رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الهلال..أمام مذبح كنيسة مار جرجس

26-10-2020 | 20:42


فى كنيسة مارجرجس، بفسطاط، مصر، القاهرة، خرجت من خيالات التنظيرإلى حقائق الاستقصاء، بالبحث الميدانى، ليطمئن قلبى كباحث عادل إلى أن مصر لم تزدر دينا، أوتضطهد أقلية؛ بل نشأت دولةعظيمة، تعرف قيمة الإنسان، وتسمو بصفات أبنائها الذين يقدرون قيم..التعايش، والمحبة، والسلام، فاحترمت ابنها وما يدين، وقدست الخير والعطاء، وأفاضت على الإنسانية كلها، وأيقنت أن من صنع هذه الفنون البديعة، والعمارة الباقية على مرالتاريخ، لم يصنعها فى ظل اضطهاد، أوقهر، أوازدراء، ورصدت تاريخيا فعل التأثير والتأثرالمجتمعى، الذى اشترك فيه أهل الديانات الثلاث على أرض المحروسة، فاشتركوا فى  صناعة واستعمال صندوق الملابس، الخاص بالعروس، وفى صناعة، واستعمال الهودج، الذى كانت تحمل فيه النساء ومتاعها على الجمال، والكثير والكثير مما يؤكد قيمة المحبة  التى تجسدت فى هذه البقعة المباركة من الأرض.

ولمست كيف عاش المسيحيون، التسامح، والمحبة، والسلام، فى ظلال الدولة الإسلامية، وهذه العمارة التى شيدت بتنوع أشكالها، وتعدد فنونها، واختلاف لغاتها، دليل قاطع على حريتهم الكاملة ككل أبناء الدولة المصرية، ومحت من ذهنى خرافة اضطهاد أو ازدراء الأديان التى صاغها الاستعمارعقودا ليحطم هذه السبيكة الإنسانية الفريدة؛ هذه الخرافة التى تحطمت أمام عينى على جدران.. كنيسة مارجرجس الصلبة..ب فسطاط مصر المحبة والسلام.

وصفها المقريزى بأنها الأهم بين الآثار القبطية الأرثوذكسية في العالم، حيث تقف شامخة فوق أحد أبراج حصن بابليون منذ أكثر من 13 قرن، أجمل كنائس ذلك الحصن الروماني.

شيدها الكاتب الثرى إثناسيوس سنة 684 ميلادية على أحد الأبراج الثلاثة لحصن بابليون فى منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة.

وسُميت نسبة إلى القديس مارجرجس المولود في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي بفلسطين، والذى استشهد فى عام 303 م ، أثناء الاضطهاد الذى شنه الإمبراطور الرومانى دقلديانوس على الديانة المسيحية وأتباعها.

ورغم أنها واحدة من بين 371 كنيسة تحمل نفس الاسم في مصر، إلا أنها الوحيدة التي اختلف تصميمها عن تصميم معظم الكنائس الأخرى، التى تأخذ شكل سفينة نوح، رمزًا للخلاص، وشيدت بشكل دائرى على الطراز الروماني، وتقسيماتها الداخلية تشبه شوارع بيت لحم في فلسطين.

تعرضت للحريق منذ ما يقرب من مئة عام، وبنى مكانها كنيسة جديدة، ولم يبق من القديمة إلا قاعة استقبال خارجها، تعرف بقاعة "الفرسان" في حوش الكنيسة، يبلغ طولها 15 متر، وعرضها نحو 12 متر، والجزء الأوسط أقل ارتفاعا من طرفيها؛ تضم بعض البقايا التي تعود إلى القرن الـرابع عشرالميلادي؛ وتعد أول قاعة يقام بها احتفالات مراسم الزواج في مصر.

كما تحتوى الكنيسة على أيقونات قبطية لقديسين تعود للقرن الحادى عشر والخامس عشر، وبرجين رومانيين، وأقدم مقياس لنهر النيل، كما تحتوى على غرفة كان يحبس بها مار جرجس، ووسائل التعذيب والسلاسل التى قيد بها.

وتضم برجًا يدعى برج الأجراس، يبلغ ارتفاعه 30 مترًا، إضافة إلى الزخارف الملونة والأفاريز الخشبية.

ويتكون المبنى من صحن كبير مربع، إضافة إلى أربعة أعمدة كبيرة حديثة، وثلاثة هياكل مربعة الشكل، وأربع نوافذ ذات فتحات لينفذ منها الضوء

إلى الداخل.. مرورا بفناء واسع ممتلء بالأشجار، وبعض الزخارف العربية، وجدت ثلاثة أبواب، باب رئيس يتوسط الجدار الغربي، مخصص للأعياد وأيام القداسات، وباب يتوسط الجدار الشمالي مغلق دائما، والباب الثالث الخاص بالزيارات، وهو أصغرهم يصل إلى المعمودية، وإلى ساحة جنوبية واسعة بها نافورة رخامية.

 تتألف الكنيسة من صحن وجناحين ودهليز، والصحن أشبه بقاعة واسعة مربعة الشكل، على أركانه أربعة أعمدة كبيرة، يرتكز عليها أربعة عقود تشكل نصف دائرة، كان يوجد وسط الصحن مغطس كبير، لم يعد له أثر بعد ردمه وتركيب بلاط جديد لأرضية الكنيسة، وفي شرق الصحن ثلاثة هياكل مربعة، يعلو كل هيكل منها قبة عالية حول كل واحدة منها أربع نوافذ، أما الهيكل الأوسط فيوجد فوق مذبحه قبة خشبية توضع على أربع أعمدة من الرخام المصقول.

أمام كل مذبح من مذابح الهياكل الثلاثة توجد سلالم على شكل نصف دائري، تقود إلى غرفة تحت الأرض بها مياه مقدسة، في مواجهتهم مجموعة من الأيقونات القديمة، بالإضافة إلى بعض الصورالمنقوشة على الخشب، والتي تمثل عمليات الدفن والقيامة، وبعض الرموز.

 بعدعبور بوابة الكنيسة وجدت غرفة "التعذيب"، والتي سُميت بهذا الاسم لأنها تضم بعض الآلات التي استخدمت في تعذيب القديس مارجرجس، منها الصليب والمسامير الثلاثة وإكليل الشوك والسلاسل الحديدية، وبعض من الصور التي تظهر مراحل التعذيب البشع التي تعرض لها؛ داخل تلك الغرفة توجد غرفة أصغر تشبه الكهف، بهذه الغرفة فتحات صغيرة توضع فيها أوراق أماني الزائرين.

في منتصف الكنيسة، يوجد منبرًا أقيم حديثًا، مكون من 13 عامود، أحدهم في المقدمة يرمز إلى نبي الله عيسى، و12 عامودا تمثل تلاميذ النبي من الحواريين، 11 عامودا منهم مطلي باللون الأبيض، وعامودا واحدا مطلي باللون الأسود، ويرمز إلى "يهوذا الإسخريوطي" الذي خان النبي، وعامودا آخر مطلي باللون الرمادي، يرمز إلى "توما الشكاك"، بجانب المنبر ناحية الغرب مقصورة صنعت من خام الموارنيك الأحمر الذي يشبه حجر الجرانيت، بالقرب منها صورة حديثة للقديس مارجرجس صنعت من الذهب والفضة.

 بجوار الجدار الجنوبي للكنيسة، توجد مقصورة بداخلها صورة لأحد القديسين، أما في منتصف الجدار نفسه فتوجد صورة أخرى تمثل القديسة "دميانة"، تليها صورة للقديس "مارجرجس" يمتطي جواده ويسدد حربة يطعن بها التنين، وفي نهاية الجدار صورة أخرى لـ"مارجرجس" توضح مراحل تعذيبه حتى الموت.

خارجا وجدت ديرا للراهبات يحمل نفس الاسم، وأقدم مسجد في قارة إفريقيا وهو مسجد "عمرو بن العاص"، والمعبد اليهودي الذي كان قديما كنيسة قبطية مكرسة باسم "ميخائيل" وباعها إلى اليهود البطريرك السادس والخمسون في نهاية القرن الـ9، إلى جانب 6 كنائس أثرية أخرى، منها الكنيسة المعلقة، وكنيسة أبو سرجة، وكنيسة القديسة "بربارة"، وكنيسة "قصر الريحانة"، والمتحف القبطي، ولذلك أطلق على حصن بابليون "مجمع الأديان".

قفلت عائدا لأجدنى أردد العهد الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران بمعاني البذل والتضحية في كل كلمة، فقد جاء فيه : (إن عليّ أن أحمي جانبهم – أي النصارى –  وأذبّ عنهم وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان - أن أحرس دينهم وملتهم أين كانوا؛

من بر أو بحر، شرقا وغرباً، بما أحفظ به نفسي وخاصتي، وأهل الإسلام - أن أدخلهم في ذمتي وميثاقي وأماني، من كل أذى ومكروه.

وأن أكون من ورائهم، ذابا عنهم كل عدو يريدني وإياهم بسوء، بنفسي وأعواني وأتباعي وأهل ملتي ) .