رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ثورة قلم.. المولد وسيلة الصوفية للرد على الإرهابية

26-10-2020 | 22:03


 القرى والمدن في محافظة قنا تنتظر شهر شعبان كل عام لإحياء مولد سيدي عبدالرحيم القنائي، حيث تحتفل المحافظة قنا، في النصف من شعبان بالليلة الختامية للمولد الذي يشهد احتفاله ما يزيد على نصف مليون زائر سنوياً، كنا نذهب من جميع القرى والمدن لنشاهد احتفالات سباق الخيول (المرماح) والتحطيب (لعبة العصي) وفتح الساحات والدواوين الصوفية.

كانت عادة كل عام جلب الحلوى والفول السوداني والحمص وزيارة الضريح التي لا تكتمل إلا بالأكل من إحدى خيام الطرق الصوفية.

كنت أذهب مع جدي لأمي، وكان متصوفاً ولم أكن أعرف أنه ينتمى لإحدى الطرق الصوفية، فقد كان كل ما آمل الوصول إليه هو "الفرجة" على الزحام الذي لم نكن نراه في قريتنا، أيضاً جلب الفول السوداني والحمص والحلوى لوالدتي وعرائس الحلوى لإخوتى البنات مع حصاني.

كان جدي يدخل الخيمة فإذا بالبعض يقبّل يده ويجلسوه في مكان مميز، وبالطبع كنت أحظى بالجلوس بجواره، وكنت أحظى بالكثير من الحلوى والأكل المميز بالطبع في الكمية وليس في شيء آخر.

كنت أسمعهم يحكون الأساطير عن صاحب المولد سيدي عبدالرحيم القنائي الذي ولد في مدينة ترغاي بإقليم سبتة في المغرب، وعاش ودفن في قنا، حيث يشهد مقامه ومسجده المبني على الطراز الأندلسي احتفاء كبيراً من المواطنين، أو من حكام مصر على مدار التاريخ.

كانوا يحكون عن صفاته الجسمانية والتي حددها الباحث التاريخي أحمد الجارد بأنه طويل القامة، ممتلئ وعريض الجسم، أبيض البشرة، مستدير الوجه، واسع الجبهة، وضّاح الجبين، مقوس الحاجبين، واسع العينين مع سوادهما، طويل أهدابها، جميل الخد، مفرط الأنف قصير الشارب، رقيق الفم، مفلج الأسنان، ذا لحية كثيفة يميل لونها إلى اللون الذهبي كشعر رأسه، ضخم الرقبة كثير الشعر واسع المنكبين، طويل الذراعين، واسع الكفين، وكان يلبس عمامة على طربوش أبيض.

ويقول المؤرخون، إن عبدالرحيم القنائي ابتلي باليتم صغيراً، حيث كان يحب والده حباً عميقاً، ويرى فيه المثل الأعلى والقدوة الحسنة، لذلك فقد تأثرت صحته وساءت حالته النفسية بسبب وفاته، فمرض مرضاً شديداً، حتى أصبح شفاؤه ميئوساً منه، مما جعل والدته تفكر في إرساله إلى أخواله في دمشق.

ارتحل عبد الرحيم القنائي إلى دمشق، حيث التقى هناك بأخواله وأهل والدته الذين أكرموا وفادته، وسهّلوا له مهمة الاتصال بكبار العلماء والفقهاء هناك، حيث أمضى في دمشق سنتين، نهل فيهما من علوم المشارقة كما تفقه في علوم المغاربة، ثم شده الحنين إلى العودة إلى مسقط رأسه، فشد رحاله إلى ترغاى، حيث أهله وعشيرته، وكان قد بلغ في ذلك الوقت العشرين من عمره.

وأمضى عبد الرحيم خمس سنوات في ترغاى بعد مجيئه من دمشق، يقوم بمهمة الوعظ والإرشاد على أن أحداث المشرق في ذلك الوقت من تكتل قوى الاستعمار الأوروبي المقنع، تحت اسم الحملات الصليبية - كما يؤكد المؤرخون- للهجوم على بلاد المشرق واستعمارها، كانت تشد تفكيره بقوة إلى المشرق، حيث كان يرى وجوب تكتل كل قوى المفكرين من المسلمين لحماية الدول الإسلامية، وهو ما حدث حيث ارتحل لمحافظة قنا بعد تأديته مناسك الحج بالحجاز.

وأصدر الملك العزيز بالله، ابن صلاح الدين الأيوبي، قراراً بتعيين الشيخ عبد الرحيم شيخاً لمدينة قنا، ومنذ ذلك التاريخ أصبح شيخنا يعرف بـ"القنائي"، حيث تزوج بابنة الشيخ القشيري، وبعد وفاتها تزوج ثلاثاً أخريات، أنجبن له 19 ولداً وبنتاً.

واستقر الشيخ عبد الرحيم القنائي، وكان مركزه زاوية بجانب ضريحه الحالي، يجتمع فيه بالوافدين عليه من كل مكان، واستمر كذلك حتى توفي سنة 592 هجرية، بعد أن عاش 72 عاماً.

وقال الباحث التاريخي أحمد الجارد إن سيدي عبدالرحيم القنائي كان اسمه "أسد"، ولكنه غيّر اسمه فى مصر إلى عبد الرحيم، فقد ولد من أبوين كريمين، فالأب ينتهي نسبه إلى سيدنا الحسين "رضى الله عنه"، وأمه السيدة الشريفة سكينة بنت أحمد بن حمزة الحرانى، وهو من بني حمزة الذين كانوا نقباء الشام، وشيوخه كانوا ذوي علم ودين.

قام عبدالرحيم القنائي، بتأليف عدة مؤلفات منها تفسير للقرآن الكريم، ورسالة فى الزواج وكتاب الأصفياء وأحزاب وأوراد كلمات كثيرة في التصوف، نشرت فى طبقات الشعراني وطبقات السبكي، وطبقات المناوي القنائى.

 كنا نقضي وقتاً طيباً في الذكر وكنت أتابع الحركات التي تقوم بها الصفوف المتراصة منتظمة لأداء الطقوس الابتهالية والإنشادية لحلقات الذكر من الناس من التمايل ورفع الأيادى "الحضرة" والتي يحضرها المئات من المريدين وأتباع الطرق الصوفية أغلبهم يرتدون الجلباب والعمم الملونة الأبيض والأخضر والأحمر .

شاهدت حفلات الشيخ ياسين التهامى وكيف كان تهافت الناس لسماعه ومشاهدته، والشيخ أمين الدشناوي ومحمد العجوز وغيرهم من المشايخ والمقرئين وحتى ساحات السيرك والساحر وغيرها من الألعاب.

لكن بعد أحداث 2011 ظهرت العداوة والكراهية من الإخوان والسلفيين للصوفية والتي كانت تتمتع بنفوذ شعبي، وكيف لا ؟ وهى لها في كل قرية ضريح وأكثر وكان الناس يذهبون لهذه الأضرحة للتبرك بها.

كانت ضمن سلبيات الأنفلات الأمنى في 2011 سيادة قانون الغاب، حيث الناس كانت تفيق كل فترة على المناداة من المساجد للتجمع عن ضريح القرية لحماية الضريح من جماعة أو شخص أعطى لنفسه الحق لتطبيق قانونه، فمثلاً استيقظ أهالي قرية حاجر الشويخات، بمركز قنا، على نداءات عبر مكبرات الصوت، تناديهم بالتجمع أمام ضريح الشيخ حنفي، أحد الأولياء، الذي يفد المواطنون لزيارة قبره، والتبرك به، وما أن تجمع المواطنون، حتى جاء الإرهابي الهارب، عمرو سعد عباس إبراهيم، ومن خلفه مجموعة من عناصر خليته الإرهابية، وقام عمرو سعد ومرافقوه، بإلقاء كميات من المواد البترولية شديدة الاشتعال، وأشعلوا النيران بالضريح، ثم، هدموه وقاموا بطمس كل معالمه.

وبعد تولي الجاسوس الإرهابي محمد مرسي منصب رئيس الجمهورية، كانت   الأقصر تدخل معركة فكرية بين الجماعة الإرهابية وعائلة الشيخ الطيب الذي ينتمي لعائلة صوفية معروفة ولها ضريح وساحة مفتوحة وتحتضن أعضاء الطريقة الصوفية الخلوتية، التي يقودها الشقيق الأكبر لشيخ الأزهر، فضيلة الشيخ محمد الطيب.

وعاد للأذهان هذا الصراع عندما تم الهجوم على مسجد الروضة بمدينة بئر العبد في سيناء بسبب تردد مصلين من الصوفيين للصلاة فيه.

ومن باب التحدي أعلنت الكثير من الطرق الصوفية عن إحياء احتفالات "المولد النبوي" وقتها بل وزيادة المواكب الشعبية التي تطوف المدن والقرى وتسمى بدورة المولد النبوي، وهي مسيرة احتفالية كبيرة يشهدها أهالي القرية والقرى المجاورة ترسم فيها الصوفية صورة كرنفالات شعبية نظمها رجال الطرق، ويتقدمها الخيالة وراكبو الإبل المزدانة بقطع القماش المزركشة، يليها أتباع الطرق الصوفية حاملين الدفوف والسيوف، وتبعهم أصحاب الحرف المختلفة وطافوا أرجاء القرى والمدن وبدأوا تلك المواكب من أمام أضرحة العارفين وينتهون عندها في حركة دائرية حول القرية. وفى الطريق تلقي عليهم النساء من شبابيك وشرفات المنازل الحلوى و"ترش" عليهم الروائح العطرية وتصدح بالزغاريد والدعاء بأن تعود تلك المناسبة والجميع في خير وسلام، وتقدم خلال الليالى الذبائح والوجبات والمشروبات لكل الضيوف والوافدين على الاحتفال، ويقوم أكثر من 100 شخص فى خدمة ضيوف المولد القادمين من شتى محافظات الصعيد والقاهرة والوجه البحرى، والذين يتوافدون على اللقاء محبة في إحياء المولد وليس بينهم مصلحة.