رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


نفقة الحضانة

25-4-2017 | 13:00


بقلم: د عباس شومان

مما لاشك فيه أن الحضانة عبء على الحاضن أو الحاضنة لما فيها من العناية بالمحضون والقيام بشئونه مدة الرضاع وما يتبع ذلك من استنفاد الجهد والوقت والمال، ولهذا تحدث الفقهاء عن استحقاق الحاضنة لنفقة خاصة بالحضانة مدة الحضانة، وهم بصفة عامة يقرون للحاضنة ببدل مالى تستحقه مدة الحضانة على تفصيل تبدأ من استحقاق الحاضنة لبدل مالى فى مقابل رعاية الصبي، وما يدخل فى ذلك من القيام بجميع شأنه، والحاضنة: إما أن تكون أما للمحضون، وإما أن تكون غيرها من المحارم له، أو غيرهن من النساء، والفقهاء يتفقون فى الجملة على ثبوت بدل مالى للحاضنة فى مقابل الحضانة على تفصيل فى المستحقة له من النساء، وشرط استحقاقها له، ومقدار المستحق لها:

حيث يرى الحنفية: أن الحاضنة أن كانت أما فى عصمة أبو المحضون أو مطلقته فى عدة الطلاق الرجعي، وكذا البائن فى رواية، أنها لا تستحق أجرة على الحضانة لأنها تكون بمثابة الرشوة، إذ الحضانة واجبة على الزوجة فلا تستحق شيئًا وقت بقاء الزوجية، أو ما فى معناها وهى المعتدة من الطلاق الرجعى اتفاقًا، والبائن فى رواية، فإن كانت أما بعد عدتها من الطلاق رجعيًّا كان أو بائنًا، أو فى العدة من الطلاق البائن على رواية، أو لم تكن أما أصلا، فإنها تستحق أجرة المثل على حضانتها للطفل، وتكون الأجرة فى مال المحضون أن كان له مال، فإن لم يكن له مال ففى مال من يلزمه الإنفاق عليه كالأب، ما لم توجد متبرعة بالحضانة من المحارم، فإن وجدت المتبرعة من المحارم كالعمة، فتخير الأم بين إمساك المحضون بدون أجرة، أو يُدفع الطفل للعمة ليكون فى حضانتها، فإن كانت المتبرعة من غير المحارم فالأم أحق به وإن طلبت أجر المثل.

وما ذهب إليه الحنفية وهو القول بعدم استحقاق الأم أجرة على الحضانة أن كانت فى زوجية أبو المحضون حتى لا تجمع بين النفقة والأجرة، وكذا أن كانت مطلقة فى العدة وسواء أكانت العدة من الطلاق الرجعى أم البائن، لأن العدة من توابع النكاح، فإن كانت غير معتدة أو كانت ليست أما للمحضون فلها أجرة المثل ما لم توجد المتبرعة القريبة المشفقة على المحضون كعمته.

أما بالنسبة للحضانة على بدل الخلع، فمن المعلوم أن المرأة يجوز لها أن تخلع زوجها على بدل تدفعه له، متى كرهت العيش معه ولم يكن بالزوج عيب يمكنها أن تطلب فسخ نكاحها منه، ولم يرض الزوج بطلاقها من غير بدل تدفعه له، والبدل الذى يدفع فى الخلع هو المال المتقوم شرعًا كالذى يدفع فى الصداق والبيوع وغيرها، فإن أرادت المرأة أن تختلع من زوجها على أن تتكفل بحضانة طفلها منه مدة معلومة فى مقابل ذلك بدلا من دفع المال النقدى له، فإن اتفقا على مدة الكفالة وجنس الطعام ومقداره وغير ذلك مما يلزم الطفل فترة حضانته، فلا بأس فى ذلك عند أكثر الفقهاء، لأن بيان مدة الكفالة وجنس الطعام والشراب وغير ذلك ينفى جهالة البدل الذى يدفع للزوج فى مقابل الخلع فيصح الخلع على ذلك، فإن لم يحددا قدر النفقة وجنس الطعام وقدره وما يتعلق بذلك بل اكتفيا بأن تتولى المرأة كفالة الطفل مدة بعينها من غير تفصيل: فيرى جمهور الفقهاء: أن الخلع يجوز على أن يكون بدله كفالة الولد مدة معلومة تكفل فيها الولد وتنفق عليه وسواء أكانت النفقة محددة فى العقد أم لا، ويجب عليها كفالة الولد فى كل ما يحتاج إليه مثله عرفا، والراجح هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من القول بجواز الخلع على أن يكون البدل هو كفالة الطفل مدة معينة سواء حددت قيمة النفقة وجنسها وصفتها أم لم تحدد، لما استدلوا به، ولأنه يصعب أن تحدد قيمة النفقة أثناء الكفالة وذلك ببيان جنس الطعام ونوعه ومقداره لا سيما أن كانت على مدة طويلة، لأن حاجة الطفل تتغير من زمن إلى زمن وقيمة الطعام والشراب كذلك فلا يمكن ضبطها عند الخلع.

أما نفقة المحضون من طعام وشراب وملبس ومسكن ودواء وكل ما يحتاج إليه فى ماله أن كان له مال، فإن لم يكن له مال ففى مال من يلزم بالإنفاق عليه كوالده، ولا يلزم الحاضنة من ذلك شيء، وسواء فى ذلك التى تأخذ أجرا على الحضانة والمتبرعة من باب أولي، قال الكاساني: وأما نفقة الولد فلقولـه: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ}… إلى قوله:{وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} أى رزق الوالدات المرضعات، فإن كان المراد من الوالدات المرضعات المطلقات المنقضيات العدة، ففيها إيجاب نفقة الرضاع على المولود له وهو الأب لأجل الولد كما فى قوله: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}، وإن كان المراد منهن المنكوحات أو المطلقات المعتدات فإنما ذكر النفقة والكسوة فى حال الرضاع، وإن كانت المرأة تستوجب ذلك من غير ولد لأنها تحتاج إلى فضل إطعام وفضل كسوة لمكان الإرضاع إلا ترى أنها تفطر لأجل الرضاع إذا كانت صائمة لزيادة حاجتها إلى الطعام بسبب الولد، ولأن الإنفاق عند الحاجة من باب إحياء المنفق عليه والولد جزء الوالد وإحياء نفسه واجب كذا إحياء جزئه.. ولأن هذه القرابة مفترضة الوصل محرمة القطع بالإجماع والإنفاق من باب الصلة فكان واجبا وتركه مع القدرة للمنفق وتحقق حاجة المنفق عليه يؤدى إلى القطع فكان حراما.

وقال ابن عابدين:(وللرضيع النفقة والكسوة فبذلك صار على الأب ثلاث نفقات أجرة الرضاع وأجرة الحضانة ونفقة الولد من صابون ودهن وفرش وغطاء.. وإذا كان للصبى مال فمؤنة الرضاع ونفقته بعد الفطام فى مال الصغير)

أما أجرة مسكن الحضانة، فقد اختلفت كلمة الفقهاء حول من تلزمه أجرة المسكن الذى تكون فيه حضانة الطفل: فالحنفية: تعددت الأقوال عندهم فى المسألة بين وجوب أجرة المسكن على من تلزمه نفقة المحضون، وعدم وجوبها عليه أو على المحضون، وقد نقل ابن عابدين هذه الأقوال، ثم رجح القول بأن أجرة مسكن الحضانة تلزم ولى المحضون أن لم يكن للحاضنة مسكن تقيم فيه، فإن كان لها مسكن فلا أجرة لها فى مقابل السكني، قال بعد نقله أقوال الفقهاء فى المسألة: والحاصل أن الأوجه لزومه لما قلنا لكن هذا إنما يظهر لو لم يكن لها مسكن، أما لو كان لها مسكن يمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعا لها فلا، لعدم احتياجه إليه، فينبغى أن يكون ذلك توفيقا بين القولين.

 والأرجح فى الأقوال ما ذهب إليه الحنفية من وجوب أجرة مسكن الحضانة على ولى المحضون أن لم يكن للحاضنة مسكن يخصها تضم إليها فيه المحضون، وعدم وجوب أجرة المسكن للحاضنة أن كان له مسكن خاص بها هو الراجح، لأن ما يلزم ولى المحضون لأجل الحضانة هو ما تتحمله الحاضنة لأجل الحضانة من طعام وشراب وخدمة ونحو ذلك، فإذا لم تكن الحضانة تكلف الحاضنة مسكنا لأنها تسكن قبل الحضانة فلا وجه لاستحقاقها أجرة المسكن حيث إنها تستحق النفقة التى تتحملها من أجل المحضون.