دار الأوبرا.. درة الثقافة المصرية
دار الأوبرا المصرية،
بكل تاريخها الطويل، فإنها تعتبر أهم وأكبر وأرقى ملتقى ثقافي، ليس فقط في الوطن
العربي ولكن في الشرق الأوسط كله ... عندما توليت رئاسة المركز الثقافي القومي
"دار الأوبرا المصرية" قررت أن أقوم بزيارة عدد من دور الأوبرا العالمية
في دول أوروبا الغربية والشرقية ويمكن أن أقول إنني قمت بزيارة أكثر من خمس عشرة دار
أوبرا بهدف أن أعرف أولاً قيمة دار الأوبرا ومكانة الأوبرا المصرية، كذلك معرفة ما
تحتاجه في عمليات التطوير لكي نلحق بركب باقي الدور العالمية.
ووجدت أن
تاريخ دار الأوبرا المصرية قد أعطاها فرصة كبيرة لكي تكون على مستوى متميز بين
مختلف دور الأوبرا في العالم ويكفي أن المكتبة الفنية في دار الأوبرا المصرية ليس
لها مثيل في الحجم والتنوع بين أوبرات العالم، حيث أن الأوبرا المصرية تتميز بأنها
تحتوي على الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وتتميز باحتوائها على الموسيقى العربية
والدينية، كما أن عدد العازفين في دار الأوبرا المصرية يفوق عدد أي دار أوبرا في
العالم، نظراً لوجود عازفين للموسيقى الكلاسيكية والأوبرالية، وكذلك الموسيقى
العربية، وكذلك هناك تفوق عددي من الفنانين في الدار المصرية بغنائهم الموسيقى
العربية والغناء الفلكلوري، كما أن وجود ورش الديكور وتشغيل الملابس والاكسسوار في
دار الأوبرا المصرية، قد أعطاها ميزة أخرى عن باقي دور الأوبرا نظراً لمستوى حرفية
المهندسين والفنيين في هذا المجال في مصر .
ويأتي المبنى
الجديد لدار الأوبرا المصرية، الذي تم تصميمه بالشكل العربي الأصيل، قد أعطاها
مذاقاً متميزاً ورقي عن أي دار كلاسيكية في أوروبا والخارج.
كذلك تنوع
عملها كمركز قومي للثقافة والفن، أعطاها بعداً جديداً مثل وجود الصالون الثقافي والمعارض
الفنية للفنانين المصريين والعرب، فأصبحت دار أوبرا ممزوجة باللمحة الفنية
والثقافية ، وهو أيضاً شيء يميز دار الأوبرا المصرية بشكل خاص عن أي منشأة ثقافية
أخرى، وجاء التنوع في إضافة عناصر جديدة مثل الرقص الحديث ليعطي بعداً جديداً
لفرقة الباليه الكلاسيكية، وكان قيام فرقة الباليه الكلاسيكية بتقديم أعمال فلكلورية
مثل أوبريت الليلة الكبيرة، هو التطوير الذي بدأ في بعض دور الأوبرا العالمية مثل
أوبرا نيويورك التي قدمت قصة الحي الغربي "West Side Story " في شكل مودرن بعيد عن كلاسيكيات بحيرة
البجع والجمال النائم .. لذلك جاء التنوع في الأعمال الفنية لدار الأوبرا لتضعها
في مركز متميز مقارنة بباقي دور الأوبرا العالمية.
ولكني لاحظت
أن مبنى دار الأوبرا المصرية عندما أُقيم منذ فترة كانت أنظمة الصوت والإضاءة
تحتاج إلى تطوير من أنظمة الأنالوج التي كانت مستخدمة في ذلك الوقت لكي تصبح من
أنظمة الديجيتال الجديدة الحديثة التي تستخدمها معظم الفرق الفنية، ولذلك تم
الاتصال باليابان و بالأخص منظمة الجايكا العالمية "وكالة اليابان للتعاون الدولي" التي كانت تشرف على عملية الإنشاء
وقامت مشكورة بخطوة جريئة لم تحدث من قبل في تاريخ الجايكا، بتطوير نظام الإضاءة
والصوت وتغيير كافة المعدات الموجودة وتركيب معدات وأدوات جديدة في خلال عام واحد
.. وهو أسلوب لا يتبع في مؤسسة الجايكا اليابانية بإنجاز كل تلك الأعمال في وقت
قصير ونجح الفنيون المصريون في تركيب واستخدام هذه المعدات والأدوات الجديدة
بمهارة شديدة ... والآن أصبحت دار الأوبرا المصرية على درجة عالمية من التطور في
استخدام المعدات والتكنولوجيا الحديثة المواكبة للعصر.
كذلك تم تطوير نظام حجز التذاكر بنظام
Online وأعتقد أن الأوبرا المصرية
كانت أول من اتبع هذا النظام الإلكتروني في مصر، ولكن كانت هناك عقبة في حفظ النوت
الموسيقية نظراً لوجود عدد من النوت للموسيقي العربية والغربية يفوق عدد النوت
الموسيقية في أي دار أوبرا في العالم، وتم الحصول على منحة من هولندا لتطوير كتابة
هذه النوت الموسيقية وحفظها بالحاسبات الآلية لتكون بعيدة عن التلف والدمار .
و تتفوق دار
الأوبرا المصرية حالياً لما تمتلكه بعدد كبير من المسارح خاصة أن لها في القاهرة 4
مسارح ويوجد في الإسكندرية ودمنهور وقريباً هناك في مدينة العلمين والعاصمة
الإدارية الجديدة لتصبح هرم ثقافي فني كبير ليس له مثيل في أي دار أوبرا عالمية
وأذكر أنه خلال زيارتي إلى دمشق عندما بدأت سوريا بإنشاء دار أوبرا وكانت في صحبتي
الراحلة العظيمة دكتورة / رتيبة الحفني، يومها عرفت تماماً قيمة هذا التراث الفني
والثقافي المصري الذي يتواجد في دار الأوبرا المصرية بما تمتلكه من حجم موسيقي
وفرق فنية ومسارح وفنيين ومهندسين وفنانين .. وقتها قلت لنفسي بالفعل "يجعلك
عمار يا مصر يا أم الفن والثقافة في مصر والعالم العربي".
وأعتقد أن
وجود دار الأوبرا المصرية حالياً كمركز ثقافي قومي سوف يحفظ لمصر ثقافتها الفنية والموسيقية
بما تقدمه سنوياً من مهرجانات موسيقية واحتفالات وصالونات ثقافية ومعارض تغطي مصر
بكل مدنها في الشمال و الجنوب خصوصاً عندما بدأت دار الأوبرا بنشر ثقافتها من خلال
جولاتها في المدن المصرية و خاصة في الجامعات من الشمال في العريش حتي الجنوب في
أسوان ، حيث تعرض في هذه المدن هذه الفنون الثقافية للشباب ، لذلك دخلت فنون دار
الأوبرا المصرية حالياً كل بيت من بيوت مصر و لم تعد تقتصر على الطبقة الخاصة بهذا
الفن .. كذلك كانت المهرجانات الفنية المجانية لأفراد الشعب المصري مثل مهرجان
القلعة و مهرجان الإسكندرية فرصة عظيمة ليتذوقوا هذا النوع من الفن و الجمال
و الثقافة.
وبذلك أصبحت
دار الأوبرا المصرية مركزاً للحفاظ علي التراث الفني و الثقافي المصري
و خصوصاً
فرقة الإنشاد الديني التي ليس لها مثيل في أي مكان في الوطن العربي.
وهكذا يصبح
هذا الصرح الفني والثقافي العظيم حارساً على الثقافة المصرية بفضل الفنانين
و المثقفين
المصريين الموهوبين خصوصاً أن هناك مركزا لتدريب البراعم الفنية الجديدة من الأطفال
و الشباب لاستمرار الحفاظ على الهوية الفنية و الثقافية المصرية و بذلك تصبح مصر
دائماً هي البوابة التي تشع منها الفن و الثقافة ليس فقط في مصر بل في الوطن
العربي كله من دار الأوبرا المصرية.