الضمير..
بقلم – أحمد سعدة
فى «نص الليل».. تتهيأ القلوب للشكوى والبوح بما فيها، وترسل أوجاعها إلى السماء، بعد أن يئست من رحمة أهل الأرض.. «المصور» تحاول أن تشارك قراءها هذه الآلام وتلك الاعترافات وتقدم لها الحلول
أنا طبيب تخدير .. نشأت فى قرية لأسرة متوسطة .. والدى مدرس ابتدائية، وأمى إدارية بنفس المدرسة، ولى أخت وحيدة تكبرنى بعامين .. دخلت كلية الطب، وتخصصت بعد تخرجى فى التخدير، ثم التحقت بالعمل فى مستشفى خاص بالقاهرة، وكنت أقوم بأعمال إضافية فى مستشفيات وعيادات أخرى حسب الطلب.
وبدأت أفكر فى الارتباط، بعد أن اشتريت شقة عالية المستوى ساعدنى فيها والدى .. ورفضت كل عروض أهلى للزواج من بنات قريتنا .. ولم أفكر كثيرا فى موضوع الحب بقدر ما فكرت فى أن تكون فتاة عصرية وجميلة ومثقفة، ترفع من شأنى فى المجتمع.
وكانت بنت مدير المستشفى التى وقعت عيناى عليها فى حفل خيرى أقامه المستشفى .. طبيبة تم فسخ خطوبتها مؤخرًا، وطلبت يدها من والدها، بعد أن شرحت له ظروفى .. وتعرفت عليها بعد زيارة عائلية، وتمت الموافقة على الخطوبة .. وبعت شقتى التى لا تناسب مستواها الاجتماعي، وتشاركنا معا فى شراء فيلا صغيرة، وكتبناها مناصفة بيننا.
إن وراء كل رجل عظيم امرأة، وأنا أردت أن أكون عظيما .. وقمنا بتأثيث الفيلا وتشطيبها، وللأمانة فقد تحمل والدها ضعف ما دفعته أنا فى شرائها وتأثيثها .. خطوبتنا لم يكن فيها الخروج والفسح والسينما .. لكن كنت أجلس معها كل خميس فى أحد الأندية الكبرى على النيل، وبالطبع كنت أدخل كزائر على عضويتها.
وتزوجنا، بعد أن كتبت لها مؤخر صداق كبيرا يليق ببنت العائلات والحسب والنسب.
ومن أول شهر أدركت أنى أسأت الاختيار .. واكتشف أيضا أن وراء كل رجل تعيس امرأة .. لقد تزوجت من فتاة مغرورة ومتسلطة .. لا يرضيها شيء، ساخطة وتعشق النكد .. وتسخر منى ومن أهلى وتتعمد دوما إهانتي، وتصنع مشاكل من أتفه الأسباب.
وأصبحت بسببها شاحب الوجه، ومهموما طوال الوقت .. وحتى لقائنا الجنسى أصبح مملًا وسخيفًا بلا روح، وكأنه واجب منزلي، وحتى جمالها لم أعد أشعر به .. وطلبت منى تأجيل موضوع الحمل والأطفال لعام أو اثنين بسبب ظروف العمل .. ولن أخفى عليك سرا أننى ارتحت لهذا القرار .. خصوصا أن عندها عقدة المترفات اللاتى يكرهن الحمل والأمومة وتحمل المسئولية.
والبيت تحول إلى فوضى، لأن الهانم مشغولة بالعيادة، والكوافير، والنادى .. وكل خادمة أتفق معها تهرب بعد أسابيع بسبب ما تسمعه من شتائم وإهانات زوجتى التى لا تنتهي.
ونسيت الطعام البيتى الذى لم أعد أتناوله إلا كلما ذهبت فى زيارة لأهلي، وتحولت حياتى كلها إلى تيك آواي، وعشنا معا فى مكان واحد وكأننا أعداء، أو ديوك متصارعة .. وعشت حياتى وكأنى لا أعيشها.
وندمت أشد الندم أننى لم أستمع لنصائح أهلى وأتزوج بنتا بسيطة ومتعلمة من قريتنا.
وتعرفت ذات يوم على شقيقة أحد المرضى الذى كان يستعد لإجراء عملية قلب مفتوح .. مهندسة صغيرة وبسيطة فى كل شيء، ونشأ بيننا نوع غريب وسريع من التفاهم والتجاذب والانسجام .. وحكيت لها كل شيء عن حياتى كما لم أحكِ من قبل لأحد .. وشعرت براحة معها وكأننى التقيت مع نفسى الضائعة مني.
وقابلتها، وتعددت خروجاتنا .. وكنت أشعر فى عينيها بالسعادة لمجرد أننا نجلس فى كافتيريا ونشرب عصير برتقال، بينما أتذكر زوجتى التى لا يعجبها العجب.
وللمرة الأولى عرفت معنى وطعم الحب.
الـــــــــــــرد
إن ما يعذبك ويقض مضاجعك، هو الضمير .. إنه عذاب قهرى يلاحقك كظلك.
لقد قتلت روحًا بسبب إهمالك، ولا عذر لك فى ذلك .. والعدالة ليست بالضرورة أن تدخل السجن ويتم فصلك من النقابة، ولكن، للعدالة وجوه كثيرة .. وقد يكون من العادل أن تكون خارج أسوار السجن لتنقذ أرواحًا أخرى، وتمنع عنها الألم بعودتك واجتهادك فى العمل.
والمجتمع فى حاجة لتبرعاتك المتواصلة بوقتك ومجهودك وعلمك ومالك، وبالطبع لا يجب أن تنسى رد الدين لأهل المتوفي، ولكن فى وقت مناسب.
وأنا لا أشك فى كونك إنسانًا عظيمًا، يملك ضميرًا يقظًا، وروحًا نقية .. ونادمًا على ما اقترفه من خطأ غير مقصود .. فلا داعى لهذه الانهزامية والتأنيب، والجلد المتواصل للذات، وإيلام النفس.
ولماذا لا يكون عذابك الحالى دافعًا حماسيًا، كى تثبت لنفسك أنك أفضل مما كنت عليه .. وأن بإمكانك أن تنفع نفسك، وتخدم مجتمعك، ومن حولك؟
وحكاية زواجك كانت شيئا متسرعًا بلا حب أو تفاهم .. لمجرد أن الفتاة طبيبة وجميلة وغنية، وكمان بنت مدير المستشفى .. والنتيجة كانت خسارتك لكل شيء معها، وطردك من المستشفى.
وهى تجربة بمثابة درس قاسٍ لتمردك، واختيارك شريكة تفوق طموحاتك وإمكانياتك، وتتفوق فى شخصيتها عليك .. وإحساسك بالنقص وعدم التكافؤ أمامها، كانا كفيلين بتهديد استقرار واستمرار علاقتكما.
وثورتها ضدك حينما فاتحتها فى موضوع الطلاق كانت رد فعل انتقامى لتجرؤك عليها ولفظها، بينما تراك هى طيلة الوقت مجرد ريفى أقل منها فى كل شيء.
أنت فى ظروفك هذه، باحتياج لزوجة تشعر معها بشخصيتك، واحتياجها إليك وحبها لك .. أنت فى احتياج لزوجة تحبها .. وأغلب الظن أن زوجتك القادمة ستكون فتاة متعلمة من بلدتك.
انهض من سريرك يا رجل، فالعمر أقصر كثيرا مما تتخيل .. ولا يجب أن تتوقف حياتك عند غلطة واحدة، وغير مقصودة.