رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


كيف تصنع التنظيمات الإرهابية الذئاب المنفردة والخلايا السرية النائمة؟

25-4-2017 | 13:58


بقلم – العميد خالد عكاشة

أصدر تنظيم داعش مؤخرا نسخة بالإنجليزية لـ(كتيب الأمن والسلامة) الذي وضعه أحد عناصر تنظيم القاعدة باللغة العربية سابقا، يقع هذا الكتيب في (٦٢ صفحة)، ومن سطوره يتضح بسهولة أن من حرره هو شخص محترف عمل سابقا بأحد الأجهزة الأمنية، حيث يقدم نصائح للخلايا النائمة والذئاب المنفردة في الدول العربية والغربية بما يجب فعله، وما يشكل تحذيرات صارمة عما هو ضرورة تجنبه حتى لا يتم اكتشافهم، عنوان الكتيب «إرشادات الأمن والسلامة للمجاهدين الفرادى والخلايا الصغيرة»، واسم مؤلفه كما هو مدون عليه كاسم حركي بالطبع “الأخ المجاهد أبي عبيدة عبد الله العدم”، ويتضمن غلافه الأمامي مباني على الطراز الغربي تشتعل.

ارتكز دليل الأمن والسلامة لداعش على كيفية «مفاجأة العدو»، باعتبار هذا الأمر أحد مبادئ الحرب، مشيرا إلى أن: «أي عملية لا يتوافر فيها أساس قوي للأمن والحذر محكومة بالفشل، تماما مثلما يحتاج البناء الكبير لأسس قوية، والاحتياطات الأمنية هي أساس أي عملية».

وقدم التنظيم على هذا الأساس في كتيب الأمن لائحة كاملة ببرامج التشفير، التي يمكن للخلايا النائمة والأفراد أن يستخدموها لتشفير محتويات الهواتف المحمولة ورسائل البريد الإلكتروني، ويقدم الكتيب أيضا قسما خاصا حول سبل مراقبة المباني الحكومية قبل شن هجوم إرهابي، لضمان تحقيق أكبر عدد ممكن من الإصابات، وأفضل طريقة لـ»مطاردة جنرال في الجيش، أو قيادة أمنية، أو شخصية عامة، لتنفيذ عملية اغتيال”. هكذا كما جاءت بنص الكلمات في عنوان فرعي لأحد أقسام الكتيب، كما جاء في نفس القسم أيضا توصية وحث للإرهابيين من أبناء البلد الذي يقيمون فيه على تنفيذ الهجمات بمعرفتهم؛ لأنهم أقل احتمالا أن تتم ملاحظتهم، ويبين أيضا كيف أن الملاهي والنوادي الليلية التي تعج بالموسيقى الصاخبة والسكارى، هي المكان المثالي لمناقشة خطط الإرهاب دون تعرض للتسجيل أو الرصد من قبل رجال وعملاء الأجهزة الأمنية.

وخصص الدليل جزءا كبيرا لتقديم إرشاداته للذئاب المنفردة والخلايا السرية النائمة بالدول الغربية، وأظن أن هذا القسم هو ما دفع التنظيم لترجمة الدليل إلى اللغة الإنجليزية كي يصل بالمعاني والمفاهيم لأبناء تلك الدول، الذين قد يعوقهم فهمهم للغة العربية عن وصول النصوص إليهم بالصورة الشاملة للمعاني المستهدفة، ومما جاء فيه نصيا: «حاولوا أن تكونوا دائما مثل أي سائح عادي، أو مسافر تقليدي، وحاولوا أن تكون ألوان الملابس متناسقة، فارتداء القميص الأحمر أو الأصفر مع البنطال الأسود يجعلكم موضع شبهة.. ولا داعي لأن ترتدوا ملابس جديدة، لأن ذلك قد يثير الشبهات، والبعض من الإخوة يميلون إلى شراء ملابس جديدة بالكامل، وهذا يجلب انتباه الآخرين بقوة”. وذهب الكتيب إلى تقديم تعليمات عن نوع العطر، الذي يجب على أفراد التنظيم استخدامه، فذكر فيه: «إذا أردت أن تستخدم العطر، فعليك ألا تستخدم العطور الزيتية الخالية من الكحول التي يستخدمها المسلمون، بل استخدموا العطور التي تحتوي على الكحول كأي شخص آخر، وإذا كنت رجلا فاستخدم العطور الرجالية العضوية”. ويحث الكتيب العناصر الإرهابية التي ستقيم وتتحرك في دول غربية على ارتداء صليب مسيحي، واستخدام معطر ما بعد الحلاقة، وحلق اللحى، وحتى الابتعاد عن تجمعات للصلاة والمساجد لتجنب اكتشافهم؛ بل إنه يتضمن نصائح حول نوع المجوهرات التي يرتدونها، وفي أي يد يلبسون الساعات. حيث يذكر الكتيب للإرهابيين المحتملين: «إذا كنت تستطيع تجنب إطلاق لحيتك، وارتداء قميص، واستخدام السواك، وحمل كتيب الذكر معك، فهذا أفضل. ويجوز لك أن ترتدي قلادة تظهر الصليب المسيحي، فكما تعلمون، المسيحيون أو حتى الغربيين الملحدين ذوي الخلفية المسيحية يرتدون الصلبان، ولكن لا ترتدى قلادة الصليب إذا كان لديك اسم مسلم على جواز سفرك، فهذا قد يبدو غريبا». ويستكمل في ذات الإطار: «إذا كنت ترتدي ساعة، لا ترتديها في يدك اليمنى، فهذه علامة على أنك متدين، وإذا كان لديك خاتم خطوبة أو شيء من هذا القبيل، فمن الأفضل أن ترتدي واحدا ذهبيا، أو الأفضل من ذلك لا ترتدي أي خاتم على الإطلاق، فخاتم الفضة يمكن أن يشير إلى أنك متدين، حيث يحرم الإسلام على الرجال لبس خواتم الذهب”.

ولا تقتصر بالطبع صناعة الذئاب والإرهابيين المتجولين حول العالم على هذا الكتيب والإرشادات الواردة فيه، إنما يسبقه مرحلة هي الأكثر خطورة وفاعلية تتعلق بعمليات «غسيل أدمغة» للعناصر المستهدف تجنيدها وضمها لصفوف التنظيمات الإرهابية، وهو توصيف لعملية تتم بقدر عالٍ من احترافية الانتقاء والتنفيذ وليست تعبيرا مجازيا، وهنا نحن نلقي الضوء على البيئات الخصبة التي تدخل عليها التنظيمات ومتخصصيها من أجل اصطياد فريستها المحتملة، وأبرز عناصر البيئة الخصبة الأساسية تتمثل في ثلاثة أسباب رئيسية، يستتبعها مجموعة من الأسباب الفرعية، السبب الرئيسي الأول: هو وجود حالة من الإحباط المركب لدى هذه العناصر من الشباب، وهم الكتلة المستهدفة من التنظيمات وعماد قوتها الفاعلة، حيث لا يمكن نفي أن هذا الجيل مشوش ثقافيا وفاقد للذكاء العلمي الإيجابي، لاسيما وهو يستخدم ذكاءه العملي بشكل خاطئ وسلبي لا يعود على البيئة بالنفع وإنما بالضرر والتدمير، أما السبب الرئيسي الثاني: يتحمل المسؤولية فيه هنا الأنظمة الحكومية التي لها علاقة بالملفات الخدمية؛ حيث إنها لم تحقق الاحتياجات الأساسية لهذه الفئة المتمثلة في المأكل والملبس والمسكن وغير ذلك، واختصت العناصر الخدمية التي تحقق الولاء الإيجابي للوطن على فئات وشرائح محدودة من عموم الشعب، مما أدى بعناصر التنظيمات الإرهابية لمحاولة صنع (خلطة الانتقام) من الجهات الحكومية، على اعتبار أنها ظالمة وغير عادلة على حد تعبيرهم. أما السبب الرئيسي الثالث: فيتمثل في التفسير والفهم الخاطئ للعديد من مكونات الدين الإسلامي، وضبابية وتشوش تعريفات مثل الجهاد ضد الاحتلال، والدفاع عن النفس والإصلاح كيف يمكن أن يكون، لتنقلب داخل المنظومة الفكرية لتلك التنظيمات إلى مفخخات قادرة على سلب عقول الشباب باعتبارهم رسل العناية الإلهية الذين سيقومون بصناعة التغيير المنشود.

الذي يستوجب الوقوف أمامه في تلك الأسباب الرئيسية، هي مكونات ومحفزات (خلطة الانتقام) التي تتم صناعتها ووضع الشباب داخل دائرتها الجهنمية، فالشباب بطبيعته العمرية متحمسون يتم تجنيدهم بعد شحنهم فكريا وجسديا، للدفاع عما يتعرض له المسلمون في شتى بقاع الأرض، دون التمييز الوجداني من العنصر المجند بين ما هو جهاد حقا في سبيل التحرر من الاستعمار، وما بين أنه مضلل وضحية فكر منحرف، لا ينتمي ليس فقط إلى الدين الإسلامي، ولكن حتى إلى الديانات الأخرى حيث تنادي جميعها بالتسامح ونبذ العنف، والمسبب الرئيسي لتمدد تلك الدوافع الانتقامية هو الغياب التام لمؤسسات التوعية الحكومية «الرسمية وغير الرسمية» في نشر الوعي الإيجابي لدى الجيل الشاب، وخاصة لدى “المراهقين” شديدي التأثر والتقلب في تشكيل انطباعاتهم، وهذه الشريحة أولى ضحايا الاستخدام العشوائي الخاطئ لشبكات الإنترنت، على الرغم من إدراك المعنيين بأنها الفخ المثالي لما تسببه من وقوع البعض في براثن فكر هذه التنظيمات المتطرفة، ويتشارك في الغياب بصور متدرجة المسئولية الأسرية من الأبوين، حيث بدا الدور الرقابي والتوعوي لهما شعبياً بالقدر الذي يصنع مراهقين وشبابا هشا يسهل اختراقه والنفاذ إليه.

في النهاية ورغبة في تفكيك تلك الشحنة السالبة من الاحتقان والرغبة الانتقامية لدى الشباب المتطرف، يجب النظر لتلك الإشكالية التي تدفع لانتهاج العنف بأنها ليست نابعة من دافع واحد في معظم الأحوال، فشعور الأفراد بانتهاك حقوقهم الأساسية والشعور الدائم لدى الشباب ولو «زيفا» بالإهانة، هو العامل الأكثر تأثيرا فيما يتعلق بالانخراط في الإرهاب، مقارنة بعاملي الفقر وقلة التعليم. ووفقا لذلك يجب التركيز على تحقيق العدالة والمساواة في المجتمع وهو حل استراتيجي بطبيعته، لكن إشاراته الأولية في حال البدء فيها قادرة على تجفيف المنابع سريعا ووضع طرح إيجابي مضاد يقطع الطريق على تمدد ظاهرة الغضب والتطرف، فتتبع مجموعة من حالات العنف والإرهاب في عقود وساحات مختلفة نجدنا سريعا أمام عنوان متكرر هو «الظلم الاجتماعي»، فهو يعد بمثابة عامل مشترك مع غيره من المسببات والمرجعيات المصاحبة له، لذلك يأتي في السياق ذاته أن عمليات التطوير والتحديث المجتمعي عادة ما تقود إلى تقليل مطرد في حدة العنف والتطرف، وهو ما أكده “عالم الاجتماع مايكل كومنز” من أن تطور المجتمعات يشبه تطور الأفراد، وعادة ما يقود إلى الاستقرار وتقليل حدة العنف، على أن تحدث عملية التطوير والتحديث بشكل وآلية معلنة وبوتيرة تدريجية، وألا يتم تخطي بعض المراحل فيها، كما يجب أن تشمل أفراد المجتمع كافة، وأن تكون الشريحة الشبابية هي الأكثر انخراطا في صناعة هذا التحديث بأدوار محددة تدفع الدولة من أجل أن يتولوا زمامها؛ لأنه باختصار المعادلة اليوم إزاء ظاهرة العنف والتطرف المركبة، إما أن يشارك الشباب رسميا في مشروع جامع للدولة الوطنية وهذا ما أعلن عنه الرئيس وألح في أكثر من مناسبة من أجل تفعيله، وإما سيكون الانخراط المضاد قابعا في الجانب المظلم الآخر فاتحا ذراعيه ينتظر التهامهم من بين أيدينا، ويصنعهم بسهولة كمفخخات هائمة تنتظر تحديد الموقع الذي ستنفجر فيه في وجوهنا وتغتال دماء الأبرياء منا.