أقصرتُ مذ عاد الزمانُ فأقْصَرا
وغفرتُ لما جاءني مُستغفِرا
ما كنتُ أرضى يا زمانُ لَوَ انني
لم ألقَ منكَ الضاحكَ المستبشرا
يا مرحباً قد حقّق اللهُ المنى
فعلَيَّ إذ بُلّغْتُها أن أشكرا
يا حبّذا وادٍ نزلتُ، وحبذا
إبداعُ من ذرأ الوجودَ ومن برا
مِصْرٌ، وما مصرٌ سوى الشمسِ التي
بهرتْ بثاقب نورِها كلَّ الورى
ولقد سعيتُ لها فكنتُ كأنما
أسعى لطيبةَ(1) أو إلى أُمِّ القُرى(2)
وبقيتُ مأخوذاً وقيّدَ ناظري
هذا الجمالُ تَلفُّتاً وتَحيُّرا
**
فارقتُها والشَّعرُ في لون الدجى
واليومَ عدتُ به صباحاً مُسْفِرا
سبعون قَصّرتِ الخُطا فتركنَني
أمشي الهُوينى ظالعاً مُتَعثِّرا
من بعد أنْ كنتُ الذي يطأ الثرى
زهواً ويستهوي الحسانَ تَبختُرا
فلقيتُ من أهلي جحاجحَ أكرموا
نُزُلي وأولوني الجميلَ مُكرَّرا
وصحابةً بَكَروا إليَّ وكلُّهم
خَطَب العُلا بالمكرمات مُبَكِّرا
يا من وجدتُ بحيّهم ما أشتهي
هل من شبابٍ لي يُباع فيُشترى؟
ولَوَ انّهم ملكوا لما بخلوا بهِ
ولأرجعوني والزمانَ القهقرى
لأظلَّ أرفل في نعيمٍ فاتني
زمنَ الشبابِ وفِتُّه مُتحسِّرا
ووقفتُ فيها يومَ ذاك بمعهدٍ
كم من يدٍ عندي له لن تُكْفَرا
دارٌ درجتُ على ثراها يافعاً
ولبستُ من بُرْد الشبابِ الأنضرا
**
يا دارُ أين بنوكِ إخواني الأُلى
رفعوا لواءكِ دارعين وحُسَّرا ؟
زانوا الكتائبَ فاتحين وبعضُهم
بالسيف ما قنعوا فزانوا المنبرا
سبحان من لو شاء أعطاني كما
أعطاهمو وأحلّني هذي الذرى
لأُريهم وأُري الزمانَ اليومَ ما
شأني فكلُّ الصَّيْدِ في جوف الفَرا
إني لأذكرهم فيُضنيني الأسى
ومن الحبيب إليَّ أنْ أتذكّرا
لم أنسَ أيامي بهم وقَدِ انقضتْ
وكأنّها واللهِ أحلامُ الكرى
**
كذب الذي ظنّ الظنونَ فزفّها
للناس عن مصرٍ حديثاً يُفترى
والناسُ فيكِ اثنان شخصٌ قد رأى
حُسْناً فهام به، وآخرُ لا يرى
والسرُّ عند اللهِ جلّ جلالهُ
سَوّى به الأعمى وسَوّى الـمُبصِرا
يا من رعيتُ ودادَه وعددتُهُ
درعاً - إذا جار الزمانُ - ومِغْفَرا
اسمعْ نصيحةَ صادقٍ ما غيّرتْ
منه الخطوبُ هوىً ولن يتغيّرا
لم آتِ أجهلُ فضلَ رأيكَ والحِجى
لكنْ أتيتُكَ مُشفِقاً ومُذَكِّرا
والنصحُ من شيمِ الصديقِ فإن ونى
عَدُّوه في شرع الودادِ مُقصِّرا
عمري كتابٌ والزمانُ كقارئٍ
أبلى الصحائفَ منه إلا أَسْطُرا
فعلمتُ منه فوق ما أنا عالمٌ
ورأيتُ من أحداثه ما لا يُرى
وورثتَ في ما قد ورثتَ شمائلاً
كانت أرقَّ من النسيم إذا سرى
فاربأْ بنفسكَ أن تكون مطيّةً
للخادعين وللسياسة مَعْبرا