على مدى التاريخ كانت مصر دولة شديدة الأهمية في محيطها الإقليمي ولها
مكانتها الفريدة التي لعبت من خلالها أدوارًا خطيرة، ولكنها بنهاية عهد مبارك أصيبت
بوعكة صحية كان من أبرز أعراضها اعتلال السياسة الدولية،وكان الأمل في تغيير
الأوضاع بعد ثورة يناير ٢٠١١، تلك الثورة
التي جاءت منادية بالإصلاح والنهوض اجتماعيا وسياسياً، ولكن سرعان ما أن خرجت عن
مسارها باستيلاء جماعة الإخوان الإرهابية عليها، وسيطرتهم على البرلمان ومجلس
الشورى.
جاء حكم جماعة الإخوان الإرهابية ليحول مصر إلى دولة ميليشيات، وما
حدث آنذاك من انتهاكات، أذكر منها واقعة قصر الاتحادية وغيرها من الوقائع التي تدل
على تردى أوضاع حقوق المواطنين؛ إلى أن انتفض الشعب المصري في مشهد لا يمكن أن
ينساه التاريخ حيث التظاهرات المدنية الأكبر على مر العصور ، ثورة شعب أبيّ رفض
حكما إرهابيا وأعلن إرادته واضحة ،فاستجابت له مؤسسات الدولة الوطنية من الجيش
والشرطة لحمايتها ودعمها.
ثورة يونيو أو ثورة "التصحيح" كما أحب أن أسميها، و ما استهدفته
في مسارها للتصدي للإرهاب ومواجهة القوة الخارجية الداعمة له، إضافة إلى تحقيق
التنمية السياسية والاقتصادية، تصحيح المسار برفض الحكم الديني الفاشي ،وإعلان
الرفض التام لاستئثار الإخوان بالسلطة والتصدي للنتائج المترتبة عن تلك المواجهة
من عنف وإرهاب، وتضحيات من الشعب والجيش والشرطة.
ومن هنا وبعد الثورة العظيمة كان على عاتق الدولة دور كبير في استعادة
الهُوية المصرية بعد حكم طيور الظلام والعمل على ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان، فعلى
سبيل المثال ،حقوق المرأة، حيث أنقذت ثورة يونيو حقوقها من الرِدّة والضياع علي يد
جماعة الإخوان الإرهابية،وإلى الآن النهوض بملف تمكين المرأة المصرية واضحٌ وملحوظ
سواء كان على المستوى المحلي أو الإقليمي والدولي، مرورًا بالحق في الصحة ،وما
تقوم به الدولة من جهود عظيمة في هذا المجال، وآخرها مبادرة ١٠٠ مليون صحة التي
أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، للكشف المبكر عن فيروس سي والأمراض غير السارية ،
وإقرار قانون التأمين الصحي الجديد لتغطي مظلته جميع المصريين والذي يعد أحد
أولويات القيادة السياسية لتحسين المنظومة الصحية ،إضافة إلى زيادة عدد المستشفيات
الجامعية، ومشروع القضاء على قوائم انتظار العمليات، وغيرها من الخطوات الجادة
لتطوير منظومة الصحة في مصر.
على جانب آخر، الحق في التعليم، وما تضمنته رؤية وزارة التربية
والتعليم في وضع استراتيجية جديدة متكاملة تتمحور حول تصميم نظام تعليم مصرى جديد،
من رياض الأطفال إلى الثانوية العامة لتغيير ثقافة الحفظ والتلقين إلى الابتكار
والفهم و كذلك تدريب المعلمين أولا على استخدام بنك المعلومات؛ ذهابا إلى
المشروعات القومية العملاقة عملا بمبدأ الحق في التنمية،وتنفيذا لاستراتيجية مصر
الوطنية ٢٠٣٠ لتحقيق التنمية المستدامة وترسيخ قيمة والمعني الحقيقي للوطن والانتماء
باستعادة الهُوية المصرية من خلال التنمية الثقافية والاهتمام بالآداب والفنون
لمحو آثار عدوان خفافيش الظلام وعصر الجاهلية الحديثة.
نجحت مصر في إعادة بناء نفسها والمحافظة على استقرارها من خلال إنجازاتها
في ملف حقوق الإنسان واستراتيجيتها ورؤيتها المستقبلية الوطنية التي تعمل علي
ترسيخ حقوق الإنسان من أمن وأمان ومأكل ومشرب وسكن لائق وصحة وعمل وغيرها من
المبادئ التي نسعى لتعزيزها، ومن الواجب أيضا على منظمات المجتمع المدني أن تتكاتف
وتوحد الجهود جنبا إلى جنب مع الحكومة لتعزيز حقوق الإنسان وتحقيق التنمية
المستدامة ومكافحة جميع مظاهر الفساد على كل الأصعدة، فما حققته مصر مؤخرا من استعادة
مكانتها دوليا ونجاح سياستها الخارجية القوية ،حجر أساس للمزيد من التطور والتقدم
لوطننا الحبيب مصر.