رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أيها التجار.. اقتدوا برسول الله

1-11-2020 | 14:43


كلما تشرق على الدنيا شمس ربيع الأنور تشرئب أعناق مئات الملايين من المسلمين عبر العالم للتطلع لسيرته الذكية، بأبى هو وأمى صلى الله عليه وآله وسلم لتغترف من معينها المتجدد الذى لا ينضب هداية ربانية محمدية فى شؤون حياتها المتشعبة ومجالاتها المختلفة ونحاول معاً عزيزى القارئ أن نقف مع هديه صلى عليه وآله وسلم فى التجارة والبيع والشراء والمعاملات التجارية. فالعمل سنة الأنبياء والمرسلين وركيزة أساسية من ركائز استمرار الحياة وديمومتها، وقد كان أنبياء الله ورسله صلوات ربى وتسليماته عليهم قمماً سامقة وأسوات حسنة ونماذج مضيئة فى سماء الإنسانية عبر تاريخها الطويل فى العمل والجد والكفاح والاجتهاد، سواء أكان ذلك فى مجال تبليغ رسالات الله تبارك وتعالى أو العمل والكسب الطيب لتحصيل أقواتهم ومعايشهم.

النبي التاجر

اشتهر حبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بممارسته لأعمال التجارة قبل البعثة وبعدها، وقد ساهمت أسباب كثيرة متضافرة في تحقيقه -صلى الله عليه وسلم- لنجاحات واضحة فى عالم التجارة والبيزنس، إن جاز التعبير. من هذه الأسباب امتلاكه صلى الله عليه وسلم لمقومات التاجر الناجح وتحليه بالصفات الكريمة والأخلاق الفاضلة الطيبة كالصدق والأمانة، وقد تاجر مع عمه، وفى أموال خديجة رضوان الله عليها. تجارته فى أموال عمه آبى طالب، فقد سافر للشام في تجارة عمه قبل البعثة فاستفاد من ذلك خبرة كبيرة، كما كان صلى الله عليه وسلم يتاجر فى أسواق العرب الشهيرة كسوق عكاظ والَمجنة.

تجارته بأموال خديجة، لما بلغ أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها خبر محمد بن عبدالله قبل البعثة وما تميز به من الخبرة والصدق والأمانة، استشرفت أنه سيكون خير وكيل عنها فى تجارتها، فأوكلت له مهمة تجارتها إلى الشام، وقد نجح صلى الله عليه وسلم فى تحقيق الأرباح الكبيرة لخديجة رضى الله عنها، من الصفقات التجارية الناجحة التى كان يعقدها مع التجار لحساب خديجة رضى الله عنها.

مقومات وخصائص التجارة النبوية:

نغترف من معين السيرة المتجدد الذى لا ينضب سمات وملامح ومقومات التجارة كما تجلت فى شخص سيدنا رسول الله صلى عليه وآله وسلم وسنجد أنها تتمثل فى جملة من الخصائص والسمات منها: خصائص ومقومات وهدايات نبوية تضمن لمن التزم بها وتحلى بها البركة فى تجارته وأن يحشره الله مع النبيين والصديقين.

أولاً: السمعة التجارية الطيبة.. وهى أهم سمات التاجر أو رجل الأعمال، وأهم رأسمال رمزى يستثمره، فالأمانة سبيل نجاح التاجر ورأسماله، فإذا اجتمع معها الصدق توافرت الأرضية التجارية السليمة، وهو ما اجتمع لسيدنا رسول الله، فقد كان يُلقب قبل البعثة بالصادق الأمين صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: المهارة والذكاء فى التجارة.. وقد اجتمعا فى شخص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر هذا فى رحلته التجارية بمال خديجة رضى الله عنها وأرضاها، فقد عاد من رحلته بربح مضاعف. ولاشك أن الأسواق التى كان يغشاها كانت ممتلئة بالتجار الأكبر منه سناً وخبرة وحنكة؛ ولكنه عليه الصلاة والسلام كان يمتاز ويتمتع بالفطنة فى المعاملات التجارية وفهم التجار، وقصته صلى الله عليه وسلم مع التاجر الغشاش معروفة مشهورة، فقد روى أبو هريرة أن رسول الله (مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال ما هذا يا صاحب الطعام؟. قال أصابه المطر يا رسول الله قال: أفلا جعلته فوق الطعام كى يراه الناس. من غش فليس مني). ولعلنا نتذكر فى هذه الذكرى العطرة أن ملايين البشر دخلوا فى الإسلام بسبب التجارة وأخلاق التجار الذين اقتدوا فيها بسيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم فى طريق الحرير وغيره.

ثالثاً: السماحة فى البيع والشراء.. وهداياته صلى الله عليه وسلم فى هذا الباب أوضح من الشمس فى رابعة النهار. وهو القائل (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع. سمحاً إذا اشترى. سمحاً إذا اقتضى). ومعنى السماحة أن يكون سهلاً رفيقاً ليناً مع الناس مستشعراً بأحوالهم يُقيل عثراتهم ولا يحملهم ما لا يطقون.

رابعاً: الشفافية والوضوح والمصداقية.. صفات لا غنى عنها لتجارة راقية محترمة تحفظ بها حقوق الجميع التجار من جهة والعملاء من جهة أخرى، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم التجار والمشترين، قال (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما فى بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما). وذات يوم خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون. فقال (يا معشر التجار؟ فاستجابوا لرسول الله ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبر وصدق). وعن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين).

خامساً: التحذير من الكذب والخيانة.. عن عبدالرحمن بن شبل قال. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن التجار هم الفجار. قالوا يا رسول الله! أليس الله قد أحل البيع؟. قال بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون).

سادساً: عدم استخدام الحلف واليمين فى تسويق السلع.. وما أكثر ما يستخدم التجار والباعة فى الأسواق الإيمان والحلف لتسويق سلعهم واقناع العملاء بها، على هؤلاء التجار الكذبة أن يرحموا أنفسهم ويدركوها ولا يلقوا بأنفسهم للتهلكة، ويضعوا حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب أعينهم، عن أبى ذر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فقرأها رسول الله، فقال أبو ذر خابوا وخسروا يا رسول الله؟ وذكر منهم المنفق سلعته بالحلف الكاذب). سابعاً: البعد عن الاحتكار واجتنابه. عن معمر بن عبدالله بن نضلة. قال سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول. (لا يحتكر إلا خاطئ). وقال سعيد بن المسيب (المحتكر ملعون والجالب مرزوق).

كيف نعرف التجار الأبرار والتجار الفجار.. ما علاماتهم؟. من راقب الله فى تجارته وبيعه وشرائه وأحسن إلى خلق الله، فلم يستغل حاجتهم لسلعته التي يبيعها وغلاها عليهم أو غشهم أو احتكر السلعة وحجزها، وقام بتخزينها فى مخازنه والناس بأمس الحاجة إليها. لكى يتكسب منها أضعافاً مضاعفة، فقل لى بربك من أى صنف يكون. هذا التاجر الجشع الذى أحس بالناس ورق قلبه لهم ولم يتحجر ولم يتحمل وجوداً لألم ومن حوله يعتصر الناس؟!. إنه من التجار الأبرار بكل تأكيد. أما من سار بالتدليس والكذب والخداع فى تجارته والنصب على الناس واستخدام الإيمان الكاذبة فى ترويج سلعته وغش فى بضاعته وكذب واحتكر وأغلى على الناس أقواتهم. هل يمكن أن نعد هذا من التجار الأبرار. لا ليس من التجار الأبرار.