رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الخطاب الديني الجديد في فكر الأستاذ

31-10-2020 | 18:54


 من المعتاد عندما نتحدث عن كتاب لابد أولاً أن نتحدث عن صاحبه، والحقيقة أننى أخشى أن أتحدث عنه فلا أعطيه حقه، لأنه أستاذ من نوع خاص متعدد الجوانب، فهل أتحدث عنه كأستاذ لفلسفة الأديان والفلسفة الحديثة والمعاصرة، أم أتحدث عنه كنائب لرئيس الجامعة وإسهاماته فيها، أم كأخ وصديق، أم أتحدث عن نبوغه وهو في بدايات حياته حتى قبل التحاقه بالجامعة إذ ظهرت عليه علامات النبوغ منذ الصغر فهل يعقل لا أقول شاباً بل طفلًا لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره وقد اعتلى منبر المسجد وخطب فى المصلين .


  لأجل هذا آثرت أن نتحدث عن الكتاب ومن خلاله يتبين لنا جوانب أخرى غير التى ذكرتها، سوف يتضح مفكراً مصرياً مهموماً بأمر بلده ومتطلعًا لها أن تكون فى مصاف الدول المتقدمة، أيضاً مسلماً غيوراً على دينه ومهمومًا بأمر هذا الدين وما آل إليه حال الأمة.


     الكتاب الذى بين أيدينا كتاب جريء لم يخش كاتبه شيئا، أخذ مشرط الجراح يفتش عن الداء ويعمل على الإطاحة بتلك الأوثان التى وقفنا أمامها نتعبدها، وفى النهاية يحدد الدواء، إذا نظرنا إلى عنوان الكتاب لا نجده يعنونه بما هو شائع، فالجميع يطالب بتجديد الخطاب الدينى، أما الأستاذ فوضع لكتابه عنوان (نحو تأسيس عصر دينى جديد ) فالعنوان منطقى لأنه كيف يأتى خطاب جديد دون أن نبحث عن فكر جديد، فنحن بحاجة إلى فكر جديد يليه خطاب.


    لا شك أن الفكر السائد فى أى مجتمع يكون له الأثر البالغ فى صعود المجتمع أو هبوطه، فلا يقوم أساس المجتمع ويعلو بنيانه دون فكر ناهض يُحيى النفوس ويحفز الهمم لاسيما وإن كان فكراً دينياً، لأن شعوبنا شعوب متدينة بطبعها وتتمسك بأى فكر دينى لأنها ترى فيه ملاذها ومأمنها.


    وإذا كان الدين الإسلامي دعوة عالمية وصالحا لكل زمان ومكان فذلك لأنه أكد على ضرورة التجديد، وبالتالى نحن فى أمس الحاجة إلى فكر دينى يواكب تلك التحولات ويقف أمام المنظومات الفكرية الجامدة التى تتنكر لشروط العصر، وكما يقول الأستاذ إن تلك المنظومات لا تولد إلا الإرهاب والتطرف.


    بداية الكتاب بداية توفيقية، فهو كأستاذ للفلسفة قام بالتوفيق بين الدين والفلسفة فكلاهما يؤكد على أهمية التفكير، وكما يقول الأستاذ إعمال الماكينة التى تقوم بالتفكير، فإذا كانت الفلسفة والدين يؤكدان على أهمية الفكر نجد الموروث لدينا عندما ندعو لأحد نقول له ( ربنا يكفيك شر الفكر ) هذه هى ثقافتنا تنظر إلى التفكير وإعمال العقل على أنه شر وهذه هى الطامة الكبرى، إن محنتنا تتمثل فى اغتيال العقل، ومن ثم لا يجب أن نعيب على التراث، حان الوقت أن نحاسب أنفسنا، كيف نحاسب الأسلاف وهم لم يدركوا عصرنا ولا كان بمقدروهم أن يفهموه ويتركوا لنا فى تراثهم الحلول التى نحتاجها لمواجهة مشاكلنا، هل يجب الوقوف عند أناس هم أنفسهم لم يقفوا عند أقوال من سبقهم ؟ 


   الأسلاف أدوا رسالة الإسلام لأنهم تفاعلوا مع شروطهم التاريخية ونبذوا التعصب والانغلاق، وأطلقوا للعقل سراحه وأدلوا بدلوهم بما يتناسب وزمانهم، أقول البداية توفيقية بين الدين والفلسفة ووضعنا أمام أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام وديكارت أبى الفلسفة الحديثة، كل منهما بدأ شاكاً، وهنا يؤكد أن الشك ليس حراماً كما كان يتوهم المتوهمون، أبو الأنبياء شك فى كل شيء كذلك ديكارت ومن خلال الشك وصلا إلى اليقين.


    منذ البداية يتضح تأثر الأستاذ بالمدرسة الفرنسية وديكارت على وجه الخصوص، ونتساءل لماذا ديكارت على الرغم من أننا نعيش عصر تجاوز ديكارت، بل إن الأستاذ نفسه نقد ديكارت وأسقط أقنعته؟. الحقيقة أن اختياره لديكارت كان اختياراً موفقاً، لأن هذا الاختيار يؤكد على أنه يبحث عن المنهج، فديكارت واضع المنهج وإن كان لم يطق صبراً على تطبيقه فى كل شيء، أما الأستاذ فأخذ المنهج وطبقه طوال رحلته، لأنه أراد تأسيس والتأسيس لا يقوم إلا على منهج رصين.


    قواعد المنهج عند ديكارت أولها الوضوح فلا أقبل شيئا على أنه حق ما لم يكن واضحاً وهذا لا يكون إلا بإحكام قيادة العقل فى رؤيتنا للعالم، العقل لا يقوم على النقل والتقليد، فأبو الأنبياء حاجَّ قومه بالبرهان العقلى، فى حين نجد فى عصرنا من يتبع النقل والحفظ ويدعى أنه يتمسك بالدين، إننا نحتاج كما يقول الأستاذ إلى تطوير علوم الدين لا إحياء علوم الدين، السلف كان أكثر جرأة فى التعامل مع النص، راعوا الظرف التاريخى فهو فى غاية الأهمية، تعالوا معى إلى الشافعى بل تعالوا معى إلى الفاروق عمر وكيف تصرف مع النص، وأى نص إنه نص قطعى واضح الدلالة وليس ظنيا، عمر أوقف نصاً صريحاً لأنه وجد فيه عدم ملاءمة مع الظرف التاريخى.


   لابد أن نضع نصب أعيننا ولا يغيب عنا أن علوم الدين هى علوم إنسانية قابلة للاجتهاد وليس أدل على ذلك من المقولة المهمة التى قالها علي رضى الله عنه "القرآن مسطور بين دفتى لا ينطق وإنما ينطق به الرجال"، هذا القول يؤكد أن الشريعة لا يمكن أن تقوم إلا على أساس الفهم البشرى للوحى، والوحى لا يمكن أن يصبح تشريعاً إلا عن طريق الفهم البشري، فشمولية النص لكل الوقائع يلغي من فهم الإسلام لتلك المناطق الدنيوية التي تركها للعقل والخبرة. أقول لقد احترم الله عقلية الأمة وللأسف الأمة لم تحترم عقلها، لقد أتى الله في كتابه الكريم بأحكام كلية وترك الجزئيات للإنسان ليفكر فيها وتتوافق مع أمور حياته فأنتم أعلم بشئون دنياكم، لقد ضم الكتاب الكريم أكثر من ستة آلاف وثلاثمائة آية ما يخص المعاملات لا يزيد برأي الغزالي على خمسمائة آية، فهذا أكبر دليل على أن الله ترك لنا مساحة للتفكير ومراعاة متطلبات العصر. 


    من هنا جاءت القاعدة الثانية للمنهج الديكارتي وهي قاعدة التفكيك، ويؤكد الأستاذ على ضرورة تفكيك بنية الخطاب التقليدى وهنا نجد صاحبنا وقد نحت مصطلحاً فيقول بأن هناك تفكيكاً مذهبياً وآخر منهجياً، ونحن نريد التفكيك كمنهج لكى نصل من خلاله إلى التطوير، فلا يمكن البناء على قديم، ومع هذا التفكيك لابد أن يكون لدينا فكرة مركزية، وهنا نجده وهو أستاذ الفلسفة الحديثة يستدعى كانط فيلسوف الإيمان العقلانى ليبين أن العقل الإنسانى بلا فكرة مركزية لا يصل إلى وحدة تنظيمية لمعارفه.


   هنا يكشف الأستاذ زيف التفكيكية الجذرية، فالتفكيك الذى يحتاجه الخطاب الدينى هو تفكيك يردنا إلى المركز الأول، الدين الأصل فى نقائه وخصوبته ومن ثم يتساءل لماذا نجد التفاسير المنتشرة هى تلك التفاسير الضعيفة والمليئة بالإسرائيليات مع أننا نجد تفاسير قوية عقلية كتفسير الرازى مفاتيح الغيب؟ يرجع الأستاذ ذلك إلى أن كثيرا من الدعاة لا يطيقون صبراً مع هذا التفسير الذى يحتاج فى قراءته جهدا عقليا لا يقدرون عليه، فهم أصحاب عقول مغلقة ليس لديهم قدرة على التحاور ولا يُقبلون عليه ولو قبلوه لا يتنازلون عن أصنامهم ولا يدخلون فى عهد إلا إذا كانوا ضعفاء وإذا قووا نقضوا ما عاهدوا عليه، يغلب عليه غريزة القطيع السمع والطاعة تلك السمة التى رفضها القرآن فى أكثر من موضع، هؤلاء يلونون الدين بلونهم وهو ما يسمى بالرؤية الأحادية للإسلام، فعلى سبيل المثال أهل البدو خلعوا الطابع البدوي على الإسلام فلا يرون فيه إلا سلطة الرجال وعزل المرأة، فهو دين الخشونة والمُعادي للفن والحضارة، وصنف آخر وهم الجهاديون يرون دين الإسلام دين فتك وتكفير، وعامة المسلمين الذين يرون في الإسلام دين المناسبات، هؤلاء يرون أنهم مُلاك حقيقة الدين، هذا التعصب هو الذي جرنا إلى حافة الهاوية فالتقليد أساس الجمود، هذا ما حدَّث عنه الشيخ الإمام من قبل، بل إن الدين نفسه نعى على المقلدين وشبههم بالأنعام بل أضل سبيلاً.


     ويذهب الأستاذ إلى أن هذا الجمود لا يرجع إلى رجال الدين فحسب، وبالمناسبة لا يوجد في الإسلام رجل دين لأن رجل الدين يمثل كهنوت بل هناك عالم الدين وهناك فرق كبير بينهما يقول الأستاذ إن المسئولية يشترك فيها إلى جانب علماء الدين الأكاديميون والمثقفون والإعلاميون جميعهم شركاء في هذه الجريمة، هذا هو الداء، فكيف يكون الدواء؟ يرى الأستاذ أننا نستطيع أن نتجاوز هذه الأزمة من خلال التعليم، لا بد أن يكون قضية أمن قومي، لا بد أن نجعل التعليم أولى أولوياتنا، لا بد أن نقوم بثورة على النظام التعليمي الموجود، ثورة على المنهج والمقرر والبحث، نتجه إلى التعليم الذكي، نظام تعليم يؤدي إلى بناء شخصية متوازنة تحت قيادة عقل واع، نظام تعليم مبدع يؤدي بنا إلى بحث علمي مبدع. كل محاولات الإصلاح الجادة بدأت بالتعليم فعلي مبارك بل إننا نجد الشيخ الإمام بدأ بالكُتاب باعتباره البذرة الأولى. لابد أن تقوم بلغة الجودة بتحليل بيئي يقوم على معرفة القوة والضعف والتهديدات والفرص من خلال ذلك نضع استراتيجية للتعليم.

     يطرح الأستاذ سؤالاً مهمًا لماذا يفشل المسلمون مع أنهم يؤمنون بدين عظيم يحمل بداخله كل عناصر التطور؟ لقد طرح لنا هذا السؤال من قبل حينما تعجب من هذه الأمة التي تحمل هذا الدين وتصل إلى هذا الحد من التدهور؟ سؤال طرحه إقبال بشكل آخر لماذا محمد -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء؟ يجيب إقبال بأن (محمد) -صلى الله عليه وسلم- جاء بدين يدعو إلى العقل، فهذا الدين أعطاك المفتاح لتفتح به ما أغلق، فإذا ركنت إليه فأنت لست في حاجة إلى نبي أو دين آخر لذلك عندما ركنا إليه قامت الحضارة الإسلامية، وعندما تركناه عشنا في العصور الوسطى، لذلك أقول نحن نعيش تاريخنا الهجري وليس التاريخ الميلادي، والتاريخ الهجري بمثابة العصور الوسطى.

      

     لا يكفي المسلم ولا يؤدي به إلى التقدم إذا حافظ على عباداته وهو غافل عن جوهرها فكأنه يكتفي من دينه بالشكل والرسم دون الجوهر الذي هو لب الأمر وذروة سنامه وعلى ذلك فقد غاب عنا إسلام الحضارة بعطائه.

     السلف لم ينح علوم الدنيا من أجل علوم الدين، بل أقبل عليهما معاً يقول الرسول: "إذا جاءت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، إنني في غاية التعجب عندما يخرج من يدعي أنه مسلم ويقول أنا خارج أموت في سبيل الله، لماذا الموت، لِمَ لا يقول خارج لأكد وأجتهد وأعيش في سبيل مرضاة الله.