أعضاء داعش العائدون.. قنابل حارقة على بلادهم
بقلم – محمود الحضرى
فى ظل انشغال المجتمع ووسائل الإعلام والفضائيات بالحملة على الأزهر وشيخه، وتحميله مسئولية نشر الإرهاب فى أرجاء العالم، ومع دخول من هب ودب فى حملة الهجوم، وصل الأمر إلى حد الاتهام بأن الأزهر هو من يحمل الفكر الداعشي، فى ظل كل هذا صدر تقرير مهم نشرته «واشنطن تايمز» حول مخاطر مقاتلى داعش مع هزيمتهم فى العراق وسوريا، والتداعيات المحتملة على دول العالم، ومنها بالطبع العالم العربى والإسلامى وفى القلب مصر بالطبع.
كالعادة، لم يهتم أحد بالتقرير وما جاء فيه، وحاولت أن أبحث عن أية معلومات عنه ومعالجة ما جاء فيه بالمطبوعات العربية، لم أجد سطراً واحداً يتحدث عنه والأرقام المخيفة التى يحتويها، لأن الجميع مشغول بالحملة على الأزهر، والرد على الجدل بشأن ما قيل أنه فيديو حول تصفية عناصر إرهابية فى سيناء.
«واشنطن تايمز» ركزت فى تقريرها على مستقبل المقاتلين «الإرهابيين» من تنظيم داعش بعد محاصرتهم وهزيمتهم فى العراق وسوريا، وتحولهم إلى بؤر نوعية إرهابية فى بلادهم، لافتة إلى أن الحصار الشديد لتنظيم داعش فى كل الرقة السورية والموصل العراقية، سيليه حالة من القلق والتطورات التى ستواجه دول عديدة حول العالم، على أثر عودة مقاتلى التنظيم «الإرهابي» إلى أوطانهم الأصلية، وهو ما يجسده دعوة التنظيم أعضاءه إلى الاستعداد لعمليات نوعية فى مناطق عديدة حول العالم، ويمكن أن نقول هنا، هذا هو الذى تم ترجمته فى عدة عمليات جرت فى بعض دول العالم، وهو ما ظهر جليا فى حوادث مصر فى أسبوع الآلام بكنيستى طنطا والإسكندرية، ومناطق أخرى مثل باريس قبل أيام.
المعلومات خطيرة ومقلقة، وهو ما يتطلب تعاونا دوليا واسعا وشاملا، خصوصاً أن المعلومات تشير إلى أن عددا كبيرا من عناصر داعش فروا إلى ١٢٠ دولة حول العالم، وهو ما يمثل خطراً واسعاً على أمن واستقرار العالم، وذلك بعد مقتل نحو ٦٠ ألف داعشى فى العمليات العسكرية التى جرت فى مناطق عديدة ضد التنظيم خصوصا فى سوريا والعراق وسيناء، إلا أن فلول التنظيم فى المناطق التى عادوا إليها تمثل قنابل حارقة كامنة فى مثل تلك المناطق.
ما نشرته «واشنطن تايمز» ترجع أهميته أنه استتند إلى ما جاء فى تقرير مهم تحت عنوان « Foreign Fighters» «مقاتلون أجانب» والذى أعدته «The Soufan Group» «مجموعة صوفان» حول تدفق المقاتلين إلى العراق وسوريا والانضمام إلى تنظيم داعش، والذى كشف عن حجم كبير من الذين انضموا إلى هذا التنظيم، وأصبحوا قنابل حارقة تنفجر فى أى لحظة، بل أصبحوا نواة لتشكيل مجموعات إرهابية ينفذ أعضاؤها كل أوامر وأفكار التنظيم.
المعلومات خطيرة جداً وبحاجة إلى وقفة لمواجهتها، ومن الواجب على مختلف الدول التى شاركت فى مؤتمر مكافحة الإرهاب فى ٢٢ مارس الماضى بواشنطن تفعيل مقررات المؤتمر، والخاصة بتبادل المعلومات حول عناصر التنظيم ومنع قنوات تمويله، ومواجهة موجات التجنيد الجديدة، ومواجهة التطرف، وتعزيز الجهود الرامية إلى القضاء على التنظيم وتجفيف كل قنواته، والتعاون فى أية هجمات محتملة، وتعزيز مواجهة داعش عبر الإنترنت، والتعاون بشكل أكبر فى مواجهة القضاء على داعش ومختلف تهديداته.
تؤكد معلومات التقرير أن أعضاء التنظيم الإرهابى الهاربين من سوريا والعراق يمثلون بالفعل قنابل حارقة فى ١٢٠ دولة حول العالم، والخطر يهدد الجميع، ولن يفرق بين أحد، خصوصا أن هناك قنوات اتصال قوية بين أعضاء التنظيم ومقاتليه العائدين من الموصل والرقة ومناطق أخرى حول العالم، وتغيير ولاءاتهم من المستحيلات، خصوصا بعد الفشل فى حماية وهمّ حلم الخلافة الذين حاربوا من أجله.
وتزداد التوقعات بموجات عودة لأعداد أكبر من المقاتلين الأجانب فى تنظيم داعش إلى بلدانهم خلال الفترة المقبلة، وتتسع هذه التوقعات مع اقتراب دخول القوات السورية لمعاقل التنظيم فى أهم معاقله بالرقة، وبدعم دولى وأمريكي، وكذلك عمليات التطهير لمعاقل التنظيم فى الموصل العراقية، وهو ما يطرح تحديات أكبر على دول العالم لتعاون أوسع نطاقاً، وفتح قنوات تواصل لتجفيف منابع التمويل والتجنيد لداعش وفروعه، ومواجهة الأخطار المتوقعة قبل وقوعها.
ولاشك أن نشر الرعب فى العالم قد يكون أهم المخاطر من مقاتلى داعش العائدين إلى بلادهم، وهو ما يراه كل المعنيين، فى بلدان العالم، خصوصاً أن هؤلاء عادوا ويعودون بفكر متطرف، وشخوص جديدة كلياً، وعلى استعداد لتنفيذ عمليات جديدة، بعد انتفاء حلم حماية ما يُسمى بالدولة الإسلامية فى العراق والشام، وحتى حلم ولاية سيناء، ومن المهم أن يقتنع الغرب الأوربى بالذات أن هناك ٥ آلاف مقاتل من بلدانهم قد تدفقوا على التنظيم فى الحرب الطويلة فى العراق وسوريا، وبدأت موجة عودتهم لبلدانهم، ليضيفوا قنابل حارقة جديدة للقنابل القائمة فى هذه الدول.
وما يهم منطقتنا فى هذا التقرير والذى بحاجة إلى تعاون إقليمى أوسع، ومواجهة الإرهاب الحقيقي، ما تم رصده من معلومات حول الموجات المتوقعة من عودة نحو ستة آلاف داعشى إلى تونس، و٢٥٠٠ مقاتل إرهابى داعشى إلى المملكة العربية السعودية، وألفى عنصر آخر إلى الأردن، و١٢٠٠ مقاتل إرهابى من أعضاء داعش إلى المغرب، و٩٠٠ إلى لبنان، ونحو ٦٠٠ عنصر خطير إلى ليبيا، ونحو ٤٠٠ إرهابى داعشى إلى مصر، و٢٠٠ إلى الجزائر، بخلاف ١٢٠ عنصراً إرهابيا إلى فلسطين، و٧٠ إلى الكويت و١٥ إلى البحرين، بخلاف ٢١٠٠ إلى تركيا، و٢٤٠٠ إلى روسيا.
معلومات تقرير «مجموعة صوفان» خطيرة، حيث تشير إلى أنه الفترة من يوليو ٢٠١٤ وحتى ديسمبر ٢٠١٥ كانت أعلى فترة فى تدفق المقاتلين إلى سوريا والعراق للانضمام لصفوف داعش، حيث تصل التقديرات أن هذه الفترة وفى غضون ١٨ شهراً، ورغم مختلف الجهود الدولية، فقد وصل من سافر إلى داعش ما بين ٢٧ ألف إلى ٣١ ألف مقاتل أجنبى من ٨٦ دولة، بخلاف مجموعات متطرفة وعنيفة، فيما سبق هذا التاريخ وحتى يونيو ٢٠١٤ انضم للتنظيم ١٢ ألف مقاتل أجنبيى من ٨١ دولة.
وتوضح أرقام التقرير أن التدفقات الرئيسية جاءت من الشرق الأوسط بنحو ٨٢٤٠ مقاتلاَ، والمغرب العربى ٨ آلاف، ووسط أوربا ٥ آلاف، والجمهوريات السوفيتية المستقلة ٤٧٠٠ عنصر، وجنوب شرق آسيا ٩٠٠ داعشيا، ومن البلقان ٨٧٥ عنصراً، وأمريكا ٢٨٠ مقاتلاً.
هذا ما رصده التقرير ، وإن كانت معلوماته تبقى تقديرات، فربما الواقع أخطر وأكبر، الأمر الذى يستحق وجود قوة تحت شعار «عالم واحد فى مواجهة عدو واحد»، وهو عدو آت بقنابل بشرية حارقة، حتى وإن كان من أجل وهم ليس له أساس على أرض الواقع.