⦁ لا يُمْكن لعاقل أن يُنكِر مدى ومقدار ما قدَّمته "حضارة الغرب" مُنْذ بزوغها في مطلع العصر الحديث....وإلى الآن من إنجازات علمية وتكنولوجية، غيَّرت وجه الحياة على الأرض من أساليب عيش، وأفكار وسلوكيات حَرَّرت الإنسان لاسيَّما "الإنسان الغربي" من الخرافة والجهل والفاقة التي عانى منها في عصور الظلام التي سادت أوروبا إبان القرون الوسطى؛ فانطلقت إبداعاته في كل اتجاه لبناء الحضارة التي تسود العالم الآن غير أن لهذه الحقيقة وجهاً آخر أشد قتامة وأكثر إيلاماً فمع هذا الانطلاق الذي لم تُحِدُه حدود دينية أوأخلاقية ألحقت حضارته بالبيئة الطبيعية أكبر الضرر، وبالإنسان الذي لا ينتمي إليها المهانة والإذلال، فالثمن الذي دفعته البشرية كان فادحاً.
⦁ وإذا كان الشرق – ونحن جزءٌ منه – شريكاً أصلياً في بناء هذه الحضارة....ليس فقط من خلال تُراثنا الحضاري الإسلامي، وإنما أيضاً من خلال ما قدمناه من تضحيات في ظل ما فرضته من قهر، وما لجأت إليه من أساليب النهْب والخداع – فتاريخ العلاقات الوحشية التي فرضتها حضارة الغرب على الشعوب المُستضعفة مليء بانتهاكات يَنْدَي لها جبين الإنسانية – في مراحل صعودها المُتباينة...فمن مرحلة "الإبادة الجماعية" للسكان الأصليين بالقارة الأمريكية، واستعباد الرقيق الأسود الذي تم جلبه من القارة الإفريقية....إلى مرحلة "النهب العالمي" أو ما يُسميه الغربِّيون – على سبيل التمويه – الاستعمار....ورسالة الرجل الأبيض في فرض التَمْدُّن والتحديث على النمط الغربي قسراً وصولاً إلى مرحلة "العولمة والتهميش والتفكيك" وهي المرحلة التي نشهدها الآن من خلال إثارة عوامل التَمَزُّق الاجتماعي والطائفي والديني، وإشاعة العنف والفوضى في كل مكان.
وتبدو "حضارة الغرب" الآن وكأنها "نكبة حضارية" تحمل في طيَّاتها بذور فنائها، ويكفيها ما قدمت للبشرية من "أسلحة دمار شامل" نووية ومكروبية بما يُهدِّد وجودها....فكيف يُمكِن لهذه الحضارة أن تنجو من مصيرها المحتوم؟؟؟!!! وقد أطلقت الفيروسات من عقالها؟
....إن أردنا الإنصاف فإن هذه "الحضارة الشاردة" كان يُمكِن لها أن تؤوب إلى رُشْدها لو أن العَرَب والمسلمين قاموا بدورهم تجاه العالم، فهذا دور الإسلام الذي حملوا رسالته، لكنهم أضاعوها باستسلامهم لأَسْر التبعية لمراكز القرار في الغرب، وغرق مجتمعاتهم في تقليد نمط الحياة الغربي والسقوط في متاهة التغريب، والأنكى من ذلك أنه إذا ما أردنا الاعتماد على دورٍ يُمكِن لقيم هذه الحضارة وحدها أن تقوم به لوقف التدهور والخروج من المأزق – فلن تجد قيمة أخلاقية واحدة يُمكِن أن تقف في مواجهة غزو الإباحية أو تقليص انتشار الخمور والمخدرات وما تؤدي إليه من جرائم وانحراف كما أن علوم هذه الحضارة تبدوعاجزة في مواجهة طوفان الأمراض المجتمعية السائدة – هنا يأتي دور قيم الإسلام في الإنقاذ – فالإسلام ليس مجرد دين – إنما هوأسلوب حياة تضْمن للإنسان توازنه بين حاجاته المادية وأشواقه الروحية...فهل يعْي المسلمون هذا الدور؟؟....وهل يغتنمون الفرصة التي قدمها لهم هذا "الميكروب المُحتَرِف" الذي كشف عن هشاشة حضارة العصر، رغم ما تُبديه من قوَّةٍ وجبروت.
⦁ وإذا تساءلنا عن حقيقة "الوباء" الذي يضرب العالم الآن؟!!...وهل هو"ميكروب" تم تصنيعه في معامل مخابرات قوى كبرى، ضمن حروب جُرثومية متوقعة فيما بينها؟!!!...أم أنه مجرد "فيروس" أطلقته الطبيعة الغاضبة – كرد فعلٍ من جانبها – على الانتهاكات المُدمِّرة التي تتعرَّض لها؟ وفي كل الأحوال يستوي الأمران – فهذا الميكروب الضئيل كشف عن ضآلة حجم حضارتنا، ومكامِن ضعفها؟!!...وكيف له وهو الكائن الضعيف أن يُّوجِّه ضربة خاطفة لما تُسمَّى "العَوْلمة" ليفرض الحصار والقيود على الجميع – كباراً وصغاراً...أغنياءْ وفقراءْ...؟؟!! وما هو سر قوة هذا الميكروب ليُعْلن الحرب من طرفٍ واحد – على جيوش وأساطيل – الأعداء والحلفاء معاً...غير آبهٍ بهم؟؟!!... فهل جاء ليُعيد إليها رُشدها...بأن تُعيد الاعتبار للأخلاق والدينْ...لأنه ليس بالخُبز وحده يحيا الإنسان؟؟!... وهل يُدرِك "أصحاب القرار" في عالمنا الغريق – أن الأرض تكادُ تَتَفجَّر غَضَباً من عُنصريتهم وصَلَفهِمْ..؟؟ فلا مهرب الآن من ضرورة تصحيح المسار – بفرض الحق والعدل... ونشر الخير والسلام في ربوعها....وأنهُ لا أمْصالَ واقيةً غيرها – فالقيم هي صمام الأمان – وما عليهم إلَّا أن يُغادروا أماكنهم لغيرهم من الحُكماء....فربما يهتدون إلى رأيٍ صائبٍ وفكرٍ رشيد...إنه الشرط الوحيد لأن تذهب "كورونا وغيرها من الميكروبات" بعيداً...ولا تَقربُنا من جديدْ.