مشايخ الطرب.. تتلمذوا على مائدة القرآن
تعتبر قراءة القرآن الكريم الذى هو
كلام الله المُعجِز بصوت عذب من أشهر المواهب التي يمتلكها العديد من الفنانين
والمطربين العرب، والتي يتميزون فيها وعلى رأسهم أم كلثوم التى بدأت حياتها الفنية
منشدة وقارئة للقرآن الكريم.
وقبل ظهور أم كلثوم بكثير لم تكن تقتصر
تلاوة القرآن على المقرئين الرجال فقط ولكن كان هناك رائدات فى تلاوة القرآن
الكريم وترتيله فى المناسبات الدينية والمآتم والأفراح وإنشاد المدائح النبوية, وكان
الاستماع إليهن مقصوراً على السيدات.
أم محمد
وأقدم قارئة ظهرت فى عصر محمد على هى
«أم محمد» وكان من عادتها إحياء ليالى شهر رمضان الكريم في حرملك الوالى، وكانت
تقوم بإحياء ليالى المآتم في قصور قواد الجيش وكبار الدولة، وكانت موضع إعجاب محمد
على الذى أمر بسفرها إلى أسطنبول لإحياء ليالى شهر رمضان في حرملك السلطان.
ثم ظهرت قبل الحرب العالمية الأولى
كريمة العدلى ومنيرة عبده وأول سيدة تسجل القرآن الكريم بصوتها على أسطوانات كانت
سكينة حسن, التى اتجهت لغناء الطقاطيق بعد أن أفتى كبار المشايخ آنذاك بتحريم صوت
المرأة وأنه عورة.
أم كلثوم
كان والد أم كلثوم الشيخ إبراهيم
البلتاجى إمام مسجد القرية، وإضافةً لقراءته القرآن الكريم كان يحفظ الكثير من
القصائد العربية والتواشيح الدينية التى كان أهل القرية والقرى المجاورة يدعونه
لإنشادها فى المناسبات الدينية والاجتماعية، وحفظت أم كلثوم عن والدها بعض القرآن ثم
ألحقها والدها بكتاب القرية, ثم بمدرسة بمركز السنبلاوين القريب لتكمل حفظ أجزاء
من القرآن ولتتعلم اللغة العربية. فكانت تحيي ليالي الذكر والابتهال عن فهم ودراسة
وحفظ الموروث القديم.
محمد عبده
فنان العرب المطرب محمد عبده يعد من
أشهر المطربين الذين تغنوا بتلاوة القرآن الكريم, بصوت عذب وبرع فى تلاوته
بالطريقة الحجازية وعلى مقام الحجازوالذى يعود أصله إلى بلاد الحجاز العربية، وهو
من أكثر المقامات روحانية وخشوعاً في تلاوة القرآن.
ويفضل أهل الفن استخدام مقاميين من
المقامات الموسيقية فى تلاوة القرآن الكريم هما
الأول: مقام "البيات" الذى
يمتاز بالخشوع والرهبانية، وهو المقام الذى يقترب من القلب
ويجعله يتفكر في آيات الله ومعانيه، والمقام
الثانى هو: "الرِّست" الذى يعنى بالفارسية الاستقامة :
ويفضل أهل المقامات هذا المقام عند
تلاوة الآيات القرآنية ذات الطابع القصصي أو التشريعي ويمكن للقراء أن يستخدموا أحد المقامات وهم لا
يعرفون عنها شيئاً، كما يمكن أن ينوِّع القارئ بين عدة مقامات بحسب الآيات
ومعانيها.
سيد مكاوي
ومن أهم مطربي العصر الحديث والذين
تغنوا بتلاوة القرآن الكريم الفنان والملحن شيخ الملحنين سيد مكاوى, الذى أشبعه
التراث الدينى بحب الفن فقد استطاع حفظ القرآن كاملاً مع التجويد والترتيل وهو فى
سن صغيرة بالرغم من فقده بصره بل وتفوق فى ذلك لدرجة أن شيخ الكتاب جعله يقوم
بتحفيظ الأطفال في وقت راحته، أو وقت تناوله الطعام، فيقوم سيد بإلقاء الآيات
القرآنية، والأطفال يرددون خلفه، وحرص على أن يجتهد في الحفظ، و لم تثنه الموسيقى
وشغفه بها عن استكمال حفظ القرآن الكريم فأظهر براعة فائقة في عدد الأجزاء التي
يحفظها من القرآن, وكان مساعداً للشيخ فى الكتاب الذى يحفظ فيه وكان الجميع يستمتع
بحلاوة صوته, ثم حصل على لقب شيخ بعد إتمامه الحفظ وامتلاكه ناصية النص. وبدا ذلك
لاحقا في براعته في أداء دور المسحراتي بكلمات الشاعر الكبير فؤاد حداد وهي من
كنوز الإذاعة المصرية.
عبد الوهاب
وفي حي باب الشعرية بالقاهرة وبجوار
جامع الشعراني، ولد موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب فكانت بدايته مع حفظ القرآن
الكريم وهو في سن السابعة، حيث كانت البداية عندما كان يرتل القرآن بصوته العذب
فشغف آذان الناس حتى ذاع صيته فكان نغمةً مضيئة فى تلاوته وترتيله متأثراً بقرّاء
القرآن الكريم من أمثال الشيخ "محمد رفعت"، والشيخ "علي
محمود"، والشيخ "منصور بدران".فقد بدأ حياته متغنياً بالقرآن قبل
تغنيه بالطرب والموسيقي.
إن التغنى بالقرآن الكريم أوجد مدرستين
واتجاهين أحدهما رافض لفكرة التغنى بالقرآن الكريم والآخر يقرها, فبينما يرى
المُقرّون أن القراءة بالألحان التزام بأمر نبوي مباشر في الدعوة للتغني بالقرآن
وتحسين الصوت به وقراءته بسلاسة، يرى الرافضون أن هذا المسلك في القراءة يُهدّد
سلامة اللفظ العربي ووقار النص القرآني. وعلى كل يظل حفظ وتجويد القرآن كان الأساس
الذي انطلق منه كل المشايخ ثم رواد الأغنية لاحقا وكان رائدهم في ذلك سيد درويش
وأبو العلا محمد أستاذ أم كلثوم الأول والشيخ سلامة حجازي وغيرهم.