رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ما بعد النسوية ما قبل الميلاد

23-10-2020 | 11:25


أحمد الزغبي,

اعتبر الفاتيكان - رسميا فى عام ٢٠١٦- "مريم المجدلية" بمنزلة الرسل والقديسين، ووفقاً لرغبة البابا "فرنسيس" بابا الفاتيكان، أصدر مجمع العبادة الإلهية مرسومًاً، لتحويل تذكار القديسة "مريم المجدلية" إلى يوم عيد، ويوضح أمين سر المجمع ورئيس الأساقفة "آرثر روش" أن هذا القرار " جزء من السياق الكنسى الحالى الذى يدعو إلى التأمل بعمق أكثر بكرامة المرأة، والأنجلة الجديدة، وعظمة سر الرحمة الإلهية"، كانت مريم المجدلية - حسب الإنجيل المسيحي - حاضرة على موت ودفن المسيح، اعتبرت الشاهدة الأولى على قيام المسيح، بينما ادعى البابا "جريجورى الأول" - فى عام ٥٩١- أن "مريم المجدلية" كانت عاهرة، حتى صار معتقدا لا يزال سائدا حتى يومنا هذا، وفورا تم إنتاج فيلم سينمائى عام ٢٠١٨، للمخرج "جارث ديفيز"، لتوثيق السيرة الذاتية لكاهنة الحب "مريم المجدلية"، وذلك من زاوية كتابة نسوية، تأليف كل من "هيلين إدموندسون"، و "فليبا جوزليت"، جعلتا من "مريم" المحرك الأساسي، صانعة الحكمة، الملهمة لفريق المسيح وحوارييه فى التبشير، حتى وثق أنها التي أعادت إحياء دعوة المسيح، وتفسير جوهر الوعد بـ "جنة الرب".

هذه المقدمة لاستدعاء فكرة "كاهنات الحب"، الحديثة على الغرب، القديمة فى الشرق - فى عنفوان نظريات النسوية وما بعدها - الكاهنات اللائى يتعبدن بفن المرأة، واللائى يعلمن - حرفيا- الحكمة والتنوير، ويصنعن المصير، بالتأمل فى نصوص "ملحمة جلجامش"، ورواية "الطريق"، نجد من كاهنات الحب، بل وآلهة الحب ما يمكن مطابقته بين الرواية الحديثة، والملحمة التى ترجع أصولها إلى خمسة آلاف عام، فى بلاد الرافدين، واخترت من النصين ثلاث شخصيات، يتحكمن فى صناعة مصير بطل النص الأدبى الباحث عن الخلاص، ويعتبر بعض النقاد والمحللين "ملحمة جلجامش" كأفضل ما أنتج من أدب العصر القديم، بل أول وأهم ما أنتج من أدب فى تاريخ البشرية، بالتأمل فى المضامين الفكرية التى تحملها، والأسلوب الأدبى الفريد الذى حمل قضايا، وهمومًا إنسانية وجودية، في رحلة البحث عن الخلاص.





الطريق بين "صابر" و"جلجامش"


بدأ الميلاد الحقيقى لـ "صابر" من الموت، كما بدأ الميلاد الحقيقى لـ "جلجامش" من الموت، دفعهما الموت للبحث عن الخلاص، كلا فى طريقه، راح "صابر" يبحث عنه عند والده "سيد سيد الرحيمي"، وراح "جلجامش" يبحث عنه عند جده "أوتنابشتم"، صنعت الأم - البقرة الوحشية - "نينسون" شخصية "جلجامش" البطل المغرور، ثلثاه إله، والثلث بشر، بينما صنعت "بسيمة عمران" البطل المغرور "صابر"، فى الطريق يلتقى صابر إلهة الحب والجمال "عشتار" على صورة "كريمة"، بينما يراها "جلجامش" على هيئتها، تظهر كاهنة الحب والحكمة "إلهام - شمخات"، تصنع آلهات وكاهنات الحب مصائر الرجال، ويشكلن وجدانه، ويرسمن الطريق، عبدت الأنثى فى معابد قديمة، لا يقربها إلا النساء، كاهنات يتعبدن بالجنس، الحب والحكمة، لا يسيطر عليهن ذكر، بل هن المسيطرات.

تعد ملحمة جلجامش أول عمل أدبى فى التاريخ، تم اكتشافه حتى الآن، تحفة سومريّة شعريّة مكتوبة بالخط المسماري، على اثني عشر لوحًا طينيًا اكتشفت لأول مرة - بالصدفة- عام ١٨٥٣ م فى موقع أثرى جنوب العراق، وتبدأ الملحمة بالحديث عن الملك "جلجامش"، ملك "أورك - الوركاء" وكانت والدته إلها خالدا، ووالده بشرا فانيا، ولهذا قيل إن ثلثيه إله وثلثه بشر، وبسبب الجزء الفانى منه يبدأ بإدراك حقيقة أنه لن يكون خالدا، وحين يشاهد موت أقرب الأشخاص لديه، ينطلق فى رحلة للبحث عن الخلاص، كذلك ينطلق صابر بعد موت أمه للبحث عن الخلاص، فى الطريق ما بين "جلجامش" و "صابر"، وقفت المرأة تغزل مصائرهما، باستخدام فنونها التى تكونت منها الحياة، تارة تستخدم أمومتها الأسطورية فى صنع الرجال، وتارة أخرى تستخدم الحب والحكمة، وأخيرا تستخدم الجنس، وهكذا، بين إلهام "إلهام" و"شمخات"، وبين رحم "بسيمة" و"نينسون"، وبين تآمر "كريمة" و"عشتار" تدور العاصفة بـ "صابر" و"جلجامش"، من بداية الرحلة وحتى النهاية، لا يصل أيهما إلى ما يريد ولو اقترب، لكن الرحلة تنتهى بهما على قدر الحكمة التى نهلاها، وتعلماها من آلهة وكاهنات الحب.

التناص بين شخصيات الملحمة والرواية

١- صناعة الرجال بين "بسيمة" و"نينسون"

تصف الملحمة "جلجامش" فى اللوح الأول بأنه "ابن البقرة المهيبة "نينسون" "نينسون" الحكيمة المحنكة في كل الأمور، وفى أحد الألواح يصفها صديقه "إنكيدو" فيقول "كمخلوق فريد، أمك، سيدة المدن الحصينة، البقرة الوحشية، الربة "نينسون"، حيث "نينسون" الملكة العظيمة، "نينسون" الحكيمة العليمة، تسدد خطانا بنصحها"، وهكذا كانت صورة الأم "نينسون"، كانت إلهة بينهم، يدعونها لتقربهم إلى آلهات أخريات، وحين يريد الرجل الحصول على الفضل الأعظم كانت تقوم بتعميده، فتقول الملحمة فى أحد السطور حين تعميد "إنكيدو" "دعت "إنكيدو" وأعطته وصاياها: أى "إنكيدو" القوي، لست من نسلي، ولكنى اليوم قد تبنيتك، فصرت منى كفتية "جلجامش المنذورين، ككاهنات المعبد ونساء الطقس والمكرسين"، ولم تختلف صورة "نينسون" الأم التى تحيط بكل الأمور، وتبارك الرحلة إلى المجهول فتقول فى أحد السطور "لماذا وهبت ابنى قلباً مضطرباً؟، واليوم قد حفزته ليمضي، فى رحلة طويلة إلى موطن "خمبابا" المارد، ليدخل معركة لا يعرف نتائجها، ويقطع طريقاً هو به جاهل"، بنفس الصورة بدأت رحلة "صابر"، فقد أوحت إليه الأم "بسيمة" الطريق، وباركت رحلته إلى المجهول، وقبل كل شيء صنعت منه "صابر" الذى يطابق "جلجامش" فى صفات الغرور والقوة والتهور، وكما بدأت رحلة "صابر" من الموت عند "نجيب محفوظ"، كذلك بدأت الرحلة الأهم عند "جلجامش" من الموت، "بسيمة" كان تقرر كل شيء برغبتها المستقلة، لم تهرب من والد "صابر" بعد مأساة، بل كانت سيدة قرارها، وكأنها قديسة لإلهة الحب التى تتعبد عندها الكاهنات، ومن الطريف حين نتأمل اللغة السينمائية فى فيلم "الطريق" إنتاج سنة ١٩٦٤، للمخرج "حسام الدين المصطفي"، وهو مقتبس عن الرواية، نلاحظ صورة "بسيمة - تحية كاريوكا" كأنها إلهة فى معبد الحب، أو كبيرة الكاهنات، تماما كمعابد "عشتار" فى حضارات سومر، وبابل، وأشور.

٢- كاهنات الحب والحكمة من "شمخات" إلى "إلهام"

"اغرورقت عيناه، رغم ضبطه لمشاعره، وكراهيته أن يبكى أمام هؤلاء الرجال، اغرورقت عيناه، وببصر ماعن النظر إلى الجثمان وهو يحمل من النعش إلى فوهة القبر، بدا فى كفنه نحيلا كأن لا وزن له، وتوارى عن ناظريه تماما فلم يعد يرى إلا الظلمة" . من رواية الطريق. أما البداية المقابلة لـ "جلجامش" كانت بعد موت صديقه الوحيد "إنكيدو" الذى رثاه بأبيات طويلة من الشعر الملحمي، والجدير بالذكر التطهير والتنوير المتراكم الذى يتعرض له البطل، بعكس "صابر" الذى يتخذ طريق السقوط، نلاحظ مثلا أبياتًا من "جلجامش" لصديقه "إنكيدو" تقول عن كاهنة الحب "لماذا يا إنكيدو تلعن المرأة، كاهنة الحب، من علمتك أكل الخبز، طعام الآلهة، وشرب الخمر، شراب الملوك، من كستك ثياباً فاخرة، وأعطتك جلجامش الرائع، رفيقاً، فهو الآن صديقك الأثير، جعلك تستريح إلى أريكة عظيمة، جعلك تستريح إلى أريكة الشرف، وأجلسك مجلس راحة إلى يساره، حيث يقبل أمراء الأرض قدميك، "وغداً" سيجعل أهل أوروك يندبونك وينوحون، ويملأ قلوب السعداء حزناً عليك، وهو نفسه، من بعدك، سيطلق شعره، ويكسو جسمه بجلد الأسد هائماً فى البراري، فلما سمع إنكيدو كلمات شمش القدير، هدأت ثائرته وسكن فؤاده الغاضب، - أسطر تالفة - ويبدو أن إنكيدو قد اقتنع بخطاب شمش فحول لعناته السابقة إلى بركات".

حين نعزل شخصية صابر وإلهام عن النص، وبقليل من التحليل نلاحظ أننا أمام الفتاة الجميلة معلمة الحكمة والحب، مستقلة، تستطيع التفكير فى حل للمشكلات باستخدام فن المرأة، تواجه الحياة بمفردها بنجاح وبساطة، تخلصت من النظام الأبوي، ولا تعول عليه، تحاول تلقين "صابر" الحكمة، للنجاة من المجهول الذى يبحث عنه، والذى يظن أنه يحمل الخلاص، أما صورة "صابر" فهو الإنسان البدائي، غبر مكتمل الإنسانية، والتفكير الفلسفى الحكيم، نفس الحالة نجدها فى ملحمة "جلجامش" مع اختلاف الشخصيات، فنجد كاهنة الحب "شمخات" التى طلب منها أن تعلم "إنكيدو" - البدائى الهمجي- فن المرأة، وبالفعل نجحت فى تحويل ذلك الكائن إلى إنسان، بعد أن وصفته الملحمة أنه خلق كنصف بشري، ونصف حيوان، صار الآن بعد تعلم الحب إنسانا حكيما، تعلم عادات الناس، وخرج من عباءة الوحشية والبرية، إلى عالم الإنسان المتحضر، وصار يأكل كما تأكل الناس ويشرب كما يشربون، صار لديه حياة يخاف عليها، بعد أن كان لا يدرى من هو وماذا يصنع، وتتجلى روعة الحكمة فى باقى الملحمة من هذا التحول، الذى جعل من هذا الكائن صنيعة "شمخات" حكيم ومتنور، يعمل الملك "جلجامش" نفسه بتأويل الأمور، وكأنه بطل الملحمة لم يصل لكم التنوير الذى وصل إليه صديقه حتى الآن، وإذا افترضنا أن "إلهام" ربما فشلت فى صنع مصير "صابر" أو تعليمه الحكمة كما فعلت "شمخات" مع "إنكيدو"، لكنها حاولت الفوز بذلك الإنسان البدائى التائه، فى ظل منافسة شرسة مع "عشتار - كريمة"، التى تمثل إلهة أكثر قوة وبأسًا.

٣- الجنس والحب عند "كريمة" و"عشتار"

يبدأ النص الأصلى لـ "ملحمة جلجامش" بوصف مدينة "أوروك"، وأسوارها المذهلة، الداخلية والخارجية، ومعبد "عشتار" وكأنه يصف لنا أسوار بوابة "عشتار" فى متحف ألمانيا، ويصف التبجيل لـ إلهة الجنس والحب والجمال والتضحية فى الحرب، كذلك حين الظهور الأول لـ "كريمة" فى رواية "نجيب محفوظ"، نستمع إلى صوت الشحاذ فى الخلفية يقول "طه زينة مديحي، صاحب الوجه المليحي، النصارى واليهود، أسلموا على يديه"، ثم يزيد فى الوصف سطورا أخرى "السمرة الرائقة النقية، والعينان اللوزيتان الدعجاوان، وبريقهما المضيء المفعم بالنبض والاقتحام"، وكأنه يصف "عشتار" كما وصفتها مئات الألواح القديمة، يقرر "صابر" التعبد فى معبد "كريمة" وانتظار عطفها عليه، وتقبل الدعاء، لكنه لم يستمع إلى تحذيرات أخيه القديم "جلجامش".

تقول الملحمة إنه حين أعجبت عشتار بقوة "جلجامش" عرضت عليه نفسها قائلة "تعال يا جلجامش وكن عريسي، هبنى ثمارك هدية، كن زوجاً لى وأنا زوجاً لك، سآمر لك بعربة من لازورد وذهب، عجلاتها من ذهب وقرونها من كهرمان، تشد إليها عفاريت العاصفة بغالاً عظيمة، وملفوفة بشذى الأرز تدخل بيتنا، فإذا دخلت بيتنا، قتلت المنصة قدميك والعتبة، وانحنى لك الملوك والحكام والأمراء، يضعون غلة السهل والحبل أمامك، تقدمه. ستحمل عنزاتك توائم ثلاثة، ونعاجك مثنى، سيبز حمار أثقالك البغال، وخيول عبراتك، تطبق الآفاق شهرة جريها، أما ثيرانك، فلن يكون لها تحت النير نظير".

 يرد "جلجامش" عليها بأبيات شعرية أنيقة وتحدٍ للآلهة تقول الملحمة "فتح جلجامش فمه وقال، مخاطباً عشتار العظيمة: ما عسانى أعطيك لو تزوجتك؟ هل أعطى الزيت لجسدك والكساء؟ هل أعطى الخبز والغذاء؟، طعاماً يليق بألوهيتك، شراباً يليق بجلالك، ما هو نصيبى منك لو تزوجتك؟، ما أنت إلا موقد تخمد ناره" وقت البرد، باب خلفي، لا يحمى من ريح أو عاصفة، قصر يسحق الأبطال من حماته، حفرة يخفى غطاؤها كل غدر، قار يلوث حامله، قربة ماء تبلل حاملها، نعل يزل به منتعله، أى حبيب أخلصت له أبداً؟، وأى راع أفلح يرضيك دواماً؟، تعالي أفضح لك حكايا عشاقك". 

وهكذا لم يقع "جلجامش" فى سجن "عشتار" الذهبي، بل كان عليما بماضيها مع العشاق، وزاد عليها أبياتا ثقالا حين قال "تموز؛ زوجك الشاب، قضيت بالبكاء عاماً إثر عام، أحببت طائر الشقراق المرقش، ثم ضربته فكسرت منه الجناح، وها هو فى الغيضات ينادي: وا جناحي، أحببت الأسد الكامل القوة، ولكنك حفزت له مصائد سبعاً وسبعا، أحببت الحصان السباق فى المعارك، ولكنك قدرت عليه السوط والمهماز، وأن يجرى سبع ساعات مضاعفة، وأن يشرب من ماء عكر، وقدرت على أمه سليلى النواح، أحببت راعى القطيع، الذى ما انفك عن تكريم الفحم من أجلك، فى كل يوم يذبح لك جدياً، ولكنك ضربته فمسخته ذئباً، يلاحقه أبناء جلدته، وتعض كلابه ساقيه"، لكن "صابر" فى المقابل قبل دين "عشتار" ودخل فيه، ورضيت عنه ورضي عنها، واستجابت فصنعت منه قاتلا، هاربا، ينتظر الموت الذى فر منه فى البداية.

النهاية

بدأ التطهير يصيب الجميع، بناء على النظرة "النسوية" لو جاز التعبير هنا، لكن نعود إلى الطريق النهائي للبطلين - صابر وجلجامش - كانت بداية صابر من موت أمه التى حددت له الخلاص، أما "جلجامش" فكانت بدايته من موت صديقه، ينتهى جلجامش الـ "صابر" بالوصول لمن قطع المخاطر للوصول إليه، جده الخالد " أوتنابشتم"، أو "نوح البابلي" الناجى الوحيد من الطوفان، الذى سيعطيه خلاصه، الانتصار على الموت وتحقيق الخلود، لكن التطهير الأخير يصيب "جلجامش" فى النهاية الملحمية، حين يدرك أن الخلاص الحقيقى فى الحياة بلا خلود، وليس فى الخلود بلا حياة، ولم تخل الألواح الأخيرة من حكايات الطوفان التوراتية بتفاصيلها، لكن الجدير بالذكر تحليل هذا اللقاء الفلسفي، والحوار الملحمى الذى يجيب عن تلك التساؤلات الوجودية التى لا تزال تؤرق الفلاسفة، أما "صابر" فقد وصل متأخرا، بعد أن اتضح أنه لم يكن جادا فى بحثه، لم يبك من الدموع الأنهار، ولم يجب البحار للبحث عن مراده، كان منشغلاً انشغالا لا يليق بالحائر الحقيقي، الذى لا ينام قبل أن يجد الإجابات، أو يصيبه التطهير، قطع جلجامش المخاطر الكثيرة، والرحلة الطويلة، لا تشغله سوى صورة الموت فى عين صديقه، لم تخلُ نهاية الملحمة من وجود "سيدوري" كاهنة الحب على شاطئ "أوتنابشتم"، التى تصيب البطل بنوع جديد من التطهير، حين تجزع منه ومما أصابه من السفر، فينزل ببطء إلى حقيقة بشريته، ومعنى إنسانيته الحقيقية، حتى يصاب بالحقيقة النهائية عن زوجة جده، وهو الإنسان "جلجامش" المجهد من السفر، وليس الملك "جلجامش" فى قصره المهيب، أما "صابر" فلم يتنازل عن مملكته الوهمية، وحلمه الوهمي، وطريقه الوهمي.

يرتقى أدب حضارات الشرق القديم فى تقديس جوهر الأنثى لتكون من أهم الآلهة، وفهم طبيعة النظام النسوى المستقل، المتجسد فى كاهنات معبد "عشتار"، وصورة الأم مقارنة بصورة الأب، وذلك النظام الأمومى المحكم، الذى اتخذ طريقه لوجدان كتاب الشرق مثل "نجيب محفوظ" فى كثير من أعماله كصورة "الهام" فى الطريق كما ذكرت، إذا قمت بمقارنة القليل الذى عرضته، بالجدل القائم حول صورة "مريم المجدلية" عند الغرب الآن، والنظريات النسوية الحديثة، وما بعد النسوية، لاكتشفت الكثير من التطور فى صورة المرأة عند الشرق القديم، الثورات النسوية فى بدايتها فى الغرب كانت تطالب بحق المرأة لتكون كاهنة مثلا، ومستقلة ماليا، ولا تزال المرأة الغربية تنسب لزوجها فى الغرب، بعكس الشرق، وهكذا سينتصر التراث الأدبى الشرقى القديم أمام التراث الأدبى الغربي، فيما يخص صورة المرأة، التى انتقلت فى شكل عشتار لتكون "أثينا" اليونانية، أو "مريم المجدلية"، هذا الوجدان الفكرى القديم امتد بالضرورة ووجد مسلكا خفيا فى هياكل الأعمال الأدبية على مر العصور، وربما النصوص الدينية، الشرقية والغربية،، لذلك أرى بوضوح التماثل فى البنية الفلسفية للنصين محل الدراسة، والتى ترجع لتماثل ذلك الوجدان القديم الحديث.