رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


سمير سرحان . زوربا اليوناني -1

25-10-2020 | 13:57


كانت معرفتي الأولي بسمير سرحان من بعيد حين كان ينشر مقالاته في مجلة " الجديد" التي كان يرأس تحريرها الدكتور رشاد رشدي في السبعينات من القرن الماضي . لم تسلم المجلة من هجوم كتاب اليسار لعلاقة رشاد رشدي بالرئيس السادات أو من كراهيته لليسار أو غير ذلك مما ليس موضوعي هنا .

 لقد كنت منذ بداية حياتي أهتم بما يكتب الكاتب أكثر مما يفعل الكاتب لذلك قرأت وشاهدت مسرحيات رشاد رشدي  وكتاباته النقدية وخاصة كتابه الهام عن القصة القصيرة والأمرنفسه فيما يخص عدد كبير من الكتاب من قيل أنهم من تلاميذه في الجامعة لكني لم أراهم يعادون اليسار وربما لم يعادوا أحدا وأقصد بهم  سمير سرحان وفوزي فهمي ومحمد عناني و الذين لهم اسهامات هامة في كتابة المسرحيات أو ترجمة بعضها أو في النقد المسرحي والدراسات الجامعية في سنوات السبعينيات والثمانينيات والأهم إدارة بعض المؤسسات أو الهيئات أو حتي السلاسل الأدبية . 

وكان من بينهم ايضا المرحوم فاروق عبد الوهاب الذي هاجر الي اميركا مبكرا وصار أستاذا في جامعة شيكاجو وترجم لي لا حقا ثلاث روايات إلي الإنجليزية وترجم لغيري  وهكذا جمعت الظروف بيني وبين سمير سرحان حين صار رئيسا لهيئة الكتاب . وكما توقعت رأيته يعرفني كاتب معرفة جيدة بل وجيدة جدا وكانت هناك مؤامرات تحاك ضدي في الثقافة الجماهيرية التي كنت أعمل بها من قِبل كاتب شهير بمنصبه من كتاب الستينات استطاع أن يضع رئيس الثقافة الجماهيرية ذلك الوقت مع بداية التسعينات من القرن الماضي في جيبه وكانت غايته ألا أستمر في أي منصب وتغييري بأحد أذياله وبالمناسبة لم أكن أسعي إلي المناصب لكن أقدميتي وكتاباتي كانت تجعله يضعني في المنصب ثم يبدآ التآمر والضغط عليه . 

حديث لا أحب الخوض فيه لأني مصمم علي الحديث عن الأيام الحلوة فقط . هكذا ذهبت إلي سمير سرحان طالبا انتدابي للعمل بالهيئة في إدارة النشر التي كانت تديرها الناقدة اعتدال عثمان فوافق علي الفور . كان أهم ما في هذا العمل الجديد أني لا أذهب إلي العمل غير يوم واحد في الأسبوع وأحيانا لا أذهب  ومن ثم يتسع الوقت لي للكتابة والقراءة في بيتي وكان هذا هدفي ولا يزال . ثم طلب مني أن أدير المقهي الثقافي في أول ظهوره بمعرض الكتاب فوافقت ولذلك سيكون حديث تالٍ عن الأيام الحلوة في المقهي .

كنت في اليوم الذي أذهب فيه إلي العمل أدخل إلي سمير سرحان طالبا منه دائما أن ينشر كتابا لكاتب جيد لا يجد فرصة للنشر أو طالبا منه أن يزيد مكافاة كاتب ما نشر له كتابا في مكتبة الأسرة وكان ينظر إلي مبتسما ويوافق فورا . لم أكن أطلب منه شيئا لنفسي أبدا حتي سألني لماذا لا أنشر في مكتبة الأسرة وكعادتي قلت له لم يطلب مني أحد ذلك . قال لي هات كتابين . قدمت له روايتي "المسافات" و"الصياد واليمام" فنشرهما معا في كتاب واحد . بعدها تقريبا صار لي كتاب كل سنة في مكتبة الأسرة حتي رحل عنا . لا حظت أنه يأتي إلي مكتبه دائما متأخرا في منتصف النهار . كنت أعرف أنه يسهر وفي بيته يجتمع كتاب مصريون وعرب وكاتبات ومن ثم لابد أنه ينام متأخرا . الذي لاحظته وأذهلني يوما وأنا عنده في المكتب أنه تقدم إليه أحد العمال من المطابع يطلب الموافقة علي صرف قرض يتم خصمه من راتبه فإذا به يفتح الدرج الأيمن ويخرج منه الخمسمائة جنيه يعطيها له ويقول له أن يأخذ الطلب فلا داعي للقرض . عرفت أنه يفعل ذلك دائما مع أي شخص في حاجة وطبعا هذه النقود من جيبه الخاص . أكثر من مرة سألني عن بعض الكتاب الذين لا تنتبه لهم مكتبة الاسرة وكنت أشير عليه بأسماء هامة من كتاب اليسار فكان علي الفور يطلب من سكرتيرته التي كانت زميلة لي من قبل في الثقافة الجماهيرية الاتصال بهم وينشر لهم . من هؤلاء الكتاب الذين كانت قد نسيتهم مكتبة الأسرة وسوف تندهشون الكاتب الكبير صلاح عيسي والكاتب عبد العال الباقوري الذين حين ذكرت اسمهما أمامه فتح عيناه علي اتساعهما وعلي الفور تم الاتصال بهما . كان أكثر مايشغله هو إرضاء بعض رؤساء تحرير الصحف الكبري فكان ينشر لهم في مكتبة الأسرة ويعطيهم مكافأة أكبر من غيرهم ويتم اختيار كتبهم آخر العام في معرض الكتاب كأحسن كتب العام ولما سألته مرة لماذا يفعل ذلك وكتبهم عبارة عن مقالات أكثرها لامعني له قال لي أنظر إلي الصحيفة في اليوم التالي لظهور الكتاب وبالفعل وجدت رئيس التحرير الذي تم نشر كتابه يفرد تقريبا صفحة في محاسن سمير سرحان ومحاسن مكتبة الأسرة . عادة تكون الصحيفة تهاجم من قبل سمير سرحان والمشروع . كان سؤاله الصباحي من شتمني اليوم فتقدم له مديرة مكتبه الأسماء فيتم الاتصال بها ويتم التعاقد علي كتب وفي الأغلب يتم صرف المكافاة مقدما . طبعا كان مخطئا في ذلك لكن ألم يكن هذا ابتزازا منهم ؟ الذي كان يجعل الأمر ثانويا من وجهة نظري رغم سخافته أن منشورات مكتبة الأسرة كانت كثيرة جدا ومتعددة ونسبة ماينشر فيها لهؤلاء تكاد تكون صفر وكل الناس تعرف أن هذا يتم اتقاء لشرهم أو ارضائهم ومن ثم لم يكن الأمر محل انتقاد إلا في جلسات المقاهي . كنت أترك العمل في الهيئة وأعود إلي الثقافة الجماهيرية باتفاق جديد لكن بعد سنة تبدأ المؤامرات فأعود اليه طالبا الندب للعمل في هيئة الكتاب حتي قال لي " دوختني . سنة هنا وسنة هنا " ونضحك ولا أحكي له التفاصيل ولن أحكيها هنا فالحديث عن الحلو فقط حتي فاجأني يوما بطلب أن أكون رئيسا لتحرير سلسلة كتابات جديدة .

وافقت طبعا واتفقنا أن تكون السلسلة للكتابات الجديدة بمعني الجديد في شكل وبنية الكتابة وتكون مفتوحة أكثر للشباب المجددين وطلب مني فاخترت الشاعر فتحي عبد الله الشاب وقتها مديرا للتحرير والشاعر أيمن حمدي الشاب أيضا وقتها سكرتيرا للتحرير وبدأنا العمل . اختار هو جمال الغيطاني ويوسف القعيد مستشارين للتحرير واخترت أنا الدكتور شاكر عبد الحميد والدكتور أحمد درويش مستشارين معهما وبدأنا العمل أنا وفتحي وأيمن وكنت أعرف أن المستشارين مجرد أسماء قد نلجأ إليها أو لا نلجأ لكن المسؤولية علينا نحن أنا وفتحي وأيمن . 

كانت مطبوعات  مكتبة الأسرة تشغل مطابع الهيئة معظم العام ولم يكن ممكنا أن تصدر السلسلة منتظمة كل شهر لذلك تأخر صدورالعمل الأول والثاني والثالث حتي اكتملت سبعة أعمال صدرت معا في وقت واحد وهنا وقعت الأزمة الكبري عن رواية تسمي "الصقار" كاتبها سمير غريب علي الذي يعيش في باريس الآن . ما أن صدرت حتي قامت الدنيا بسبب مقال لفهمي هويدي في الأهرام عن مشهد لم يعجبه فيه أحد شخصيات الرواية يجدف لكن بعد هذا المشهد عقاب سماوي ينزل عليه . لم يقف عند العقاب السماوي ووقف عند مشهد التجديف وشاركه في الموقف الدكتور جلال أمين وقامت الدنيا ثلاثة أشهر رديئة من الهجوم علينا وطبعا كان هناك من يدافع مثل سيد خميس والدكتور حسين  أمين وبالمناسبة طبعا هو أخو جلال أمين وكانت جريدة الدستور في أول ظهورها تفتح الباب واسعا للمدافعين وكان سمير سرحان ينظر لي ويهز رأسه ويقول لي لا ترد علي أحد حتي تمر الأمور ثم فاجأني يوما بأن هناك ثلاثة شيوخ أقاموا ثلاث دعاوي حسبة علينا وطبعا لن أذكر أسماءهم لوفاته رحمه الله وطلب مني أيضا أن لا أعلق ولا أنشر وأنه سوف ينتهي منها.

 وبعد أيام طلبني وقال لي خسرت الهيئة خمسة وسبعين ألف جنيه النهاردة . ابتسمت وسألته كيف . قال لي أحضرت الشيوخ الثلاثة وتعاقدت مع كل منهم علي كتاب في مكتبة الأسرة بمكافاة خمسة وعشرين ألف جنيه وراحوا اتنازلوا عن القضايا . ولسة الحديث طويل عن سمير سرحان والأيام الحلوة فقط  .