رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


النبي من عظمته «شمولية رحمته»

1-11-2020 | 14:54


لم يحظ نبى من الأنبياء ولا رسول من الرسل بما حظى به رسول الله، حينما وصفه بصفتين من صفاته (رؤوف - رحيم)، فى قوله تعالى - مخاطباً العرب بصفة عامة وقريشاً بصفة خاصة- (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم). ووصفه بهاتين الصفتين جاء تعظيماً لشأنه ورفعاً لقدره، وتأكيداً على عمومية وشمولية رحمته التى أكد عليها بقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). فما من مخلوق على هذه الأرض؛ إلا وقد نال حظًّا من هذه الرحمة المهداة.

فرحمة نالها المؤمن بهداية الله له، وأُعطيها الكافر بتأخير العذاب عنه فى الدنيا، وحصلها المنافق بالأمن من القتل، وجريان أحكام الإسلام فى الدنيا عليه، فجميع الخلق قد هنئوا وسعدوا برحمته صلى الله عليه وسلم. وتتجلى رحمته صلى الله عليه وسلم فى مظاهر كثيرة يصعب حصرها، والوقوف عندها، ومنها. رحمته صلى الله عليه وسلم بالضعفاء من أصحاب الحاجات والاحتياجات، من الأيتام، والأرامل، والفقراء، والمرضى، والخدم، وقد بشرهم الرسول بأنهم أهل الجنة، فقال: «ألا أدلكم على أهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره» (رواه البخاري). وفى رواية غير البخاري: «ألا أخبركم بخير عباد الله: الضعيف المستضعف ذو الطمرين (الثوب البالي القديم)، لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره». وكان صلى الله عليه وسلم يأتى ضعفاء المسلمين بنفسه، يعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم. وفى الغزوات، كان – عليه الصلاة والسلام – يتخلف (يتأخر) فى المسير، فيزجى الضعفاء، ويردفهم، ويدعو لهم، وكان يمشى مع الأرملة والمسكين حتى يقضى حوائجهم. وفى حديث صحيح صريح ينفى التعظيم والتقدير عن أمة لا تحمى ضعيفها، وتحرمه حقه، فيقول صلى الله عليه وسلم: «لا قدست أمة لا يعطى الضعيف فيها حقه غير متعتع». أي: غير قلق ولا خائف، ولا ملحق به أذى.

ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالأطفال، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعطف عليهم ويرق لهم، حتى كان كالوالد لهم، يقبلهم ويضمهم، ويلاعبهم ويحنكهم بالتمر، كما فعل بعبد الله بن الزبير عند ولادته.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل فى الصلاة فسمع بكاء الصبى، أسرع فى أدائها وخففها، فعن أبى قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لأقوم فى الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبى، فأتجوز في صلاتي، كراهية أن أشقّ على أمّه) رواه البخاري ومسلم. وكان يحمل الأطفال، ويصبر على أذاهم، فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: (أُتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبى، فبال على ثوبه، فدعا بماء ، فأتبعه إياه) رواه البخاري.

وكان يحزن لفقد الأطفال، ويصيبه ما يصيب البشر، مع كامل الرضا والتسليم، والصبر والاحتساب، ولما مات حفيده صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه، فقال سعد بن عبادة رضى الله عنه: «يا رسول الله ما هذا؟. «فقال: (هذه رحمة جعلها الله فى قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء).

ومن تجليات مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم، رحمته بالنساء، فقد كان رسول الله دائم الوصية بهن، وكان يقول لأصحابه: «استوصوا بالنساء خيرًا». وتكررت منه نفس النصيحة فى حجة الوداع، وهو يخاطب الآلاف من أمته، وكان يوقن أن هذه الوصية من الأهمية بمكان حتى يُفرد لها جزءًا خاصًا من خطبته فى هذا اليوم العظيم.. قال رسول الله فى هذا اليوم: «واستوصوا بالنساء خيرًا فإنما هن عوان (أسيرات) عندكم»، وقد شبههن بالأسيرات لكون القوامة فى يد الرجل، وقرار الانفصال أو الطلاق بيده، ولقوة الرجل وضعف المرأة مما يجعلها فى وضع لا حيلة لها فيه، ومن أجل ذلك استدر عطف الرجل على ضعفها بهذه الكلمات. وقال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». ويؤكد الرسول الله صلى الله عليه وسلم فى صراحة ووضوح على أن النساء يماثلن الرجال فى القدر والمكانة، ولا ينتقص منهن أبدًا كونهن نساء، فيقول: «إن النساء شقائق الرجال».. أى: نظراءهم ومثلهم.

بل إن رسول الله يأمر المسلمين بعدم كراهية النساء حتى لو كانت هناك بعض الأخلاق المكروهة فيهن فيقول: «لا يفرك (لا يكره) مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضى منها آخر».

 

وكان صلى الله عليه وسلم قدوة فى رحمته بالنساء، ففي الجانب التطبيقي العملي فى رحمته بالنساء يكفى أن نسرد بعض مواقفه لندرك مدى رحمته بهن. ومن هذه المواقف، أن أبا بكر - رضى الله عنه - استأذن على النبي فسمع صوت عائشة رضى الله عنها – ابنته - عاليًا، فلما دخل تناولها ليلطمها، وقال ألا أراك ترفعين صوتك على رسول اللَّه، فجعل النبي يحجزه وخرج أبو بكر مغضبًا، فقال النبي حين خرج أبو بكر: «كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟»، قال: فمكث أبو بكر أيامًا ثُم استأذن على رسول اللَّهف وجدهما قد اصطلحا فقال لهما: أدخلاني فى سلمكما كما أدخلتماني فى حربكما فقال النبي: «قد فعلنا قد فعلنا». فرحمة رسول الله هنا قد فاقت رحمة الأب، فأبو عائشة رضى الله عنها - وهو الصديق - أراد أن يعاقبها على خطئها، ولكن الرسول لرحمته بها حجز عنها أباها!.

وأحيانًا تخطئ زوجته خطأً كبيرًا، ويكون هذا الخطأ أمام الناس، وقد يسبب ذلك الإحراج له، ومع ذلك فمن رحمته يقدر موقفها، ويرحم ضعفها، ويعذر غيرتها، ولا ينفعل أو يتجاوز، إنما يتساهل ويعفو... فقد روى أنس رضى الله عنه أن رسول الله كان عند إحدى أمهات المؤمنين فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام فضربت يد الرسول فسقطت القصعة فانكسرت فأخذ الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل يجمع فيها الطعام، ويقول: «غارت أمكم كلوا»، فأكلوا، فأمسك حتى جاءت بقصعتها التي فى بيتها، فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك المكسورة في بيت التي كسرتها. لقد أخذ رسول الله هذا الموقف بيسر وسهولة، وجمع الطعام من على الأرض، وقال لضيوفه: «كلوا»، وعلل غضب زوجته بالغيرة، ولم ينس أن يرفع قدرها، فقال: «غارت أمكم»، أى أم المؤمنين!!. ويضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة فى التلطّف مع أهل بيته، حتى إنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رضى الله عنها رجلها على ركبته حتى تركب البعير، وكان عندما تأتيه ابنته فاطمة رضى الله عنها يأخذ بيدها ويقبلها، ويجلسها فى مكانه الذى يجلس فيه.

وهكذا كان رسول الله رحمة تمشى على الأرض ونالت كل المخلوقات فقد رحِم الصغير والكبير، والقريب والبعيد، والعدو والصديق، بل شملت رحمته الحيوان والجماد، وما من سبيل يوصل إلى رحمة الله، إلا وضحه لأمته، وحضهم على سلوكه، وما من طريق يبعد عن رحمة الله، إلا زجرهم عنه، وحذرهم منه كل ذلك رحمة بهم وشفقة عليهم صلى الله عليه وسلم.