مختبر السرديات.. ملتقى أدباء مصر والعالم العربي
"نحن فى حاجة إلى
رؤية غير رؤية أستاذ الجامعة، وإلى عين غير عين الصحافي اليومية السريعة"
جاءت هذه الكلمات على لسان المبدع والناقد التونسي الكبير صلاح الدين بوجاه عندما
وصف مختبر السرديات وأهمية أن تنظم مكتبة الإسكندرية مثل هذا المختبر،مشيرا إلى
أهمية أن يخرج المختبر من العباءة الأكاديمية وأن وجوده داخل مؤسسة مثل مكتبة
الإسكندرية يعطيه مذاقا ثقافيا مختلفا عن باقي المختبرات التي تنظمها جامعات مثل
مختبر المغرب ومختبر السرد بمحافظة الإسماعيلية بمصر.
لقد استطاع المختبر الذى يشرف عليه الناقد
والأديب منير عتيبة بالفعل أن يشغل فراغا كان موجودا، حيث لاقى إقبالا كبيرا من
أدباء مصر وليس الإسكندرية فقط، واستطاع تحقيق العديد من أهدافه خلال فترة قياسية،
واستطاع أن يساعد فى تنظيم
ودعم حركة نقدية فاعلة مرتكزة على الحركة الإبداعية، بحيث يخرج التيار السردي
الإبداعي نقاده من بين أعضائه، وأن يمد جسور المعرفة بين التيار الإبداعي النقدي
السكندري وبين المبدعين والنقاد في جميع أنحاء مصر، والوطن العربي، وكذلك التواصل
مع أحدث الإبداعات العالمية في مجال السرد، من أجل صنع تيار سردي
سكندري لا ينفى خصوصية المبدع الفرد.
وفي يوم
الثلاثاء 29 ديسمبر2009، تم عقد أول لقاء لمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية، وكان
هذا اللقاء هو النموذج الذي استمر مع المختبر بعد ذلك.
لم يكن عقد
لقاءات مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية وليد صدفة أو عمل من أعمال العشوائية، بل
كان نتيجة لعوامل كثيرة فى الحياة الثقافية السكندرية، عوامل تخص المثقفين
السكندريين، وأخرى تخص المكتبة، وثالثة تخص الحركة الثقافية السكندرية ذاتها.
وكان الدكتور
خالد عزب، رئيس قطاع المشروعات بالمكتبة يبحث دائما عن صيغ إيجابية وجدية لتفعيل
تلاقى مثقفى الإسكندرية والمجتمع المدنى السكندرى مع مكتبتهم، ولذلك لاقى مقترحي
بإنشاء مختبر السرديات ترحيبا كبيرا منه، حيث وجد د. عزب أن هذا المختبر سيكون
نموذجا مهما للتفاعل بين المكتبة والمثقف السكندري، وجاء اختيار الأديب والناقد
منير عتيبة ليشرف على هذا المختبر لمكانته الأدبية المتميزة ولعلاقاته الطيبة مع
جميع الوسط الأدبي والثقافي في مصر والعالم العربي.
واستطاع المختبر أن يقدم للوسط الأدبى
العديد من المواهب الجديدة في القصة والرواية والنقد التي تبناها من خلال قراءتها
القصصية والنقدية، واستغل المختبر التقنيات الحديثة بجدارة، من خلال استضافة نقاد
وأدباء من عدة دول عربية ليس فقط بحضورهم الشخصي في المختبر مثلما حدث مع عدد كبير
منهم، ولكن أيضا من خلال التفاعل عن طريق شبكة الإنترنت، فقد قدم قراءات قصصية
لأدباء من الوطن العربي، كما جعل بعض النقاد والأدباء العرب يقدمون قراءات نقدية
لقصص الأدباء المصريين، وهو بذلك قدم التواصل المطلوب والمفقود بين الجانبين.
إن المختبر حاول وما زال أن يلعب دورا
فى تقليل الفجوة بين مثقفى مصر ودول العالم العربي، من خلال التواصل بين أدباء مصر
والدول العربية بل والعالم، حيث استضاف من الدول العربية عشرات من الأدباء منهم
على سبيل المثال وليس الحصر: الأديب الجزائري الكبير واسينى الأعرج، العربى بن
جلون من المغرب، طارق الطيب من السودان، عبد الإله عبد القادر من العراق، صلاح
الدين بوجاه من تونس ،ومن أوروبا الأديب السلوفينى إيفالد فليسار، وغيرهم كثير، وقدم
المختبر ملفات أدبية عن هؤلاء الأدباء لتعريف الأدباء المصريين بهم والعكس.
ولم ينس المختبر تقديم ملفات عن عدد من
أدباء الإسكندرية الكبار منهم: مصطفى نصر، سعيد سالم، أحمد حميدة، والذى فاز الملف
النقدى الخاص به بجائزة مؤتمر الدكتور العشماوى بكلية الآداب جامعة الإسكندرية،
وغيرهم.
كما قام المختبر بإثارة العديد من
النقاشات الثقافية والأدبية من خلال الندوات التي تفتح نقاشات أدبية عامة وتثير
كثيرا من القضايا على الساحة الثقافية، واستغل شبكة الإنترنت فى عمل قراءات نقدية
لقصص من نقاد عرب لأدباء من الإسكندرية، مثلما حدث عندما قامت الكاتبة والناقدة
التونسية نجوى الرياحي بتقديم قراءات نقدية لمبدعين من الإسكندرية، وأيضا مع
الكاتب والناقد الأردني مفلح العدوان، وغيرهم.
وللمختبر موقع على الفيس بوك https://www.facebook.com/NarrativeReview/?ref=bookmarksيعرض كل ما يتم بالمختبر من فعاليات
وقراءات قصصية ونقدية ليؤكد على أهمية التواصل والتفاعل بكل السبل الممكنة وأهمها
شبكة الإنترنت.
قدم المختبر أيضا نقادا شبابا جدد بعد
أن كان هناك فقرا في الحياة الأدبية المصرية فى النقاد الشباب، ولم يتعامل مع
جمهورية مصر العربية على أنها القاهرة، ولم يتحيز للإسكندرية المكان الذي نشأ فيه
وينطلق منه، فقد بعد عن المركزية واستضاف أدباء من كل محافظات مصر دون استثناء.
وليس غريبا أن يخرج هذا المختبر بكل
هذا الفكر من مؤسسة ثقافية تعد الأهم دون نزاع في المؤسسات الثقافية العالمية هى
مكتبة الإسكندرية ليكون بالفعل شعاع ضوء يعطي الأمل في إرجاع الدور الثقافي المصري
على المستوى المحلي والعربي.
لقد تمتع المختبر بحرية تامة دون أى
قيود أو ضوابط، ليس هناك سقف للحرية، مما جعله مركزا رائعا فى الفكر والثقافة
وأصبح المثقفون يرتادونه من كل مكان ويسعدون لحضور لقاءاته، وهو نموذج أتمنى أن
يتكرر مع كل المؤسسات الثقافية الأخرى وما أكثرها.
وتصدى المختبر
للعديد من المشاريع الثقافية مثل مناقشة العوالم القصصية لمبدعي الإسكندرية في الأجيال
المختلفة، وكذلك مشروع الحركة النقدية السكندرية فى النصف الثانى من القرن العشرين،
فاستضاف كتابا ونقادا كبارا من دول عربية مختلفة، ومن جميع محافظات مصر ومن
الأجيال المختلفة، وأقام عددا من المؤتمرات مثل مؤتمر محمد حافظ رجب رائد التجديد
فى القصة العربية ومؤتمر الإسكندرية للسرديات، كما نظم المختبر عددا من المسابقات
فى القصة والنقد والقصة القصيرة جدا.
وقد اكتشف
المؤتمر عددا من الأصوات الأدبية الواعدة وألقى الضوء عليها وساعدها في نشر
أعمالها الأولى، كما أصبح للمختبر نقاده الذين بدأوا حياتهم النقدية مع المختبر.
ونظم المختبر
كذلك عددا من المسابقات العربية فى القصة والرواية والقصة القصيرة جدا، والتى أدت
إلى اكتشاف كتاب جدد وإعطاء فرص حقيقية لهم، وأدت كذلك إلى إشراك شباب وكبار فى
لجان تحكيم هذه المسابقات مما زاد الخبرة المكتسبة لدى الجميع، إضافة إلى عدد من
ورش الكتابة شارك فيها أدباء ونقاد من مصر وبعض الدول العربية.
إضافة إلى
توزيع جوائز مسابقة حورس الإسكندرية التى نظمها المختبر بالتعاون مع مختبر
السرديات بالمغرب ووحدة السرد بجامعة الملك سعود ومؤسسة حورس الدولية للنشر، والتى
شارك فيها مبدعون من ست دول عربية وفاز بها مبدعون من أربع دول. وكذلك مؤتمر مصر
المبدعة الذي يقام سنويا بالتعاون مع لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة والتي
يرأسها الأديب الكبير يوسف القعيد، والمشاركة فى احتفال مختبر السرديات العمانى
بعامه الأول، وتوقيع بروتوكولات تعاون مع مختبر السرديات المغربي ومختبر السرديات
العماني، والدعوة إلى إنشاء مختبرات سرديات عربية أخرى أنشئ منها بالفعل مختبر بسلطنة
عمان وآخر باليمن، وثالث بالأردن.
ووسع المختبر
نشاطه بعقد لقاء شهري في بيت السناري بالقاهرة التابع لمكتبة الإسكندرية، سمته الأساسية
تلاقي المبدعين من الأجيال المختلفة بالمبدعين الشباب، وهو ما زاد من التعارف
والتقارب بين الأجيال المختلفة.
لن يتوقف نشاط
المختبر عند ندواته، ولن يتوقف التوثيق عند هذا المقال، ففي الطريق أفكار أخرى
كثيرة، ندوات ومؤتمرات ومسابقات وكتب وورش عمل وتعاون مع جهات مختلفة من داخل مصر
وخارجها، بما يؤدي في النهاية إلى تقديم فعالية ثقافية مبدعة وقادرة على التحاور
مع العصر كعهدنا بالمكتبة التي تقدم دائما فعاليات مبدعة ومؤثرة وخادمة للثقافة
والمجتمع المحلي والعالمي.