رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الرهبنة في مصر

26-10-2020 | 21:06


الرهبنة هي الحياة من أجل الإله فقط واعتزال الناس وكل مباهج وملذات الدنيا بما فيها الزواج، و الاكتفاء بالصلاة المستمرة للإله، والاكتفاء بالقليل من الأكل والشرب والملبس. الذي يكفي للاستمرار في الحياة من أجل الإله.


 والغرض هو تحريرالروح والنفس من سجن الغرائز والملذات من أجل الاندماج في عالم اللاهوت الأعظم.


وعرفت مصر هذه الظاهرة في العصرالفرعوني في ديانة آمون. فظهرت مجموعة من الكهنة تسمى (وعب) أي المتطهرون. وازدهرت هذه الظاهرة في ديانة سيرابيس في العصر البطلمي وهي آخر شكل من أشكال الديانة المصرية القديمة قبيل ظهور المسيحية.


عندما ظهرت المسيحية كان المصريون أول شعب يستقبلها في الإسكندرية حيث جاء إليها القديس مرقص الرسول مبشرا بها ومؤسسا لأول مدرسة لاهوتية في العالم. استشهد مرقص الرسول في العام 68، ميلادية كأول الشهداء.


مع تولي الإمبراطور ديكيوس عرش روما (245-249)، بدأ اضطهاد المسيحيين الأوائل يزداد، لأنهم رفضوا الاعتراف بإمبراطور روما كإله. واستمر الاضطهاد حتى عهد الإمبراطور ديقليدبانوس (260-268)، ولم يشهد المسيحيون المصريون راحة إلا في عهد الإمبراطور قسطنطين الذي اعترف بالمسيحية كأحد أديان الإمبراطورية الرومانية عام 312م، وهنا بدأت المسيحية في الظهور العلني والتبلور الحقيقي كديانة متأثرة تماما بالفكر المصري. فظهرت طائفة الجنوصيين (Genostics) أي العارفين، وهم جماعات من الذين جمعوا بين ديانة سيرابيس والديانة المسيحية الجديدة، كما ظهر الناسك الراهب أنطونيو الأكبر. ولد أنطونيو في جنوب مصر بالقرب من بني سويف لأسرة غنية، كان شديد الورع والاستقامة والإيمان، قرر تطبيق تعاليم الكتاب المقدس، فتنازل عن كل أملاكه التي ورثها لشقيقته وللفقراء، وهجر المدينة وأقام في الصحراء يهب حياته لله ويقضي وقته في الصلاة والتقرب إلى الله عام 281.


التقى أتناسيوس الرسول بهذا الناسك أنطونيو وتعرف منه على طبيعة حياة النسوكية البتولية وتحرير النفس من سجن الجسد والشهوات وأثر ذلك في التقرب إلى الله. ولهذا الراهب أنطونيو الآن دير باسمه في محافظة البحر الأحمر.


بعد ظهور  أنطونيو بعدة سنوات ظهر راهب آخر يدعى باخوم، أو باخوميوس باليونانية. ولد باخوم في طيبة عام 292م، لأسرة ثرية مخلصة لعبادة الإله سيرابيس. اعتنق باخوم المسيحية في سن 21،وقرر أن يهجر المدينة كما فعل أنطونيو، ولكنه اشترك مع عدة أشخاص اتبعوه وتتلمذوا على يديه، فبنى لهم بيتا محاطا بأسوار وقام بتقسيم العمل والعبادة والصلاة بينهم، وعرف هذا النظام برهبنة الشركة، ثم باسم الأديرة فيما بعد، كثرأتباع باخوم حتى يقال انهم تعدوا الألف، وبنوا حوالي عشرة أديرة كان باخوميوس رئيسهم.


في عام 340م، سافر القديس السكندري أثناسيوس إلى روما مصطحبا معه راهبا مصريا اسمه آمون لينقل لهم التجربة المصرية في الرهبنة والأديرة. (لاحظ أن اسم آمون كان لايزال مستعملا بين الرهبان حتى ذلك الوقت).


 استطاع أتناسيوس نشر تعاليم الرهبنة المصرية في روما، فتأسس لهذا مجمع مسيحي خاص عام 451، اسمه مجمع خالسيدون واعترف بالتجربة المصرية في الرهبنة، وبذلك انتشرت التجربة المصرية في الرهبنة والأديرة في كل العالم المسيحي، في كل قارات العالم أجمع.


ويوجد في مصر ديران يحملان اسم باخوم الأول دير الأنبا باخوميوس بالأقصر، والثاني دير الأنبا باخوميوس بإدفو.