في ذكرى المولد النبوي بتونس..احتفالات "القيروان" المبهجة تغيب قسرًا بسبب "كورونا"
لأول مرة منذ عقود، تغيب "قسرًا" الاحتفالات التي كانت تشهدها ولاية "القيروان" وسط تونس، لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف، بسبب تفشي فيروس "كورونا" في البلاد، إذ يحظى الاحتفال بتلك المناسبة بمكانة خاصة لدى التونسيين ويحفظ عادات وتقاليد توارثتها الأجيال على مر العصور.
ويروى في كتب التاريخ أن تونس هي أول من احتفلت بالمولد النبوي منذ عام 912 ميلاديًا، منذ أن تم تأسيس الدولة الفاطمية في مدينة المهدية التونسية، وذلك قبل فتح الفاطميين لمصر عام 969 ميلاديًا وتأسيس القاهرة التي اتخذوها مركزًا لنشر ثقافتهم وعاداتهم.
ففي منتصف الشهر الماضي، ألغت ولاية القيروان، احتفالات المولد النبوي الشريف لهذا العام، جراء تسارع وتيرة تفشي فيروس "كورونا" بالبلاد، كإجراء احترازي يمنع التجمعات حفاظًا على سلامة المواطنين، نظرًا لأن الاحتفالات التي تشهدها الولاية إذ دائمًا ما تستقطب مئات الآلاف من الزوار سنويًا من داخل تونس وخارجها، حيث تقام على هامشها أنشطة دينية وثقافية وتجارية في ساحات جامع عقبة بن نافع، الذي أسسه عقبة بن نافع الفهري سنة 50 هجريًا (670 ميلاديًا) .
وبالقرب من ساحة الجامع، وبين ممرات سوق بيع الفواكه الجافة، التي يندر فيها المارة خوفًا من انتشار الوباء، علقت السيدة أميرة - في حديثها لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط بتونس - على قرار إلغاء الاحتفالات قائلة : "القيروان هي قبلة المحتفلين بالمولد النبوي، يقصدها الزائرون سنويًا من شتى بقاع تونس وخارجها، ولكن كما ترى، تبدو المدينة هذه السنة خاوية من الوافدين بسبب تردي الأوضاع الصحية في البلاد " .
وتابعت السيدة الخمسينية، وهي تبحث عن ضالتها وسط العديد من أصناف الفواكه الجافة والمكسرات، قائلة : "اعتاد التونسيون الإقبال على أسواق بيع الفواكه المجففة لإحياء عادات وطقوس احتفالية بمناسبة ذكرى المولد النبوي، إذ يكثر الطلب عليها لإعداد الأطباق التي تعد خصيصًا لتلك المناسبة، وكتقليد وعادة موروثة يتناول أغلبية التونسيين بعض الأطباق مثل عصيدة بوفريوة وعصيدة بيضاء وعصيدة الزقوقو التي تعد الأشهر على الإطلاق ويدخل في إعدادها (الزقوقو) أو (الصنوبر الحلبي)، إلى جانب إضافة السكر والدقيق والحليب والبيض ولتزين العصيدة يضاف إليها البندق والجوز والفستق واللوز".
ومن عادات التونسيين احتفالاً بالمناسبة، إلى الأجواء الاحتفالية التي كان يشهدها محيط جامع عقبة بن نافع أقدم جوامع شمال أفريقيا، ووسط هدوء لم تعهده ساحاته التي كانت تمتلئ بضجيج المحتفلين والأضواء المبهرة، يقول السيد نعمان القاسمي، أحد قاطني الولاية : "مئات الآلاف من جميع ولايات تونس وأعداد غفيرة من السائحين كانوا يتوافدون على الساحات المحيطة بالجامع؛ للاستمتاع بأجواء المدينة التاريخية التي تحظى بطابع خاص وفريد وأجواء روحانية بديعة خلال الاحتفالات التي تقام في أرجاءها لإحياء ذكرى المولد النبوي".
وتابع القاسمي : " الاحتفالات بالمولد النبوي هنا عادة ما كانت تشهد فقرات متنوعة بين عروض فنية وموسيقية وفلكلورية إحياءً للعادات والتقاليد التونسية الموروثة، إلى جانب المسابقات الدينية، والأذكار والإنشاد الديني والابتهالات، وتلاوة القرآن الكريم، والمدائح التي تتغنى بأشرف الخلق سيدنا محمد صل الله عليه وسلم، فكانت الأصوات هنا تتعالى وتمتزج بين المحتفلين وغناء المبتهلين وسط أضواء ملونة مبهجة تشع من ساحات ومئذنة الجامع ومحيطه " .
ورغم التداعيات السلبية لجائحة "كورونا" وأثرها على الوضع في البلاد وكذلك على الأجواء الاحتفالية بالمناسبات الدينية وغيرها، إلا أن هناك حالة من التفاؤل والأمل تسود بين الأهالي هنا أملاً في اقتراب زوال هذه الأزمة وعودة المظاهر المبهجة مجددًا، حيث يقول العم أنس، الذي يفترش رصيفًا مجاورًا للجامع ليبيع "المقروض" وهو نوع من الحلوى ممزوجة بالتمر، يعد خصيصًا كأحد الطقوس الشعبية بمناسبة المولد النبوي : "تأثرت حركة البيع كثيرًا بسبب قلة التوافد على المدينة، ولكن ستمر تلك الأزمة يوم ما، وتعود المدينة التاريخية مجددًا تمتلئ بالزائرين والسائحين من كل بقاع الأرض".
وبابتسامة يملؤها الأمل والرضا، مضى العم أنس يقول : "سنحتفل العام المقبل بجميع المناسبات الدينية على أرض القيروان والبلدة العتيقة وبساحات جامع عقبة بن نافع وجامع الزيتونة وفي كل بقاع الدنيا، دون تباعد أو إجراءات تعكر صفو الأجواء الروحانية المبهجة، وسنرى ابتسامات الناس وملامحهم بدون كمامات أو سواتر خشية العدوى، وسيزول الوباء عما قريب بإذن الله".
ويبقى الاحتفال بذكرى المولد النبوي يحتل مكانة خاصة لدى المسلمين، وخاصة في تونس، وعلى الرغم من تداعيات فيروس "كورونا" التي أثرت بشكل كبير على كافة الأصعدة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، لكن يبقى هناك أمل في زوال تلك الجائحة وعودة الحياة إلى طبيعتها مجددًا، لتعود المظاهر الاحتفالية بالمناسبات الدينية وغيرها، وتعود كذلك الروابط العائلية وتبادل الزيارات بين الأهل والأقارب دون تخوف، وتعود الشوارع تنبض بالحياة كسابق عهدها دون حظر للتجوال أو التقيد بإجراءات احترازية.