بالتأكيد
إن مشروع أردوغان الإمبراطوري يواجه الكثير من
العقبات، أهمها أن الكثير من نظم الحكم في الشرق الأوسط
لا تقبل بهذا المشروع مثل الإمارات والسعودية ومصر وغيرهم. لذلك رحب واحتضن وشجع أردوغان "ثورات الربيع العربي"
لأنها جائت بالإسلاميين وخاصة الإخوان إلى
الحكم عبر صناديق الانتخابات، وهم حلفاؤه ويؤمنون بمشروعه في استعادة
"الإمبراطورية الاستعمارية". وقد
أفاد تحليل صادر عن "استعراض القاهرة للشؤون الدولية" بأن وقوف الرئيس
التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم موقف الداعم للربيع العربي، لم يكن لأجندة
اقتصادية أو سياسية اجتماعية، بل كان دعمه هو جزء من سياسة نشر الإسلام السياسي. ووفقا
لقول بيرول باشكان، وهو أستاذ غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، "لا شك أن تركيا احتضنت الربيع العربي
أكثر من أي بلد آخر، رغم ارتباطها بعلاقات اقتصادية وسياسية ممتازة مع حكومات
وأنظمة الدول التي ضربتها موجات الربيع العربي، بما في ذلك سوريا. ولكن أردوغان
ضحى بكل ذلك من أجل دعم رفاق
الأيديولوجيا الذين يؤمنون بالوحدة الإسلامية والخلافة الإسلامية.
علاقة الجماعة الأم، الإخوان في مصر، بتركيا
قديمة سواء العلاقة الفكرية أو التنظيمية.. فقد اعتبر حسن البنا مؤسس الجماعة أن
ما فعله أتاتورك ضد الإسلام. فقد كتب
قائلاً: موقف
الحكومة التركية الحديثة من الإسلام وأحكامه وتعاليمه وشرائعه معروف في العالم كله
لا لبس فيه، فالحكومة التركية قلبت نظام الخلافة إلى الجمهورية، وحذفت القانون
الإسلامي وحكمت بالقانون السويسري مع قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله
فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 43]، وصرحت في دستورها بأنها حكومة لا دينية،
وأجازت بمقتضى هذه التعاليم أن تتزوج المسلمة غير المسلم، وأن ترث المرأة مثل
الرجل، واصطدمت في ذلك بقوله تعالى: {فإن علمتموهن مؤمناتٍ فلا ترجعوهن إلى الكفار
لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} [الممتحنة:10]، وقوله تعالى: {فللذكر
مثل حظ الأنثيين}[النساء: 176]، وهذا قليل من كثير من موقف الحكومة
التركية من الإسلام، وأما موقفها من الشرق فقد صرحت في وقت من الأوقات بلسان وزير
خارجيتها بأنها ليست دولة شرقية، وقد قطعت صلتها بالشرق حتى في شكل حروفه وفي
أزيائه وعاداته وكل ما يتعلق به".
بالطبع هذا ليس هو الإسلام
ولكنه التفسير الإخواني للقرآن الكريم وللإسلام. وستلاحظ أن هذا الموقف القديم للبنا
وجماعته متوافق تماماً مع موقف أردوغان
الإخواني من أتاتورك. حرص البنا وإخوان مصر على وجود روابط مع
تركيا. ففي لقاء بين أحد الأشخاص الذين اعتنقوا الأفكار
الإخوانية والبنا أثناء رحلة للحج عام 1946، تحدث البنا عن حال شباب تركيا الذي أصبح لا يجيد العربية
ولا يتكلمها، مطالبًا العرب والمسلمين بجهد في إحياء العربية بتركيا وعمل تنظيم في
تركيا لجماعة الإخوان المسلمين.
وما طالب به البنا يفعله
الآن أردوغان.
كما كانت تركيا محطة مهمة
للجماعة في مصر بعد حملة القبض عليهم، عقب محاولة اغتيال الرئيس الأسبق جمال عبد
الناصر، وكان سعيد رمضان (زوج بنت حسن البنا) صاحب الدور الأكبر في نشر الأفكار
الإخوانية في تركيا من خلال مشاركته في العديد المؤتمرات التي عمل من خلالها على
توثيق الصلة بالمثقفين الإسلاميين بتركيا.
كما شارك الإخوان في احتفالات أحزاب أربكان الإخوانية ففي عام 1998 ممثلين في مصطفى مشهور
ومحمد مهدي عاكف وأحمد سيف الإسلام حسن البنا والشيخ محفوظ النحناح في احتفالات
حزب الرفاه الإسلامي. وفي يونيو 2006 حرص الإخوان على المشاركة في الاحتفال بمرور
553 عاما على "فتح القسطنطينية"، وهو الاحتفال الذي نظمه
حزب السعادة التركي، حيث شارك فيه الدكتور حسن هويدي نائب المرشد العام لجماعة
الإخوان. كما شارك أيضاً في الاحتفال الدكتور
عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان والدكتور محمد سعد
الكتاتني رئيس الكتلة البرلمانية. كما شارك أمير الجماعة الإسلامية في باكستان
القاضي حسين آيت أحمد، ورئيس الحزب الإسلامي في ماليزيا، ورؤساء وممثلو الحركات
الإسلامية في إندونيسيا والكويت والسعودية وإيران والعراق ولبنان وروسيا والمغرب
وكازاخستان والبلقان والهند ودول إفريقية عدة.
تعتبر الزيارة التي قام بها
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في سبتمبر 2011، تاكيداً على العلاقة
القوية مع إخوان مصر، وأنهم أصل الإسلام السياسي في
العالم كله . وقوبل أردوغان
بحفاوة ضخمة. وهناك إخوان وإسلاميون طالبوا بعودة الخلافة
الإسلامية التركية إلى الأراضي المصرية!
نصح أردوغان الانتهازي الزكي وقتها إخوان مصر، بألا يتعجلوا ويعلنوا أنهم مع الدولة العلمانية
ويتحالفوا مع القوى التي شاركت في ثورة يناير ضد حكم مبارك وضد المجلس العسكري
الذي كان يحكم مصر وقتها. أي يفعلوا مثله يتحالفون مع أي قوى لإزاحة الجيش من
السلطة، ثم بعد ذلك ينفردون بالحكم ويقيمون دولتهم "الإسلامية" مثلما
يفعل الآن. لكن إخوان مصر كانوا متعجلين
وخسروا كل شىء.
قال
سفير مصر الأسبق لدى واشنطن عبد الرؤوف الريدي، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
كان يتعامل مع مصر في عهد الإخوان المسلمين على أنها ولاية تركية.
وحتى إذا خفضنا كلام السفير
الريدي قليلاً فقد كان أردوغان يتعامل مع
الإخوان أثناء حكمهم لمصر بأنهم شركاء في المشروع
الكبير "أستاذية العالم" أو استعادة
الإمبراطورية العثمانية الإسلامية. وهذا
يفسر عداءه للرئيس عبد الفتاح السيسي ولمن يحكمون مصر الآن. فهو لا يعتبر بالطبع
الإخوان جماعة إرهابية لأنها ليست مسلحة بل هي منظمة فكرية. مضيفا: "لا يمكن
التسامح مع الإخوان المسلمين الموجودين في تركيا إن كانت لهم صلة بعمل إرهابي
ولكننا لم نر ولم نلحظ أي فعل من هذا القبيل".
بالطبع هو يكذب، فهو من جانب يعتبر أن
الإرهاب المسلح والتعاون مع الجماعات الإرهابية المسلحة ليست تهمة، فهو كان الداعم
الكبير والمستفيد الأول من التنظيمات الإرهابية في سوريا. لكنه "الكذب
الحلال" الذي يمارسه كل الإسلاميين، ويؤمنون بأن الله سوف يجازيهم خيراً عنه.
فهم يكذبون من أجل الله.
وفي رده على سؤال ما إذا كانت تركيا ستتعاطى
بذات المساواة مع تسليم قيادات الإخوان المسلمين الموجودين في تركيا، كما تطالب
الدول الأخرى بتسليم جماعة فتح الله غولن، قال أردوغان :"نحن نتلقى طلبات بين
وقت وآخر لكن نوجه سؤالا؟ هل هذه منظمة إرهابية مسلحة؟ هل الذين تطالبون بهم
تورطوا في عمل إرهابي أو مسلح؟ ". أما جماعة غولن فهي منظمة قامت بعمل إرهابي
واستخدمت السلاح وكانت تترصد هذه الفرصة لعشرات السنوات".
بالطبع
هو يكذب كما سبق وقدمت الأدلة على أن الإخوان تنظيم إرهابي،
لكنه يعتبرها حليف. خلاصة السياسة التركية كشف عنها مستشار الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، ياسين أكطاي، عندما قال علنا "إن
إسقاط الخلافة ( يقصد العثمانية ) تسبب في فراغ سياسي في المنطقة، وقد سعى تنظيم
الإخوان لأن يكون ممثلا سياسيا لها في العالم نيابة عن الأمة، البعض منا يستخف
بقوة الإخوان ويقول إنهم عبارة عن جماعة صغيرة، لكن جميع الحركات الإسلامية اليوم
ولدت من رحم جماعة الإخوان ..". وأضاف أكطاي، في لقاء تليفزيونى
قبل شهر، إن لجماعة الإخوان "فروعها الخاصة وفقهها الخاص، وهي تمثل اليوم
ذراع للقوة الناعمة لتركيا في العالم العربي، فهذه الجماعة ترحب بالدور التركي في
المنطقة.. وهم بالتالي ينظرون إلى الدور التركي على أنه النائب للخلافة الإسلامية
التي تم إسقاطها سابقا".
إنهم القوة الناعمة
لمشروع الخلافة الأردوغاني، إنها لحظة صدق نادرة. وبالنسبة للإخوان تركيا ملاذ آمن
وداعم مالي وسياسي قوى لهم في الشرق الأوسط وكل مكان في العالم. ولأنه يستفيد من
شركائه، فليست لدى أردوغان
مشكلة كما يقول في تحمل حملات التشويه ضده من أجلهم،
ويقول: "إن سببها يتمثل بموقفه بدعم الإسلاميين والإخوان في المنطقة العربية،
حيث اعتبر أن دفاعه عن الإخوان هو تعامل مع مسألة عداوة الإسلام المتصاعدة".
إنه يساوي بين الإخوان
وبين الإسلام، وبينه وبينهم وبين الإسلام الذي يرى أن هناك
عداوة متصاعدة ضده!! لذلك هدد عمر جليك
المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم الولايات المتحدة إذا صنفت جماعة
الإخوان منظمة إرهابية ، فهي تعرقل جهود إرساء الديمقراطية في الشرق الأوسط وستخدم
جماعات متشددة مثل تنظيم الدولة الإسلامية.
يحاول أردوغان طوال الوقت التعاون
مع الإخوان لتحقيق مشروعهم المشترك. فقد حاول حزب العدالة والتنمية
التركي حاول تكرار
سيناريو جيبوتي في إريتري. فماذا فعل؟
بعد
أن نجحت وكالة
"تيكا"
التركية في اختراق دولة ايتريا الصغيرة، عبر بوابة
المساعدات الإنسانية والغذائية؛ وللتوغل في مؤسساتها،
استعان بالإريتريين المقيمين في تركيا، خصوصاً من يعتنقون أفكار جماعة
الإخوان،
وأسست لهم الحكومة رابطة، مقرها مدينة إسطنبول، ويكون
هدفها بالتأكيد الترويج لأفكار "العثمانيين
الجدد"
وفي داخل إريتريا، والهجوم على حكومة أسمرة.
حاول أمين عام الرابطة برهان سعيد الجبرتي، وهو رجل أعمال يدير شركات
عقارات في مدينة
إسطنبول، التأكيد على أن الرابطة لا تهتم بالسياسة. لكن هذا غير صحيح، فقد شن هو
والرابطة حملة على حكومة
بلاده، واتهمها بالمسؤولية
عن سوء مستوى
التعليم، وتدني أحوال
المسلمين في البلاد.
أي ان هدف الرابطة مثل هدف الإخوان وأردوغان
في كل مكان، هو تجنيد أعضاء، وأيضاً
تنمية طاقة الغضب والسخط ضد الحكومة الغير موالية لتركيا. لذلك اضطرت وزارة الإعلام في إريتريا إلى إصدار
بيان قالت فيه، "إنّ تركيا تحاول
تخريب وعرقلة مسار السلام مع إثيوبيا،
وفي منطقة القرن
الإفريقي".
أردوغان لا يدعم فقط سياساً ومادياً الإخوان ولكنه أيضاً
يظهر ولاءه لهم لقادتها الكبار في كل مكان. فقد سلم السفير التركي في الخرطوم،
عرفان نذير أوغلو، زوجة الزعيم الإسلامي الأشهر في السودان، حسن الترابي، هدية من
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهي عبارة عن مصحف مكتوب بخط اليد. وكان السفير سعيداً
عندما وجد العلم التركي العثماني موضوع لوحة منذ 15 عاماً.
الترابي من القيادات الإخوانية الكبيرة وكان شريكاً
واستاذاً لعمر البشير في تأسيس دولة اخوانية دمرت السودان، كما دعم الترابي وجود
تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن في
السودان ودافع عنه.
هذه العلاقة القوية بين أردوغان
وإخوانه لم يعكرها حتى خطأ تسليم بعض شباب
الإخوان إلى السلطات المصرية، فالأغلب أنها
خطأ إجرائي. وهذا يؤكده الباحث التركي
بوراك بكديل المنفي في أمريكا، ف"
قرابة
الإخوان الأيديولوجية"
مع أردوغان قوية. فمعظم أعضاء الإخوان المؤثرين
في العالم يقيمون في تركيا". هناك
حوالي 2000
من أعضاء الإعلام في الإخوان في تركيا ، و 10 محطات تليفزيونية والعديد من المحطات
الإذاعية. وأكثر من 5000
عضوا من الإخوان يؤمنون اللجوء إلى تركيا
بفضل الأموال التركية والقطرية.
فهذا التحالف الاستراتيجي
لن تعكر صفوه اخطاء البيروقراطية التركية. فالتحالف قائم وقوى إلى
أن يحققوا حلمهم ب"الخلافة الإسلامية" و"أستاذية
العالم" ثم يقتلون بعضهم البعض.
المصادر:
قناة
العربية – حفريات – بوابة الحركات الإسلامية – الإسلاميون – إسكاي
نيوز - موقع 24 – تركيا بوست – معهد
جيتستون الأمريكي