحد الأدني للمعاشات وزيادة دعم السلع التموينية وغيرها من إجراءات الحماية الاجتماعية.
الخلاصة أن السيسى رئيس يحب المكاشفة والوضوح مع الشعب، ينظر بعيدا وليس تحت قدميه، حريص على أن تنهض مصر ولا يعمل بمنطق البعض"عدى يومك" وبالفعل بدأت نتائج برنامج الاصلاح الاقتصادي تؤتى ثمارها، حيث قفزت مصر بالإصلاحات الاقتصادية، في أهم ٣ مؤشرات دولية، ومؤخرا حصلت مصر على المركز الأول على مستوى الدول الناشئة في «مستوي خفض الدين» والثانية بفائض الموازنة الأولى، وحققت مصر أيضًا أعلى معدل نمو في المنطقة العربية بنسبة 5