رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


عبدالعليم القباني "عاشق الإسكندرية"

22-10-2020 | 10:03


ولد الشاعر عبد العليم القباني فى الثاني من أغسطس عام 1918م، بمطوبس، محافظة كفر الشيخ، ثم انتقل إلى الإسكندرية  مع والده الذي كان يعمل ترزيا بلديا عام 1923م واستقر بشارع باب سدرة -  أحد شوارع حي كرموز- وقد ألحقه والده بأحد الكتاتيب فحفظ بها نصف القرآن الكريم ثم أدخله مدرسة أولية، فظل بها حتى السنة الثالثة الدراسية، ثم ألحقه بالعمل معه لحاجته إليه، ولما كان والده يقوم بعمل ملابس الأزهريين، فقد عرف الصبي طريقه إلى تقويم ملكته الشعرية التي بدأت معه وهو في العاشرة، وكان نهما في قراءاته يقرأ كل ما تصل إليه يداه، وعرف الأزهريون فيه ذلك فأهدوه الكثير من كتب الأدب وأكمل هوايته بمكتبة البلدية.

وقد كان لفوزه بجائزة الشعر الأولى في مسابقة وزارة المعارف عام 1948م، الفضل في تعرفه على طريق المجتمع الأدبي؛ حيث زاره في محله الكثير من رموز الأدب المصري، ومن أوائلهم الأستاذ محمد فريد أبو حديد.

التحق بعد ذلك موظفا بمتحف كلية الآداب عام 1957م وداوم على حضور مناقشة الرسائل العلمية وأفاد منها في كتاباته الأدبية والتاريخية.

ويتجلى طموح القباني في إصراره على مواصلة التحصيل العلمي، فتقدم لنيل الشهادة الإعدادية عام 1958 وتحقق له ذلك، ومن العجيب أن يمتحن في إحدى قصائده المقررة في هذا العام على طلبة الشهادة الإعدادية.

إنتاجه الأدبي والشعري

قدم عبد العليم القباني للمكتبة العربية عددا غير قليل من المؤلفات الأدبية والتاريخية، منها على سبيل المثال: "شعراء الإسكندرية في العصور الإسلامية"، و"مع الشعراء أصحاب الحرف"، و"محمود بيرم التونسي ـ حياته وشعره الفصيح"، و"أحمد السمرة ـ هذا الرجل من هذا الإقليم"، و"موقف شوقي والشعراء المصريين من الخلافة العثمانية"، و"البوصيري ـ حياته وشعره"

وقدم أيضا للشعر العربي أحد عشر ديوانا منها: "أشعار قومية"، "بقايا سراب"، "ملحمة الثورة العرابية"، "أغنيات مهاجرة"، "لله وللرسول"، "انطلاق"، "ثورة الرماد".. كما كتب للأطفال "قصائد من حديقة الحيوانات".

دوره في الإذاعة والنشاط الثقافي

كان القباني أحد الرواد في إذاعة الإسكندرية، كما كان له دور بارز في إذاعة البرنامج الثاني، ومن مؤلفاته الإذاعية "البهاء زهير"، "ابن زيدون"، "البوصيري"، و"ابن رشيق".

والقباني أحد أعضاء لجنة فحص النصوص الغنائية بإذاعة الإسكندرية منذ إنشائها، وهو عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر لمدة تزيد على العشرين عاما، وهو عضو لجنة تسمية الأحياء لمحافظة الإسكندرية، وقد عُرف كمحاضر ثقافي متميز غزير الثقافة واسع الاطلاع، وهو أحد المؤسسين لهيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالإسكندرية.

مثَّل مصر في مؤتمر "الشعر من أجل السلام" في بوخارست (رومانيا)، وحصل على العديد من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير، أبرزها جائزة عبد العزيز سعود البابطين عن شعره، والتي ضاعف صاحبها الجائزة لقولة من القباني سيحفظها له التاريخ حين سئل: هل كنت تتوقع الجائزة؟؛ فأجاب: لم أكن أتوقعها لكنني كنت على يقين أني أستحقها.

مميزات إنتاجه الأدبي والتاريخي والسمات الفنية في شعره

أولا يتميز إنتاج القباني الأدبي والتاريخي بخصوصية موضع البحث وتفرده، فإذا تكلم عن "إيليا أبو ماضي" – مثلا - يتناول شعره في الإسكندرية دون سائر شعره، وإذا تناول محمود بيرم التونسي حدد موضوع بحثه في شعره الفصيح دون شعر العامية، وهو جهد يحسب له، ويتميز أيضا بوفائه للإسكندرية وحبه الجم لها ولأقرانه وأصدقائه من المبدعين الذين عاصروه ورحلوا في حياته؛ فتحمل وحده مسئولية وتبعة التوثيق والتسجيل الأدبي لحياتهم ورحلتهم الإبداعية من خلال كتب تكاد تكون المرجع الوحيد إليهم ومن هؤلاء: فخري أبو السعود، وأحمد علي السمرة، وعبد الحميد السنوسي وعبد المنعم الأنصاري.. وغيرهم.

ثانيا السمات الفنية في شعره:

 

يتسم شعر القباني والذي جاء في أكثر من أحد عشر ديوانا، أغلبها على الشكل التقليدي للقصيدة العربية، بتعدد الأغراض الشعرية التي ترتكز على المضمون الإنساني المؤكد لإرادة الإنسان الصلبة القوية في مواجهة خطوب الحياة ومحنها، وينبع كل ذلك من خلال أمل متجدد مؤمن بالقضاء والقدر، مسلم بأن على الإنسان أن يقدم ما بوسعه، وعلى الله قصد السبيل، وتتجلى كل هذه السمات في مواضع عديدة من شعره منها:

 

إن تك السبـعون عاما أخذت مني قوايه

وهوت بي من سماواتي إلى أرض النهايه

فإذا الواقـع صـبح لم تزيفه العمــايه

وإذا الشـك يقـين وإذا الرشــد غوايه

فأنا مازلـت أحيا في ضـياء من صبايه

ما تلفتُّ ورائي بل أرى الآتـــي بدايه

بذرة الحــب بقلـبي أنبتت زهر رضايه

ليس عمـري الذي ضيعت بل عمر سوايه 

وفي الأبيات السالفة يتجلى لنا إرادة القباني وأمله المتجدد وكأنه يقدم للقاريء ملامح ذاته مرسومة بالكلمات.

ولقد كان لنشأة القباني وفقده لاثنين من أبنائه الأربعة، هما محمد وسهير في عام واحد 1981، في ريعان شبابهما، أثر بالغ في صهر إرادته وصقل عزيمته في مواجهة خطوب الزمان والمكان، ويتأكد ذلك أيضا في موضع آخر من شعره:

يقـــولون: عمـرك أفنيته.. فمـاذا تعلمت في المزدحـم؟

فقلت لـهم والدجــى في دمـي. وإن كنت لم أزل أبتـسم

تعلـمت أن أكتــفي بالسـراب وأن أكـتم الآه رغم الألـم

وأن ليس جرح كصمت الصديق إذا الموقف احتاج لا أو نعم 

وقد تصل هذه الإرادة إلى ذروة العناد والتحدي من أجل الدفاع عن المبدأ وإعلاء صوت الشاعر الحق

إذا جردت من قلمي وحبري             ولم تعد الصحـائف في يديا

جعلت دمـاء قلبي لي مدادا              وأقلامي أصـــابع راحتيا

وكان الحائط المسـود حولي             صحيفاتي التي تحــنو عليا

وإن عقدوا اللسان ليخرسوني            فصــوت القيد لا يألو دويا 

المكان في شعره:

 

وقد اختص في شعره مكانين اثنين هما: مطوبس، محل ميلاده، والإسكندرية التي ترعرع وظل بها حتى مماته، وقد عبر عن ذلك في غير قصيدة، ومنهم قصيدته الني عنونها بـ "مطوبس"، تلك القرية النائمة في حضن النيل، ومنها قوله:

"مطوبس" يا حبي وشوقي ونشوتي

ترى تذكرين اليوم ما كان والصبا

وكل أحاسيسي التي أتعمـــق

يطل وأحلامي على الدرب تشرق

وقوله:

"مطوبس" عاد الطفل شيخا وأجدبت

وأمست خفيات الظـــنون حقائقا

ينابيع كانت بالأمــاني تغدق

تطل فتنعي أو تثور فتحــرق 

وأيضا قصيدته "من ليالي الإسكندرية"، وفيها يمزج بين شوقه إلى محبوبه وانتماء غرامهما إلى الإسكندرية، ومنها قوله:

لاح كالحلم على الشط الطروب          يتهادى بين أطــياف الغـروب

حائر اللهــفة كالطير الغريب           كلما مر على الرمـل الرطيب

صفق الموج ونادى..... يا حبيبي

***

يا حبيبي فرحـة الدنيا هـنا     قبلنا كانت وتبـقى بعــدنا

فتأمل كيف ينسـاب السـنا     بين مـوج هام أو شـط رنا

بينما البحر ينادي.. يا حبيبي

***

يا حبيبي في معاني اسكندرية       الصبا والسحر والروح الأبية

والأماني والأغاريد الشجية      لم يزل فيها من المـاضي بقـيه

وصدى من كليوباترا... يا حبيبي 

قصائده المغناه:

لُحّن للقباني عدد من القصائد لمطربين ومطربات منهم: فايدة كامل، ووديع الصافي الذي لحن وغنى من كلماته قصيدته "الليلة الأولى"، التي أذيعت من محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية في الخمسينيات (طبقا لما رواه لي الشاعر نفسه)، ويقول فيها:

جئتها والقلب لا يدري هواها فروتني

من رحيق الأمل الصافي ومن خمر التمني

وهي عذراء تريك السحر في أبهج لون

أن تبدت فابتسام الصبح عن ضحوة حسن

أو تغنت تركت قلبك مفتونا يغني

***

جئتها والقلب لا يدري هواها فروتني

قبل أن أعرف طعم الحب من أطهر دن

فتعشقت جمال الكون من بسمة عين

وترهبت بدير الحب من كسرة جفن

آه منها ملكتني الحسن حتى ملكتني

***

أنت يا من ملكت روحي وإحساسي وفني

لم أعرف من نفسى سوى أنك أنِّي 

ولعبد العليم القباني ـ فضلاً عما تقدم ـ وجود مؤثر في حياتنا الأدبية على المستوى العام في مصر كلها من خلال حضوره اللقاءات الأدبية والمؤتمرات الثقافية، وعلى المستوى الخاص في الإسكندرية بتفعيله لواقعها المبدع وموقعها الفريد على خارطة

الزمان.

وفاته

هذا هو القباني شاعر الإسكندرية والراهب في محراب إبداعها الأدبي، ولقد ودعته الإسكندرية، ظهر الاثنين الموافق 15 يناير 2001م، فرحل عنا جسدا أجهده البحث والإبداع في بحور الكلمة العربية، وعزاؤنا أن شعره ومؤلفاته ستظل ملاذا ومرفأ لكل باحث ينشد إبداعا سكندريا جادا، ولكل قارئ يرجو ثقافة متجددة ومثمرة.