رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


وسائل التواصل الاجتماعى والرواية.. من تجربتى وتجارب آخرين

22-10-2020 | 14:08


من القضايا والأسئلة التي أصبحت في غاية الأهمية في الحقبة الراهنة ومن سنوات ماضية علاقة الرواية بوسائل التواصل الاجتماعي والأثر المتبادل بينهما، ولا يصح أن نقول إن إحداهما هي التي تؤثر في الأخرى فقط دون تأثير من الجانب الآخر، فالواقع أن الرواية تؤثر في وسائل التواصل الاجتماعي من حيث هي قدرات إنسانية وطاقات حكي لدى البشر بصفة عامة تتجلى على صفحات فيسبوك وفي المدونات وغيرها، بالضبط كما أن فن الرواية يتأثر بهذه المواقع والأدوات الحديثة من الاتصالات الإلكترونية.


وهناك بعض الروايات التي تستمد قضيتها أو عالمها أو جزءًا منه من عالم التكنولوجيا التي أصبحت بشكل طبيعي جزءا ضخما من حياتنا، وما دامت الرواية بوصفها جنسا أدبيا تقوم على محاكاة الحياة وتمثيلها وتجسيدها فإن انعكاس مفردات هذه الحياة الجديدة وأدواتها ووسائلها الاجتماعية وتوظيفها كلها في الرواية مسألة ترتبط بالجودة وبمدى حساسية الرواية بالحياة واستجابتها العفوية لمتغيراتها.


وكانت هناك عدة أشكال لأثر هذا الجدل بين الرواية ووسائل التواصل الاجتماعي والعديد من التجليات ربما أبرزها يأتي في تصورين أصبحا راسخين مع الوقت أو مع مرور ما يقارب العقد من الزمن، التصور الأول الذي يرى أنه ستكون هناك رواية كاملة ذات طبيعة تفاعلية أو إلكترونية أو تكنولوجية بما يعني أن فن الرواية هو الذي سيذوب في هذا العالم الجديد، ويصبح تابعا لوسائل التواصل الاجتماعي، فالرواية يمكن أن تكتب في شكل مدونات إلكترونية ولدينا المدونة اليومية الشهيرة التي تحولت إلى رواية وهي "عايزة أتجوز" لغادة عبدالعال، وسيتحدث كثيرا الروائي الأردني محمد سناجلة عن هذا الشكل من مدة بعيدة حتى ليبدو رائدا لهذا الاتجاه ومبشرا به.


فالرواية في هذه الحال هي التي تندمج في عالم وسائل التواصل الاجتماعي الجديد وتندمج فيه حتى ربما يأتي اليوم الذي تفقد فيه هي الأخرى هويتها أو شكلها الخاص ولا تكون هناك رواية، ولذلك نجد بعض الباحثين يتنبأون  بموت الرواية، والطريف أن هذه الحال نفسها بالنسبة للرواية تواجه النقد الأدبي فيصبح هناك التصور الموازي أو الشبيه الذي يلغي النقد المدرسي أو حتى النقد الصحفي ونقد المتخصصين عموما ليحل محله نقد القراء وردود أفعالهم وقياس استجاباتهم وأثر القراءة عليهم، ولذلك قال الناقد الأمريكي رونان ماكدونالد بموت النقد كما قال غيره بموت الرواية، والحقيقة أن آثار هذا في النقد بشكل خاص تبدو أكثر وضوحا ومن الآن ويمكن أن نلمسها في الأدب العربي عبر عدد من المواقع الكثيرة التي على شاكلة (جودريدز) أو عروض الروايات التي لها صفحات محددة على فيسبوك أو غيرها الكثير والكثير التي يمكن أن نقول إنها بدأت تدريجيا تحل محل النقد الأدبي.


فالسؤال الآن إذا كان القارئ قد أخذ سلطته فيما يخص رأيه وانطباعاته التي أصبحت كلها نقدا أو شكلا من أشكاله، فهل سيكون الأمر كذلك فيما يخص الإبداع الروائي نفسه حيث تتحول الأشكال السردية للجماهير هي الأخرى إلى فنون أدبية تحل محل الرواية؟ في تقديري الشخصي أن الرواية ستظل فنا له تقاليده وهي قبل هذا ممارسة إبداعية ترتبط بقدرات خاصة لا تتوافر لكثير من الجماهير، وإذا كانت كل الجماهير قادرة على إبداء رأيها فيما تقرأ حتى وإن كانت عن جهل أو عدم دراية أو خبرة فإن الإبداع نفسه يختلف كثيرا؛ لأنه يرتبط باستجابة واسعة ولا حياة لأي شكل أدبي دون أن يحقق هذه الاستجابة الواسعة عند كثير من الجماهير.


التصور الثاني فيما يخص علاقة وسائل التواصل الاجتماعي بالرواية والجدل بينهما يتمثل في انعكاس مفردات هذه الحياة الجديدة في الأدب وأن تتجلى التكنولوجيا والحياة الاجتماعية القائمة على التواصل الاجتماعي في الروايات، وهنا يبدو الأمر رهن ما هو متحقق بالفعل أو ما حدث في الواقع، حين تستجيب الرواية لتجسيد مظاهر التطور في الحياة وتفيد من هذه التغييرات في تشكيلاتها السردية أو بنيانها، فبعض الروايات مثلا التي تقوم على جريمة إلكترونية هي في النهاية تعكس ظواهر اجتماعية حاصلة أو واقعة ولا يمكن أن تغفلها الرواية إذا ما كان من غاياتها أن تجاري نبض الحياة وتتبع تعرجاتها.


وجسدت كثير من الروايات العربية بعد تغلغل وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا في سردها دور هذه الوسائل وأثرها. وهي مثلها مثل كثير من التكنولوجيا مثل الهاتف حين ظهر أو التليفزيون أو الهاتف المحمول أو الجوال أو الكمبيوتر. فالاستجابة هنا في تمثيل هذا الدور أشبه على سبيل التمثيل بأن نكتب روايات في العصر الحديث تخلو من دور السيارات أو الطائرات وأن نستبدل بها الجِمال أو الدواب الأخرى في السفر والانتقالات في الوقت الحالي، حينها تكون الرواية مزيفة للحياة التي يفترض بها أنها تقوم على تمثلها وتجسيدها بأمانة أو بما يجعل القارئ مصدقا ومقتنعا ومتماهيا مع هذه العوالم الحديثة.


ولا يمكن أن يصور الحياة في العام 2019 وأن وسيلة الاتصال هي الحمام الزاجل ووسيلة الانتقال والسفر هي الجمال إلا على سبيل الهزل والسخرية ولكن في الأدب الجاد أو غير الهزلي أو غير الساخر لا يمكن أن يكون الأمر كذلك بل يكون الفن وفيا للمطابقة والمحاكاة بدقة، وهذا ما حدث مع كثير من الروايات العربية التي جسدت حياة الشباب بما تضج به من استخدام كثيف لهذه الوسائل.


فعلاقات الحب والرومانسية الآن تأخذ سبيل هذه الوسائل الحديثة وأحيانا بعض المخططات وطرائق القتل أو الجرائم أو غيرها تتم عبر هذه الوسائل، وهناك رواية للكاتب المصري أحمد كفافي اسمها "حبيبي أون لاين" تقوم في مجملها على هذه العلاقة وهذه الاتصالات وتستثمرها، والحقيقة هناك الكثير جدا من الروايات التي جاءت وسائل التواصل الاجتماعي جزءا منها بشكل طبيعي وعفوي مثل رواية الروائي المصري ميسرة الهادي التي أوغلت بعيدا مع مراسلات الحبيبين عبر الإيميل أو غرفة الدردشة وهناك الكثير من الروايات وعن نفسي كانت لي أكثر من رواية حضرت فيها وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فاعل ونتج عنها دور درامي مهم مثل رواية "شرود أبيض" التي يحاول فيها البطل أن يتواصل مع زوجته الهاربة إلى أمريكا ويحاول مراسلتها لاستعادتها وعبر الإيميل والتواصل الاجتماعي يحصل منها على صور لابنه الذي كان جنينا وقت هروب الأم.


وفي رواية سور ثلجي في الصحراء ينفتح عالم المزرعة على الآخر عبر صفحات على فيسبوك يحاول عبرها البطل أن يكسر عزلته في الصحراء ويتواصل مع آخرين لهم الاهتمامات نفسها، فكانت ملاذا أو مهربا له.


وكذلك في رواية "سنوات التيه" حيث كان يبحث البطل السوري في غربته عن حبيبته الضائعة وينقب عنها بكل قوة وهو مفعم بالأمل على صفحات فيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي وكان يحاول استعادة وطنه كذلك عبرها. وهناك كثير من الكتاب الشباب الذين جسدوا في رواياتهم هذه الظواهر وسلبياتها أو إيجابياتها، فهي من ناحية تصنع حالا من السرعة والآنية واختراق المسافات والحقيقة أن لوسائل التواصل الاجتماعي آثارا بارزة في كافة عناصر فن الرواية، الزمان والمكان وملامح الشخصيات والحدث واللغة وغيرها، كما أنها كذلك تصبح فاعلة في تماسك النص الروائي وتشعبه أو شعريته وعناصر التشويق فيه وغيرها من الخصائص الكثيرة التي تحتاج إلى دراسات وبحوث عديدة لاستكشافها، فهي لا تزال منطقة غامضة تلك التي يلتقي فيها هذا التطور المعرفي الهائل بهذا الفن القديم والراسخ في الوجدان الإنساني ولا يغيب عن شعب من الشعوب أو أدب من الآداب، وهو فن الرواية.