رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


فى انتظار عودة محمد على

26-4-2017 | 11:46


بقلم –  إيمان رسلان

 

أدرك محمد على نجابة المصريين وقابليتهم للمعارف هكذا ذكر الجبرتى وهو يحكى عن الوالى محمد على حينما عرض عليه الفلاح المصرى حسين عجوة اختراعه لآلة ضرب الأرز تختصر الوقت وتضاعف الكمية فأعجب به وقرر تعميمه وبناء المهنة كأنه لتعليم المصريين .

توقفت كثيراً عند هذه الواقعة ليس لبناء المهند سخانة فهى نتيجة للسبب الرئيس ألا وهو نجابة المصريين التى اكتشفها محمد على الأجنبى والتى يكتشفها الأجانب كل يوم عن المصريين حتى الآن فالآلاف من علمائنا وشبابنا ونسائنا يكتشف الأجانب لديهم نجابة كبيرة فيقررون أن يستفيدوا بهم وبعقولهم فى تعمير بلادهم.

لن أعدد نجابة المصريين على مدار التاريخ الحديث ولكن سوف أسأل لماذا لا يكتشف المصرى نجابة المصرى فيسند له المهام فمثلاً - ونقرر فتح المدارس على مصراعيها لتعليم المصريين ولا أقصد هذا النوع من التعليم الإلزامى الموجود الآن الذى يشبه إلى حد كبير الكتاتيب التى كانت منتشرة فى مصر حتى بداية القرن التاسع عشر وتأسيس محمد على للتعليم المدنى لأن علينا أن نعترف وألا نغمض أعيننا متعمدين على أن تعليمنا الآن والمؤشرات الدولية تؤكد ذلك أننى فى ذيل قوائم العالم فى ترتيب جودة التعليم الابتدائى الأساسى ، أي أنه بمعنى آخر تعلمنا الآن هو بمستوى الكتاب إذا كان سيقارن بنقلة المهندسخانة بعد ذلك لقد آمن محمد على بأهمية التعليم المدنى الحديث للمصريين ووفره بمجانية كاملة وأرسل البعثات التعليمية للخارج لإعداد الكوادر واطلاعها على العلوم الحديثة فى بلاد الإفرنجة الأوربية حيث لم يكن متوفراً لدينا الحد الأدنى من المعارف، مجرد كتاتيب وبدأت من هنا نهضة مصر بالمدارس العليا والبعثات والآن ونحن نحتفل بمائتى عام على هذا التعليم الحديث والبعثات نقرأ تصريحات لوزير التعليم العالى الحالى نفهم منها أن البعثات للخارج ترهق ميزانية الدولة؟!

وهو تصريح عجيب للغاية لأنه يعنى أن نستنتج أن هناك أتجاهاً أو تفكيراً فى خفض البعثات لشباب باحثينا وعلمائنا للخارج.

أى أن نتوقف عن الاتصال بالعالم الخارجى وعلى المعرفة لأنه بوضوح شديد ليس لدينا “علم حديث مثلما هو الخارج فالتعليم الجيد متوفر فقط لأبناء القادرين فى هذا الوطن والمدارس الجديدة التي تفتح وتنشر هى المدارس الدولية حتى من جانب الدولة ولكن الأخطر ما فى تصريح الوزير وهو نفسه أستاذ جامعى وطبيب يعلم أن كل الأدوات التى يستخدمها فى عمله هى من إنتاج الخارج أى غير الأجنبى ومعنى ذلك أن نغلق الباب على أنفسنا ونتشرنق فى الداخل ونعيد أجترار علم الأسلاف والأجداد أى السلفية العلمية هى التى ستسود الجامعات نعم مصر تواجه متاعب أقتصادية جمة وخانقة ولكن المواطن المصرى والطالب النابه الذى اجتهد فى تحصيل تعليمه الأولى أملاً فى أن يكون عالماً أو مفكراً ويدفع ضرائبه التى تمول خزانة الدولة ومنها البعثات.

نصرح ونغلق الباب فى وجه المبعوث بحجة أن البعثات تكلفنا الكثير وأن المبعوث غير ملزم بالعودة نعم قد تكون تكلفة البعثات قد ارتفعت خاصة بعد تعويم الجنيه لأن مصروفات المبعوث تدفع بالعملة الأجنبية وقد لا يكون فى القانون ما يجبر الباحث على العودة ولكن ليس هذا معناه مجرد التفكير والتصريح بأن البعثات ترهق ميزانية الدولة.

فهناك حلول كثيرة لإعادة هيكلة البعثات وتغيير نمطها ولكن الإلغاء هذا هو الشر بعينه لأن معناه الانكفاء داخلياً والشرنقة ومثله مثل زواج الأقارب العلمى سيقضى على الأخضر واليابس أو ما يتبقي لدينا من أمل فى علم يستفاد به. العقبة ليست فى ارتفاع التكلفة أو القوانين لأن السؤال لماذا يهرب الباحثون المصريون ولا يعودون للوطن مرة أخرى يعمرون بلاد الفرنجة من الشرق الأقصي للغرب.

لذلك لا بديل عن استحضار روح وتجربة محمد على فى تحديث وتعليم المصريين نعم محمد على كان له مشروعه الأمبراطورى ولكنه أيضاً فتح أمام المصريين أبواب المعرفة فنهضوا ونشأوا الجيش المصرى الحديث والذى أسسه أيضاً محمد على وأنشأ بجانب المهندسخانة وقصر العينى ومدرسة الألسن والترجمة وقناة السويس والقناطر وتعليم المصريين أخرج لنا رفاعة الطهطاوى وعلى مبارك الذى خطط القاهرة الحديثة وأبناؤهم واحفادهم بنوا السد العالى وحركة التصنيع وحطموا خط بارليف وأعادوا بناء الجيش المصرى على أسس حديثة.

أولاد البعثات ومنهم طه حسين وغيره أناروا عقول المصريين بالمعرفة والعلم وعادوا للوطن لأنه كان يحتاج إليهم لإعادة بنائه وتعميره والاعتماد على أنفسهم فى التصنيع والبناء وليس الاستيراد من الإبرة إلى الصاروخ .

كنت أتمنى أن يحدث وصول المهندسخانة إلى المئوية الثالثة حالة فوران فى التعليم المصرى وان تستثمر المناسبة لعقد اجتماع جديد وتطوير التعليم المصرى بأكمله للجميع ولكن بما أن ذلك لم يحدث حتى الآن فالافضل فى المئوية الثالثة للتعليم المدنى الحديث أحلم بعودة محمد على الكبير فالقصة ليست فى مناسبة احتفالية وتمضى وانماً فى مشروع حقيقى للنهوض.