رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


لا بد أنها ستمطر

23-10-2020 | 10:35


ليس لديك الكثير لتفعله .. أنت مقعدٌ في هذا العالم .. ثم نظرَ إلى عابد الذي يجلس على كرسي متحرك في المقدمة، وتابع:

-  تمامًا مثل عابد .. هل تعتقد أنكما تختلفان كثيرًا عن بعضكما البعض لمجرد أنك تملك ساقين؟ .. السر هنا ..

اقترب من مقعده  وطرق على رأسه طرقتين:

 - هنا داخل هذه الكرة .. يجب أن تكون مليئة بالمعادلات والأفكار لتكون ذات فائدة، لكن .. أتسمع ..؟

طرق على رأسه من جديد:

-  تستطيع أن تسمع صدى الصوت .. إنها فارغة ..

ضحك الطلبة جميعًا إلا رأفت وعابد، لم يكن الأمر مضحكًا بالنسبة لهما وخاصة لرأفت، إنه بمثابة نَيلٍ مستمر منه في حلبة المصارعة، كان يكره الأستاذ نبيل ومن يلومه؟ .. فالأستاذ نبيل هو النسخة الجديدة لولد اسمه طارق عرفه في الحي قديمًا قبل أن يرحل ويرتاح منه، إذ كان رأفت ينظر إلى السماء الملبدة بالغيوم السوداء ثم يسمع صوت الرعد ويرى البرق فيخرج راكضًا حافيًا نحو أقرانه من أولاد الحي وهو يصرخ: "ستمطر ... ستمطر"، فيطل طارق برأسه الكبير ويقول بلامبالاة: " لا .. لن تمطر"، فيفشل رأفت باستبقاء الأولاد لرؤية المطر بعد أن يضيق صبرهم.

كان يقف غاضبًا وهو ينظر  للسماء ويفكر: "لماذا اخترتِ طارق؟؟".

 

ما أن رحل طارق حتى بدأ كابوس الأستاذ نبيل يلاحقه، كان مُدرسًا تقليديًا مملًا حاقدًا دون مبرر، وعليك كم عليك أن تحذر من هؤلاء، فقد وجد في شقاوة رأفت مادة دسمة ليفرغ خيباته وانكسارات حياته، كان رأفت هو كيس الملاكمة بالنسبة إليه  .. وكم كان يحظى بالتصفيق والمتفرجين.

"حسنًا، سيتوقف الأمر هنا" قرر رأفت، اكتشف أنه لم يكن جديًا حيال أي شيء في يوم من الأيام، إلا أن ما فعله الأستاذ نبيل به كان أشبه بإيقاظ الوحش من نومه، إنها الطريقة الوحيدة ليرد له اللكمات.

استغربت عائلته من انكبابه المفاجئ على الدراسة، بالطبع كان يريد لوالدته أن تفرح ولوالده أن يفخر به، لكنه كان يريد للأستاذ نبيل أن يكون مخطئًا بقدر أكبر، شعر أن أكثر ما أغضبه هو تصرف الأستاذ نبيل  بشكل دائم بأنه يعرف ماذا سيحدث في الخمسين سنة المقبلة من حياته...

" لن تمطر .."!

أجل، تمامًا مثل طارق .. كم كانت تغيظه تلك النوعية من الأشخاص .. تمتص طاقته .. تسحق الشيء السري الذي وهبه الله للجميع بالتساوي .. " الدهشة"!.

حين صدرت النتائج كان رأفت على قائمة الناجحين، سَعد وفرح بتهنئة من حوله، إلا أن الانتصار لم يأتِ بعد.. ما أن دقت أجراس العام الدراسي الجديد حتى استيقظ  أنشط من أي يوم خلال الإثني عشر عاما في مسيرته التعليمية، ضحكت أمه وهو يغسل وجهه وقالت:

-  رأفت .. أنسيت؟ أنت تنتظر نتائج قبولات الجامعة يا بني ..

- أجل .. صحيح ... صحيح ...

أجاب مُبتسمًا وأكمل ارتداء ملابسه على عجل، بينما تبادل والداه نظرات التعجب وهما يحتسيان القهوة في الشرفة ذاك الصباح، لبس حذاءه وقال:

-  سأعود سريعًا .. لا تقلقا ...

وصل المدرسة. تسلل إلى غرفة المعلمين فلم يجد الأستاذ نبيل فاتجه إلى الجدول الدراسي المعلق على الحائط والتقط اسمه، توجه إلى الغرفة الصفية، وطرق الباب .. أتى الصوت الصارم الذي لا بد أنه الآن يختار فريسته الجديدة من هذه الدفعة قائلًا:

 - ادخل ...

أدار رأفت مقبض الباب وتوجه بخطى ثابتة نحو الأستاذ، أخرج ورقة العلامات من جيبه ووضعها على الطاولة  وقال بلهجة أكثر حدة وصرامة:

- أنت لا تعلم شيئًا عني ... لا تعلم

بينما كان الأستاذ يتفقد الورقة بنقمة وانبهار، نظر رأفت للطلبة الجالسين في مقاعدهم وقال:

- لا تصدقوه .. صدقوا أنفسكم ..

وغادر ..

شعر بالقوة والامتلاء، رفع رأسه نحو السماء وفكر:

- لا بد أنها ستمطر اليوم .. لا بد ..