الكوميديا الإلهية لدانتي أليغيري من
أهم وأبرز الملحمات الشعرية في الأدب
الإيطالي، ويرىٰ الكثيرون أنها من أفضل الأعمال الأدبية في الأدب على المستوى
العالمي.
ألَّف هذا العملَ دانتي أليغيري ما بين
عام 1308م وحتى وفاته 1321م ، وهو شاعر وفيلسوف إيطالي من فلورنسا ولد 1265م ، عاش
خلال القرون الوسطى ويُعتبر مؤسس الأدب الإيطالي الحديث.
واشتهر دانتي بكتاب الكوميديا الإلهية
الذي يُعد من أعظم الأعمال الأدبية الإيطالية على مر التاريخ، ويتضمن هذا الكتاب
ثلاثةَ فصولٍ هي: الجحيمُ، والفردوسُ، والمَطهَر ، يقدِّم خلالَها رؤيًة مسيحيًة
فلسفيًة عن مصير البشرية في الآخرة .
تدور الأحداثُ حول رحلةٍ قام بها دانتي
إلى السماوات، ويقود "فيرجيل" دانتي مع مجموعة من الخطاة خلال الرحلة،
وذلك في جزء الجحيم، ثم ينتقل إلى المَطهَر ، وتقوده "بياتريش" خلال تسع
سنوات حتىٰ يصِلا في نهاية
المطاف إلى الفردوس المطلَق حيث عرشِ الله.
وخلال الرحلة يقابل دانتي بعضَ
الشخصياتِ التي كانت بارزًة في مجالات الثقافةِ والسياسةِ والمجتمع ، كالملك
سليمان وشخصياتٍ أخرىٰ، وفي النهاية يقابل الله وجها لوجه.
لم يكن من السهل علىٰ مستشرقٍ أنْ
يأتيَ وينسِفَ عملًا ملحميًا مثل الكوميديا الإلهية التي يعتبرها الأوروبيون جزءًا
من ذاكرتهم الأدبية والثقافية، ولكن المستشرق "أسين بلاثيوس" قد امتلكَ
الجرأةَ بأن يجهرَ بذلك ويزيلَ القداسةَ عن هذا العمل، ويُثبِتَ أنه مقتبَسٌ من
المصادر والأعمال الإسلامية التي تحدثت عن رحلة الإسراء والمعراج.
المستشرق "أثين بلاثيوس"
انتسب إلى مدارسَ شرقًا وغربًا، وكانت الرُّوحُ الأكاديميةُ تلازمه وهو يمارس عمله
كراهبٍ في الكنيسة الرومانية، وكانت رغبته في دراسة في دراسة الأدب العربي والفكر
الإسلامي شعلًة لا تنطفئ .
أثبت "بلاثيوس" أن هناك
تشابهًا في تسلسل الأحداثِ والمواقفِ وطبقاتِ السرد بين الكوميديا الإلهية وعددٍ
من الأعمال الإسلامية، وفصَّل تلك التشابهاتِ من قصة الإسراء والمعراج، ورسالة
الغفران لأبي العلاء المعري، وكتاب " السلم المحمدي" ومؤلفُه غير معروف،
ومن السيرة النبوية لابن اسحاق والطبَري، والفتوحاتِ المكيَّة لمحيي الدين بن
عربي، وغيرها من المصادر .
كل هذه الكتب كانت موجودًة ترجماتُها
قبل القرن الثالث عشر وخصوصًا أن المكتبةَ الطليطليةَ التي كانت تحت حكم "ألفونسو
العاشر 1221- 1284 م" كانت تزخرُ بالنصوص العربية المنقولة إلىٰ اللاتينية
والقشتالية والفرنسية العامية آنذاك، فضلًا
عن أن دانتي كانت له معرفةٌ ولو بدائيةٌ باللغة العربية، والدليل بعض المفردات
التي وردت حرفيًا في الكوميديا الإلهية بصيغتها العربية الصريحة بأبجدية لاتينية.
كانت آراءُ "بلاثيوس" هجومًا
عنيفًا؛ حيث إن هذا العمل قد تشدَّق به الغربُ زمنًا طويلًا، وقد تأكدت مسألة تأثر
دانتي بالتراث الإسلامي بعد أن قام المستشرق الإسباني "ساندينو"
والمستشرق الإيطالي "إنريكو تشيرولي" بنشر الترجمات اللاتينية والفرنسية
لوثيقة "معراج محمد" مُتزامِنًة في الوقت نفسِه دون اتفاق مسبق عام 1949م.
وعُدِّت تلك الوثيقةُ هي الدليل الحاسم
الذي كان ينقص نظرية "بلاثيوس" في تأثير التراث الإسلامي على دانتي،
وعرف العالم من هذه الوثيقة أن ملك إسبانيا ألفونسو العاشر المعروف بالحكيم كان قد
أمر طبيبًا يهوديًا في بلاطه ويدعى "أبراهام الحكيم" بترجمة قصة المعراج
الإسلامية من العربية إلى الأسبانية عام 1263م، وأن تلك الترجمة كانت أصلًا
لترجمةٍ أخرىٰ إلى اللاتينية والفرنسية قام بها مترجمٌ يعمل في البلاط نفسِه قبل
أن يولَدَ دانتي بسنة واحدة، وأن هذه الترجمات قد دخلت في كثير من المخطوطات التي
انتشرت في أوروبا عامة، وفي إيطاليا خاصًة في تلكَ الفترة .
من هذا العرض يتضح كم كان تأثيرُ
الإسلامِ وسيرةِ رسولنا الكريمِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، والمصادرِ الإسلاميةِ
في الآداب الأوربية، وأنها كانت صانعةَ حضارة
ذلك الأدب.