رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أغلب الظن.. كان مازحاً!

29-10-2020 | 11:52


سألني ضيفي: رأيك إيه فى الدور الذى تقوم به المؤسسة العسكرية فى البلد؟. “حاورته” فقلت: أى دور... العسكري أم المدني؟، فلم يُجب، وكأنه يترك لى الاختيار، أو كأنه يريد الوجهين معاً. لم أشأ أن أُطيل المحاورة، وأسمعته ما قد يكون هاجساً لديه: الدور المدني كبير جداً وفوق ما يمكن تحميله على كاهل المؤسسة العسكرية، لكنه المتوقع من مؤسستنا العسكرية الوطنية التى ارتبطت دوماً بالإرادة الشعبية الحرة، تارة تساندها، وتارة أخرى تُعبر عنها، وتارة ثالثة تستنهضها لتواجه خطراً استشرفته!. وقد تكتفى بالتنبيه إلى الأخطاء وتُشير إلى تداعياتها غير المطلوبة. لكنها فى كل الأوقات لا تتحرك إلا باتجاه المصلحة الوطنية، غير عابئة بما قد يدور فى أذهان بعض “المُنظرين” الذين لا صلة لهم بالواقع من بعيد أو قريب، هؤلاء الذين ينظرون بدهشة إلى ما تقوم به مؤسستنا العسكرية من مهام ثقيلة جداً فى مشوار التنمية الشاق؛ ومن ثم يستدعون سؤالاً بعينه، ولا غيره، هل هذا هو دور المؤسسة العسكرية؟. ويزيدون فى مزايداتهم: وهل لا يؤثر ذلك على قدرتهم على القيام بمهامهم الأساسية لحماية الوطن؟!.

إلى هنا، تتضح الصورة أمامك، وتدرك أنك أمام كتاب علاه التراب واحتواه الصدأ، وما عاد أحد يقرأه، سواء بعناية أو بغير اهتمام. غير أن آداباً للحديث والضيافة، تعلمناها ونلتزم بها عقيدة صلبة لا تلين، أرد بها على مَن سألني، إجابة مفتوحة للجميع، فأقول:

ــ للمؤسسة العسكرية الوطنية المصرية خصوصية تاريخية فريدة، جعلت منها فى كثير من الأحيان مُرادفاً مقبولاً لمفهوم “الدولة” المصرية؛ إذ ترتبط مؤسستنا العسكرية بكافة الخطوات الفارقة فى تاريخ الوطن، وتكاد تكون محط آمال كل المصريين، لا فى الحفاظ على وطنهم فحسب، وإنما فى استقراره ونمائه وصولاً إلى عِزته وكرامته. راجع فى ذلك التاريخ الحديث القريب، وأرصد بموضوعية وأمانة دور مؤسستنا العسكرية فى ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢، وفى ثورة الخامس والعشرين من يناير، وفى ثورة الثلاثين من يونيو، ثم أجب: مُن غير المؤسسة العسكرية قاد الدولة إلى عبور تحدياتها؟، لا تُجهد نفسك فى الإجابة، فليس غير جيشنا الوطني، الذى سطر بتضحياته أعظم أيام الأمة العربية فى السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، وعبر بنا إلى ما نحن فيه الآن.

ــ كافة الدول المتقدمة ديمقراطياً، وضعت ضمن قوانينها ما يُقنن الأنشطة التنموية للمؤسسة العسكرية، ولم تكتف فى ذلك بروح القانون أو مغزى الدستور، بل وصلت إلى حد إلقاء مسؤوليات تنموية بعينها على عاتقها.

ـــ من عوامل نجاح مؤسستنا العسكرية بمهام تنموية أنها تساند جهود القطاع العام والخاص، ولا تحتكر شيئاً؛ ثم أنه تستعين بشركات خاصة، وعِمالة مدنية من خارجها أيضاً لتنفيذ المهام الموكول إليها. كما أن الأعمال المدنية للمؤسسة العسكرية تخضع للرقابة والمحاسبة. ولا تنسى موروثنا الهائل من الإخفاقات فى القطاع العام ومن ثم تسد مؤسستنا العسكرية فراغاً كبيراً أمام عدم قدرة القطاع الخاص وحده القيام بما تقوم به. كما أن مؤسستنا العسكرية تتصدى لمشروعات قلية العائد، وقد يكون العائد بعيداً؛ وبالتالي تُنفذ مشروعات لا يُقبل عليها القطاع الخاص، فنجدها تُشكل مظلة تحتضن تحتها جهود القطاعين العام والخاص معاُ، ناهيك عن توفر خبرات بالمؤسسة العسكرية يصعُب توفرها خارجها. راجع فى ذلك أعمال قناة السويس الجديدة وأعمال مترو الأنفاق وأنفاق سيناء الجديدة وغيرها تجد ما ذكرته لك حاضراً.

وعليه؛ فمعايير تقييم الدور التنموي لمؤسستنا العسكرية يرتبط بخضوعها للقوانين المعمول بها، كغيرها من القطاعين الخاص والعام، كما أنها لا تحتكر، ولا تهدف إلى إضعاف القطاع الخاص، بل هى على العكس داعمة لكل جهد وطني شريف، وراجعوا شركات القطاع الخاص التى عملت تحت مظلة المؤسسة العسكرية وهى تقوم بدورها التنموي الوطني.

لغير المُصدقين، أن المؤسسة العسكرية لا بديل عنها فى جهود التنمية، اسألوا بريطانيا، ستصلكم الإجابة التالية: الجيش البريطاني له دور غاية فى الأهمية فى تنمية بلاده، خاصة فى فترات تاريخية معينة، حتى بلغ النهوض بمسؤوليات التدريب والتعليم لامتلاكه واحدة من أكثر برامج التعليم شمولاً وفعالية. ولو لم تعجبكم بريطانيا اسألوا الولايات المتحدة الأمريكية؛ ففيها يمتلك الجيش الأمريكي، وهو الأول عالمياً كقوة عسكرية، مساحات هائلة من الأراضي تزيد عن ١٥ مليون فدان!، وهى مساحة تزيد عن مساحة بعض الولايات الأمريكية!، وفضلاً عن مشاركته القطاع الخاص العامل فى مجال إنتاج السلاح؛ فإن معظم المناقصات الإنشائية تكون من نصيب سلاح المهندسين بالجيش الأمريكي، خاصة فى مجال البنية التحتية، كما يعتبر أيضاً ضمن أكثر جيوش العالم فائدة لاقتصاد بلاده؛ إذ يُعتبر ثانى أكبر جهة توظيف فى الولايات المتحدة، فلديه أكثر من مليون موظف فى الخدمة، سواء العاملة أو الاحتياطية.

والخلاصة أن معياراً حاكماً ينبغي أن نُخضع له تنظيرنا للأمر، معيار وحيد لا أجد غيره جوهره السؤال التالي: هل الدور التنموي للمؤسسة العسكرية يطعن فى مدنية الدولة؟!. بقدر بسيط من الموضوعية أنفى ذلك تماماً. بل إن المؤسسة العسكرية ضمانة حقيقية لتجسيد الطموحات الشعبية المشروعة فى بناء دولة مدنية حديثة تتبنى قيم ومبادئ ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣.

كذلك فإن الارتفاع النسبي للمكون العسكري فى مجمل الاقتصاد المصري، هو ارتفاع ظاهري يعود إلى نهوض المؤسسة العسكرية بمشروعات ضخمة، يتعذر القيام بها فى غيابه، فضلاً عن عدم نمو الاستثمارات الأجنبية إلى الحد المأمول إلى الآن؛ ومن ثم كان الدور التنمية للمؤسسة العسكرية لازماً، بل وواجباً، معه تنال جهود الدولة مصداقية لدى المجتمع الدولي لما شهده العالم من انضباط والتزام وحرفية عالية فى الدور التنموي للمؤسسة العسكرية الوطنية.

على هذا النحو كانت الإجابة أطول من مدة الزيارة، كما أن/ حقيقة الأمر، هاجساً تملكني: ربما كان مُحدثى يمزح؟!، فلم أشأ أن أُطيل عليه، كما أطلت عليكم؛ فعساه يقرأ مقالي هذا. وعذراً... ضيفي العزيز؛ فمؤسستنا العسكرية، بقيمها ومبادئها الوطنية الراسخة، ينبغي أن تخرج من دوائر المزايدة والتشكيك... والمزاح أيضاً.!